في الستينيات، كان استديو آندي وارهول، المعروف باسم "المصنع" (the factory)، مكاناً غير عادي سحر كثراً من الناس في نيويورك. فقد أنتج عشرات من نسخ صور علب حساء «كامبل»، ومجموعة من اللوحات عن مارلين مونرو، تكررت صورة الممثلة فيها مرات عدة، مع اختلاف ألوان كل صورة. أصبح وارهول إحدى الشخصيات الرائدة في تاريخ البوب آرت. وفن البوب هو تحويل العادي في حياتنا حالةً لها أثر عميق، لا يمكن نسيانها أو تجاهلها بعدما أصبحت جزءاً من ثقافة المكان. بدأ فن البوب أو الفن الشعبي حركةً فنية في النصف الثاني من القرن العشرين، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. كان ذلك في زمن انتعشت الدعاية والاستهلاك وازدادت في العالم الغربي، واعتنق وارهول فكر الإنتاج بكميات كبيرة، أو بالجملة، وهو ما يسمى بالثقافة الجماهيرية. وبرأي وارهول، يجب أن يكون الفن نتاجاً للاستهلاك المكثف، وأن يكون في متناول كل من يرغب في الحصول عليه. بمعنى آخر، احتضن وارهول النزعة الاستهلاكية في فنه، وقال أن الاستهلاك للجميع. وفي إطار الحفاظ على تراث وارهول، استضافت دبي معرضاً بعنوان "رسائل إلى آندي وارهول" اعتبر آخر محطة لجولته لعام 2017. وهذه المرة الثانية التي يغادر فيها هذا المعرض موطنه في الولايات المتحدة الأميركية. من أهم ما يعرضه "رسائل إلى آندي وارهول"، خمس رسائل تبادلها مع إيف سان لوران، ميك جاغر، متحف الفن الحديث، إدارة ولاية نيويورك للأشغال العامة، وصديق مشترك بينه وبين ترومان كابوتي، مقدمة لنا لمحة عن تجارب وارهول وعلاقاته الشخصية. يقول باتريك مور، مدير متحف آندي وارهول وأمين معرض "رسائل إلى آندي وارهول" لرصيف22، أن الثقافة هي الشيء الوحيد الذى يمكن أن يتجاوز الحدود الرسمية المرسومة على الخرائط. ويضيف: "بينما تُغلَق الحدود بين بلاد كثيرة في العالم في الفترة الراهنة، تبقى حدود الثقافة مفتوحة، ولا أحد يجبرنا على إغلاقها".
الفنانو العرب والاستهلاك…
اليوم، وبعد الربيع العربي، اضطر كثر من فناني العالم العربي إلى مغادرة أوطانهم. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أصبحت لدى كثر منهم قصص عدة يرغبون في البوح بها والتعبير عنها، مع حصولهم على مساحات حرية جديدة وجدوها في مجتمعاتهم الجديدة التي تتمتع بوافر من الديموقراطية المفقودة في دول عربية كثيرة. فيما يخلق آخرون مساحات ومنصات آمنة في مجتمعاتهم العربية نفسها، ولما يختاروا الهجرة. هنا، وجد فنانون عرب أنفسهم في حالة تدفق فني غزير، وأصبح هناك إنتاج ضخم، قد يراه البعض استهلاكياً في حالات كثيرة. وارهول لم يتوقّع أن تدوم شهرته، ورفض أن يكون فنه للنخب فقط، لذلك استمر في بذل مزيد من الجهد وأنتج الكثير من الأعمال، فاقترن اسمه بالاستهلاك والانتاج. تبنى وارهول الثقافة الاستهلاكية، مصرّاً على وجودها في الطبقات الاجتماعية الأخرى، مع ذلك لازمه إحساس بعدم الارتياح، لأن رؤية ثقافة مبهرجة واعتبارها منفتحة على جميع الطبقات الاجتماعية هي أمر غير معتاد وغالباً ما تكون هدّامة. أدرك الفنانون العرب الشيء نفسه. فلفترة طويلة من الزمن، كان الفن يقتصر على النخب، ولكن في الوقت الحالي، ومن مراكش إلى القاهرة وحتى إلى السعودية ودول الخليج ، يعبّر الفنانون عن أنفسهم في الشوارع، فلطالما كان للبوب آرت جانب معقد يساعد المجتمعات في بدء حوار حول المواضيع التي يتناولها. يقول مور في عالم وارهول، نرى أناساً من الشارع يختلطون بنخبة المجتمع، وهذا ما جعل أعماله مثيرة جداً للاهتمام، لأن في الثقافة السائدة حالياً تقتصر البهرجة على من يستطيعون تحمل كلفتها.تخليد لحظة من الزمن…
يؤمن مور بأنه يمكن الفنانين لعب دور مهم في العالم العربي من خلال بناء قنوات للتواصل مع الناس، بدلاً من تركهم لعالم الفن والقيام بجهود أخرى، موضحاً أنه يمكن الفنانين أيضاً اقتناص لحظات وتخليدها في التاريخ لا يمكن أحداً غيرهم تخليدها. وقد خلد وارهول لحظة من الزمن عن النزعة الاستهلاكية لا يزال صداها يتردد. ولا يمكن أحداً أن ينكر أن عهد وارهول في الستينيات هو مصدر إلهام للفنون حتى الآن، بما في ذلك الفن العربي الذي شهد طفرة في البوب آرت. يتطرق مور إلى الأنماط المتكررة في أعمال وارهول، والتي يعتقد أنها تحتوي على كثير من المعاني. كان وارهول يتلاعب بالتكرار في لوحاته ليعكس الطريقة التي نرى من خلالها السلع المكدسة مكررة على الرفوف في المتاجر. ويقول مور أننا غالباً ما نرى استخدام وارهول التكرار جميلاً. يوضح مور أن رؤيتنا صور المآسي التي تحدث بشكل متكرر جعلتها معتادة، بدلاً من أن تكون مفجعة لذلك، فإن الاستهلاك هو محور الحياة الآن. "إذا أراد الناس معرفة سبب شرائهم حاجات لا داعي لها مع جميع الحوادث المروعة حولنا، فيجب أن ننظر إلى الاستهلاكية باعتبارها مصدراً لتلك الأمور ومناقشتها سواء أردنا ذلك أم لم نرد". هناك من يرى ورهول عبقرياً، وآخرون يعتبرونه مجرد مخرج ممتاز، أو مصمم أزياء موهوباً. أما مور فيؤمن بأنه إذا أقمنا متحفاً لدراسات البوب آرت، فسوف تتصدره القضايا نفسها التي تكلّم عنها وارهول.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...