يقف بعض المارة بالقرب من الحائط مترددين، يراقبون سيدة خمسينية وطالبة جامعية خلال وضعهما بعض الأكياس، وحدهم الأطفال يقتربون خلال النهار مسرعين لتفقّد الموجودات، أما كبار السن، فيفضلون زيارة الحائط عندما يخف ازدحام السيارات في الشارع.
"تبرع بما لا تحتاجه وخذ ما تحتاجه فقط"، بهذه الكلمات تعرّف مجموعة "حيط الخير" بنفسها في شبكات التواصل.
كانت البداية حينما قررت مجموعة من الأشخاص، فضّلت عدم الإفصاح عن هويات أعضائها، الانطلاق بمهمة اجتماعية في بيروت.
أطلقوا مشروع "حيط الخير" الذي يشبّه بـ "اختبار اجتماعي"، وهو مشروع غير ربحي يهدف إلى تقديم يد العون إلى المحتاجين من دون أن يشعر أي منهم بحرج. المكان الأول كانمنطقة السوديكو في بيروت قبل انتقال الحائط إلى شارع عبدالعزيز بمنطقة الحمراء، بالقرب من مبنى الجامعة الأميركية، وقد عملت المجموعة على تعبئة الحائط بما تيسّر منذ بداية شهر رمضان الماضي.
يستقبل المشروع المساعدات التي تتركز بمعظمها على الملابس. إذ يمكن المارة تعليق سترة أو بنطلون أو حتى حقيبة مستعملة على الحائط، لتصبح بذلك متاحة للجميع. ويستطيع أي محتاج بعد ذلك، من أي جنسية أو عمر أو جنس، تفقد المعروض، واختيار ما يحتاجه من ملابس.
يقول القائمون على المشروع لرصيف22، أن الهدف الأساسي هو "إنشاء مبادرة خيرية بعيداً من المؤسسات والخاصة والرسمية"، مثبتين بذلك أنه يمكن كل شخص أن يكون سيد نفسه إن بالتبرع بالملابس أو باختيار ما يحتاج إليه، من دون مراقبته من أحد ومن دون كشف هوية الفريق المنظّم.
تؤكد المجموعة أنّ لها هدفاً آخر، وهو التذكير بوحدة المجتمع اللبناني وتعاضده على الرغم من المطبات التاريخية التي وقع لبنان ضحيتها.يمكن المارة تعليق سترة أو بنطلون أو حتى حقيبة مستعملة على الحائط، لتصبح بذلك متاحة لأي محتاج...
أصل وفصل "حائط الخير"
فكرة "حيط الخير"في الأصل ليست لبنانية المنشأ، فقد بدأت في طهران الإيرانية وانتقلت إلى لاهور في باكستان، وانتقلت بعد ذلك إلى دول عدة ومنها عربياً الكويت ودبي واليوم بيروت. وقد تكللت الفكرة حتى الآن بالنجاح وبتحقيق الأهداف المرجوة في البلدان المذكورة. المبادرة تقضي بتصميم المشروع الصغير بطريقة خفية من دون عرض أسماء المتطوعين القائمين عليه. وقد تحولت حوائط عدة حول العالم مراكزَ تجمعات صغيرة يعرف الزوار فيها بعضهم بعضاً، ويدعم بعضهم بعضاً، يأمل القائمون على المشروع في لبنان بالحصول على نتائج مماثلة في بيروت.حائط متنوّع
لا تقتصر التبرعات التي يضعها المارة على الملابس فقط، بل تتسع الدائرة لتشمل الألعاب أيضاً، الأحذية، وبعد المواد الغذائية المعلّبة، كلها موضبة ومتدلية بأكياس على الحائط بانتظار من يتفقدها. عالمياً أيضاً وفي بعض الحالات، اتسعت رقعة خدمات حائط الخير لتشمل المساعدة والدعم الطبي المجانيين للمحتاجين.تحديات وتخريب ونقل الحائط إلى زاوية جديدة
المشروع واجه تحديات كثيرة، أبرزها اضطرار القائمين عليه إلى نقل الحائط الأول من مكان إلى آخر بسبب عمليات تخريب متكررة تعرّض لها. بعد 3 محاولات لإعادة ترتيب الحائط، قرر القائمون عليه نقله من موقعه الأول في منطقة السوديكو ببيروت، إلى شارع عبدالعزيز في الحمراء وذلك بسبب التخريب الذي تعرض له الحائط. وبحسب القائمين على المشروع، التخريب تضمن إزالة العلّاقات، رمي بعض الملابس في مستوعبات نفايات قريبة، تشويه رسوم الغرافيتي التي تزيّن الحائط. شعر القائمون على المشروع بمسؤولية تجاه المجتمع المحلي لجهة المحافظة على نظافة الشارع أولاً وعلى أمن كل من يزور الحائط وسلامته، لذا قرروا نقله إلى منطقة أُخرى، تفادياً لأي عملية تخريب جديدة. وقد تستيقظ بيروت في الأشهر القليلة المقبلة لتجد حوائط خير أُخرى في زوايا متعددة من العاصمة.هوّة الفقر رغم المساعدات الاجتماعية
تبرز هنا أهمية المبادرات المماثلة التي ستفيد شرائح مختلفة في لبنان، تحديداً الذين لا تطاولهم مساعدات المنظمات الدولية بشكل متواصل، يستطيع هؤلاء تفقد “حيط الخير” من دون حرج، في الوقت الذي يناسبهم. بحسب إحصاءات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، تعيش نسبة 70% من اللاجئين في لبنان تحت خط الفقر، وهذه نسبة تكرر تداولها في الأشهر الأخيرة. وعلى الرغم من كثرة المبادرات الهادفة إلى تأمين دعم ومساعدات مختلفة للمحتاجين من الخلفيات والجنسيات المختلفة في لبنان، فقد أظهرت الدراسة أن اللاجئين يعتمدون بصورة رئيسية على المساعدات الإنسانية، حيث يعيش عدد منهم على الدَّين ويجد صعوبة في الحصول على الحاجات الأساسية. أظهرت دراسة أعدّها البنك الدولي، أثر الحرب السورية الاقتصادية على لبنان الذي شهد خلال السنوات الماضية، تدفق أكثر من 800,000 سوري، ليصل العدد اليوم إلى مليوني لاجئ في لبنان، ويتحول بذلك فقر لبنانيين وعائلات سورية نازحة كثرٍ، عجزاً وتدهوراً ماديًّا اقتصاديًّا.بإمكانكم المساعدة أيضاً...
بالإضافة إلى زيارة الحائط والتبرع ببعض الحاجيات، يأمل القائمون على "حيط الخير" أن تصل مبادرتهم إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص من خلفيات مختلفة في المجتمع، ويدعو القائمون الجميع إلى نشر ثقافة حائط الخير. وعلى هامش المبادرة بدأت مبادرات فردية صغيرة بالظهور ومنها مبادرة في طرابلس (شمال لبنان) أطلقها أفراد مستقلين وتواصلوا مع مبادرة "حيط الخير" في بيروت للتعاون فيما بينهم. [caption id="attachment_123075" align="alignnone" width="700"] مبادرة "حيط الخير" في طرابلس[/caption]رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...