يعيش الشعب المصري حالة نشوة بعد تأهل منتخبه الوطني الأول لكرة القدم لكأس العالم 2018 الذي تحتضنه روسيا، وذلك بعد غياب دام نحو 27 عاماً.
عاش المصريون طوال تلك السنوات "العجاف" كابوساً مؤلماً لم يكن أحد متوقعاً أن ينتهي على يد هذا الجيل من اللاعبين. ولكن المعجزة تحققت بهدفين من محمد صلاح الذي يعتبر حالياً النجم المفضّل للمصريين، في مباراة منتخب مصر مع الكونغو، انتهت بفوز الفراعنة بهدفين مقابل هدف واحد على استاد برج العرب، ما ضمن لمصر صدارة مجموعتها والتأهل لمونديال روسيا.
مشاركات سابقة للفراعنة
حين شارك منتخب مصر في كأس العالم آخر مرة عام 1990، كان تعداد الشعب المصري 57 مليوناً ونصف المليون، بحسب أرقام البنك الدولي. حالياً، يبلغ تعداده 104 ملايين نسمة، بحسب آخر تقرير للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري. آخذين بالاعتبار عدد الوفيات بين عامي 1990 و2017، يمكن القول إن أكثر من 60 مليوناً لم يكونوا مولودين حين جرت آخر مشاركة للفراعنة في العرس الكروي العالمي، أي أن حوالي ثلثي المصريين على الأقل ليس لديهم ذكريات عن تلك اللحظة. يروي أحمد رزق، مصري مقيم في الأردن من كبار مشجعي النادي الأهلي، لرصيف22 أن ابنه الأكبر الذي يبلغ من العمر 20 عاماً كان دائماً يحدثه "بنبرة حزن" ويسأله: "متى سنصل إلى كأس العالم؟ أود أن أرى مصر في المونديال". ويقول الأب لرصيف22: "ها نحن قد فعلناها وصعدنا. السعادة تملأ قلوبنا جميعاً. أنا فخور بهذا الجيل وفخور بمحمد صلاح".أول مشاركة للعرب والقارة السمراء
كانت مصر رائدة في كرة القدم العربية والإفريقية، وسجلت أول ظهور للعرب والقارة السمراء في البطولة العالمية في نسخة 1934 في إيطاليا. واصطدم المنتخب الوطني بنظيره المجري الذي كان يعد من أقوى المنتخبات في العالم في ذلك الوقت، في مباراة بمدينة نابولي، وانتهت المباراة لمصلحة المجر، بنتيجة (4-2). خاضت مصر تلك المباراة بتشكيلة من: مصطفى كامل منصور، علي السيد، حميدو شارلي، حسن الفار، حسن رجب، إسماعيل رأفت، محمد لطيف، عبد الرحمن فوزي، مختار التتش، مصطفى كامل طه، ومحمد حسن. وسجل عبد الرحمن فوزي، هدف المنتخب الوطني ليصبح أول لاعب مصري وأول عربي وأول إفريقي يحرز هدفاً في كأس العالم. واختير أفضل جناح أيسر مهاجم في البطولة. كما شهدت تلك المباراة تألق حارس المرمى مصطفى كامل منصور، الذي احترف في الدوري الإسكتلندي عقب البطولة.مصر في كأس العالم. هل يسجّل الفراعنة أهدافاً ويقولون وداعاً لمجدي عبد الغني وهدفه؟
أكثر من 60 مليون مصري لم يكونوا مولودين حين جرت آخر مشاركة للفراعنة في العرس الكروي العالميوجاء الظهور الثاني للفراعنة في كأس العالم، بعد غياب 56 عاماً، في نسخة 1990 وكانت في إيطاليا أيضاً. وأوقعته القرعة في مجموعة نارية ضمت منتخبات إنكلترا، وجمهورية إيرلندا، وهولندا المرشح الأول للفوز بالبطولة في ذلك الوقت. وحلت مصر في المرتبة الأخيرة بعد نهاية منافسات دور المجموعات برصيد نقطتين جمعتهما من التعادل أمام هولندا في الجولة الأولى 1-1 والتعادل أمام جمهورية إيرلندا في الجولة الثانية بدون أهداف والخسارة في الجولة الثالثة أمام إنكلترا (1-0).
