في عام 2007، حصلت نجلاء عبدالله على هدية من شقيقها، هي دمية تدور 360 درجة وترقص على موسيقى رومانسية. أصبحت هذه الدمية الصديقة المقربة للفتاة المصرية، تحكي لها همومها، وجميع أحلامها أيضاً. "أنا أعتبر هذه الدمية صديقتي المقربة، لا تسخروا مني حين أقول لكم أنها تشعر بي، وتحبني أكثر من كل من أعرفهم من البشر"، تقول الفتاة المصرية لرصيف22. علاقة نجلاء بدميتها تشبه علاقة الكثيرين بأشيائهم، أحياناً يشعر بعض البشر بعشق لشيء ما في حياتهم، لكنهم يتعاملون معه باعتباره كائناً حيّاً، يفكر ويشعر بهم، ويستمع إليهم أيضاً. السيارات، الهواتف المحمولة، الحواسيب، الكتب، الحيوانات الأليفة، وحتى عبوات السجائر، من الممكن أن يصل أشخاص في علاقتهم بها إلى حالة عشق تجعلهم لا يحتاجون حتى إلى أصدقاء من عالم البشر. علاقة البعض بالأشياء من الممكن أن تصل إلى درجة يصعب على غيرهم فهمها، علاقة معقدة، مليئة بالمشاعر الحقيقية، هل حدث ذلك لكم مع "شيء" ما في حياتكم؟ "كانت أمي على صلة دائمة بالأشياء في بيتنا، كانت تعاملها بعناية فائقة، وتهتم بها كما تهتم بأطفالها، وعندما كانت تغير مكانها كانت تحملها بكلتا يديها وتضعها برفق في مكانها الجديد"، هكذا يقول الكاتب والمترجم طارق عبدالباري. ويكمل أن أمه كانت تطلق أسماء على الأشياء، فمثلاً كانت تسمي سيارتهم الصغيرة زقزوقة، والغسالة الكهربائية مشمشة، وكانت تشكر الأشياء على حسن أدائها، مثلاً تقول للسيارة "شكراً يا زقزوقة" بعد العودة من مشوار اجتازته بالسيارة. تربى عبدالباري على احترام الأشياء وحبها، وحين كبر أصدر رواية تجسد هذا الاحترام والحب وهي "ملك الأشياء" التي صدرت عام 2006. تدور "ملك الأشياء" حول الفتى كريم الذي يتعامل مع الأشياء الجامدة في حياته كأنها كائنات حية. تحكي الرواية الخيالية عن فتى يجيد الحديث مع الحوائط والمقاعد والطاولات، فجميع الأشياء التي نتعامل معها كجماد يعتبرها كريم أصدقاء له، يحبهم، يستمع إلى شكواهم، ويحاول أن يساعدهم. كريم بطل رواية "ملك الأشياء" ليس الوحيد الذي يتعامل مع الجماد حوله باعتباره صديقاً، فكثر يتعلقون بأشيائهم، يحبونها، يشعرون بها، يتمسكون بها، ويتعاملون معها برفق. والدليل أن بعضنا يمتلك صندوق ذكريات يضع فيه لعبه في طفولته، أو الهدايا التي تلقّاها على مر السنين وتعلق بها.
