ليست الانتقادات الموجهة لاختيارات الفائزين بجائزة نوبل للآداب بالأمر الجديد، بل إنها بشكلٍ أو بآخر جزء من تقاليد الجائزة.
وبغض النظر عن انتقادات بعض الخيارات الغريبة، مثل رئيس الوزراء ونستون تشرشل والمغني الأمريكي بوب ديلان، فإن جائزة نوبل تعرضت منذ دورتها الأولى سنة 1901 لانتقادات بخصوص إهمال بعض الأسماء التي يجد كثيرون أنها الأحق بالفوز، وكان هذا الاسم في الدورة الأولى هو الكاتب الروسي ليو تولستوي، والذي كتب إليه 42 كاتباً وفناناً سويدياً، معبرين عن امتعاضهم سوء اختيار الأكاديمية السويدية، بعد فوز الكاتب الفرنسي سولي برودوم بالجائزة.
وحتى يومنا هذا ما زال عدم حصول الكثير من الأسماء على الجائزة يثير جدلاً واعتراضات كثيرة على خيارات القائمين على الجائزة، إليكم أشهر هذه الأسماء.
فرانز كافكا
تقول الصحفية والكاتبة التشيكية ميلينا يسينيسكايا أن الكاتب فرانس (أو فرانز) كافكا "عرف العالم بشكل عميق واستثنائي. كان هو بذاته عالماً عميقاً واستثنائياً". استطاع كافكا أن يحصل على ما يقارب إجماعاً من النقاد والروائيين على حدٍ سواء، من خلال رواياته المنشورة في حياته أو بعد وفاته على يد صديقه ماكس برود، ما دفع مدينة براغ مسقط رأس كافكا وجمعية فرانز كافكا إلى إطلاق جائزة فرانز كافكا الأدبية سنة 2001. اكتسبت جائزة فرانز كافكا الأدبية أهمية خاصة حين فاز رابحان بها بجائزة نوبل للآداب في ذات العام، وهما الكاتبة النمساوية إلفريدي يلينيك سنة 2004، وهارولد بينتر سنة 2005، ما جعل الكثيرين يعتبرون الجائزة، التي انطلقت سنة 2001 على يد جمعية فرانز كافكا ومدينة براغ التشيكية، مقدمة أو مؤشراً مهماً للرابحين القادمين بجائزة نوبل. لم يربح الروائي التشيكي (ألماني اللغة) فرانز كافكا، الذي تحمل الجائزة اسمه، جائزة نوبل للآداب، ولم يترشح لها حتى، وذلك لعدة أسباب، أولها أنه لم ينشر معظم أعماله وهو على قيد الحياة، واقتصر ما نشره في حياته على رواية "المسخ" (أو "التحول" في ترجمات أخرى)، و"في مستوطنة العقاب" إضافة لأعمال أخرى قصيرة نشرت في دوريات مختلفة. إضافة لذلك لم يحز كافكا الكثير من الشهرة أو التقدير في حياته، ومعظمها أتت بعد نشر صديقه ماكس برود رواياته بعد وفاته رغم وصية كافكا بحرقها، ومنها "المحاكمة" و"أميركا" (أو "المفقود" في ترجمات أخرى) و"القصر". اليوم يعتبر الكثير من النقاد أن كافكا كان الحدث الأهم في عالم الرواية والأدب عموماً في القرن العشرين، وعلى الرغم من عدم حصوله على جائزة نوبل للآداب، التي كان عمرها عند وفاته 23 عاماً، فإنه اليوم يفوق عشرات ممن فازوا بها شهرةً وأثراً على الآداب المعاصرة، خصوصاً فن الرواية.من اليابان إلى سورية ومصر والنمسا واليونان وأمريكا، لماذا لم تربح هذه الأسماء جائزة نوبل؟
هنري ميلر
