تأكيداً على الصفة العالمية لعيد النيروز (نوروز)، بدأت الأمم المتحدة منذ عام 2010 ترعى احتفالاً سنوياً يقام في مقرها الرئيس في نيويورك. تشارك عدة دول في هذا الاحتفال الذي يقام في الرابع والعشرين من مارس، منها إيران، العراق، طاجكستان، أفغانستان، أذربيجان، مقدونيا، الهند، كازخستان، قيرغستان، تركيا وغيرها. وهكذا فإن ما يقرب من 300 مليون من سكان هذه الدول يحتفلون بهذه المناسبة كل عام، ويعدونها حدثاً وطنياً يعزز الانتماء ويبعث التفاؤل.
[br/]
[br/]
[br/]
يجد احتفال النيروز، أي اليوم الجديد، في الحادي والعشرين من مارس كل عام، منبعه في أسطورة شعبية توارثتها الأجيال الكردية منذ ما يقرب من 3000 عام. يُحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك ملك شرير إسمه الضحاك. على كتفي الملك كان هناك ثعبانان لا يشبعهما إلا أدمغة الأطفال. وكان الملك حريصاً على إطعامهما لأن جوعهما كان يسبب له ألماً شديداً. في كل ليلة كان الملك الشرير يقتل طفلين من أبناء مدينته. وفي أحد الأيام، وبعد أن فقد حداد فقير في المدينة، إسمه كاوه، كل أبنائه وبقي عنده ولد واحد، قرر أن ينتفض ضد الملك ليحمي آخر أولاده. وهكذا اقتحم كاوه ومعه جموع الشعب قصر الملك الشرير وقتله وأشعل النار على أسواره ابتهاجاً بزوال الظلم. عندها أشرقت الشمس، وأورقت الأشجار، وشعرت المدينة أن حياة جديدة قد بدأت.[br/]
انتشرت هذه الأسطورة بين الشعوب الآرية، ويُعتقد على نطاق واسع أن إيران هي مهد الاحتفال بهذا اليوم الذي يعد أول يوم في السنة الإيرانية. هو يوم الانقلاب الربيعي، يوم عودة الدفء والشمس إلى المراعي، وانتشار الخضرة في كل مكان. يوم تجدد الأمل لدى الناس برؤية الطبيعة تفيض عليهم بالخير الذي اختزنته من أمطار الشتاء.[br/]
[br/]
تحول هذا الفرح الموسمي باخضرار الأرض وسطوع الشمس وبهجة الألوان في السهول إلى مناسبة قومية لكل الشعوب التي تحتفل به. هو أحد أهم الأعياد الإيرانية. يحتفل الناس به بالتزاور والخروج إلى المنتزهات العامة، ومن العادات المميزة للاحتفال به في إيران هو وضع صينية في المنزل تُسمى “هفت سين” (أي الأشياء السبعة التي تبدأ بالسين) التي عادة ما تحتوي على المكونات التالية: سبزي sepzi، أي الخضرة كالشعير أو براعم العدس وهي ترمز لعودة الحياة، سامانو samanu وهي حلوى تصنع من القمح وترمز لتدفق الخير، سنجد Senjid وهي فواكه مجففة ترمز للحب، سير sir (الثوم) ويرمز للدواء، سيب sip (التفاح) وهو يرمز للجمال والصحة، السماق simaq وهو يرمز للون الشمس عند الشفق، والخل serkeh الذي يرمز للعمر والصبر.[br/]
قد نرى أيضاً على مائدة الاحتفال البيض الملون، أو حوضاً صغيراً للسمك، إضافة لكتاب الشاهنامة للفردوسي (حيث ذكرت أسطورة الضحاك وكاوه الحداد) أو ديوان حافظ الشيرازي، أو أحد الكتب المقدسة تبعاً لدين من يحتفل بالنيروز (القرآن- الإنجيل- الأقدس).[br/]
أما في كردستان العراق، فتبدأ تحضيرات الاحتفال منذ العشرين من مارس. يبدأ أهالي المناطق بتجميع الحطب والمواد القابلة للاشتعال ويتبارون فيمن يشعل أكبر نار يمتد لهيبها عالياً معلناً الفرحة بقدوم الربيع. تنتشر في تلك الليلة حفر النيران المشتعلة على قمم التلال وتستمر ليلاً حتى تبزغ شمس الحادي والعشرين من مارس. عندها يرتدي الرجال والنساء الملابس الكردية التقليدية وينطلقون إلى سفوح التلال الخضراء. في ظل شمس النيروز الدافئة يتبادل الأهالي التهاني، ويرقصون الدبكة، في حين تنتشر رائحة شواء اللحوم والمأكولات التي أعدتها الأمهات في البيوت.[br/]
[br/]
هذه المناسبة السنوية هي الوقفة القومية الكبرى عند الأكراد التي يؤكدون بها هويتهم ويبرزون بها تميزهم وتراثهم القديم. فهم اليوم يحتفلون بالسنة 2714 من التقويم الكردي. تستمر الاحتفالات بالنيروز أربعة أيام، وتتخلل هذه الأيام زيارات بين الأهل والأقارب، جلسات صلح بين المتخاصمين، وأمسيات سمر ودبكة.[br/]
رغم أن العرب لا يعرفون النيروز كموروث ثقافي أو احتفال سنوي، إلا أن تجاورهم مع الأكراد والإيرانيين في العراق وفي دول أخرى جعلهم يحتفلون بعيد الربيع، أو بما يسمونه الآن عيد الشجرة، والذي أقر بعد ثورة 1958 في العراق، حيث كانت المدارس العراقية تحتفل بغرس شجرة كرمز لموسم جديد من العطاء. لا تزال بغداد تشهد احتفالات العوائل بهذا اليوم حيث تمتلئ متنزهاتها بالأهالي المستمتعين بموسم الربيع، والآملين بيوم أفضل أقل ألماً وأكثر تفاؤلاً.[br/]
تعود هذه العلاقة بين العرب والنيروز إلى قرون مضت، حتى أن شاعراً بمستوى البحتري ذكر النيروز في قصيدته "في وصف الربيع" قائلاً: أتاك الربيع الطلقُ يَختال ضاحِكاً، من الحُسن حتى كاد أن يتكــــــلّما/ وقد نبّه النيروز في غلَسِ الدُجى، أوائلَ وَرد كنّ بالأمس نُــــــــوّما.[br/]
إذا استعرنا بتصرف تعبير الراحل الكبير نزار قباني، فيمكننا أن نقول إن "الأمل في الأرض بعضٌ من تخيلنا/ لو لم نجده عليها لاخترعناه". وفي خضم ما نعيشه الآن، فإن مواسم الفرح والتفاؤل هي أحد أهم الاختراعات التي نحتاجها.[br/]
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...