سعت التنظيمات الصهيونية في عشرينيات القرن الماضي إلى التسلل داخل العمق السوري عبر أدوات التعليم والإعلام، وحددت برامج أسست على خلفيتها مدرستين عبريتين في دمشق إحداهما للبنين والأخرى للبنات، وحشدت لهما عدداً كبيراً من اليهود، معلمين ومعلمات ومختصين ومختصات في رياض الأطفال.
وقال تقرير نشره موقع "المكتبة الوطنية الإسرائيلية" تحت عنوان "بزوغ وأفول صحيفة الشرق الصهيونية في دمشق"، إن التنظيمات الصهيونية أدركت أهمية الصحف في صياغة وتشكيل الرأي العام السوري، فقررت العمل بالإعلام إلى جانب التعليم، وأسست لصدور صحيفة باللغتين العربية والعبرية، أطلقت عليها اسم الشرق.
استمد الصهيونيون التشجيع على تلك الخطوة من الملك السوري فيصل الأول، لكن الصحيفة لم تر النور إلا في ثلاثة أعداد فقط.
فرغم تبنيها توجهاً معتدلاً وهادئاً، وسعيها، وفقاً للتقرير، إلى "خلق جسر بين العرب واليهود"، ودعوتها يهود سوريا إلى المساهمة في صندوق "القرض الوطني السوري"، لاقت رفضاً قاطعاً من مجلس النواب السوري، ومن معظم الصحف العربية، فأصدر وزير الحربية يوسف العظمة قراراً بتجميدها.
وبحسب التقرير استبشر الصهيونيون خيراً بالغزو الفرنسي لسوريا، وظنوا أن "النظام الغربي المستنير" سيسمح بإعادة إصدار الصحيفة، لكن الأمل تبدد، حينما رفض الفرنسيون الفكرة، الأمر الذي اعتبروه معاداة لليهود.إلى نص التقرير:
"غرس اليهود الذين هاجروا من أوروبا إلى دمشق خلال الحرب العالمية الأولى نواة الأفكار الصهيونية في عقول يهود العاصمة السورية. إلا أنهم وبعد أن تركوا المدينة (كان من بينهم ديفيد ليفين، وهو مدرس وباحث في اللغة العبرية، ومن كبار مؤسسي الاستيطان في إسرائيل) واستوطنوا الأراضي الفلسطينية (قبل إعلان قيام إسرائيل)، سعوا إلى الحفاظ على التعليم والثقافة الصهيونيين اللذين لقّنوهما لأقرب الطوائف اليهودية جغرافياً إلى إسرائيل. دأب هؤلاء اليهود على محاولة التأثير من خلال التعليم في الطائفة اليهودية بدمشق، والتعاطي معها على أنها تنتمي بشكل كامل إلى دولة إسرائيل المستقبلية. [caption id="attachment_122983" align="alignnone" width="700"] زفاف لعائلة يهودية حلبية عام 1914[/caption] ومن هذا المنطلق، استقبلت تلك الطائفة الأديب اليهودي الحائز لاحقاً جائزة إسرائيل في الآداب يهودا بورلا لإدارة أول مدرسة عبرية للبنين في دمشق. وبعد بورلا وصل إلى العاصمة السورية يوسيف يوئيل ريبلين (والد الرئيس الإسرائيلي الحالي راؤوفين ريبلين) لإدارة أول مدرسة عبرية للفتيات. وانضم إلى هاتين الشخصيتين عدد ليس بالقليل من يهود ويهوديات الأراضي الفلسطينية، معلمين ومعلمات وطواقم من المتخصصين والمتخصصات في رياض الأطفال، وساعدهم في عملهم عدد آخر من الشباب والفتيات اليهود الدمشقيين.قصة صحيفة الشرق الصهيونية في سوريا وقصة مقال فيها جاء فيه: أنت أيها اليهودي جزء من الوطن السوري
مشاريع صهيونية في سوريا عام 1920 بإشراف الأديب يهودا بورلا ويوسيف ريبلين (والد رئيس إسرائيل الحالي)
الإعلام إلى جانب التعليم
في تلك الفترة، كان للصحافة دور بالغ الأهمية في صياغة وتشكيل مواقف الرأي العام السوري. وبمصادقة وتشجيع ملك سوريا الجديد في حينه فيصل الأول، أيقن موفدو المؤسسات الصهيونية لدى دمشق، وكذلك شباب وفتيات الطائفة اليهودية السورية، أنه ينبغي العمل إلى جانب التعليم في مجال الإعلام، ورأوا ضرورة إصدار صحيفة تتبنى توجهاً معتدلاً وهادئاً، يمكنه خلق جسر بين العرب واليهود لاستيعاب الأفكار الصهيونية. [caption id="attachment_122977" align="alignnone" width="700"] الملك فيصل[/caption] تمخض جدول أعمال المؤسسات الصهيونية بالتعاون مع شباب يهود سوريا عن تأسيس صحيفة تصدر باللغتين العربية والعبرية وتحمل اسم الشرق، وطبع القائمون على الصحيفة ثلاثة أعداد منها في دمشق، لكن صدورها توقف بعد ذلك. وتتيح عملية العثور على عدد من الأعداد الثلاثة للصحيفة التي يدور الحديث عنها، ونشرها على موقع الصحافة اليهودية التاريخية، متابعة أكثر عمقاً للنشاط الصهيوني في دمشق خلال حكم الملك فيصل. واستهدفت صحيفة الشرق في المقام الأول الجمهور العربي في سوريا، وذلك بهدف خلق توازن في الرؤى حول النشاط الصهيوني في الأراضي الفلسطينية (قبل إعلان قيام إسرائيل)، وتفادي آثار غضب الجمهور العربي حيال يهود دمشق نتيجة للممارسات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية.خلق جسر بين العرب واليهود
جرت صياغة توجه الصحيفة بهذا الأسلوب، واتضح منه أن هدف الصحيفة هو "خلق جسر بين العرب واليهود". كما استهدفت الصحيفة في الدرجة الثانية المجتمع اليهودي في سوريا ولبنان بشكل عام وفي دمشق على وجه الخصوص. من جانبهم، انتبه موفدو لجنة المندوبين في دمشق رويداً رويداً إلى أهمية الطبقة الأرستقراطية اليهودية في دمشق على الصعيدين الثقافي والاقتصادي، كأداة للوصول إلى قادة الحركة القومية العربية وكبار الشخصيات في نظام الملك فيصل. أما الهدف الثالث للصحيفة فكان مخاطبة قادة المؤسسات الصهيونية في الأراضي الفلسطينية وفي مختلف دول العالم، وتعريفهم بالصعوبات التي يواجهها العمل الصهيوني في دمشق. صدر العدد الأول من صحيفة الشرق عصر يوم الاثنين الموافق 5 يوليو 1920، وكان وفقاً لما جرى الاتفاق عليه باللغتين العربية والعبرية، وتكونت الصحيفة من أربع صفحات فقط، اثنتان بالعربية تحملان اسم الشرق، واثنتان بالعبرية تحت اسم هامزراح (الشرق بالعبرية)، وكانت نية القائمين على الصحيفة في المرحلة الأولى تتجه إلى إصدار ثلاثة أعداد منها أسبوعياً.القاموس العبري الأول في دمشق
ضاهت صحيفة الشرق في شكلها العام الصحف العبرية في الأراضي الفلسطينية مثل "بريد اليوم"، فظهرت في جانب منها التهانىء والإعلانات، بالإضافة إلى قاموس للغة العبرية، حمل عنوان "القاموس العبري الأول في دمشق". كما حمل العدد الأول مقالاً انتقد قيادة الطائفة اليهودية ونظام إدارتها. ونشر يوسيف يوئيل ريبلين مقاله الأول في الجريدة وحمل عنوان "الإصدار العبري الأول في دمشق"، وهو المقال الذي أثار غضباً لدى مجلس النواب السوري. قاد حملة رفض صدور الصحيفة العبرية عدد من كبار شخصيات