يصف صمويل بيكيت رواية "مدار السرطان" لهنري ميلر بأنها "حدث جوهري في تاريخ الكتابة"، الرواية التي نشرت للمرة الأولى في باريس سنة 1934 مغلفة بعبارة "لا يسمح بتوريدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا العظمى"، وقد وصف ميلر انطلاقته هذه في كتابه "حكمة القلب"، إذ يقول: "انطلاقتي كانت من القاع حيث الفوضى والظلام، في مستنقع من الأفكار والعواطف والتجارب قبل أن أصل الى ما وصلت إليه" مشيراً إلى حالة الفقر والفوضى والفساد الأخلاقي المحيطة به، والتي يصفها في شتى رواياته، خصوصاً ثلاثيتي "ربيع أسود" التي بدأت بـ"مدار السرطان"، وثلاثية "الصلب الوردي". في فيلم قصير بعنوان "عشاء مع هنري ميلر" يظهر ميلر وهو يتناول العشاء والنبيذ فيما يتحدث مع برندا فينوس، الكاتبة في مجلة بلايبوي، وتثير فينوس الموضوع بسؤاله بداية عن موعد إعلان اسم الرابح بالجائزة، ثم تسأله إن رغب بها. إجابة هنري ميلر، التي تظهر في فيلم "عشاء مع هنري ميلر" المنشور لاحقاً لهذه الجلسة، كانت قاطعة، "لا، لم أفكر بها أبداً"، ثم يضيف شارحاً اهتمامه بالجائزة حين بلغ النصف الثاني من ثمانيناته، حيث طلب من عدد من أصدقائه إرسال رسائل توصيات بفوزه إلى لجنة الجائزة، "كل الأمر بدأ بحقيقة أن محاسبي كان هنا في أحد الأيام، وأخبرني ما الذي يحصل حين أموت"، فالوضع المالي لورثته سيكون سيئاً لدرجة أنهم "سيضطرون لبيع المنزل كي يدفعوا ضريبة الميراث"، متعللاً بأن مبلغ 160,000 دولار معفى من الضرائب يبدو جيداً ليفك ضيقه. لم تنجح محاولة ميلر، حيث فاز بالجائزة في العامين اللذين حاول فيهما (1978-1979)، كل من الكاتب البولوني الأمريكي إسحق باشيفيس سنجر والشاعر اليوناني أوديسيوس إيليتس على التوالي، وعن سبب عدم فوزه، ينقل الكاتب الأيرلندي لورانس دوريل عن "أحد أعضاء لجنة نوبل" قوله أن: "على المرء أن ينتظر ميلر حتى يصبح محترماً"، في إشارة إلى أسلوب حياته وآرائه. وكان رد ميلر: "لا يمكنني أن أصبح محترماً، حتى وإن عنى ذلك خسارة الجائزة"، وفي رسالة من هنري ميلر (في سن 55 عاماً) إلى الكاتب الأمريكي والاس فاولي في 1946، يقول "لو ربحت جائزة نوبل، لم تكن ستجلب لي أي فرح. ينتظر المرء كل شيء لوقتٍ أطول مما يستحق، وذلك يضيع فرصة أن يستمتع به حين يأتي".يوكيو ميشيما
ليس هناك (في اليابان) من حاول الفوز بجائزة نوبل للآداب أكثر من يوكيو ميشيما، والذي كان مصمماً في ستينيات القرن الماضي على ربح الجائزة وهو ما زال في ثلاثينياته، مستغلاً انتشاره المبكر على نطاق واسع في الغرب، وكان ثلاثة كتاب يبرزون في ذلك الوقت، كالأصوات الأقوى حضوراً من اليابان في الغرب، وكمرشحين محتملين للفوز بجائزة نوبل للآداب، هم إضافة إلى ميشيما، ياسوناري كاوباتا، وكينزابورو أوي. ويقول داميان فلاناغان، مؤلف كتاب "يوكيو ميشيما" المنشور في 2014، أن المترجم والناقد دونالد كين ضغط بشكلٍ فعال في سبيل فوز ميشيما بالجوائز العالمية الكبرى، مثل جائزة "فورمينتو"، كما