"المقاتل ميسبش رقبته لأعدائه عشان يطيروها"، كانت إجابة الفريق أحمد شفيق حين سُئل عن السبب الذي يحول دون عودته إلى وطنه، إلا أن هؤلاء الأعداء سقطوا من حساباته لدى اتخاذه قراراً بالعودة إلى القاهرة مرشحاً للانتخابات الرئاسية القادمة.
بدا أن الضيف المؤقت على دولة الإمارات منذ يونيو 2012 لم يعد يتوق الانتظار خارج دياره. فالسنوات الخمس التي قضاها في أبوظبي، في عزلة شبه إرادية، شارفت على الانتهاء بتفجيره قنبلة إعلانه الترشح ضد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الآتي مثله من خلفية عسكرية.
غير أن المرشح الرئاسي السابق يريد العودة إلى بلاده بثوب يختلف عن ذاك الذي غادر به، بعد خسارته جولة الإعادة في الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة، أمام الرئيس الأسبق محمد مرسي.
فالرجل الذي أظهر حزنه لانتصار ثورة 25 يناير ينادي اليوم بالديمقراطية الحقة وبالحقوق الإنسانية الطبيعية، بل ويتمسك بتطبيقها كاملة: "إما ديمقراطية أو لا ديمقراطية".
واللافت أن شفيق يتحدث بمنطق خلع العباءة العسكرية بالكامل وارتداء أخرى مدنية أكثر مرونة، ويقول إن "أي نجاح مأمول لن يتحقق في بلادنا ما لم نحظ بنظام للحكم مدني ديمقراطي نموذجي ومستقر وقابل للمراجعة والنقد"، في محاولة منه لمحو سجله الحافل بالتصريحات المعادية لتيار التغيير في مصر.
[caption id="attachment_128938" align="alignnone" width="700"] المطالبة بعزل أحمد شفيق خلال حملة انتخابات 2012[/caption]
مبارك مثله الأعلى
على الرغم من أن تاريخه السياسي قصير نسبياً، وبدأ مع تعيينه رئيساً للوزراء أثناء ثورة 25 يناير 2011، بعد قضائه 10 سنوات في وزارة الطيران المدني، إلا أنه نجح في حجز مكان له في المعادلة السياسية المصرية، بفضل معركة الرئاسة التي خاضها وصدامه مع الإخوان المسلمين تارة، وتصريحاته المثيرة للجدل تارةً أخرى. لشفيق موقف سلبي من ثورة يناير. وصفها بالـ"هيصة"، تعليقاً على رفض الثوار الجلوس على طاولة حوار مع نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، قبل تنتحيه عن منصبه، وبدا متأثراً بإسقاطه بقوله: "للأسف الثورة نجحت". وعلى الرغم من ترشحه لأول انتخابات رئاسية بعد الإطاحة بنظام مبارك، فإن الفريق أكد أن الرئيس الأسبق مثله الأعلى. صرّح بذلك لأول مرة في حواره مع مجلة ديوان الأهرام في يناير 2010، أي قبل قيام الثورة بعام، قبل أن يجدد ولاءه لمبارك في حواره مع الإعلاميين شريف عامر ولبنى عسل في برنامج الحياة اليوم على فضائية الحياة. [caption id="attachment_128937" align="alignnone" width="700"] خلال حملة انتخابات 2012[/caption]"بني آدم"... شفيق الآخر
"حسبتم شفيق على كل فصيل، فمرة فلول ومرة حزب وطني ومرة نظام سابق ومرة المجلس العسكري، وهو الرجل الذي كان يتبع نفسه وهو رئيس جمهورية نفسه وقراراته منبعها رؤيته للوضع سواء اتخذ قراراً توافق عليه أو ترفضه"، كتب المدون شريف عبد العزيز، أحد أعضاء الحملة الانتخابية لشفيق في 2012، في كتابه "بني آدم... خمسة عشر عاماً مع الإخوان وسنة ونصف مع شفيق"، الصادر عام 2015. وخصص عبد العزيز جزءاً من كتابه المذكور لحياة الفريق وكواليس الحملة الانتخابية، وهو الكتاب الذي اعتبره شفيق بديلاً عن مذكراته التي كان يعتزم كتابتها. بدأت علاقة عبد العزيز بالفريق أثناء انضمامه لحملته الانتخابية ولم تنقطع خلال إقامته بأبوظبي، واستمرت ضمن اتصالات وزيارات كثيرة من شخصيات ألحّت عليه لحسم قراره من الترشح للانتخابات الرئاسية.طرح اسم شفيق كمرشح توافقي ليس جديداً على التيار المعارض في مصر، لكن دائماً ما يصطدم بثوابت وتراكمات سياسية لم تتغير كثيراً
