كم مرة قصدنا أحد المطاعم لتناول وجبة سريعة مثل السندويش أو مجرد سلطة خفيفة، لينتهي بنا الأمر إلى طلب شريحة الستيك أو السلمون المدخن والدجاج بالفرن؟
كم مرة قلنا في قرارة أنفسنا إننا سنكتفي باحتساء كأس نبيذ واحدة، ثم نطلب زجاجةً كاملةً من النبيذ الفاخر؟
تشيز كيك أو بروفيتيرول أو آيس كريم رغم أننا مصابون بالتخمة؟
المسألة لا تتعلق بالإرادة الضعيفة، بل بقائمة الطعام التي تؤثر في عقولنا ومشاعرنا، فتدفعنا إلى طلب المزيد من الأطباق رغم أن أسعارها قد تكون باهظة.
قائمة الطعام هي أكثر من مجرد ورقة عشوائية تتضمن لائحة بالأطباق التي يوفرها المطعم، تصميمها فن قائم بحد ذاته، خصوصاً أن الهدف منها هو "صيد الزبائن"، والتأثير عليهم، ليطلبوا المزيد من الأطباق الغالية عوضاً عن الاكتفاء بأطباق بسيطة ذات مردود منخفض.
كيف تؤثر قوائم الطعام على أذواقكم وخياراتكم؟ وما هي الحِيل التي تستخدمها المطاعم لحثكم على إنفاق المزيد من الأموال؟
خيارات محدودة
تنطلق بعض القوائم من مبدأ "مفارقة الاختيار"، أي التشديد على أن المزيد من الخيارات يجعل المستهلك يصاب بالقلق والحيرة. من هنا تلجأ بعض المطاعم إلى وضع خيارات محدودة، كالاكتفاء مثلاً بطرح ثلاثة أطباق رئيسية، وهي السياسة التي يتبعها مطعم Swiss butter في الجميزة في بيروت. إذ يقدم فقط 3 أطباق بأسعار معقولة جداً: يمكنكم الاختيار بين الدجاج واللحمة والسلمون، التي تقدم مع البطاطا والسلطة من دون أن ننسى الصلصة "السرية". في العالم العربي الكثير من المطاعم التي تشتهر بتقديم وجبات محدودة لزبائنها، كمطعم أبو طارق مثلاً وسط القاهرة، الذي يكتفي بتقديم الطبق الشعبي الأشهر في مصر "الكشري"، إضافة إلى نوعين فقط من الحلويات: أرز باللبن والمهلبية. وفي دبي، يبرز مطعم "مويلوز" على طريق الساحل، والذي يقدم 7 خيارات فقط بأسعار مقبولة. هذه القوائم البسيطة توفر للزبائن خيارات محدودة، وبالتالي تعفيهم من مشقات البحث في قوائم طويلة بعد يوم عمل متعب. واللافت أن مثل هذه المطاعم تشهد إقبالاً متزايداً كون البعض يرى أن التخصص في وجبات محددة يعني التألق فيها، مقارنةً مع مطاعم أخرى، تقدم قوائم طويلة من الأطعمة المختلفة، كما أن الالتزام بوجبات قليلة يعني أن تكون الوجبة دوماً طازجة، وفي العادة تكون أرخص ثمناً من المطاعم الأخرى.الصور التي تفتح الشهية
لا نبالغ إذا قلنا إن صور الأطعمة وحدها قادرة على إسالة لعابكم، فمن صورة البرغر "المتعدد الطبقات" إلى البيتزا المحشوة بالجبنة الفاخرة، مروراً بشريحة ستيك سميكة أو سلطة غنية بالألوان الزاهية، كلها صور من شأنها أن تسيطر على عقول الزبائن وتؤثر على خياراتهم. يوضح موقع "مانتل فلوس" أنه عندما تكون صور الأطباق جميلة وجذابة، تزيد من المبيعات بنسبة 30%. كما قال "بريان منيكي"، أستاذ في نظم المعلومات: "حين تشعرون بالجوع، ستطلبون فوراً ما ترونه في الصورة"، مؤكداً أنه كلما كانت الصورة أكثر وضوحاً في الحركة واللون ودقة التمثيل، كان الأمر أكثر واقعية ويحثكم على طلب الطعام". والأمثلة على ذلك كثيرة في مطاعمنا المنتشرة في العالم العربي: Roadster diner، Crepaway (لبنان)، AL Forno (دبي)، La Brioche (أبو ظبي). وبالرغم من وجود بعض المطاعم التي تحترم الزبائن، وتقدم لهم أطباقاً مشابهة بالموجودة في الصور، فإن بعض المطاعم الأخرى "تخدع" الأفراد وتصيبهم بالإحباط جرّاء "الصور الزائفة". فما إن يصل "الطبق المنتظر" حتى يصاب الزبائن بصدمة، بعد أن يكتشفوا أن الطعام الذي أمامهم لا يمت إلى الصورة بصلة.خدعة الأسعار
