شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!

"سامح تؤجر"... تجار في غزة يبادرون إلى تمزيق دفاتر الديون لمساعدة جيرانهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الأربعاء 17 يناير 201812:02 م
رغم الانهيار الاقتصادي الكبير في قطاع غزة، وتدهور الحالة الإنسانية، وعجر السلطة عن توفير احتياجات الناس، يحاول بعض المواطنين إطلاق مبادرات فردية تحل بعضاً من مشاكل أبناء القطاع المحاصَر، في مسعى شعبي يؤكد على الشعور بالتضامن. وفي هذا السياق أتت حملة "سامح تؤجر" التي أطلقها أبناء المخيمات الفلسطينية. فكرة هذه الحملة هي إعفاء الدائن لمديونيه الذين تراكمت عليهم ديون عجزوا عن سدادها، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة في القطاع. وتتم أغلب المعاملات في غزة بالديون، سواء أكان المواطن يشتري مهراً لعروس أو ثياباً أو حتى بحال أراد قص شعره، خاصة مؤخراً في ظل انقطاع الرواتب الحكومية نتيجة عجز خزينة السلطة الفلسطينية عن ذلك والإفلاس التي تعانيه حكومة حماس، وبسبب استمرار آثار الدمار الذي خلفته الاعتداءات الإسرائيلية على غزة خلال السنوات العشر الأخيرة، وكانت نتيجتها عجز مئات الآلاف من أبناء القطاع عن إعادة إعمار بيوتهم.

مبادرة شعبية

أطلق هذه المبادرة تاجر الأحذية أسامة أبو دلال، أحد أبناء مخيم النصيرات وسط القطاع، حين أعلن عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنه سامح كل مَن له دين عليه. وأوضح أبو دلال لرصيف22 أن "هذه الخطوة جاءت تماشياً مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعانيها شعبنا بغزة، وخاصة أبناء المخيم الذي أسكن فيه"، مضيفاً: "لست مستعداً لأن أكون غنياً في وقت لا يجد ابن مخيمي قوت يومه أو يتعرض للسجن بسبب مبالغ مالية بسيطة". ورفض تاجر الأحذية الكشف عن المبالغ المالية التي سامح بها زبائنه، إلا أنه لفت إلى أن شخصين من زبائنه تراكمت عليهما ديون بقيمة 3000 دولار، وهؤلاء جزء من نحو 100 شخص، أغلبهم اضطروا للاستدانة لشراء بضائع ضرورية لحفلات زفاف وأعراس وأعياد مختلفة. السيد سلامة البريج هو أحد الذين كانوا مدينين لأبو دلال، أوضح لرصيف22 أن هذه الخطوة وفّرت عليه وعلى أسرته التي يعيلها 250 دولاراً أمريكياً، في ظل انعدام توفر مقومات الحياة عنده جراء انقطاع راتبه لعدة شهور من قبل حكومة غزة. أبو حسام أيضاً تحرّر من دين بقيمة 700 دولار. وأوضح لرصيف22 أن هذه الخطوة أتت في وقت يتعرّض لمحاكم بسبب ديون أخرى لأفراد آخرين بقيمة لا تتجاوز 400 دولار، وهو مبلغ يحاول جاهداً أن يسده منذ عام ونصف العام إلا أنه عجز عن ذلك نتيجة انعدام توفر فرص العمل. وتبع السيد أبو دلال بهذه الخطوة تاجر مستلزمات إطارات السيارات محمد هاني المصري من بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، الذي سامح زبائنه بديون تصل قيمتها إلى 10 آلاف دولار. كما تبعته خمسة مكاتب للمحاماة، ثم عبد الرحمن حمد، صاحب محل للعطور، وصيدليات ومحلات وبقالات قام أصحابها بتمزيق دفاتر الديون التي يحتفظون بها. وأكد الناطق باسم الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة أيمن البطنيجي لرصيف22 أن الأشخاص الذين صدرت بحقهم مذكرات اعتقال على ذمة الديون المتراكمة خلال عام 2017 بلغ نحو 61 ألف شخص، لافتاً إلى أن بعضها ديون بسيطة. ووصلت هذه الحملة إلى المهور، إذ بدأ عدة أشخاص بمسامحة أنسابهم بالمهور وأبدوا استعدادهم لكسوة بناتهم وتجهيزهنّ على حسابهم. وتشجع كثيرون لمساعدة آخرين بكل ما أوتي لهم، وقام أكثر من شخص بعرض التبرّع مجاناً بإحدى كليتيه، مثل السيدين رامي الناجي ويوسف الغزاوي.
إعفاء من ديون وتبرّع بكلى.. يحاول بعض أبناء غزة إطلاق مبادرات فردية تحل بعض مشاكل سكّان القطاع المحاصَر
حملة "سامح تؤجر"... تاجر من غزة: لست مستعداً لأن أكون غنياً في وقت لا يجد ابن مخيمي قوت يومه أو يتعرض للسجن بسبب مبالغ مالية قليلة

إحساس بالمسؤولية

أوضح رامي الناجي لرصيف22 أن ما دفعه إلى اتخاذ قراره هو إحساسه بقدر من المسؤولية، خاصةً أن مشافي غزة تمتلئ بمرضى الفشل الكلوي في وقت لا تتوفر العلاجات اللازمة لهم في غزة ولا فرص العلاج خارج الوطن. وأشار إلى أنه تلقى أكثر من 400 اتصال من غزيين بحاجة إلى كلى خلال 48 ساعة من إعلانه قراره، كما تلقى اتصالات أخرى من مقيمين في دول خليجية عرضوا عليه مبالغ كبيرة نظير كليته، لكنه رأى أن معالجة أبناء وطنه بالمجان أولى. والتقى رصيف22 بالناجي أثناء وجوده في مشفى الشفاء المركزي في غزة لإجراء فحوص فصيلة دمه وأنسجته من أجل تحديد مَن تنطبق عليه شروط التبرع لاختيار المستفيد، علماً أن العملية ستجري خارج غزة كون القانون الفلسطيني يمنع التبرّع بكلية لشخص خارج القرابة من الدرجة الأولى.

ظروف صعبة

قال الناطق باسم وزارة الصحة في غزة الدكتور أشرف القدرة لرصيف22: "يبلغ عدد مرضى الفشل الكلوي في مستشفيات قطاع غزة حوالي 702، فيما فارق بعض المرضى الحياة نتيجة عدم توفر علاجات لهم". وأوضح أن قطاع الصحة في القطاع بحاجة إلى أجهزة حديثة مختصة بمرضى الكلى إذ يتم منع دخول مثل هذه الأجهزة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، فيما التحدي الأكبر هو انقطاع الأجهزة القديمة عن العمل بشكل مفاجئ نتيجة انقطاع تيار الكهرباء بشكل متكرر. وأوضح رئيس العلاقات العامة والإعلام في الغرفة التجارية التابعة لوزارة الاقتصاد ماهر الطباع أن التجار الذين بادروا إلى إطلاق حملة "سامح تؤجر" ليسوا من طبقات التجار أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة ولا المتوسطة، لأن الغرفة التجارية تسجّل في سجلاتها التجار الكبار على مستوى قطاع غزة، وهذا يعني أن المبادرين إلى هذه الحملة هم تجار على مستوى الحي أو المنطقة التي يقطنونها ومن الفئات الشعبية، الأمر الذين أثار إعجاب الكثيرين من الفلسطينيين. وأشار إلى أن هذه خطوة جيدة في الوقت الذي سجّلت فيه مؤسسات القطاعات الإنتاجية والخدماتية وكافة ممتلكات الشعب الفلسطيني في غزة خسائر تصل إلى أكثر من 15 مليار دولار خلال السنوات العشر الأخيرة، جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على القطاع. وتلزم وزارة الاقتصاد في غزة أصحاب المحلات العادية بضرائب وتراخيص مختلفة ترهق التجار، كترخيص اللافتة سواء وجدت أم لا، وترخيص ميزان، وترخيص نظافة ودفاع مدني وكهرباء وغيرها. ولفت الطباع إلى أن هؤلاء التجار لا يتلقون أية خدمات مقابل هذه التراخيص جراء ضعف المقومات الحكومية. وأشار إلى أن ما يقارب 25 ألف أسرة تعيش بلا مأوى حتى الآن، فيما وصلت نسبة الفقر المدقع في القطاع إلى 67%، وهي الثالثة عربياً، ونسبة العاطلين عن العمل إلى 65%، وهي الأعلى عالمياً.

حراك شعبي

في مسعى من الشباب للحد من هذه المشاكل، انفجرت موجة حراك شعبي في وجه طرفي الانقسام، فتح وحماس. وسيشهد القطاع إضراباً تجارياً عاماً يوم الثلاثاء تنديداً بتردي الأحوال المعيشية والإنسانية، فيما يبقى الحراك الأهم والأضخم يوم الخميس المقبل، في مخيم جباليا شمال القطاع، والذي يشتهر بتصدير الثورات والهبات، وخاصةً أن الانتفاضة الشعبية الأولى اندلعت منه، وسمّاه الرئيس الراحل ياسر عرفات مخيم الثورة خلال إعلانه وثيقة الاستقلال من الجزائر عام 1988. وقال الناشط الشبابي عامر بعلوشة، أحد أهم مطلقي هذا الحراك، إن الانفجار بدأ على خلفية الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعانيها أبناء الشعب الفلسطيني في غزة في ظل تعنّت طرفي الانقسام واستمرار خلافاتهما، وهو ما ينعكس على الشباب الذين يضيع مستقبلهم "حتى أصبحوا يفكرون بالمعونات أكثر من تفكيرهم بحق العودة". في هذه الظروف أتت حملة "سامح تؤجر" التي تهدف إلى إخراج غزة من مرحلة ما تحت الصفر إلى مرحلة الصفر، في وقت سجّلت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أكثر من 1.3 مليون فلسطيني بغزة وصلوا إلى مرحلة الفقر المدقع ويحتاجون إلى مساعدات، من أصل مليونين، كما أوضح رئيس عمليات الأونروا السيد ماتياس شمالي لرصيف22. وشجعت هذه الحملة الفلسطينيين المغتربين. وأعلن تجمع الأطباء الفلسطينيين في بولندا عن فرصة لاستقدام بعض مرضى الأورام السرطانية إلى مستشفيات بولندا، على حساب التجمع، كما أوضح الدكتور وليد أبو معمر.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image