نجح مسلسل "سابع جار" (إنتاج عام 2017) الذي تعرضه حالياً فضائية "سي بي سي" دراما المصرية الخاصة، في جذب انتباه نسبة غير قليلة من الجمهور المصري والعربي. أعطت الحلقة الأولى من المسلسل الذي تدور معظم حوادثه داخل بناية سكنية، ويتناول علاقات الجيران وحكاياتهم الإنسانية، انطباعاً بأنه مسلسل يغلفه الحنين ويعبر عن طيبة المصريين وبساطتهم، قبل أن تتطور بقية الحلقات وتكشف أسراراً - اعتبرها البعض صادمة - تحدث داخل الغرف المغلقة. من ضمن هذه الحوادث، علاقات جنسية بين أفراد غير متزوجين رسمياً، ترويج للمخدرات وتعاطيها، خيانات زوجية، وغيرها حولت المسلسل الهادئ عالماً متكاملاً من العلاقات الإنسانية بحلوها ومرها، بساطتها وتعقيداتها. البطل في "سابع جار" إلى جانب الأشخاص وحكاياتهم هو المكان، فالبناية التي يعيش فيها أبطال المسلسل ليست مجرد شقق جامدة، بل هي كائن حي شاهد على أسرار الجيران، ومعظمهم من الطبقة المتوسطة. لكل أسرة في المسلسل مشكلاتها النفسية والاجتماعية، تداريها أبواب الشقق ولا تعرفها بقية الجيران، كأن الحوائط والأبواب هنا ستر وغطاء على الجميع، لكنها تراقب كل شيء بصمت. المسلسل من بطولة دلال عبدالعزيز، شيرين، نيقولا معوض، هيدي كرم، أسامة عباس، هاني عادل، صفاء جلال وغيرهم من عشرات الممثلين الذي أظهرهم المسلسل بشكل جديد تماماً وهو ما يحسب لفريق الإخراج. "سابع جار" لمخرجات ثلاث، وهو تجربة جديدة من نوعها، هنّ: آيتن أمين، نادين خان وهبة يسري. شارك في كتابته فريق على قمة هرمه المخرجة يسري التي كتبت القصة والسيناريو والحوار وشاركها أفراد آخرون في إعداد الحلقات وكتابتها. تقول نادين خان إحدى مخرجات العمل أن الفريق لم يتوقع ابداً كل هذا النجاح للمسلسل، خصوصاً أنه لم يعرض في رمضان، وهو الشهر الذي صار موسماً للمسلسلات التلفزيوينة. وتضيف لرصيف22، أن أكثر ما جذبها إلى خوض تجربة العمل في المسلسل، هو القصة غير التقليدية التي تعبر عن المجتمع من دون تزييف أو تجميل، معتبرة أن فكرة ثلاث مخرجات سينفذن العمل كانت تحدياً آخر جذبها إلى المشاركة فيه. "توقعنا أن يحقق المسلسل نجاحاً عادياً مثلما يحصل للمسلسلات التي تعرض في غير رمضان، لكن رد فعل الناس واهتمامهم بمشاهدته والحديث عنه على وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الشكل أمور لم نتوقعها"، تقول خان. بحسب المخرجة الشابة، فإن نجاح العمل يثبت أن العمل الفني الجيد، المشغول جيداً، قادر على جذب الناس في أي وقت يعرض.
إعجاب ثم هجوم
يعبّر المسلسل عن المصريين بكل تنوعاتهم، الفاسد والصالح، الخائن والمخلص، المتصالح مع نفسه والمليء بالعقد والمشكلات النفسية، وكل شخصية أظهرت عمقاً بتفاصيل مدهشة، بعيداً من السطحية التي تُنفّذ بها أعمال فنية عدة. على وسائل التواصل الاجتماعي، حقق "سابع جار" ردود فعل كثيرة مُذ عُرضت الحلقة الأولى. لكن الإعجاب الشديد بالمسلسل تحول هجوماً من بعض المشاهدين، حين بدأت الحلقات مناقشة مواضيع اعتبرها هؤلاء صادمة، وأخذ آخرون يقولون أن المسلسل يدس السم في العسل، ويروج لأفكار جريئة. وصل الأمر ببعضهم إلى الحديث عن نظرية مؤامرة واتهام العمل بتشويه المجتمع لأهداف غير معلنة. "أشعر بريبة شديدة تجاه الأفكار التي يروجها هذا المسلسل"، تقول مستخدمة على فايسبوك. من مشاهد المسلسل التي أثارت جدالاً كبيراً على وسائل التواصل الاجتماعي، يأتي في المقدمة مشهد "هالة" وهي تخبر زوجها "علي" بعد زفافهما مباشرة بأنها لم تنم مع رجل قبل الزواج به، وبأنها لا زالت عذراء، فتعجب من ذلك، معتبراً أن جرأتها وقوة شخصيتها جعلتاه يظن قبل أن يتزوجها أن لها علاقات جنسية سابقة. وتساءل مستخدمون آخرون عن المشهد بتعجب: هل من الطبيعي أن تكون للفتيات علاقات جنسية قبل الزواج؟ واستغرب آخرون فكرة أن الزوج كان يظن أن لعروسه علاقات جنسية قبل الزواج به، ومع ذلك تزوجها. من المشاهد الأخرى التي أخذت نصيبها من الجدال، مشهد وجود الفتاة المراهقة هبة مع جارها المتزوج طارق في سيارته وتعاطيهما معاً حشيشة الكيف، وحديثها معه عن الرجل الذي تحلم به. كان سبب الهجوم على المشهد، "عرض هذه المشاهد الجريئة في مسلسل عائلي يفترض أنه موجّه إلى أفراد الأسرة كافة"، وفق تعبير أحد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. لكن، في المقابل دافع كثر عن المسلسل باعتباره يعرض الحقيقة وما يحدث في حياتنا حتى لو كان البعض "مصمماً على دفن رأسه في الرمال"، بحسب ما كتبته مستخدمة مصرية. بحسب آخرين أيضاً، فإن المسلسل نجح في أن يقدم المجتمعات العربية بجميع تناقضاتها وتبايناتها، فلا وجود للمثالية على أرض الواقع، وكل شيء قد يحدث بالفعل داخل البيوت حتى لو رفض البعض الاعتراف بذلك."دس السم في العسل"؟
الحديث عن "دس السم في العسل" جعل الممثل محمود البزاوي أحد أبطال المسلسل، يصرح لوسائل الإعلام بأن التعامل مع الفن بهذا المنطق هو الذي يجعلنا مجتمعات متأخرة. يقول البزاوي أن الانتقادات لمسلسل "سابع جار"، ليست سوى "كلام فارغ"، مؤكداً أنّ من الطبيعي أن تناقش الدراما قضايا حساسة جداً في المجتمع. يشير الممثل المصري إلى أننا نجمّل الواقع أكثر من اللازم، بينما في دواخلنا أمور كثيرة لا نستطيع التعبير عنها، وحين تأتي الفرصة لذلك، يعتبر البعض ذلك عيباً. "اللي جايبنا ورا إننا مش عارفين نواجه نفسنا وننتقدها، إحنا مهزوزين، وحياتنا الاجتماعية مليانة كوارث لو سلطنا الضوء عليها هيقولوا علينا كفرة... فالمجتمع ينقصه وعي عام"، يقول البزاوي. أزمة "سابع جار" أن صنّاعه أرادوا تقديم عمل فني واقعي يتناول الأسرار كلّها التي تحدث داخل البيوت بعيداً من التجميل، بينما يصر بعض أفراد المجتمع على أن كل شيء في مجتمعاتنا على ما يرام.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 11 ساعةرائع
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.