لتشجيعكم على إنفاق المزيد من المال، تحاول بعض المطاعم الاعتماد على "حيل" في كتابة السعر، بهدف جعل السعر غير واضح، كأن تزيل مثلاً شعار العملة، فعوضاً عن كتابة 12$ مقابلclub sandwich، يكتفون بكتابة الرقم 12 من دون ذكر العملة. على سبيل المثال مطعم "بسباس"، المتخصص في المأكولات اليمنية والخليجية، يكتفي بوضع الأسعار من دون ذكر العملة. مطعم سوبهيشكا في أبو ظبي والسياسة نفسها يطبقها مطعم "صاج وكريب" في الأردن وتحاول بعض المطاعم التأثير على الزبائن من خلال اعتماد "الكسر" في الأرقام، أي إنهاء الأسعار بكسور، فبدلاً من أن تسّعر البرغر بـ10$ تكتب على قائمة الطعام 9.99$. صحيح أن الفرق يكون بسيطاً إلا أن ذلك من شأنه أن يجعل الزبائن يشعرون براحة نفسية أكبر، وكأن المطعم "متعاطف" معهم من الناحية المادية ويحاول "توفير" عليهم بعض الدراهم. مطاعم ستديو مصر ووجدت جامعة "كورنويل" أن الأسعار المكتوبة بالأحرف (كتابة عشرة دولار أميركي عوضا عن 10$) من شأنها أن تشجع الزبائن على إنفاق المزيد من المال.الوصف الشهي
"انغمسوا في تجربة الكفتة الطازجة مع البطاطا المقطعة إلى شرائح، والبصل البلدي، وصلصة البندورة المعدة خصيصاً لكم، والتي ستأخذكم في رحلةٍ لا مثيل لها"... قصيدة شعر لوصف "صينية كفتة وبطاطا". في الكثير من الأحيان، نختار بعض الأصناف التي تبدو "غريبة" و"جديدة" وفق طريقة وصفها، لنفاجأ عند وصولها إلينا بأنها أطباق عادية وتقليدية نعرفها عن ظهر قلب. إنها سياسة "المديح" والطريقة الطريفة والذكية التي تعتمدها بعض المطاعم لوصف أطباقها، مثل مطعم "سندويش ونص" في لبنان، الذي تميز بأسماء غريبة أطلقها على مأكولاته: طاووق الصاروخ، كفتة الملغومة، برغر سيكس ويل، البرغر الوحش وغير. تماماً كمطعم "سلّم" في الكسليك شمال لبنان، الذي حرص كل من "سلمى" و"سلّوم" على إدراج الأسامي الغريبة في قائمة الطعام: ديك سلمى، سلّم دجاج، سلّة بيتزا... بهدف إثارة "حشرية" الزبائن ودفعهم إلى تجربة هذه الأطباق. كما شدد الخبير في المطاعم "هارون إلين" على أن الألوان المستخدمة جزء من الخطة التي تهدف إلى إقناعكم باتخاذ قرارات معيّنة، فاللون الأخضر مثلاً يعني أن الطعام صحي وطازج، في حين أن اللون البرتقالي يستخدم لتحفيز الشهية: مطعم الروشة في أبو ظبي صبواي أما اللون الأحمر فيهدف إلى تسليط الضوء على أطباق معيّنة تكون مقترحة من الشيف، والسبب ليس فقط لأنها "مميزة" ومن الـspecialties ، بل لأن لديها أكبر هامش من الربح. على غرار فابيانو في دبيخدع العين
تقوم مطاعم عدة بدراسة حركة العين أثناء تصفح قائمة الطعام، ووفق بحث أجرته جامعة كورنيل تبيّن أن ثلث الزبائن يطلبون أول طبق تقع عيونهم عليه، من هنا تحاول بعض المطاعم توجيه أنظار الزبائن من خلال وضع الأطباق الغالية الثمن على رأس القائمة. وبالتالي رؤية طبق مكلف في البداية، سيجعل أسعار سائر الأطباق تبدو مقبولة، ما يعني أن الزبون سيختار الأطباق الأخرى، وهو مقتنع بأنه نجح في "توفير" بعض المال. وهناك خدعة بصرية أخرى تعتمدها المطاعم، هي الحرص على وجود مساحات فراغ حول الأطباق الباهظة ووضعها ضمن خانات محددة أو فصلها عن بقية الأطباق، إذ تبيّن أن وضع الطبق في مساحة خاصة يسترعي انتباه الزبائن. (دبي)claw (قطر الدوحة) Magnolia bakeryالعزف على النوستالجيا
لكل شخص منا وجبة خاصة تعيده إلى أيام الطفولة، فيتذكر من خلالها "لقمة" أمه المميزة والطبق اللذيذ الذي كانت تعدّه له جدته. وقد أدركت المطاعم هذا الإحساس العارم بالحنين الموجود لدى الكثير من الأشخاص، من هنا حرصت على إدراج بعض الأسماء التي تعزف على وتر الماضي والأيام الجميلة التي مضت وتؤثر على عواطف الزبائن وتحرك مشاعرهم مثل: دلوعة التيتا ومهلبية التيتا. بالإضافة إلى اختيار أسماء مأكولات تعزز التعصب المناطقي والوطني أو ببساطة تلعب على وتر الانتماء الوطني: الدنيا هيك (بيروت) أهواك (لبنان)رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين