شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
قصة رعب يومية: أنا والكلاب...

قصة رعب يومية: أنا والكلاب...

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي

الخميس 16 نوفمبر 201705:41 م

المرة الأولى التي التقيت فيها كلباً، كانت قبل حوالي عشرة أعوام، وهو الكلب المدلل لدى والدي. كان جرواً أبيض حصل عليه من حفيده قبل سفره إلى اليابان. أحبه والدي كثيراً وصنع له كوخاً من خشب في حديقة منزلنا في القرية. وتأثر جداَ حين توفي إثر خروجه إلى الطريق العام، فمن فرط تعلق والدي به، كان يتركه حراً من غير قيود، معتقداً أن كلبه الصغير لن يتجرأ على الخروج وحده. لكن ثقة والدي لم تكن في مكانها، إذ عاد مساء أحد الأيام من عمله ووجد الكلب جثة بجانب الطريق. لم أقترب من كلب أبي ولو مرة واحدة. ففي لقائنا الأول هربت منه إلى أن اختفى من أمامي، وانقطع التواصل بيننا منذ تلك اللحظة. منذ ذلك الحين، نسيت أمر الكلاب وذعري منها، حتى سكنت في أحد أحياء الأشرفية قبل أربعة أعوام. المنطقة التي تتنزه في أحيائها وشوارعها الضيقة عشرات الكلاب يومياً، مخلفةً فضلاتها على الأرصفة وفي كل مكان، لدرجة تكاد تصبح هذه الفضلات أكثر ما يخشاه المارة في الطريق هناك. وأنا أيضاً، اعتدت المشي في شوارع الأشرفية لأوقات كثيرة، والجلوس في إحدى حدائقها الممتلئة بالأشجار والمقاعد الخشبية ذات اللون الأخضر، والتي تتوسطها بركة كبيرة تخلو من المياه. أحببت الجلوس فيها رغم أنها لا تشبه حدائق أوروبا، ولا تطل على مشهد لافت، فهي محاذية للشارع العام وتحيط بها الأبنية، لكنني رغم ذلك اعتدت أخذ قسط من الراحة فيها بعد مسيرة مشي طويلة، خصوصاً أن بيروت تكاد تخلو من أي متنفس أخضر وسط غابة الإسمنت التي تتشكل منها.

استمرت زيارتي لهذه الحديقة نحو عام، قبل أن أهجرها كلياً، ليس لأنني ما عدت أحبها، بل لأنني صادفت في آخر زيارة لي إليها، كلباً أسود شرساً كاد يقتلني من شدة الخوف. يومذاك، وصلت الى الحديقة ووجدت بوابتها مغلقة، والأنوار في غرفة حارس الحديقة مطفأة أيضاً، وبعد أن دخلت وجدت شاباً في العشرين يجلس في الجهة اليمنى من الحديقة، فانتقلت الى الجهة المقابلة حرصاً مني على عدم إزعاجه، فإذ به يقف مسرعاً وينادي باسم لم أسمعه جيداً، ليخرج من بين الأشجار الصغيرة كلب أسود كبير ويقف أمامي. لم أتجمد من الخوف مثلما كنت أتخيل دائماً، بل صرخت بملء صوتي لأنني أخاف الكلاب. المشكلة أنه رد عليّ بصوت أعلى من صراخي.