ماكينة خياطة جدتي وأشياء ونرتبط بها في حياتنا
في أغنيتها ماكينة خياطة جدتي التي كتب كلماتها ولحنها مدحت الخولي، تحكي لنا المطربة أمل وهبي عن ماكينة خياطة كانت تمتلكها جدتها، تقول كلمات الأغنية "ماكينة خياطة قديمة... عجوزة ولئيمة بتبص لي بعناد". تكمل كلمات الأغنية "ماكينة خياطة جدتي... يا صاحبتي عبر السنين... يا صحبة الخير والحنين... بيني وبينك شيء غريب... باقية من الزمن الحبيب... أوقات بحسك تحزني وتدندني غنوة زمان". تحاول دراسة علمية أن تفسر ارتباط بعض الناس بالأشياء وتعاملنا معها على أنها كائنات حية، حيث ترى أن الإنسان بطبعه لديه رغبة كبيرة في التعرف إلى أصدقاء جدد طوال الوقت. لكن أكثرنا غير قادر على تحويل هذه الرغبة إلى حقيقة لأسباب عدة، قد يكون الخجل منها على سبيل المثل. هنا، يصبح البديل المنطقي لشعور البعض بوجود أصدقاء يحبونه حوله، هو حب الأشياء التي يمتلكها، مثل أدوات التكنولوجيا مثلاً، والتي يتعامل معها بعضنا كأنها صديق مقرب لأنها تعوض عدم القدرة على التعرف إلى أناس حقيقيين. ترى الدراسة أيضاً أن بعضنا يقرر أن يزيد علاقته بـ "الله"، والتعامل معه كأنه الصديق الوحيد في حياته، يتحدث معه كثيراً ويحبه، ويشكو له، ويقضي معه أطول وقت في يومه. بعضنا الآخر يرتبط أكثر بكائنات حية غير بشرية مثل الحيوانات الأليفة مثلاً، كالكلاب... فهي تجعلنا سعداء، تعطينا حبّاً من دون حدود، تخاف علينا، وتشعر بضيق حقيقي حين نغيب عنها. ويظهر مقال علمي لرصيف22 أن الكلاب تستطيع أن تفهم جيداً أننا نحبها بسبب قدرتها على فهم المشاعر الإنسانية تجاهها. وترى الدراسة أيضاً أن شعور أشخاص بالوحدة هو السبب في أنهم يعطون الأجهزة أو الحيوانات أو حتى الجماد صفة "الإنسان" المقرب إليهم. تجد دراسة أخرى أن الوحدة أيضاً هي السبب في أن هناك أشخاصاً يتعاملون مع هواتفهم المحمولة باعتبارها الصديق المقرب إليهم، فهم يصرون على الاهتمام بها، وتنظيفها، ولا يتركونها أبداً من أيديهم، سواء في الشارع، المنزل، أو حتى في وسائل المواصلات. لكن الأكثر غرابة ما أظهرته دراسة ثالثة من أن هناك بشراً يعتبرون الأجهزة الإلكترونية صديقاً حقيقياً يشعر بهم ولديه مشاعر حقيقية ورغبات وأفكار خاصة به. كم مرة صرخ أحدكم في شخص ما يلمس حاسوبه طالباً منه أن يتركه وشأنه، ويهتم بشراء حقيبة غالية ليضعه فيها تحميه من الكسر أو التعرض لأي أذى؟ لماذا يخاف أحدكم على حاسوبه إلى هذا الحد؟ أحياناً، يصل الأمر ببعضنا إلى اعتبار الأشياء غير الحية صديقاً مقرباً لا يمكنه الاستغناء عنه، ففي دراسة أخرى أجاب أشخاص عن سؤال فيها، أنهم مرتبطون شخصياً بسياراتهم ولا يفكرون أبداً في تغييرها.عن رجل مارلبورو الشهير
كما أن هناك أناساً بحسب تحليل مبيعات في ألمانيا، يفضلون شراء سيارات مصابيحها الأمامية تشبه العيون الضيقة، وهو ما يجعلها أشبه بالبشر. نعم، لا تتعجبوا، فهم يعتبرون أنهم يشترون صديقاً لا مجرد سيارة. ربما يفسر لكم هذا الأمر سبب اهتمام شركات سيارات كثيرة بأن تكون مصابيح سياراتها الأمامية شبيهة جداً بالأعين البشرية. قد تتعجبون حين تعلمون أن الناس يتعاملون حتى مع علب السجائر باعتبارها صديقاً، حيث تؤكد دراسة أن البعض يفضل سجائر مارلبورو على الأنواع الأخرى بسبب رجل المارلبورو الذي يظهر في إعلانتها، كأنه هو شخصياً السجائر. هل سألتم أنفسكم من قبل، لماذا يفضل البعض موقع تويتر على موقع فايسبوك مثلاً؟ قد يكون السبب أن لتويتر شعاراً حياً وهو "الطائر" الذي يغرد بينما شعار فايسبوك مجرد حرف جامد. "عندما كانت أمي تغادر البيت، كنت أجلس وحدي أمام الأشياء في منزلنا، وأنظر إليها طويلاً، وأحكي لها قصصاً كثيرة"، يقول المؤلف طارق عبدالباري. وأنتم هل تخبروننا بعلاقتكم بالأشياء في حياتكم؟رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...