من منا لا يعرف أشخاصاً يتخلّفون دوماً عن مواعيدهم؟ منذ أيام الدراسة نجدهم يتأخرون عن الصفوف والحصص، وتطاردهم معضلة الوقت في كل زاوية من زوايا حياتهم، فيتأخرون عن دوام العمل وعن الاجتماعات المهمة في الشركة، وعن المناسبات الاجتماعية والعائلية وغيرها. هم دوماً آخر الواصلين بالرغم من محاولاتهم الاستيقاظ باكراً وتهيئة أنفسهم بسرعة فائقة.
via GIPHY
ما هي الأسباب التي تدفع بعض الأفراد إلى التخلف عن المواعيد بشكل مستمر؟ وكيف يتم التغلب على هذه المشكلة التي تسيء إلى صورتهم في العمل والحياة العادية؟
سوء تقدير الوقت
هناك عدة أسباب قد تجعل المرء يتأخر عن موعده، بعضها قد يكون خارجاً عن إرادته، كتعطل السيارة أو حوادث السير المختلفة. في حين أن هناك أسباباً أخرى تتعلق بشخصيته وسوء تقديره للوقت. فقد اعتبر موقع "أتلنتيكو" الفرنسي أن السبب الكامن وراء التأخر المزمن قد يكون ناجماً عن الشخصية نفسها. لتبيان هذا الموضوع، أنجز جيف كونت، أستاذ في علم النفس، بدراسة شملت 181 شخصاً في نيويورك، وقسم المجموعة إلى فئتين، بحسب شخصية كل من المشتركين: المجموعة "أ" تضم الذين يتمتعون بشخصية ديناميكية، والفئة "ب" أولئك الذين هم أقل حيوية ونشاطاً. via GIPHY طلب كونت من أفراد المجموعتين أن يقدّروا بأذهانهم كم من الوقت تستغرقه الدقيقة الواحدة لتنقضي، واللافت أن تقدير أفراد المجموعة الأولى كان أقرب إلى الواقع، إذ قالوا إن الدقيقة مرت بعد أن انقضت 58 ثانية، في حين أن أفراد المجموعة الثانية شعروا بالدقيقة بعد مرورها بـ77 ثانية، وبالتالي تبيّن أن الفئة الأولى كانت أكثر دقة في مواعيدها. كذلك تحدث موقع "مدام لو فيغارو" عن أسباب التخلف عن المواعيد، مشيراً إلى أن الأمر قد يعود لعوامل نفسية وسلوكية. فقد كشفت الاختصاصية في علم النفس "أليكسندرا ريفييار لوكارت" أن التأخر الدائم قد يكون ناجماً عن أسباب عملية: التعب الذي يمنعكم من سماع صوت المنبه، شخصية فوضوية تحاول القيام بالعديد من الأمور قبل الذهاب إلى العمل، فيمر الوقت بسرعة من دون أن تشعر بذلك. وأوضحت لوكارت أن لدى بعض الأشخاص نظرة "تفاؤلية" بشأن جدولهم الزمني، إذ لا يفكرون مسبقاً في مسألة الزحمة، التي قد يواجهونها، ولا يحسبون الوقت الضائع على الطرقات، إضافة إلى الأحداث غير المتوقعة مثل تعطل السيارة وقطع الطرقات، وبالتالي فإن "سلوكهم يدل على عدم نضجهم"، على حد قولها. via GIPHY وتقول لوكارت: "أمام هذه الفئة من المتأخرين، تبرز فئة الأشخاص الذين يتصفون بالكمال، ولا يحبون إضاعة وقتهم على الإطلاق. فإذا كان لديهم مثلاً 5 دقائق قبل الانطلاق إلى اجتماعهم، يستغلونها في مهمات أخرى، لكسب الوقت والتغلب على الخمول، غير أن ذلك يجعلهم يتأخرون عن مواعيدهم"."برستيج" ونكسات مالية
قبل أن تصدر كتابها Never be late again، كانت "ديانا دي لونزور" تتأخر دوماً عن مواعيدها: "لا يتعلق الأمر بساعة الاستيقاظ من النوم، فقد استيقظ عند الساعة السادسة صباحاً وأتأخر عن دوام العمل الذي يبدأ الساعة التاسعة". وبسبب تأخرها الدائم عن المواعيد تعرضت ديانا للكثير من الانتقادات في العمل، وفقدت صداقات كثيرة، وكان زوجها يغضب دوماً من تصرفاتها. وبالرغم من أنها كانت تدرك مشكلتها، لم تكن قادرة على التحكم بمسألة الوقت وإيجاد حل لهذا الموضوع. اعتبرت الكاتبة أن التأخير المزمن هو من أكثر مشاكل سوء الفهم شيوعاً: "صحيح أن هذا التصرف وقح إلا أن معظم الذين يتأخرون عن مواعيدهم لا يحبون ذلك لا بل يحاولون طوال الوقت تصحيح هذه المشكلة، إلا أن التأخير بات في صلب حياتهم". واعتبرت لونزور أن إهدار الوقت يعني إهدار المال، خصوصاً أن التأخر على مواعيد الاجتماعات 10 أو 15 دقيقةً