لم أتجمد من الخوف مثلما كنت أتخيل دائماً، بل صرخت بملء صوتي لأنني أخاف الكلاب...
ربما لو تمكنت من انتزاع هذا الخوف من داخلي لما حصلت كل هذه الأمور معي؟
مشيت بسرعة وإذ به يركض خلفي، لتكون المفاجأة الكبرى، ظهور كلب آخر، أبيض بدأ يطاردنا، وبتنا نحن الثلاثة نشكل حلقة مفرغة، قبل أن يتدخل الشاب ويحاول السيطرة على الكلبين من دون جدوى. استمرت المطاردة الثلاثية أكثر من دقيقتين وأنا ألهث من شدة التعب، إلى أن التقطهما صاحبهما، وتمكنت من الفرار باتجاه البوابة للخروج من الحديقة في حالة لا أحسد عليها مطلقاً. خرجت من الحديقة وأسئلة كثيرة تراودني: "هل سأقع؟ هل أذهب إلى الطبيب؟ هل سيتبعني الكلبان الشرسان قبل أن أصل إلى منزلي؟" شعرت بأنني منهكة: "هل ارتفع السكر في دمي؟". فجأة ابتسمت وبدأت الضحك "ماذا قال من سمع صوتي وأنا أصرخ بهذه الطريقة؟ هل فعلاً لم يكترث أم أنه لم يسمع صراخي أصلاً؟". هنا عدت بذاكرتي إلى نحو شهر، تذكرت أنه كان لنا لقاء سابق. يومذاك كان الكلبان برفقة سيدة أربعينية حين اقترب الكلب الأسود مني، لكنها عاجلت بأخذه بعيداً وعادت لتطمئن علي.

إذ ذاك، لم يكن قريباً مني، لذا لم أصب بحالة هلع، وتمكنت السيدة من تدارك الأمر فوراً، إلى أن عاودتُ رؤيتهما في هذا اليوم المشؤوم. وهي المرة الأخيرة التي زرت فيها الحديقة، ومشيت فيها ليلاً وحيدة. حتى اللحظة، لم أدرك سبب مهاجمة هذين الكلبين لي، أنا التي لم تبحث يوماً عن كيفية حماية نفسي رغم خوفي الكبير من هذه المخلوقات. كنت أصادف كثيراً من الكلاب على الأرصفة، فأبتعد عنها ليس أكثر، لكني لم أتوقع يوماً أن أجد كلاباً داخل حديقة عامة تقصدها العائلات مع أطفالهم، وأن أدور معها في هذه الحلقة. يقول بعض أصدقائي "إن الكلاب لم تقصد أذيتي، فقد أرادت اللعب معي لا أكثر".

أفكر في الأمر ملياً، ولا أجد في هذه الفرضية أي منطق، كيف لي أن أصدق ذلك وهي في أثناء ملاحقتها لي حاولت مرات عض أي جزء تتمكن من الإمساك به، وهذا ما جعل صراخي يملأ فضاء الأشرفية. إذ حتى لو تم ترويض الكلاب فهل يعني ذلك أنها لن تتلذذ بقضم اللحم كما فعلت مع شخص أعرفه قبل أشهر، فلماذا لا يتكرر ذلك معي؟ ليس لدي أي إجابة عن تلك الأسئلة، لكن ما أدركه جيداً هو، ولسوء حظي، لا تخلو مناسبة اليوم من دون أن ألتقي فيها كلاباً، الأسبوع الماضي وأنا في طريقي إلى قريتي صادفت كلبين، والغريب أن أحدهما أسود والآخر أبيض، استدرت ولم أتمكن من النظر خلفي، والحمد لله أنهما لم يتبعاني. كما التقيت كلاباً في قرية مجاورة لقريتي حين كنت في زيارة لإحدى قريباتي، وأنا أقود سيارتي. حينذاك شعرت بالخوف منها والخوف من أن أتسبب بقتل أحدها إذا لم استطع تخطيها بسيارتي. أتساءل أحياناً لماذا لم أكن أصادف الكلاب من قبل؟ ولماذا يتكرر لقائي بها في الآونة الأخيرة، أيعقل أن يكون صحيحاً أن أكثر الأشياء التي نخافها تقف أمامنا وتعترض طريقنا باستمرار لإزعاجنا، ربما لو أنني تمكنت من انتزاع هذا الخوف من داخلي لما حصلت كل هذه الأمور معي، وربما لن تحصل أبداً في المستقبل.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

Website by WhiteBeard
Popup Image