معارضو شفيق: "الأفضل لنا الحفاظ على هويتنا وعدم الرهان على ورقة خاسرة، لأن دعمه سيفقدنا مصداقيتنا أمام الجميع"يقول عبد العزيز لرصيف22: "الفريق شخص مخلص ورجل عملي وعلى استعداد طوال الوقت لتغليب المصلحة الوطنية. يشعر طوال الوقت بأن فرصته قادمة، لكنه آخر واحد يتمني أن يكون رئيساً للجمهورية لشعوره بالمسؤولية الثقيلة. وهو لم يتمنّ لأحد الفشل". يدافع عبد العزيز الذي شارك في حملات شعبية طالبت بعودة شفيق خلال فترة حكم السيسي، ومنها :"أنت الرئيس"، "شباب الفريق"، "لازم يرجع" "أبناء شفيق"، عن مرشحه المفضل ويوضح: "نُظمت ضده حرب دعائية شديدة"، ويضيف: "ليس متعجرفاً فهو يقبل النقد من الجميع ويقدر الناس ويعمل مع الجميع سواء كانوا من صفوف الثورة أو الإخوان، ويؤمن بالتجربة الديمقراطية المرنة". لم يستجب شفيق لحملات شبابه خلال السنوات الأولى بالعودة إلى القاهرة ومعارضة نظام السيسي من الداخل. كان يرى في الرئيس المصري الحالي رجلاً لا يختلف عليه أحد، غير أنه كان متوجساً من تحريك بلاغات كيدية ضده بتهمة التآمر على النظام، رغم رفع اسمه من قوائم ترقب الوصول بعد تبرئته من قضية أرض الطيارين، وهي قضية اتُّهم فيها مع جمال مبارك وعلاء مبارك بالاستيلاء على أرض في الساحل الشمالي في مصر. يقول عبد العزيز: "خاف من اضهطاد نظام السيسي لعمل بلاغات جديدة ضده". "لم يكشف في أحاديثه معنا عن نيته العودة والترشح، لكنه كان رافضاً للوضع الاقتصادي الحالي، ومؤمناً بوجود أخطاء جسيمة تحتاج إلى تصحيح"، يوضح المدوّن ويتابع: "شفيق ليس جائعاً للسلطة ولكن يريد أن يكون له دور في الإصلاح وفتح المجال العام، فلديه الحلول في جميع الملفات، لكن أحداً لم يستمع من قبل لخطابه وللقضايا التي تبناها، وركّزوا فقط على رأيه في ثورة يناير". اليوم، يشعر عبد العزيز بالتفاؤل أكثر من أي وقت مضى، ويقول: " تواصلت مع شباب ثورة كانت ترفضه وتريده الآن. لم نعد نملك الرفاهية. نحتاج للخبرة ورجل صاحب أفق يقبل بالتعامل مع الجميع، وهو لديه رغبة شديدة في لمّ شمل الأمة والإفراج عن المعتقلين الشباب والإخوان غير المتورطين في العنف، ورد المظال،. لفتح صفحة جديدة".
لماذا الجزيرة؟
الجميع في مصر كان ينتظر خطوة الترشح، إلا أن القرار نفسه كان مفاجأة لزوار مقرّ الضيافة بأبوظبي، حسبما يوضح الناشط الليبرالي حازم عبد العظيم، ويقول لرصيف22: "تقابلنا مع شفيق عدة مرات خلال العام الحالي، وكنت أعلم رغبته في الترشح لكني فوجئت بالإعلان نفسه، فكنت أتوقع تراجعه خوفاً من التهديدات والضغوط، لكنه أثبت شجاعة كبيرة". لا يتفق عبد العظيم مع الغاضبين من إعلان ترشحه في فيديو أذاعته قناة الجزيرة القطرية، ويوضح: "رسالة قوية أنه أرسل فيديو الترشح للجزيرة لأن الإعلام المصري مسيس وتتحكم فيه المخابرات بشكل كبير". برأي عبدالعظيم، فإن الفريق لديه حظوظ كبيرة في التنافس الرئاسي، استناداً إلى الكتلة الداعمة له من مؤيدي نظام حسني مبارك وقطاع من الشعب يرى فيه رجل دولة، فضلاً عن أن خطابه عن حرية الرأي والتعبير سيخفف من قلق التيار المدني. ويقارن بين مواقفه في عامي 2012 و2018، ويقول: "كلنا نتعلم ولنا أخطاء ونصحح أنفسنا، وشفيق أيضاً تعلّم ويعلم أنه يجب أن يكون مختلفاً في الظروف الحالية من خلال خلق مناخ عام إيجابي وإتاحة الحرية للجميع وحماية المعارضين". لكن عبد العظيم ما زال يتمسك بالدعوة إلى ضمانات تقدمها السلطة لاستمرار شفيق في خطوات ترشحه، كما أنه لا يستطيع الجزم بأن هناك تطمينات من أجهزة الدولة لخوض الاستحقاق الرئاسي.تحدييات كبيرة