قام ميشيما بعدة زيارات إلى موطن جائزة نوبل وحكامها في ستوكهولم، كما تواصل مع السفير السويدي في اليابان. وحين حصل الياباني شينيشيرو توموناغا على جائزة نوبل للفيزياء سنة 1965، وضيف فلاناغان أن ميشيما اضطر للهرب من اليابان إلى تايلاند، تفادياً لطلب الصحافة منه التعليق على فوز الياباني شينيشيرو توموناغا بجائزة نوبل للفيزياء سنة 1965. يقول فلاناغان أن حظوظ ميشيما في الفوز بجائزة نوبل تضاءلت مع أواخر الستينات، حيث أصبح ميشيما مسيساً بشكلٍ كبير، بتحوله إلى يميني متطرف يملك جيشه الخاص، فكان ميشيما الخاسر في اليابان بين ثلاثة منافسين على الجائزة، هم إضافة إليه، ياسوناري كاوباتا الذي ربح الجائزة سنة 1968، والذي يعتقد أنه أجبر ميشيما على كتابة رسالة إلى لجنة الجائزة تدعم ترشيحه مقابل مساعدته لميشيما في إشكالٍ قانوني. وكذلك كينزابورو أوي، الذي يقال أن ميشيما تنبأ بأنه سيكون الكاتب الياباني التالي الذي يربح الجائزة بعد كاوباتا، وبالفعل كسبها سنة 1994، دون أن يشهد ذلك ميشيما الذي انتحر إثر محاولة انقلابية فاشلة سنة 1970، وكاوباتا الذي انتحر (أو مات) خنقاً بالغاز سنة 1972.نيكوس كزنتزاكيس
تم ترشيح الكاتب اليوناني نيكوس كزنتزاكيس لتسع سنواتٍ بدءاً من عام 1947، وتقدم برسائل ترشيحه جهات عدة، منها اتحاد الكتاب النرويجيين، والموسيقي السويسري صمويل بود بوفي، واستمرت الترشيحات حتى دورة 1957 التي فاز بها الكاتب والناقد الفرنسي ألبير كامو. تصف ماريا يوجين أوكبيرغ يوم إعلان اسم الفائز بجائزة نوبل لسنة 1957، في دارستها المقارنة عن ألبير كامو ونيكوس كزنتزاكيس سنة 1973 لصالح جامعة تينيسي عن ذلك النهار، "أتذكر كم كنت سعيدة وفي الوقت نفسه حزينة حين فاز كامو بجائزة نوبل. كنتُ سعيدة لأنه تم تشريف كامو وحزينة لأن كزنتزاكيس، رغم كل الترشيحات، لم يحصل على ما استحقه بالتساوي (مع كامو)". خسر نيكوس كزنتزاكيس جائزة نوبل للآداب في دورة 1957 بفارق صوتٍ واحد لصالح الفرنسي ألبير كامو، لتنتهي بعدها ترشيحات شتى الجهات للكاتب اليوناني منذ تسع سنوات، بدءاً من عام 1947، وتقول زوجة كزنتزاكيس في مقالتها المنشورة في الذكرى المئوية لولادة صاحب "زوربا" و"الإغواء الأخير للمسيح"، أن ألبير كامو أرسل لها عند فوزه بالجائزة قائلاً أن كزنتزاكيس "يستحق هذه الجائزة مئة مرة أكثر مني". وتقول هيلين كزنتزاكيس في ذات المقال، إنه كان يتجاهل التحريض المستمر بحقه في الأوساط اليونانية خصوصاً، "إلا أن هذا السلوك الأخلاقي لم يشفع له أمام أعدائه، فبذلوا جهدهم لحرمانه من جائزة نوبل، وقتها كان صاحب صحيفة ‘إستيا‘ (الأدبية اليونانية) سفيراً لليونان في ستوكهولم ومن هناك واصل شن حربه على نيكوس".أدونيس