مصر تتسبب بتغيير قوانين اللعبة
شيء وحيد يتذكره العالم من المشاركة الأخيرة للمنتخب المصري في كأس العالم والذي بسببه تغيّر أحد قوانين اللعبة، إذ كان يُسمح لحارس المرمى بإمساك الكرة بيده إذا أرجعها إليه أحد زملائه، كما كان يُسمح للحارس بأن يضع الكرة على المستطيل الأخضر ويقوم بالتقاطها مرة أخرى. ولكن ما فعله دفاع المنتخب المصري وحارس مرماه في كأس العالم 1990 قتل متعة كرة القدم وجعل الفيفا يغيّر قوانين اللعبة، بعدما تعمد الفريق المصري إضاعة الوقت وقتل متعة كرة القدم بسبب إعادة اللاعبين للكرة في الكثير من المشاهد إلى حارس مرماهم. وبات القانون الجديد يسمح للحارس بأن يمسك الكرة في حالة إعادتها إليه بالرأس من زميله فقط، كما يمنع القانون الجديد الحارس من مسك الكرة مرة أخرى بعد وضعها على الأرض. ويتذكّر أحمد رزق جملة جون جاك تشارلتون، المدير الفني لمنتخب إيرلندا حينما قال عقب مباراة مصر وإيرلندا، إن المنتخب المصري أسوأ منتخب رآه في حياته.هدف عبد الغني ولعنة السنوات العجاف
لا يترك محدي عبد الغني مناسبة إلا ويحدث الجميع عن هدفه في مرمى المنتخب الهولندي كأس العالم 1990، وكأن المنتخب المصري توج بهذا الهدف بطلاً للعالم. ويتندّر المصريون على تفاخر عبد الغني، ويرى كثيرون منهم أنه الشخص الوحيد السعيد بابتعاد الفراعنة عن المشاركة في العرس الكروي العالمي طوال الـ27 عاماً الماضية، لا بل يعتبر بعضهم أنه سبب اللعنة التي أصابت الفراعنة وجعلتهم غير قادرين على الوصول إلى المونديال كي يظل هدفه ذكرى يتحدث عنها الجميع. ويخرج عبد الغني دائماً ويطالب الشعب المصري بعدم نسيان هدفه في شباك هولندا بكأس العالم، حتى أنه صار هو نفسه يتندّر بذكر هذه الحادثة بعد أن بدأ حديثه عنها بجدية. وكثيراً ما سخر نجوم الكرة المصرية من عبد الغني وهدفه.فشل الجيل الذهبي
كان الوصول إلى كأس العالم عام 2014 بالبرازيل الفرصة الأخيرة لمشاهدة الجيل الأبرز في تاريخ كرة القدم المصرية بقيادة محمد أبو تريكة، وعماد متعب، وعمرو زكي، ومحمد زيدان وأحمد حسام "ميدو" وغيرهم. والغريب أن هذا الجيل فاز بكأس أمم إفريقيا ثلاث مرات متتالية في أعوام 2006، 2008، و2010. ولذلك يتحدث المصريون عن النحس الذي لازم منتخب بلادهم. عقب سقوط المنتخب المصري أمام غانا في التصفيات المؤهلة لكأس العالم 2014، جمعت صورة محمد أبو تريكة بنجم المنتخب الحالي وفريق ليفربول الإنكليزي محمد صلاح. هذه الصورة يعتبرها المشجع المصري محمود رجب البداية لتأهل مصر لكأس العالم 2018. ويرى أن أبو تريكة الذي يصفه بأنه "ممثل جيل أسطوري" سلّم الراية لصلاح والجيل الجديد الذي نجح في أداء المهمة التي عجز عنها سلفه.السياسة تتدخل في الرياضة
انقسم الشارع المصري قبل المباراة وبعدها بين فريق يحلم بوجود منتخب بلاده في الحدث العالمي وفريق يتمنى سقوطه انطلاقاً من أبعاد سياسية. ويؤكد الفريق الثاني أن تأهل المنتخب نقطة سيستغلها الإعلام المحسوب على النظام الحالي ليصوّرها كإنجاز يحسب للرئيس عبد الفتاح السيسي، وسيقول مؤيدوه إنه أعاد الأمجاد لكرة القدم المصرية وجاء الفرج على يديه وأنه "وش الخير على مصر"، وهو ما لا يرغبون فيه. وقال ص. أ. لرصيف22 "لا أرغب في وصول مصر لكأس العالم في ظل وجود السيسي رئيساً للبلاد".خوف من المستقبل
الآن، يتخوّف مصريون كثر من ظهور الفراعنة بشكل غير جيد خلال كأس العالم 2018، بسبب طريقة اللعب التي يتبعها المدرب الأرجنتيني هيكتور كوبر، منذ توليه مهمة تدريب المنتخب المصري. ويعتبر آخرون أن طريقة كوبر الدفاعية كادت تقضي على حلم المصريين في التأهل، وطالب عدد كبير من الجمهور الاتحاد المصري لكرة القدم بإقالة المدرب الأرجنتيني مثلما فعل الاتحاد السعودي مع مدرب الخضر المُقال برغم قيادته للمنتخب السعودي للتأهل للمونديال لأن مستوى المنتخب كان غير مُرضٍ لكثير من السعوديين.لماذا نجح الجيل الحالي؟
يرى الناقد الرياضي بجريدة الوفد المصرية محمد اللاهوني أن زيادة عدد المحترفين المصريين في الخارج ووجود اللاعب محمد صلاح، الذي يمتلك قدرات بدنية كبيرة وحساً تهديفياً عالياً وسرعة فائقة، إلى جانب خبرة المدرب الأرجنتيني هيكتور كوبر، وسهولة التصفيات هذه المرة مقارنة بالسنوات السابقة والتعامل بجدية مع المونديال ببداية قوية بالفوز خارج مصر أمام الكونغو، هذه كلها عوامل جعلت الجيل الحالي يحقق حلماً فشلت أجيال سابقة في تحقيقه. وعند الحديث عن أبرز النجوم المصريين الذين يستحقون المشاركة في المونديال ولكن كرة القدم أعطتهم ظهرها وظلمتهم، ذكر اللاهوني الثنائي أحمد حسن و"النجم الخلوق" محمد أبو تريكة. وأياً تكن نتائج المنتخب المصري في المونديال المفبل، سيسجل الفراعنة رقماً قياسياً إذا شارك الحارس المصري، عصام الحضري، في التشكيلة، وهو شارك في المباراة التي شهدت تأهل المنتخب المصري وأنقذ مرماه من هدف محقق في بداية الشوط الثاني. بأعوامه الـ45، سيكون الحضري اللاعب الأكبر سناً في تاريخ نهائيات كأس العالم، وسيسحب الرقم القياسي الحالي من الحارس الكولومبي فريد موندراغون، الذي لعب النهائيات وكان له من العمر 43 عاماً في 2014.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...