في القاهرة، لا تبدو الظروف مهيأة تماماً لاستقبال الرجل الذي قضى 20 عاماً بين قيادة سلاح القوات الجوية ووزارة الطيران المدني في الفترة ما بين عامي 1991 و2011. تواجهه تحديات لاستعاده الكتلة التصويتية التي جاوزت الـ13 مليون في الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة. "شعبيتنا كحزب الحركة الوطنية تأثرت في السنوات الأخيرة بغيابه عن الساحة السياسية"، يقول محمد بدراوي، رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الحركة الوطنية الذي أسسه الفريق بعد خسارة معركة الرئاسة أمام الإخوان. "الانتخابات المقبلة ستكون مقياساً لشعبيتنا ومدى تصدع حزبنا. الفريق تأخر في الإعلان عن موقفه. كان الأفضل أن يعلنه في مرحلة مبكرة كي نستطيع تجهيز حملتنا الانتخابية وكي لا يداهمنا الوقت قبل أربعة أشهر من الانتخابات"، يتابع بدراوي.وألمح إلى أن الفريق سيلجأ إلى مسار جمع توكيلات الترشح من المحافظات وليس عن طريق البرلمان، قائلاً: "هيئتنا مكونة من أربعة نواب فقط ولن نستطيع جمع التوكيلات المطلوبة داخل البرلمان". طرح اسم شفيق كمرشح توافقي ليس جديداً على التيار المعارض في مصر، لكن دائماً ما يصطدم بثوابت وتراكمات سياسية لم تتغير كثيراً، منذ الانتخابات الرئاسية الأولى التي جرت عام 2012. وتتبلور فلسفة هذه الثوابت في عدم الانحياز لفريق الدولة القائمة على حكم الجيش أو للتيار الديني. ويقول رئيس حزب الدستور الليبرالي خالد داود إن التيار الديمقراطي الذي يجمع أحزاب المعارضة يستمد شرعيته من ثورة 25 يناير، ولديه رؤية تتعلق بالمستقبل وليس بالماضي، مشدداً على أن البدبل لن يكون بالرجوع إلى الماضي من خلال الفريق شفيق. ويوضح داود لرصيف22 أنه "منذ نشأتنا ونحن نمثل بديلاً ثالثاً يؤمن بشعارات العيش والحرية والعدالة الاجتماعية بين دولة مبارك وامتداداتها والإخوان المسلمين"، مشيراً إلى أن معايير التيار الديمقراطي للرئيس لا تنطبق لا على شفيق ولا على السيسي. ويعلق داود على وساطة بعض الشخصيات في التيار المدني الساعية إلى إقناعهم بالالتفاف خلف مؤسس حزب الحركة الوطنية، بقوله: "لا أتفهم الضغوط علينا لدعم شفيق لأنه مرشح قوي، فقطاع من مؤيدي شفيق انضموا للسيسي، ومَن يفكر بعواطفه يصدّق أن شفيق قادر على هزيمة النظام الحالي، لكننا لا نتوقع أن يسمح النظام بمنافسته أو إقامة انتخابات نزيهة تأتي بشفيق رئيساً". ويوجه رسالة لأنصاره: "الأفضل لنا الحفاظ على هويتنا وعدم الرهان على ورقة خاسرة مثل أحمد شفيق، لأن دعمه سيفقدنا مصداقيتنا أمام الجميع". غير أن أطرافاً في التيار المدني ترى أن ترشحه يعطي بعداً جديداً للانتخابات الرئاسية، و"الحكم هو الصندوق"، كما يقول الحقوقي جورج إسحق، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان. يقول إسحق لرصيف22: "الجميع كان ينتظر ولا أحد كان يتوقع منه إقدامه على الترشح"، ويضيف: "هو شخصية ملتبسة طول الوقت، نتوقع منه وعوداً عن فتح المجال العام والعفو عن سجناء الرأي لكن المية تكدب الغطاس". وبرأي إسحق، فإن وجود الفريق خارج مصر لمدة خمس سنوات يؤثر على موقفه، "فعليه أن يعمل على الأرض لأن المعارضة ترفض أن تستقبل دروساً من الخارج". شفيق هو أحد رجالات الدولة القديمة التي تعرف جيداً إدارة لعبة الانتخابات، لكن عبد العزيز لا يعتقد أن أحداً من قيادات السلطة سيدعمه بشكل مباشر ضد السيسي، ولذلك يعوّل على الشعب وصناديق الاقتراع."لم نعد نملك الرفاهية. نحتاج للخبرة ورجل صاحب أفق يقبل بالتعامل مع الجميع"، يقول مؤيدو أحمد شفيق
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...