في فلسطين، انطلقت فرقة ديار للمسرح الراقص، باعثة من شوارع بيت لحم قصصاً وحكايات جديرة بأن نقف أمامها لنتأمل في مسيرة مناضلين راقصين، ونتعرف على أحد مظاهر النضال الفلسطيني السلمي.
"أسامة الجابري" مؤسس الفرقة، تحدث لرصيف22 عن حكاية فرقته وكيف نجحت في البقاء وفرض اسمها على الساحة الدولية برغم ما تواجهه من قمع ومضايقات من سلطات الاحتلال.
كيف كانت بداية الفرقة؟
بيت لحم ملأى بالمواهب في جميع المجالات، ولأننا يد واحدة وقلب واحد، اتفقت ومجموعة من الفنانين على تكوين فرقة متخصصة في "الدبكة"، وبعد فترة قررنا تطويرها وتوسيع نشاطها، فضممنا إليها فنانين من أصحاب الخبرات في الرقص الحديث والغناء والتمثيل المسرحي، واخترنا للفرقة اسم مسرح "ديار" تعبيراً عن حبنا لفلسطين.
كيف تعاطيتم مع قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل؟
بدأنا نحضّر لتجربة جديدة تتحدث عن هذه الخطوة، ومن خلالها سنعمل على تحريض الشعب الفلسطيني على مقاومة هذا القرار، وعدم العودة من الشوارع لحين التراجع عنه، وسوف نتجول بالعرض في أكبر عدد من الأماكن حتى تصل الرسالة إلى الجميع.
كما اتفقنا على تقديم العرض في جولتنا الأوروبية المقبلة، وقد اخترنا له اسم "مقاومة مشروعة".
حدّثنا عن كيفية التحضير لعروضكم.
نحرص دوماً على تنظيم ورش حكي وتمثيل وأداء ورقص لكل أعضاء الفرقة، وفي بداية أي تجربة، نجتمع لتحديد الأفكار التي سنعمل عليها، وبعد الاتفاق على تفاصيل الفكرة والمدة المحددة لتنفيذها، يبدأ "الكريوغرافير" في تدريبات الرقص، فيما نعمل في الوقت نفسه على الانتهاء من ألحان الأغاني التي سنضمها للعمل.
وفي أغلب الأحيان، نعمل على تراثنا الفلسطيني الذي يسعى العدو لتدميره، فنكون حفَظَته في تلك التجارب. بعد ذلك، تبدأ بروفات الحركة ثم البروفات التي يتم خلالها مزج الرقص مع الغناء والحركة، وبعد أن نرى أن التجربة أصبحت جاهزة للعرض نحدد موعد خروجها للنور.
نلاحظ حرصكم على مشاركة الأطفال في الفرقة على غير عادة أغلب فرق الرقص الحديث؟
لفرقة مسرح "ديار" رسالة مهمة، ونحن نريد توصيلها إلى جميع الأعمار. كما أننا نبحث عن توريث أفكار الفريق إلى الصغار لأنهم سيحملون الراية من بعدنا.
ونحن لا نريد أن تقل حماستهم كي يبقوا في مقدمة صفوف المقاومة والدفاع عن حقوق بلادنا بسلاحنا. وهو الفن.
ولدينا عدد كبير من الراقصين تراوح أعمارهم بين 6 سنوات و35 سنة.
هل تجدون صدى لما تقدمونه؟
طبعا، وهو صدى كبير لدرجة أن عروضنا "كاملة العدد"، كما أن هناك أعداداً كبيرة من الجمهور طلبت منا بعد العروض الالتحاق بالفرقة، لأنهم يرون في ما نقدم رسالة فنية ضد العدو.
هل صحيح أن الجميع يعملون في الفريق بلا مقابل؟
نعم، فقد تجمعنا على حب الفن والوطن ومن يجتمع عليهما لا ينتظر أي مال. نحن تجمع شبابي فني ثقافي يهدف للتعبير عن الهوية الفلسطينية بطرق فنية إبداعية معاصرة، ويتألف الفريق من 80 راقصاً وراقصة يخضعون لبرنامج تدريبي مكثف يمزج بين الدبكة الشعبية والرقص المعاصر بقالب مسرحي غنائي راقص، وجميعهم هواة، فمنهم طبيب الأسنان والمعلمة والإعلاميون والموظفون.
