يؤمن محمد صلاح، على الرغم من كونه كفيفاً، بأنه ليس أقل – في المهارات – من أي شخص يبصر. فالشاب المصري متطوع في جمعية حماة اللغة العربية التي تهدف إلى نشر ثقافة التحدث بها بطريق سليمة، فضلاً عن أنه يقدم برنامجاً في إحدى إذاعات الإنترنت. لا تتوقف النشاطات التي يشارك فيها صلاح، كما لا تتوقف رغبته في اكتشاف جميع ما يحصل حوله وبالتفصيل. فهو يستخدم الإنترنت بمهارة عالية، وفي هاتفه تطبيقات عدة صنعت خصيصاً لضعاف النظر والمكفوفين. لكن، يتمنى صلاح مشاهدة اللوحات الفنية العالمية التي رسمتها أنامل فنانين من جميع أنحاء العالم، يتمنى أن يراها بنفسه من دون مساعدة شخص يصف له شكلها أو يحدثه عنها. ونعلم جميعاً أن لمس اللوحات في المعارض كلها ممنوع منعاً باتّاً. فكيف يمكن من فقد بصره أو كان ضعيف النظر أن يستمتع برؤية اللوحات، مستخدماً حاسة اللمس التي أثبتت الدراسات العلمية أنها تحفز القشرة الدماغية البصرية لدى كل إنسان؟ أخيراً، تحول حلم صلاح حقيقة، لكن للأسف خارج عالمنا العربي، فقد نجحت شركة أميركية مقرها نيويورك تدعى 3D Photoworks في أن تعيد نسخ أهم اللوحات الفنية العالمية بشكل علمي ليستمتع بها كل من فقد بصره. تعرفوا إلى الفكرة أكثر من خلال مشاهدة هذا الفيديو الفكرة ببساطة شديدة هي إقامة معارض فنية، تحوي لوحات بطريقة مركبة بالكامل، بمعنى أنها نُفّذت بطريقة خاصة، بالتالي يمكن المكفوفين لمس اللوحات بأنفسهم واكتشاف تفاصيلها والشعور بها، من دون أن يحرجهم شخص ما بجملة "لطفاً ممنوع اللمس" السخيفة. لا نتحدث هنا عن مجرد طباعة اللوحات بطريقة ثلاثية الأبعاد، بل عن طريقة علمية وفنية توفر للمكفوفين الإحساس بشكل لوحة أو صورة ما وتفاصيلها، وتساعدهم في تخيلها من طريق زيادة ردود الفعل التي تصل إلى الدماغ. يحصل ذلك من طريق تضمين تلك اللوحات والصور بأجهزة استشعار للأشعة تحت الحمراء في نقاط استراتيجية منها، بالتالي عند لمسها، فإنها تنشّط نقاطاً معينة في الدماغ يتم تعزيزها بتأثيرات صوتية تجعل الكفيف يدخل في صلب العمل الفني، وتوفر له المعلومات كلها التي يحتاج إليها لفهمه. يأتي هذا المشروع المهم كتطبيق عملي لدراسات كثيرة أجراها علماء، ومنها دراسة أثبتت أن كل من ولدوا من دون حاسة البصر قادرون على اكتشاف المعلومات من طريق اللمس بشكل أسرع من ذوي الرؤية العادية.
معارض فنية بها لوحات مركبة يمكن للمكفوفين لمسها بأنفسهم واكتشاف تفاصيلها والشعور بها
من ولدوا من دون حاسة البصر قادرون على اكتشاف المعلومات من طريق اللمس بشكل أسرع من ذوي الرؤية العاديةخلصت هذه الدراسة إلى أن المصابين بالعمى منذ الولادة أفضل من الذين أصيبوا بالعمى في وقت لاحق من حياتهم، وربما من المبصرين كافة. هذه الدراسة التي اطلع عليها رصيف22 كاملة، بيّنت أن حتى الذين فقدوا أبصارهم في وقت لاحق من حياتهم، يمكنهم تنمية مهارة اللمس بدرجة كبيرة حين يقررون فعل ذلك. وترى الدراسة أن الدماغ قادر على استخدام المعلومات الآتية من الجلد كما لو كانت آتية بوساطة العينين.
من هو مؤسس 3D Photoworks؟
أن تكون فناناً فهذا أمر عظيم! أما أن تكون فناناً ومهتماً بذوي الحاجات الخاصة فهذا أمر أعظم بكثير. والنوع الثاني هو بالضبط ما يمكننا أن نصف به المصور الصحافي جون ألسون الذي عمل، لسنوات طويلة، في مجال التصوير. بدأ ألسون عمله بتغطية حرب فيتنام، وأثبت تفوقه وحصل على جوائز عالمية عدة. في عام 2008، فكر المصور الذي يعيش في نيويورك في أنه من حق المكفوفين "مشاهدة" صوره أيضاً، فتوصل إلى مشروع 3D Photoworks. أمضى ألسون السنوات التالية لعام 2008 في إتقان عملية طباعة الأعمال الفنية المختلفة بالطريقة الثلاثية الأبعاد، وحصل على براءة اختراع في هذا الأمر. بدأت الفكرة تتخذ شكلاً عملياً حين قرر المتحف الكندي لحقوق الإنسان (مقره وينيبيغ) أن يقيم في عام 2016 معرضاً يحوي صوراً ثلاثية الأبعاد التقطها مصورون مكفوفون بأنفسهم. يهتم هذا المتحف المهم بصفة عامة بتقديم خدماته إلى الناس كافة من دون تمييز، لذلك يعرض نشاطاته كلها بطريقة تناسب أيضاً المكفوفين، حيث يتيح لهم التعرف إلى الاكتشافات والابتكارات العلمية بشكل مناسب لهم، وللأسف في عالمنا العربي لا توجد تجربة مشابهة! بعد المتحف الكندي، تحمست متاحف ومعارض أميركية كثيرة لفكرة ألسون. ومنذ ذلك الوقت، والمعارض الفنية تحوي صوراً ولوحات ثلاثية الأبعاد في أماكن عدة، ليس من ضمنها عالمنا العربي، حيث لم توجه أي دولة عربية دعوة إلى ألسون لإقامة معرض على أرضها حتى الآن، وهذا يظهر عدم اهتمام دولنا العربية، بمعظمها، بالأمر. يقول المصور البالغ 70 سنة، أن فكرته تهدف إلى خدمة حوالى 285 مليون شخص من المكفوفين وضعاف البصر في جميع أنحاء العالم، وأن إقامة معارض كهذه تهدف بشكل أساسي إلى تغيير الطريقة التي يرى بها كل من فقد بصره الفن والتصوير الفوتوغرافي. وبحسب إحصائية لمنظمة الصحة العالمية، فإن هناك حوالى 253 مليون نسمة ممن يعانون من ضعف البصر في جميع أنحاء العالم، منهم حوالى 36 مليون نسمة كُفّت أبصارهم تماماً وحوالى 217 مليون نسمة ضعفت رؤيتهم بشكل يتراوح بين إعاقة متوسطة وشديدة. تؤكد الإحصائية نفسها أن من يعانون من فقد أو ضعف البصر، بغالبيتهم، يعيشون في البلدان ذات الدخل المنحفض، وأن ما يعادل حوالى 81% منهم في الخمسين أو أكثر.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين