لطالما كانت المحادثة، وجهاً لوجه، الطريقة الأكثر فاعلية في اكتشاف الآخر والتفاعل معه، وعلى الرغم من أن ليس من اليسير إجراء محادثة ناجحة ومفيدة مع الآخرين، إلا أن عدم إجادة هذا التواصل البشري قد يؤثر كثيراً في واقعنا، بل وفي مستقبلنا الاجتماعي والمهني.
هذا ما تعتقده أسماء مراد الفخراني؛ المدربة في تطوير الذات وخبيرة الإرشاد الأسري. لا شك في أن التكنولوجيا أضرت كثيراً بقدرتنا على المحادثة بفضل اختصارها الوقت بالرسائل والنصوص المكتوبة. لذا، توضح الفخراني في تصريحها إلى رصيف22؛ أنها تعاملت مع حالات عدة لأشخاص فشلوا في حياتهم، لكونهم يعجزون عن إجراء محادثة ناجحة مع الآخرين لأسباب كثيرة، منها الخجل أو عدم الثقة في الذات أو المهابة منهم، بخاصة في مقابلات العمل. توضح النيويورك تايمز، في مقالة حديثة، أن هناك آداباً ونصائح لا بد من الالتزام بها للاستحواذ على اهتمام مَن نتحدث معه ودفعه إلى إخراج ما في داخله، خصوصاً مقدمي المقابلات التلفزيونية أو من يقومون باختيار الموظفين، وكذلك بين الأصدقاء.
الاستماع والابتسامة من أهم الأسرار
ترى أماندا دي كادينيت Amanda de Cadenet، مقدمة البرامج التي اشتهرت بإجراء أصعب المقابلات الحوارية، أن "إتقان ثقافة الاستماع الجيد" هو القدرة على إجراء محادثة ناجحة، إذ تقول: "الاستماع والاكتفاء بمراقبة الشخص المحاوِر أمران مهمان جداً". تؤكد الفخراني أن "الابتسامة المرحبة" من أهم الأمور التي نقوم بها عندما نحاور شخصاً ما، وتتابع: "كي تجعل الشخص الذي أمامك يتحدث بتلقائية لا بد من أن ترحب به؛ وناده باسمه لمزيد من الرّاحة ورفع التّكليف، وابتسم من دون استفزاز أو استهتار به ليطمئن معك".إتقان لغة الجسد وفهمها
تضيف كادينيت: لغة الجسد تكشف مشاعر وتعابير كثيرة لمحدثنا وموقفه منا؛ فعلى سبيل المثل؛ النظر بعيداً يعني عدم الاهتمام، كذلك الجلوس أو الوقوف في وضعية معاكسة، أما تكتيف الذراعين فيعكس التحدي أو التجاهل، وهو موقف دفاعيّ. وتلفت إلى أن التواصل بالعين تحديداً له مزايا لا يمكن حصرها؛ وهو قد يكشف كذب محدثنا؛ فقد أدركت أن هيلاري كلينتون "لا تخبرها الحقيقة كاملةً" عندما لاحظت أنها تتحاشى النظر في عينيها، خلال مقابلة تلفزيونية. أما الفخراني فتشدّد على ضرورة النظر في عيني محدثنا مع مراعاة الابتسامة لنشعره بالإلفة، فالعين تعبّر عمّا نشعر به، مضيفة: "التأليف والتلجلج والهمهمات" من علامات الكذب أو محاولة تغيير الحقائق. نبرة الصوت مهمة جداً أيضاً؛ يجب أن نتحدث بروية ومن دون تسرع أو توتر حتى لا ننقل ذبذبات التوتر إلى الآخر، ويجب ألّا أن نرفع الصوت حتى لا يشعر بالتهديد، أو نخفضه فينعكس لديه إحساس بعدم الثّقة فينا، أو يجعله غير متابع ما نقول، مع ترك مساحة (شخصية) مكانية تمنح المتكلم فرصة للتحرك وأخذ وضعية مريحة وعدم الشعور بالضغط النفسي.خلق مساحة آمنة
الثقة مفتاح شعور الآخرين بالأمان في الحديث معك والبوح بأسرارهم؛ ولتكن جديراً بثقة الآخرين؛ يجب أن يطمئنوا لأن أسرارهم في أمان معك، بحسب النيويورك تايمز. وتقول الفخراني أن منح المحاور الثقة ينعكس بالإيجاب على ثقته بنا.لا تبالغ في الحديث عن نفسك
عندما نتكلم كثيراً عن ذواتنا، ربما يستغل المتكلّم الأمر ضدنا؛ لذا ينبغي ألا نكون كتاباً مفتوحاً أمام الآخرين، تقول مقدمة البرامج الشهيرة. وتحذر الفخراني من التمادي في الحديث عن الذات، لأنه قد يعطي الآخرين انطباعاً عنا بالاستعلاء أو التكبر، ما يدفعهم إلى عدم متابعة الحديث. وتردف: "أن نمنح محدثنا الفرصة للتعبير عما يشعر به أو لإبداء رأيه مع إعطائه الثقة فيه، هو عين الصواب".موعد المحادثة
من غير المقبول أن تختار وقتاً يناسبك أنت لبدء المحادثة من دون مراعاة جاهزية الطرف الآخر، توضح الفخراني. وتقول كادينيت: يتوقف تحديد موعد المحادثة على جاهزية الطرفين. وهذا يعني توافر المعلومات الخاصة بموضوع الكلام، ولا يمكن أحد الطرفين رفض الحوار بناء على اعتقاده منفرداً. وتشرح: إذا سأل طفل والده عن الأمور الإباحية فينبغي ألّا يبرر عدم رغبته في الرد بأنه صغير والوقت ليس مناسباً لمعرفتها، فبما أنه علم عنها فلم يعد الأمر كذلك.المناقشات السريعة
لا تحبذ كادينيت إجراء المحادثات الصغيرة أو العابرة. وهذا تعتبره فوربس سمة العصر وتحدد قواعدها في نقاط عدة أبرزها؛ طرح الأسئلة، وإثارة الفضول، وتهدئة التوتر.تخطي النقاط الصعبة
الاستماع من دون تطفل أو طلب المزيد من الشرح؛ نصيحة خبيرة المقابلات الحوارية لمساعدة من نتكلم معه على تجاوز محنة تتعلق بما نحادثه عنه، وتقول: "كن معيناً وداعماً فقط من دون انتظار الرد، كأن تخبره بأنك تحبه أو تقف إلى جانبه".تجاوز التوتر
كثيراً، ما تضطرنا الظروف إلى خوض محادثات متعبة، تتعلق بفرصة عمل أو لشدة المحاور أو حتى لوجود أزمة أو موقف حرج يعوق التواصل مع الآخر. وتنصح كادينيت بالاعتراف بذلك وإعلام الآخر بما تشعر به ليدعمك كي تتخطى الأمر.استخراج الخفايا ونقاط الضعف
إذا أردنا معرفة نقاط ضعف شخص ما أو خفايا نفسه، فعلينا الخوض في الحديث عن ماضيه، تحديداً فترة مراهقته فهي أكثر المراحل تقلباً وتأزماً، بحسب كادينيت.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...