استفاضت "الشيخة"، خلال جلسة "التوعية" الأسبوعية التي تنظمها لنساء القرية، في الحديث عن "حق الرجل الشرعي بالحصول على زوجة ثانية وثالثة…"، وعن "واجب المرأة بتقبل الأمر، وعن الحسنات التي تنوبها حين تعامل "ضرّتها" بشكل حسن". لم تكتف السيدة "التقيّة" عند ذلك، لا بل ذهبت إلى حد الحديث عن "الأجر" الآتي من سعي المرأة لتزويج زوجها، "قربة إلى الله تعالى ودينه وشرعه". عند انتهاء الجلسة، تقدمت منها إحدى السيدات الحاضرات متوجهة إليها بالقول "لقد أرحتني جداً يا حاجة، ما قلته أثلج صدري. في الواقع، لديّ سر كنت أخبؤه طويلاً والآن بات بإمكاني مكاشفتك به. أنا متزوجة من زوجك منذ مدة ليست بقليلة، والآن بعدما قلت ما قلته، أشعر أن بإمكاننا أن نصبح مقربتين، ولا داعي للأسرار". لم تحتمل "الشيخة" ما سمعته، فسقطت مغشياً عليها، عندها عاجلتها السيدة بالقول "كنت أعرف أنك تكذبين. أنا لا أعرف زوجك، ولم أتزوجه. ولكن إذا كنت تقولين كلاماً لا قدرة لديك لممارسته، فالأفضل أن تصمتي ولا تتلاعبي بعقولنا".
هي إحدى القصص الواقعية، الفكاهية في ظاهرها، لكن الغارقة في عمق واقع مؤلم يحصر النساء في منطقة رمادية، بين ما يجري إقناعها به من "واجب شرعي" وبين ما لديها من "شعور فطري/ إنساني/ أكثر من طبيعي".
في العام 2017، لا زالت الشاشات والمنابر والجلسات المغلقة تحفل بنصائح وإرشادات حول ضرورة تقبل الزوجة الثانية. وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، تكثر المنتديات والمجموعات التي تناقش تلك المسألة ببعدها النفسي والاجتماعي بغلاف "علمي".
الإعجاز "العلمي" الجديد في هذه المسألة، كان "الحلّ" الذي خرجت به الباحثة المتخصصة في علم النفس زهراء الموسوي، وهو عبارة عن "برنامج علاج نفسي وانفعالي لإعادة تأهيل النساء اللواتي يُصبن بصدمة نتيجة تزوّج أزواجهن بأخريات".
جرى تقديم البرنامج في الإمارات في إطار احتفالي. تمّ عرض الدراسة البحثية خلال فعاليات مؤتمر أبو ظبي الدولي الأول للجمعية العالمية لإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي الذي نظمه جناح العلوم السلوكية في مدينة الشيخ خليفة، التابعة لشركة أبوظبي للخدمات الصحية (صحة)، وأثنى الحاضرون على دوره في إنقاذ الزوجات من حالات الغضب الهستيري والاكتئاب الانفعالي التي تصيبهن وتؤثر فيهن نفسياً وصحياً، كما يؤثر في أطفالهن.
يمكن نسيان كل ما كُتب سابقاً في هذا الإطار، سلباً أم إيجاباً، ويمكن تجاوز خلاصات مدارس علم النفس والاجتماع، وكل ما كُتب عن الحب والإخلاص والشراكة الزوجية. خلاصات الباحثة وملاحظات الحضور الإيجابية والمتابعة الإعلامية، الجميع (رجالاً ونساء) يقدمون "المنظومة المثالية" لتحويل الظلم وفي بعض الأحيان "الخرافات" إلى "حقيقة علمية".
ومن أبرز خلاصات الباحثة، التي نقلتها صحيفة "الإمارات اليوم":
- وجود منافس قوي يسبب للإنسان مشاعر الضعف والإحساس بأنه غير مرغوب، ما يسبب بالتالي مشاعر الاكتئاب أو الغضب والإحباط.
- موضوع الزواج الثاني موجود، شئنا أم أبينا، وهو في حقيقته مشابه تماماً لموضوع إنجاب الابن الثاني أو الثالث، فما تشعر به الزوجة الأولى من غيرة، مشابه تماماً لشعور الطفل الذي يولد له أخ أو أخت.
- ظاهرة الزواج الثاني أمر مسموح به في الشريعة والقانون، فيجب التعامل معه بشكل يقلل من الآثار السلبية لدى جميع الأطراف المعنية بالموضوع، عن طريق برنامج إرشادي عقلاني انفعالي، تم تصميمه لإعادة تأهيل الزوجة الأولى، بعد زواج زوجها، للعودة إلى ممارسة الحياة الطبيعية دون أزمات نفسية. ويتكون البرنامج من خمس جلسات إرشادية.
- في الجلسة الأولى: تكوين علاقة مهنية بين المرشدة والحالة من خلال أخذ المعلومات الأساسية، ثم الاستماع للحالة في بيان مشكلتها والاستفسار عن أهم الأفكار الداخلية المزعجة لها، مثل "هل يوجد عيب فيها جعل زوجها يتزوج عليها؟، "هل هي غير مرغوبة لزوجها؟"، "هل تستطيع مواجهة نظرات الناس بعدما أصبح لدى زوجها زوجة أخرى؟" وهل يتسبب زواج زوجها في حرمانها وأبنائها من حقوقهم المادية في المنزل والمصرف؟".
- في الجلسة الثانية: يجري تعليم نموذج «ABC» للحالة. يتم وضع الأفكار المستخلصة من الجلسة الأولى في الجدول ومناقشتها مع الحالة وبيان اللاعقلانية فيها، منها أهم فكرة تراود الزوجة، المتمثلة في "وجود عيب فيّها جعل زوجها يتزوج عليها"... وعن طريق تقنية الحوار الجدلي يتم إقناع الزوجة بأن زواج الزوج لا يعني بالضرورة أنها سيئة، وليست مرغوبة ومطلوبة.
- في الجلسة الثالثة: يجري تسليح الزوجة الأولى بـ"العقلانية" لتواجه حديث الناس عنها أو شفقتهم عليها أو تشجيعها على السلوكيات العدوانية والمدمرة مع زوجها أو ضد الزوجة الثانية، أو حتى لومها بأنها هي السبب في زواج الزوج. في هذه الجلسة، تلامس الموسوي في اقتراحاتها نقاط عميقة في الإبداع النفسي، فهي تعمل على تعليم المرأة على تقبل نفسها. وفي هذا "العسل" تدس فكرتها السحرية عن ضرورة التمييز بين "الصبر" و"التكيف"، فالشعور الأول سلبي في حين أن الثاني هو "فعل فعال". لا بدّ أن تتكيف المرأة إذاً.
- في الجلسة الرابعة: يتم تشجيع الحالة على أن تبحث في أسرتها أو صديقاتها عن شخص داعم لها، تستطيع اللجوء إليه حين تشعر بالضغط والتوتر أو تحتاج إلى دعم عاطفي.
- في الجلسة الأخيرة: تطمئن الحالة أنها تسلك المسار الصحيح، بعدما تسمع تأكيدات على ضرورة عدم الالتفات لمن يلومها على تكيفها مع الوضع بطريقة قد تجعلها تشك في صحة ما تقوم به.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...