نقل أكثر من 30 كتاباً لأدونيس ما بين شعرٍ ونقد أدبي إلى اللغة الفرنسية، أولها في 1982، وحاز أكثر من ثلاثين جائزة وتشريفاً، أبرزها جائزة غوته سنة 2011، والتي أصبح بعدها أقرب من أي وقتٍ مضى إلى جائزة نوبل، التي ليس جديداً على الترشح للفوز بها. يقول شل أسبمارك، عضو الأكاديمية السويدية ورئيس لجنة نوبل بين 1998 و2004 أن نجيب محفوظ كسب جائزة نوبل سنة 1988 على حساب أدونيس، ويضيف في لقاء مع فرانس 24 أن سبب تفضيل محفوظ هو كونه "أكثر عالمية من أدونيس". في مقال له في الغارديان بعنوان "لماذا يجب أن يكسب أدونيس جائزة نوبل"، يقول الكاتب والدبلوماسي البريطاني جيرارد روسل، أنه منذ ولادة جائزة نوبل "منحت دائماً تقريباً لأوروبيين. السويديون، مثلاً، حصلوا عليها أكثر بست مرات من العرب. بالكاد يمكن تصديق أن الأوربيين يحتكرون الموهبة الأدبية"، ويصف أدونيس بأنه "حرفي، يخيط ثقافات الشرق الأوسط وأوروبا، التي عادة ما يتم تفريقها عن بعضها البعض وتحتاج لجمعها من جديد". بعد فوزه بجائزة غوته سنة 2011، أصبح أدونيس المرشح الأول لكسب جائزة نوبل للآداب، حسب ما أعلنت "لادبروكس" (Ladbrokes) للمراهنات حينها، والتي قال المتحدث باسمها أليكس دونوي أن "أدونيس لطالما كان على القائمة القصيرة للجائزة في الماضي والاحتمالات تقترح أن الأمر قد يحصل هذه السنة"، لكن أدونيس خسر الجائزة لصالح السويدي توماس ترانسترومر، ورغم ذلك ما زال حتى اليوم المرشح الأقوى للفوز بالجائزة بين المؤلفين العرب.يوسف إدريس
من الأسماء التي كانت مرشحة لتكون أول عربي أو عربية يكسب جائزة نوبل للآداب، الروائي والقاص المصري يوسف إدريس، مؤلف "العسكري الأسود"، والذي يجمع بين الكتابة والعمل السياسي والعمل في الطب النفسي، تعرضت بعض أعماله للمنع، وسجن لسنة في 1954-1955، وترشح عدة مراتٍ لجائزة نوبل للآداب، أبرزها كانت عام 1988 حين خسرها لصالح نجيب محفوظ، و1994 حين قال أنه تلقى عرضاً بفوز الجائزة مقابل تقاسمها مع كاتب إسرائيلي. تقول الناقدة والكاتبة رجاء الرفاعي، في مقابلة مع موقع "البوابة نيوز" المصري، أن زوجها، الأديب المصري يوسف إدريس، كان الأحق بجائزة نوبل، وزاره منظمو الجائزة في المنزل وأجرى حواراً لصحيفة التايمز، وأن إدريس "تفاجأ بفوز محفوظ، الأمر الذي أثار استياءه بشكل كبير، وكانت بمثابة صدمة له"، وتضيف أن السبب الأساسي وراء فوز نجيب محفوظ هو "ترحيبه الشديد بالتعامل والمصالحة مع إسرائيل". أما شل أسبمارك فيرفض في اللقاء المذكور سابقاً أن يكشف عما إذا كان إدريس بالفعل مرشحاً في ذات السنة التي ترشح فيها محفوظ، ولكنه يقول أن "إدريس كاتب جيد وكل كاتب جيد مرشح للفوز بالجائزة". وعن عرض تقاسم الجائزة مع كاتب إسرائيلي، يقول شل أسبمارك بأنه كان "حماقة من رجل سياسي (سويدي) كان في زيارة إلى مصر وقتها، وتحدث مع إدريس واقترح عليه ذلك، وغضب إدريس يومها كثيراً وراح يصرخ أمام الجميع، الاقتراح لم يكن من أحد أعضاء جائزة نوبل".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...