"يا تجيبلي شوكولاتة يا بلاش يا ولا"... هل كانت سعاد حسني تعلم أن "نقصاً حاداً" في محاصيل الكاكاو يهدد العالم باختفاء هذا الطعام لتشترطه مهراً من حبيبها؟
نعم، الشوكولا على وشك النفاد من العالم، ولن يكون لدينا ما نهرب إليه وقت الضيق والحزن والغضب.
ربما ليس ضرورياً توضيح حاجة عالمنا البائس الذي يغرق في دماء الحروب والأوبئة والكوارث البيئية، إلى الشوكولا، أو شرح الفوائد الصحية والمزاجية الهائلة التي توفرها لنا علاجاً وطعاماً، بل ووسيلة للسعادة.
فبعد أن أورد تقرير Barry Callebaut السنوي، تحذيراً من حدوث نقص حاد في إنتاج الشوكولا في العالم بحلول 2020.
جاء ويلبرت فيليبس مورا، مدير برنامج تطوير الكاكاو وراثياً، في مركز بحوث الزراعات الاستوائية والتعليم العالي C.A.T.I.E، ليؤكد أن نبوءة التقرير أوشكت على التحقق.
أسباب الأزمة
تصريحات مورا لصحيفة النيويورك تايمز، تؤكد أن هناك عوامل كثيرة تهدد إنتاج الكاكاو؛ وفي مقدمها الآفات والأمراض والتحديات البيئية، فضلاً عن وجود فجوة كبيرة بين الطلب العالمي على الشوكولا وإنتاج الكاكاو. التغير المناخي عامل آخر في تفاقم مسببات العدوى والمرض للنباتات الاستوائية تحديداً، وكذا الأمراض التي تهاجم الأشجار نفسها لا الثمار، مثل مكنسة الساحرة الشريرة وهو مرض يغير هيكل الشجرة الخارجي ويجعلها أشبه بأعشاش الطيور. مورا الذي يسعى إلى تطوير 1235 فصيلة من الكاكاو، يؤكد أن الأنواع المنتجة بمعظمها حول العالم تنتمي إلى مجموعة جينية محدودة تم استخلاصها في الأربعينات، ويعتبر ذلك سبباً مباشراً في انتشار الأمراض وضعف الإنتاج، لافتاً إلى أن تعفن جذور قرون الكاكاو لإصابتها بفطر Monilia سبّب، على سبيل المثل، بانخفاض صادرات كوستاريكا من حبوب الكاكاو الجافة بما يعادل 96% بحلول 1983، ولم تتعافَ صناعة الكاكاو التي كانت مصدر ثروة أهل البلد، ثانية. صناعة الكاكاو في خطر دائم، فتزايد الترحال والتبادل التجاري العالمي ساعد في ظهور مسارات جديدة وواسعة للعدوى، يقول مورا. ويردف: أحدث تفشٍّ مؤكد للفطر شهدته جامايكا سبتمبر 2016، إثر نقل مهربي الماريجوانا قرون الكاكاو المصابة بالفطر من غير قصد – استخدموها وجبات خفيفة – من كوستاريكا، ويعد هذا أول تفشٍّ للفطر خارج أميركا اللاتينية وهو يثبت قدرة على البقاء حياً على الرغم من السفر البعيد. غرب أفريقيا، المورد الرئيسي لمنتجات Hershey’s Kisses وM&M’s، عرضة أيضاً لتوقف إنتاج الكاكاو بسبب فيروس إيبولا، بخاصة في غانا وساحل العاج. تدفع هذه الصعوبات المنتجين بعيداً من زراعة الكاكاو نظراً إلى كثرة تكاليفه وقلة أرباحه ومحاصيله، وإذا وضعنا في الاعتبار ارتفاع متوسط أعمار المزارعين، غالبيتهم بمرحلة الشيخوخة، مع رفض الأجيال المقبلة العمل بمهن أسلافها. كما أن الأموال التي تخصصها شركات ذات مكاسب عملاقة مثل Nestlé وHershey وMars، في مجال البحث والتطوير للمنتج لا تكفي، بل ويُخصَّص معظمها للبحوث القصيرة المدى التي تركز على المذاق لا على مستقبل المحصول وإنتاجيته. كل هذه العوامل توضح أننا على أعتاب أزمة نقص حاد، وربما اختفاء الشوكولا.محاولات للخروج من الأزمة
على الرغم من زراعة ما يقرب من 1,3 مليون شجرة كاكاو في أفريقيا بين عامي، 2000 و2012، لا يزال إنتاج الكاكاو عاجزاً عن تغطية الطلب المتزايد على الشوكولا، خصوصاً في الصين والهند والبرازيل وروسيا وإندونيسيا، أكبر البلدان التي تستهلكها. لذا، بدأ مورا منذ أوائل الثمانينات، تحديد أكثر أصناف الكاكاو الموجودة قدرة على تحمل الظروف البيئية ومواجهة المرض وكذلك أكثرها إنتاجية، بعد ذلك شرع يهجّن هذه الفصائل لخلق أصناف جديدة أكثر إنتاجية وأكثر مقاومة للمرض. بالطبع، لم يكن إنتاج فصائل مهجنة أمراً يسيراً، غير أنه تمكن، بعد 11 عاماً من التجارب، من تقديم المجموعة الأولى من فصائل الكاكاو المهجنة في 2006. أثبتت فصائل مورا الستة المهجنة أفضلية مدهشة، من حيث الإنتاج ومقاومة المرض؛ إذ تنتج ما يعادل 3 أضعاف الأصناف العادية ومن الممكن مضاعفتها 6 أضعاف إذا توافرت ظروف مثالية لها. "زيادة إنتاج الكاكاو ليس حلاً كافياً، بل نعمل على توفير ظروف معيشية ملائمة للمزارعين الذين يعانون من الفقر وضعف القدرة الإنتاجية للأنواع التي يزرعونها"، يوضح مورا. ويضيف: "نسعى إلى إغراء الأجيال الجديدة بالإنتاج الوفير المربح للاستمرار في زراعة الكاكاو خلفاً لأجدادهم وآبائهم، وبالفعل بدأنا زراعة الفصائل المهجنة في أميركا الوسطى والبرازيل والمكسيك الآن". فصائل مورا لا يمكن أن تحل محل الأصناف الموجودة بالتأكيد، لكنها توفر حلاً جيداً عند تأزم الوضع.كيف نواجه هذا الخطر؟
تقترح شانتال كودي، خبيرة التذوق في شركة روكو، أن ثمة إجراءات علينا اتباعها لمواجهة أخطار اختفاء الشوكولا؛ أولها التوقف عن هدر الشوكولا وعن إضافتها إلى جميع الأطعمة من دون حساب، والاكتفاء برشة من الكاكاو. وتتوقع إنتاج أنواع، أقل جودة بالطبع، من بدائل للكاكاو، مع زيادة كميات العناصر الأخرى كالحليب والنكهات الاصطناعية على حساب الكاكاو. يمكننا الاستمتاع بمذاق الشوكولا بدلاً من تناول قالب كبير؛ فهي علاج لا طعام، وليس الغرض من تناولها الشبع بل المتعة. "علينا فقط أن نغمض أعيننا ونركز على المذاق الساحر للشوكولاته، وتُصغّر أحجام قوالبها الفاخرة ورفع أسعارها"، تقول كودي.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...