باستمرار، يعتبر استنزافاً كبيراً للقدرة الإنتاجية، إذ أوضحت أن تأخر شخص واحد لن يؤثر على تقليص إنتاجيته فقط، بل يؤثر على القدرة الإنتاجية لسائر الزملاء. via GIPHY كما كشف موقع "أي بي سي نيوز" أن التأخر عن المواعيد قد تنجم عنه كلفة مالية باهظة، فقد بيّنت دراسة قامت بها شركة "براودفوت" للاستشارات عام 2006، أن الرؤساء التنفيذين في أميركا يتأخرون في العادة على 8 اجتماعات من أصل 10، وقد اتضح أن تأخرهم 10 دقائق كل يوم، يكلف الاقتصاد الأميركي ما لا يقل عن 90 مليار دولار كخسارة في الإنتاجية. وفي حين أن التأخر المزمن لدى البعض قد يسبب لهم الإحراج والإزعاج، فإن البعض الآخر يعتبر أن تأخيره ما هو إلا وسيلة لإظهار سلطته وهيبته واختبار حب الآخرين. قسّمت لونزور الأشخاص الذين يتخلفون عن مواعيدهم إلى عدة فئات: - الفئة الأكثر شيوعاً، والتي تضم الأشخاص الذين يجدون لذةً في الاستعجال والعمل تحت الضغط، غير أنهم يدركون في اللحظة الأخيرة أنه لم يعد لديهم المزيد من الوقت وبالتالي تتحول حماستهم إلى ذنب. - الفئة التي تنهمك بأمور كثيرة: حين يقرر بعض الأشخاص الخروج من منزلهم، يلاحظون أن الستائر ملتويةً فيعيدون ترتيبها، ثم يكتشفون أن جهاز الكمبيوتر لا يزال قيد التشغيل، وعوضاً عن إيقافه يقومون بجولة سريعة على الإنترنت، وهكذا يمر الوقت من دون أن يشعروا. - الفئة التي تحاول استغلال كل دقيقة من وقتها: هؤلاء الأشخاص لديهم اقتناع كلي بأنهم قادرون على القيام بمهمات عدة دفعةً واحدة، كممارسة الرياضة، وغسل الأواني، واصطحاب الأولاد إلى المدرسة. يظنون أنه بوسعهم القيام بكل هذه الأمور في ساعة واحدة. - فئة أصحاب "البرستيج"، وهؤلاء هم الأشخاص الذين يشعروا بلذة عارمة في حال انتظرهم أحد، من خلال التأخير المقصود يحاولون اختبار مدى حب البعض لهم.نصائح للتخلص من مشكلة التأخير المزمن
على الرغم من أنه يستحيل علينا الوصول دوماً إلى موعدنا في الوقت المحدد، خصوصاً أنه لا يمكننا التحكم ببعض الظروف الخارجية، هناك عدة طرق بسيطة تجعلنا نجيد تقدير الوقت واحتساب كل دقيقة بطريقة مثمرة ومفيدة، من بين هذه الطرق: - إعادة تقييم وقت الروتين الخاص بكم: من المفيد تعلّم تقييم الوقت من خلال تدوين العادات اليومية على ورقة، واحتساب الوقت التقريبي لكل مهمة، والانتقال إلى مرحلة ملاحظة عن كثب الوقت الفعلي الذي يستغرقه كل نشاط. - تغيير طريقة التفكير وليس فقط السلوك: في الواقع إن إعادة صياغة الطريقة التي تفكرون بها لناحية الالتزام بالمواعيد قد تكون طريقة بناءة لاحترام الوقت، فبدلاً من الشعور بالضغط النفسي، حاولوا أن تدونوا كل النقاط الإيجابية التي يشملها التقيّد بالمواعيد، وفق ما يشير إليه تيري بوردو، أستاذ في جامعة ولاية أوكلاهوما. وهو يوضح أن التفكير في النواحي الإيجابية كالشعور بالمسؤولية جراء الالتزام بالوقت المحدد، قد يكون حافزاً لمحاولة حل هذه المشكلة والتقيّد بساعات العمل المحددة. - امتلاك حافز قوي: يتعمد بعض الأفراد التأخر عن المواعيد خشيةً من الوصول باكراً والشعور بأنهم يهدرون وقتهم من دون جدوى، من هنا لا بد لهؤلاء إيجاد حافز معين لجعلهم يتقبلون فكرة الوصول قبل الوقت المحدد، كإحضار كتاب أو الاتصال بصديق لم يتحدثوا معه منذ فترة طويلة. via GIPHY في الختام إذا كان لديكم صديق يتأخر على الدوام عن مواعيده، فلا تحاولوا الزعم بأن الموعد سيكون قبل نصف ساعة من الوقت الفعلي، لأنه سرعان ما يكتشف الحيلة، وقد تنشب خلافات بينكما. ناقشوا معه هذه المسألة واتفقوا مثلاً على أنه في كل مرة يتأخر فيها 15 دقيقة أو أكثر سيكون عليه دعوتكم لتناول العشاء على حسابه.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...