شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
نجلس على المقهى بلا عمل أم نقبل بأي وظيفة والسلام؟

نجلس على المقهى بلا عمل أم نقبل بأي وظيفة والسلام؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الأحد 27 أغسطس 201703:40 م
"اليد البطالة نجسة"، "أي عمل أفضل من الجلوس في المقهى"... أمثال وعبارات لا يتوقف الناس في العالم العربي عن ترديدها حتى صارت حقائق. لكن، ما رأي العلم في هذه القضية؟ هل حقاً القبول بأي وظيفة حتى لو لم تكن مناسبة لنا أفضل من البقاء من دون عمل؟ رصيف22 في رحلة لمعرفة الحقيقة. من دون شك، البطالة أمر غير صحي، فبحسب بعض الدراسات العلمية يمكن أن تترتب على البقاء من دون عمل أضرار صحية ونفسية كبيرة على الإنسان، حيث يزيد معدل إصابة العاطلين على المدى الطويل، بالاكتئاب والقلق وقد يصل الأمر إلى الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.

البطالة تؤدي إلى زيادة أخطار الوفاة

لو أبحرنا في عالم الدراسات العلمية لوجدنا أمثلة عدة، منها دراسة أجريت على رجال في ولاية بنسلفانيا الأميركية بعد مرور سنة على صرفهم من العمل على أثر أزمة اقتصادية شهيرة. وجدت الدراسة التي قامت بها مدرسة هارفارد للصحة العامة أنه، إضافة إلى المشكلات الاقتصادية والضغوط المالية وأزمات السكن التي تتسبب فيها البطالة، فإن هناك جانباً أهم وهو تدهور صحة العاطلين لدرجة تضاعف أخطار الوفاة بينهم. تقول داليا الجبالي مدربة مستقلة في التطوير الذاتي والنجاح لرصيف22: "التطلع إلى النجاح طبيعة بشرية، وحين يجد الإنسان نفسه من دون عمل، فإن هذا يجعله حزيناً، متوتراً، وقد يصل الأمر ببعض الأشخاص إلى التفكير في الانتحار". الدراسة التي أجرتها هارفارد خلصت إلى أنه حين يتم صرف موظفين وجعلهم مجرد أرقام في معدلات البطالة، يصبحون عرضة للاكتئاب، وأمراض القلب والأوعية الدموية، وأمراض أخرى كثيرة تزيد من معدل الوفاة.

لكن العمل في وظيفة غير مناسبة خطر

تبدو الدراسة السابقة منطقية إلى حد كبير، وقد يكون كثر منا – خصوصاً بعد أزمات واجهت عالمنا العربي بعد "الربيع العربي" – مروا بتجارب مهنية سلبية، منها تقليص الراتب أو حتى الصرف من العمل. لكن الجديد هنا هو دراسة علمية ترى أن البقاء من دون وظيفة قد يكون أفضل من الناحية الصحية من العمل في وظيفة غير مناسبة لنا. وجملة "غير مناسبة لنا" تعني أن تلك الوظيفة لا تتناسب ومؤهلاتنا، أو أننا لا نحبها، أو أن نظرتنا إليها سلبية ونعتبرها وظيفة "رديئة". توصلت هذه الدراسة إلى أن هناك وظائف تؤدي إلى ما يمكن أن نطلق عليه "الإجهاد المزمن"، وقد يصل الأمر على المدى الطويل، إلى التسبب في إصابتنا بالأمراض. "تخرجت في كلية السياحة والفنادق بإحدى الجامعات المصرية، وعملت لسنوات مرشداً سياحياً في محافظات مصرية سياحية"، يقول محمد طارق لرصيف22.
"أي عمل أفضل من الجلوس على المقهى"... أمثال رددها الناس في العالم العربي، هل صارت حقائق؟
أحياناً، المكوث بلا وظيفة قد يكون أفضل من الناحية الصحية من العمل في وظيفة غير مناسبة لنا...
حين يتم تسريح موظفين وجعلهم مجرد أرقام في معدلات البطالة يصبحون عرضة للاكتئاب وأمراض أخرى
لكن، بعد الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها مصر عام 2011، تراجع قطاع السياحة بشكل كبير، وقلّصت شركات سياحة كثيرة عدد موظفيها، وأغلقت أخرى أبوابها من الأساس. وتظهر دراسة مقارنة لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة لنشاط السياحة قبل ثورة 25 يناير وبعدها، تراجع عدد العاملين في القطاع السياحى، وخفضاً ضخماً في أجور العمالة الدائمة، إضافة إلى هجرة 70% من الكفاءات. ترك طارق وظيفته وبقي من دون عمل لمدة سنتين، بعد ذلك وجد وظيفة موظف استقبال في أحد مراكز تعليم الإنكليزية. "لا أحب هذه الوظيفة، فإضافة إلى أن دخلي منها قليل لا يقارن بما كنت أحصل عليه أثناء عملي مرشداً، هي وظيفة سخيفة لا تتناسب وخبرتي ومؤهلاتي"، يقول طارق. يضيف الشاب المصري الذي تخطى عمره 34 سنة أنه كان يظن أنّ من الممكن أن يتأقلم مع الواقع الجديد، لكنه فشل ويومياً يعود إلى منزله محبطاً ومكتئباً. نعود مرة أخرى إلى الدراسة التي نشرت حديثاً في المجلة الدولية لعلم الأوبئة، والتي أجريت على 1116 رجلاً في المملكة المتحدة تتراوح أعمارهم بين 35 و75 سنة، وكانوا عاطلين من العمل عام 2009 عند بدء الدراسة. قاست الدراسة نسبة الإجهاد لديهم، والمشكلات الصحية والنفسية الأخرى التي سببتها البطالة لهم. وحين توافرت لبعض هؤلاء الرجال فرص عمل، استخدم الباحثون الذين أعدوا الدراسة ما يمكن أن نطلق عليه مقياس جودة الوظائف، لمعرفة مدى شعور المستطلعين بالقلق في وظائفهم الجديدة، ومدى رضاهم عنها، ودرجة شعورهم بالاستقلال والأمان. ومقارنة بالذين بقوا عاطلين من العمل، فإن الذين عملوا في وظائف "غير مناسبة" وجدت لديهم مؤشرات أعلى في ما يتعلق بالإصابة ببعض المشكلات الصحية. أما الذين انتقلوا إلى وظائف "جيدة" ويشعرون برضا عن وضعهم المهني الجديد، فسجلوا مستوى أعلى في ما يتعلق بالصحة العقلية من أولئك الذين بقوا عاطلين من العمل. بينما الذين انتقلوا إلى وظائف "غير مناسبة" فلم يشهدوا تحسناً في الصحة العقلية. بعبارة أخرى، يمكن القول أن إيجاد فرصة عمل غير مناسبة للشخص لن تساهم أبداً في تعزيز الصحة النفسية له. "لا يوجد في الحياة أفضل من أن يعمل الإنسان في مهنة يحبها، الأمر سيكون وقتئذ مفيداً للشخص نفسه لأنه سيحقق رضا ونجاحاً وسيشعر باستقرار نفسي، ومهماً للشركة أيضاً، لأن هذا الأمر سيجعله يضيف للشركة مزيداً من النجاح"، تقول داليا الجبالي لرصيف22.

أخيراً...

لا تبقوا من دون عمل، ولا تقبلوا أن تعملوا في وظائف لا تحبونها، بل قوموا بمجهود أكبر في البحث عمّا يناسبكم ويحقق لكم شعوراً بالرضا، وأهّلوا أنفسكم لمهن تحبونها.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image