شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
بكاء وتعب ومشاعر سلبية... ما الذي يحدث لعقولنا وأجسادنا داخل الطائرات؟

بكاء وتعب ومشاعر سلبية... ما الذي يحدث لعقولنا وأجسادنا داخل الطائرات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الجمعة 17 نوفمبر 201702:49 م
في عام 2014، كانت الفتاة المصرية إنجي الكاشف في رحلة إلى أمستردام لحضور دورة تدريبية مدتها أسبوعين. في الطائرة، شعرت الكاشف برغبة في مشاهدة فيلم فاختارت من القائمة فيلم "وجدة" السعودي (إنتاج عام 2012 ومن إخراج هيفاء المنصور). يحكي الفيلم أحلام طفلة صغيرة وهمومها، تعيش في المجتمع السعودي وتحلم في قيادة دراجة هوائية من دون أن تضايقها العادات والتقاليد، ينتهي الفيلم بالطفلة وجدة تحقق حلمها. وجدت الكاشف نفسها تبكي كثيراً بعد انتهاء الفيلم. "لا أعرف لماذا تذكرت الصعوبات كلها التي أواجهها كفتاة في المجتمع المصري، شعرت بأنني "وجدة" وأنها تشبهني كثيراً"، تقول الكاشف. أما صفاء فتقول لرصيف22 ": "حين كنت عائدة إلى مصر من الإمارات، كنت أشاهد فيلماً للممثل أحمد عز. انتهى الفيلم بأغنية المطرب حسين الجسمي "وبحبك وحشتيني"، فوجدت نفسي أبكي إلى درجة أن زملائي الذين كانوا معي في الطائرة قاموا مسرعين لتهدئتي، لن أنس هذا الموقف". كان من الممكن ألا تبكي الكاشف أو صفاء لو شاهدتا الفيلمين في منزليهما، أو حتى في السينما، لكن الحالة النفسية التي أصابتهما وجعلتهما تشعران برغبة في البكاء لها تفسير علمي. "دائماً ما أبكي في الطائرة، خصوصاً حين أسمع الأغاني، أظن أن الأمر سببه حنيني إلى وطني"، تقول أماني التونسي مدرسة الإنتاج الإعلامي في الأكادمية العربية للعلوم والتكنولوجيا (مقرها محافظة الإسكندرية المصرية) لرصيف22. فيما يقول محمد رجب: "آخر مرة ركبت فيها الطائرة شعرت بالهلع والخوف، لسبب غريب وهو تذكري كل حوادث الطائرات التي شاهدتها على فضائية ناشيونال جيوغرافيك، لا أعرف لماذا ظهرت كلها في عقلي فجأة". بكاء التونسي والمشاعر السلبية التي انتابت رجب، لها أسباب علمية هي الأخرى، سنعرفكم إليها في السطور الآتية.

ماذا يحصل لعقولنا وأجسادنا فوق السحاب

هناك نظريات علمية كثيرة تناولت أسباب شعور بعض ركاب الطائرات بالرغبة في البكاء، منها الحزن لترك الأحباب، الحنين إلى الوطن، وهناك أيضاً أدلة علمية على أن الطيران نفسه قد يكون مسؤولاً عن كون الركاب أكثر عرضة للبكاء. تشير أبحاث حديثة إلى أن ارتفاعنا في الجو لأكثر من 35 ألف قدم، يمكن أن يتسبب في أمور غريبة داخل أذهاننا، كما يتسبب في تغيير أمزجتنا، ويبدّل مشاعرنا وعواطفنا. توصلت دراسة استقصائية حديثة أجراها مطار غاتويك في لندن، إلى أن 15٪ من الرجال و6٪ من النساء قالوا أنّهم ينتابهم البكاء عند مشاهدة فيلم على متن طائرة، أكثر مما لو شاهدوه في المنزل. وصل الأمر إلى أن شركة الطيران Virgin Atlantic، قررت تحذير ركابها من احتمال تعرّضهم لمشكلات صحية وعاطفية إذا شاهدوا الأفلام على متن خطوطها. يقول تحذير الشركة أنه من الناحية الطبية، هناك أدلة على أن انخفاض ضغط الهواء داخل الطائرة يمكن أن يغير أمزجة الركاب، وشخصياتهم وحتى سلوكهم. وأن هذا يجعل ركاباً يشاهدون الأفلام حتى الكوميدية منها داخل الطائرة، يبكون. وأعلمت الشركة ركابها أن أفلاماً مثل Bridget Jones baby، Moonlight، Sing، Collateral Beauty وLa La Land قد تتسبب في بكائهم داخل الطائرة، على الرغم من أن هذه الأفلام ليس لها الوقع نفسه إذا شاهدوها في السينما أو في المنزل.

العالم العربي غير مهتم بالأمر

يوجد في أوروبا والدول الغربية مراكز عدة تحاول فهم التغيّرات التي تحدث لبعضنا في الرحلات الجوية. أحد أكثر المهتمين بالأمر هو يوشن هينكلبين، رئيس الجمعية الألمانية لطب الفضاء الجوي، والذي يقول لموقع BBC أن الأبحاث العلمية حول هذا الأمر لا زالت في بدايتها، وأن الاهتمام بهذا النوع من الأبحاث سببه أن السفر بالطائرات أصبح أكثر شعبية منه في الماضي، وصار الناس بمن فيهم كبار السن يفضلون السفر جواً، وهذا يؤدي إلى مزيد من الاهتمام بهذا المجال. هينكلبين هو واحد من علماء وباحثين كثر في الغرب مهتمين بدراسة جميع التغيرات النفسية والجسدية التي تحصل أثناء السفر جواً. يرى هؤلاء أن الطائرة مكان يستحق الاهتمام أكثر، فهي في الجو مختلفة تماماً عما هي عليه في الظروف المناخية على الأرض، كما أن انخفاض ضغط الهواء في الطائرات أثناء الرحلات يمكن أن يقلل من كمية الأوكسجين في دماء الركاب ما بين 6 و25٪، ما يجعل دراسة تأثير ذلك في الناس، خصوصاً كبار السن والذين يعانون من صعوبات في التنفس، أمراً يستحق الاهتمام. تظهر دراسات علمية أن النقص في الأوكسجين داخل الطائرات أثناء إقلاعها يمكن أن يحدّ من استطاعتنا على التفكير بشكل طبيعي، ويتسبب في تغييرات عند بعضنا في أمور تتعلق بالذاكرة والقدرة على إجراء العمليات الحسابية واتخاذ القرارات. كما أن هناك أدلة علمية تؤكد أن نقص الأوكسجين خلال الرحلات يمكن أن يكون له تأثير – وإن بشكل  بسيط – في أدمغتنا، حيث يجعلنا متعبين. فقد أظهرت دراسات أجريت على عسكريين غير مجهزين للوصول إلى مناطق جبلية عالية، لا تقل عن 10 آلاف قدم، أنّ تعبهم ازداد على المدى القصير. والأمر نفسه قد يحصل لأشخاص على ارتفاع أقل. وهذا ما يفسر سبب شعور بعضنا بالتعب وبالرغبة في النوم في الطائرات. أضف إلى ذلك، أنّ انخفاض ضغط الهواء يمكن أن يجعل أموراً مثل الرؤية الليلية عند الإنسان تقلّ بنسبة 5-10٪ على ارتفاع فوق 5000 قدم، وهو ما يجعل البعض يعانون من مشكلات حين تخفّف الإضاءة في الطائرة. ليس هذا فقط ما يحدث لنا أثناء السفر بالطائرة، فحتى حواسنا تتأثر، بسبب انخفاض ضغط الهواء والرطوبة، وقد يتسبب هذا في أن تقل قدرتنا على التذوق، سواء الأملاح أو السكريات، بنسبة تصل إلى 30٪. وبينت دراسة أيضاً بتكليف من شركة طيران لوفتهانزا، أن إحساسنا بطعم عصير الطماطم يكون أفضل أثناء السفر بالطائرات، وهذا يفسر سبب عرض غالبية شركات الطيران هذا النوع من العصير على ركابها أثناء السفر. ربما تتعجبون حين تعلمون أن الهواء الجاف في الرحلات الجوية يتسبب في تقليل حاسة الشم لدينا، لهذا تقوم شركات طيران كثيرة بزيادة التوابل للطعام اذي يقدم للركاب بهدف أن يكون طعمه مستساغاً لديهم أثناء الرحلات. هناك أمور أخرى تحصل معنا أثناء السفر بالطائرات أيضاً منها أن بعضنا يجد صعوبة في الجلوس لفترات طويلة أثناء، وهو ما يجعله يرغب في القيام والتحرك في الطائرة. كما أظهرت دراسة أجراها باحثون نمساويون أن الرحلة الطويلة يمكن أن تتسبب في جفاف بشرتنا بنسبة تصل إلى 37٪، وهذا قد يؤدي إلى زيادة الحكة لدى البعض.

قلق وتوتر ومشاعر سلبية أخرى

وبسبب نقص الأوكسجين يمكن أن تحصل معنا أشياء أخرى في الجو، منها زيادة مستويات القلق والمشاعر السلبية مثل التوتر، وقد يصبح البعض أقل ودية، كما تقل قدرة البعض على التعامل مع الضغوط، وهذا يفسر سبب حصول مشادّات بين المسافرين لأسباب تافهة. يختتم محمد رجب: "لن أنسى اليوم الذي بكيت فيه داخل الطائرة، وأنا عائد إلى بلدي بعد رحلة في دولة أجنبية، كنت طلبت من المضيفة كوباً من الشاي، فأخذت أرتشفه وأنا أسمع أغنية لأم كلثوم، فإذا بي أجهش  بالبكاء".

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image