وماذا عن مصادر التمويل؟
كان تمويل الفرقة ذاتياً في البداية، وبعد النجاح الكبير الذي حققناه على الساحتين العربية والدولية، نجحنا في توقيع اتفاقات تمويل مع مؤسات إنتاج مسرحي وهيئات مانحة محلية وأجنبية.
هل تفرض تلك المؤسسات عليكم أي نوع من الشروط كعدم التطرق إلى قضايا بعينها في عروضكم؟
لا. فنحن أصحاب القرار في ما نُقدم، وإذا حدث ووجدنا شروطاً فسنرفض التعاون لأننا أصحاب مبدأ.
نذهب إلى السؤال الأهم، وهو كيف تواجهون الاحتلال الإسرائيلي بالفن؟
منذ أن أصبح لنا صوت نافذ في المجتمع ونحن نتعرض لمضايقات وحصار من سلطة الاحتلال، على أمل حل الفرقة أو تقييدها على أقل تقدير، غير أننا فطنا منذ زمن بعيد إلى هدف السلطة المُغتصِبة الرامي إلى احتلال العقل، فرحنا نحرض في أعمالنا على المقاومة وفضح الممارسات الإسرائيلية المهينة، عبر منحى إنساني بعيد عن الشعارات المكررة، والتي لم ترتقِ يوماً لتطلعات المواطن الفلسطيني.
هل يكفي الرقص لمواجهة الاحتلال؟
نحن مؤمنون بأن لكل منا رسالة ووظيفة، فهناك الجندي المقاتل على الجبهة، وهناك افي المصنع العامل الذي يبذل قصاره جهده لنحقق نهضة صناعية، بينما نحن لا نملك سوى الكلمة والتأثير بالفن في محيطنا، ثم لاحظوا أننا لا نقدم عرضاً إلا وفيه جرعة كبيرة من السياسة لحث الناس على عدم نسيان القضية والجهاد من أجلها.
ألا توجهون رسائل مباشرة للعدو؟
نوجّه رسائل قوية له بطريقة غير مباشرة، مفادها أننا صامدون مهما تعرضنا لمشاكل ومضايقات، وأننا نموذج مصغر من الشارع الذي يأبى أن يترك حقه في الأرض المنهوبة، وسنظل على صمودنا.
ما أبرز التجارب التي عبّرت عن أفكار الفرقة وضيّقت عليها إسرائيل؟
جميع أعمالنا واجهت مضايقات، غير أن هناك بعض التجارب التي شهدت حصاراً أكثر من غيرها، مثل عرض "لوحات خائفة " الذي دار حول الصعوبات التي يواجهها المواطن الفلسطيني حين يختار أن يكون الفن ملاذه وأمانه وعشقه وعمله، كما يتطرق العرض إلى شعور هذا المواطن بالاغتراب داخل وطنه وكثرة الضغوط والصعوبات التي تُلقى على عاتقه.
وكذلك عرض "خارج المكان" الذي يتحدث عن حكاية شعب اعتاد مواجهة المحنة تلو الأخرى، كالتهجير القسري إلى عوالم مختلفة والمنفى والانتفاضات...
يبقى الإنسان وسط كل هذا باحثاً عن حريته في زمن يطغى الاحتلال من جهة وثقافة الاستهلاك وتكاثر التعصب الفكري من جهة أخرى.
أخبرنا عن الجولة الأوروبية التي تجهزون لها الآن.
يحاول مسرح ديار دائماً البحث عن أي فرصة للمشاركة في المحافل الدولية ليقينه بأنه يحمل مسؤولية إيصال الصوت الفلسطيني إلى شعوب العالم، وبإيمانه بفوائد الاحتكاك مع الفرق المتنوعة، وأهمها اكتساب الخبرات التي من شأنها رفع مستوى الفرقة.
ما الرسائل التي تودون إيصالها للعالم من خلال تجاربكم؟
نحن نمثل الشارع الفلسطيني، ولن نمل يوماً من المطالبة بحقوقنا في التحرر. كما نود أن نؤكد للعالم أننا قادرون على طي الخلافات الداخلية والوقوف في صف واحد لإنهاء معاناة آخر شعوب الأرض في القرن الواحد والعشرين، وهو تحت الاحتلال. ونحن متمسكون بخيار الفن وسيلةً للمقاومة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...