الدوائر الوطنية السورية والفلسطينية. ولم تقف الصحف العربية في معظمها صامتة أمام صدور الشرق، وإنما تبنت موقفاً موحداً ضد صدورها، وعارضت الصحف العربية في الأساس إمكانية إصدار صحيفة معروفة لديهم باعتناق أهداف وأجندات صهيونية، لا سيما في الوقت الذي تصدر فيه أوامر بإغلاق صحف عربية موالية للفلسطينيين. في 9 يوليو 1920، صدر العدد الثاني من صحيفة الشرق بدمشق تحت ضغوط وتهديدات، ونظراً لذلك قلَّص القائمون على الصحيفة شطرها العبري وأصبح صفحة واحدة فقط، تضمن تقريراً تقليدياً، استعرض فيه كاتبه أنشطة مستشفى ومدارس الطائفة اليهودية. وربما وقفت وراء نشر هذا التقرير محاولة التأكيد على ولاء وانتماء الصحيفة للمصالح السورية، لذا أدرجت الصحيفة مع التقرير صفحة كاملة، خصصتها لدعوة يهود سوريا إلى المساهمة في مشروع القرض الوطني السوري، (مشروع وطني لدعم الحكومة والمملكة السورية) وقالت الصحيفة: "القرض الوطني السوري هو حياة الأمة السورية، أنت أيضاً أيها اليهودي جزء من الوطن السوري، وعليك أن تدرك أنه لا حياة من دون استقلال، ولا استقلال من دون مال".مرسوم بالحظر من وزير الحربية يوسف العظمة
صدر العدد الثالث والأخير لصحيفة الشرق في 12 يوليو 1920، ولم تتجاوز صفحات العدد صفحتين كلتاهما باللغة العربية، لكن دمشق التي كانت منشغلة حينئذ بخطر الغزو الفرنسي، وبالمهلة التي حددها الفرنسيون للملك فيصل، حوّلت ظاهرة "صحيفة الشرق" إلى "حدث سياسي"، وسنحت الفرصة أمام المعارضين للجدل الساخن حول استمرارية صدور الصحيفة. وبعد صدور العدد الثالث، تلقى القائمون على الصحيفة مرسوماً مباشراً من وزير الحربية السوري يوسف العظمة بتجميد عملية الصدور حتى إشعار آخر. ومع دخول الفرنسيين دمشق في يوليو 1920، والإطاحة بالملك فيصل، تجدد الأمل لدى صهيونيي دمشق، واعتقدوا أن النظام الغربي المستنير الجديد سيسمح بإعادة إصدار صحيفة الشرق، لكن هذا الأمل تبدد، وأصيب أصحابه بخيبة أمل. ففي سبتمبر 1920 حظر نظام الحكم الفرنسي إصدار الصحيفة مجدداً، وبرر القائد الفرنسي المسؤول عن شؤون الطباعة وإصدار الصحف الحظر بأن المستويات العليا في النظام الفرنسي اتخذت قراراً عاماً بحظر إصدار أية صحيفة جديدة أياً كان نوعها أو توجهها. لكنه بدا واضحاً بعد ذلك أن تطبيق القرار كان جزئياً، إذ صدر عدد من الصحف العربية الجديدة، وفقاً لشهود عيان من تلك الفترة. المبرر الآخر الذي ردده الفرنسيون هو أن اليهود يصدرون صحفاً عبرية أخرى من القدس مثل "بريد اليوم"، و"هآرتس"، وليست هناك حاجة أو ضرورة لإصدار صحف جديدة. ترك القرار الفرنسي يهود دمشق بلا منبر ناطق باسمهم في الوقت الذي كانت تصدر فيه العديد من الصحف المحسوبة على المسلمين والمسيحيين في سوريا، وأعطى هذا الموقف انطباعاً متزايداً لدى التنظيمات الصهيونية بأن النظام الفرنسي من الأنظمة المعادية لليهود.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومينفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومينعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعرائع