شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
محاولات أمريكية قديمة لإقامة وطن لليهود في فلسطين

محاولات أمريكية قديمة لإقامة وطن لليهود في فلسطين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الاثنين 18 سبتمبر 201711:35 ص

لم يكن توطين اليهود في أرض فلسطين هدفاً يهودياً محضاً، وإنما سعى إليه أيضاً مسيحيون أمريكيون بروتستانت آمنوا بأن ذلك يحقق شرط المجيء الثاني للمسيح وبداية ما يعرف بـ"العهد الألفي السعيد". كان بعض البروتستانت ينظرون إلى اليهود باعتبارهم أبناء عمومتهم في المعتقد والخلاص المستقبلي. وبحسب مايكل بي. أورين في كتابه "القوة والإيمان والخيال... أمريكا في الشرق الأوسط منذ 1776 حتى اليوم"، فإن بعض البروتستانت اعتقدوا بأن الإسراع في تنفيذ وعود الرب بإعادة اليهود إلى فلسطين وإعادة تشكيل ظروف سيادة اليهود على أرضها، كما كانت في عهد المسيح، يشكلان تمهيداً للمسرح لعودته الثانية. وانطلاقاً من هذه المعتقدات، وبمرور الوقت، كانت صورة المستعمرين للقارة الجديدة عن أنفسهم، باعتبارهم بني إسرائيل الجدد، قد حصلت على أهمية خاصة في حرب الاستقلال. ووُضع الملك جورج الثالث ملك بريطانيا في دور الفرعون (خاض حرباً ضد الأمريكيين عام 1775 بسبب رفضه استقلال عدد من المستعمرات البريطانية في أمريكا)، ولعب المحيط الأطلسي دور البحر الأحمر، وشبّه الكتاب الوطنيون جورج واشنطن (أول رئيس للولايات المتحدة) بالنبي موسى.


لعب عدد من رجال الدين والفكر البروتستانت دوراً في بلورة هذه الأفكار ومن أبرزهم القس ليفي بارسونز. وذكر أورين أنه كان أول الداعين عام 1819 لسفر المبشرين إلى القدس والقيام بأعمال خيرية هناك تسمح بعودة اليهود إلى فلسطين واستقبال المسيح، وذلك في خطبة ألقاها في 31 أكتوبر 1819 بكنيسة أولد ساوث ببوسطن.


لم يكن بارسونز يدعو إلى غزو عسكري، بل إلى سفر المبشرين إلى القدس والقيام بأعمال خيرية هناك تسمح بعودة اليهود إلى فلسطين، في خطوة رأى أنها ستؤدي إلى أن يغمر النور المقدس ليس فقط اليهود بل مسلمي ومسيحيي الشرق، وعندها ستبدأ ألف سنة من السلام والتضامن الروحي. والملاحظ أن هذه الدعوات تجاهلت أي تفكير في الوجود الحسي أو الرغبة السياسية أو الدينية لآلاف العرب الذين كانوا يعيشون في فلسطين. تلقفت مجموعات من البروتستانت دعوة بارسونز وانطلقت منذ العقد الثالث من القرن التاسع عشر، تحت مؤثرات مختلفة، إلى القدس لتحقيق تلك النبوءات عبر توطين اليهود في مستوطنات زراعية ضمّت يهوداً وإنجيليين أمريكيين.

جوزيف سميث... مذبح وجامعة على جبل الزيتون



هو مؤسس طائفة المورمون. كان مؤمناً إيماناً عميقاً بإعادة توطين اليهود، وأرسل عام 1841 مبعوثه الشخصي أورسون هايد في رحلة حج إلى القدس، فتسلّق جبل الزيتون، وأنشأ على قمته مذبحاً ودعا ربه إلى أن "يعيد الملك إلى بني إسرائيل، وأن يجعل القدس عاصمة لهم، وأن يستمر شعبها في كونه مميزاً". دمج المورمون في ما بعد هذا الدعاء في صلواتهم، وبنوا في موقع المذبح الذي شيّده هايد فرعاً لجامعة بريغام يونغ.

هارييت ليفرمور... من جبل صهيون إلى التسوّل في القدس



كانت روائية وشاعرة، وتديّنت بعد محنة عاطفية ألمّت بها. أخذ القرار ليفرمور أولاً إلى الأبرشانية، ثم المشيخانية، فالكويكرز، لكنها لم تقتنع بأيّ منها، فاتجهت إلى المعمدانية وأسست طائفة خاصة بها أسمتها "الحاج الغريب". رأت نفسها صاحبة قدرة على التنبؤ بالمستقبل، وأنها مبعوثة إلى الهنود الحمر، الذين آمنت أنهم من نسل الأسباط العشرة التائهة، وجذبتها فكرة العودة إلى فلسطين. وصلت ليفرمور إلى القدس عام 1837، فاستأجرت سكناً متواضعاً فوق "جبل صهيون"، وهناك خططت للإشراف على بناء مستعمرة تعليمية لليهود العائدين، تتطلب أساساً زراعياً، وآمنت بأن لدى المسيحيين واجباً دينياً هو إعادة تعريف اليهود بالزراعة. كان تمويل المستعمرة أكثر إرهاقاً وتكلفة مما تنبأت به ليفرمور، فسرعان ما نضبت مواردها، وانتهى الأمر بتسولها في شوارع القدس، ثم عادت إلى الولايات المتحدة منكسرة الخاطر، وتوفيت عام 1868 في بيت للفقراء بمدينة فيلادلفيا.
أميركيون هاجروا إلى فلسطين بهدف استقطاب اليهود إليها وتعليمهم الزراعة، تمهيداً لمجيء المسيح الثاني
معتقدات بروتستانتية وراء سعي أمريكيين إلى إعادة اليهود إلى فلسطين من أجل أن يمهّدوا لعودة المسيح الثانية

جيمس تيرنر باركلي... تعليم اليهود الزراعة



كان طبيباً ومخترعاً ومهندساً. تأثرت معتقداته الدينية بانضمامه إلى طائفة أتباع كمبل وهي حركة ألفية تهدف إلى إعادة حكم المسيح على الأرض، ومن أجل تحقيق ذلك رحل عام 1850 إلى فلسطين. سعى باركلي إلى تأسيس مستعمرة لإعادة تعليم وتأهيل اليهود للزراعة، لكنه سرعان ما واجه نقصاً في التمويل والموارد. أصابه الإحباط فعاد أدراجه إلى ممارسة الهندسة، وحصل على عمل في ترميم قبة الصخرة، كما ألّف كتاباً حقق مبيعات عالية بعنوان "مدينة الملك العظيم" وصف فيه القدس وصفاً مبهراً، وأخذ من خلاله يدعو إلى فكرة إعادة توطين اليهود.

كلوريندا ماينور... مزرعة ومدرسة للأعمال اليدوية


كانت تابعة للطائفة الأسقفية طوال عمرها، وفي مرحلة منتصف العمر أصبحت من السبتيين. ألفت ماينور كتاباً بعنوان "مد من القدس" حقق مبيعات ضخمة تنبأت فيه بأن "أوان دعم الرب لصهيون قد آن، وأن الرب سيمد يده مرة أخرى لإعادة مجد بني إسرائيل"، وبدا لها أن نبوءتها ستتحقق. عام 1851، تركت زوجها الثري وأبحرت إلى فلسطين. وفي يافا قابلت جون ميشولام وهو يهودي بريطاني كان قد تحوّل إلى المسيحية، وكان يشارك ماينور في رغبتها بتعريف اليهود ببعض الأنشطة، ولكن جهودهما توقفت بسبب نقص التمويل. على الفور توجهت ماينور إلى أصدقائها في الولايات المتحدة الذين أجابوا طلبها بإرسال سبعة متطوعين وخيام وأدوات وبذور وأدوية بقيمة 256 دولاراً، فجرى شراء قطعة أرض قابلة للزراعة بالقرب من قرية أرطاس بالقرب من بيت لحم، وأُسست مدرسة لتعليم اليهود الزراعة والأعمال اليدوية. خلال سنتين كانت مجموعة أرطاس قد تفككت. حدث الشقاق أولاً بسبب رفض اليهود إظهار قدر ضئيل من الاهتمام بالزراعة، ولكن السبب الأكثر تأثيراً والذي قضى على المشروع تماماً كان الخلاف الذي نشأ بين ماينور وميشولام. ظلت ماينور على تفاؤلها، فانتقلت من أرطاس إلى مزرعة صغيرة خارج يافا أسمتها "جبل الأمل"، وأهداها البارون موسى مونتيفيوري (ثري يهودي من أصول إنكليزية) بستان برتقال، فتمكنت من العيش بصعوبة بمساعدة اثنين من المبشرين الألمان هما يوهان وفريدريش غروستشتاينبيك. طلبت ماينور مجدداً من اليهود الأمريكيين تبرعات، إلا أن مطلبها لم يلق استحابة واسعة، ففشلت فكرة المزرعة، وأشهرت ماينور إفلاسها، وماتت عام 1855 عن عمر يناهز الـ49.

ولتر ديكسون... البعثة الأمريكية الزراعية

أسس في فلسطين مستعمرة لليهود أسماها البعثة الأمريكية الزراعية وعين الأخوين غروسشتاينبيك اللذين سبق أن استعانت بهما ماينور في مزرعة جبل الأمل، وكانا قد تزوجا من ابنتيه ألميرا وماري. كان يرى أن اليهود كسالى، وأن ذلك يمثل عقبة أمام تحويلهم إلى مزارعين، وأن الوقت قد حان لكي يعلمهم المسيحيون ذلك بصورة أفضل. وفي عام 1868، هاجم مجموعة من الأشخاص المزرعة وقتلوا فريدريك، وفرّ الناجون إلى الولايات المتحدة.

واردر كريسون... مزرعة الأمل النموذجية



كان مقتنعاً بأن الله خلق الولايات المتحدة لإنقاذ ودعم اليهود، وأن النسر الأمريكي سيحقق نبوءة الكتاب المقدس وسيغطي فلسطين بجناحيه، وأن خلاص اليهود سيتحقق بقدومهم إلى إسرائيل. وهب كريسون حياته لإعادة توطين اليهود بعدما آمن بالفكرة في سن الـ46 وكان ذلك عام 1844، وهي السنة التي شهدت تعيينه قنصلاً في القدس بقرار من وزير الخارجية جون كالهون. اشترى مزرعة الأمل التي أسستها ماينور، وكان يراها مزرعة أمريكية نموذجية لتعليم اليهود زراعة الأناناس والموز والليمون. أبحاث كريسون حول العهد الجديد واتصالاته المكثفة مع اليهود قادته إلى البحث في معتقداته، فترك ما أسماه "نشارة خشب المسيحية" ليتجه إلى ما اعتبره "الأصل" وأصبح يهودياً، واتخذ لنفسه اسماً عبرياً هو مايكل بواز إسرائيل. وبينما كانت المزرعة تبوء بفشل تلو الآخر، وفي محاولة منه للحصول على تبرعات، عاد كريسون إلى موطنه فيلادلفيا، فاستقبلته زوجته بدعوى قضائية تهدف إلى الحصول على باقي الأصول التي يمتلكها في أمريكا، مستغلةً تحوّله الديني كدليل على عدم أهليته الذهنية لإدارة شؤونه. كانت جلسة المحاكمة حدثاً عاماً، وفاز المدعى عليه، ورحل عائداً إلى فلسطين، وتزوج بسيدة يهودية، وانتقل إلى مدينة القدس.

جورج آدامز... كنائس وفنادق وكليتان



كان غير متديّن، وبدأت رحلته مع الإيمان عام 1844 عندما تحول إلى المورمونية، وجمعته صداقة باورسون هايد أول مبعوث من المورمون إلى القدس، وتأثر به وحلم بتكرار زيارته إلى الأراضي المقدسة. أسس كنيسة المسيح الخاصة به، ومن منبره وعلى صفحات نشرته الشهرية "سيف الحق ورسول السلام" تنبأ آدامز بالعودة الثانية للمسيح، وكانت إعادة اليهود إلى فلسطين برأيه شرط ظهور هذا العصر الذهبي. تمكن آدامز من تجنيد 156 أمريكياً واتجه بهم إلى القدس، وهناك خطط لإنشاء مدينة على النمط الأمريكي بها كنائس وفنادق وكليتان. وفي أوائل عام 1867، منح نائب القنصل الأمريكي هيرمان لوفنتال، وهو ألماني يهودي متحول إلى المسيحية، المجموعة عشرة أفدنة من الأرض الصالحة للزراعة خارج نطاق المدينة. شرع المستوطنون في العمل فوراً، وفي أيام قليلة تم تركيب 17 منزلاً سابق التجهيز مستورداً من ولاية ماين الأمريكية، وشيدوا مبنى للاجتماعات. لكن سرعان ما هاجمت العصابات محصول المزارعين، وعندما حل الشتاء كانوا مهددين بمجاعة، وبعد أقل من ستة أشهر كان 17 أمريكياً قد لقوا حتفهم ضحايا للدوسنتاريا والتعرض للأجواء غير الملائمة. وفي الصيف، وصلت الوفيات بين المستوطنين إلى ستين شخصاً، وبسبب انهيارهم ويأسهم نشر 22 منهم نداءً في الصحافة الأمريكية وتوسلوا إلى الحكومة الفدرالية أن تنقلهم. أثّرت توسلاتهم بوزارة الخارجية، فخصصت 3000 دولار لنقلهم، وكان ذلك المبلغ يكفي فقط 16 منهم، ولكن آخرين وجدوا أماكن في سفن تابعة للبحرية الأمريكية. وحذّر آدامز أتباعه من أن حالهم سيتدهور وسيصبحون شحاذين وفقراء إذا عادوا لأمريكا، لكنه في النهاية رحل معهم تحت ادعاء أنه سيجمع تبرعات للمجموعة في بريطانيا.

آل سبافورد... المستوطنة الأمريكية الجديدة



 كان آل سبافورد، هوراشيو وآنا، زوجين يذهبان للكنيسة بانتظام، ويعيشان في شيكاغو، وأُنقذا من حريق كبير عام 1871، فبدأت آنا وأربع من بناتها رحلة ترفيهية إلى بريطانيا، ولكن السفينة غرقت وتوفيت الفتيات. ثم توفى ابنهما مريضاً بالحمى القرمزية. قرر آل سبافورد أن يحولا مأساتهما الشخصية إلى قوة روحية، فأسسا مذهباً جديداً هو "الذين لا يقهرون" وقررا الانتقال إلى القدس. سعى "الذين لا يقهرون" إلى تقليد حياة المسيح، رجل الآلام الذي عانى على الأرض، وكانوا يتطلعون إلى تحقيق نبوءات الإنجيل، خاصة تلك المتعلقة بعودة اليهود إلى وطنهم الأم، وقالوا إنهم يتمنون أن يكون هؤلاء أول من يقدم المرطبات للمسيح عند عودته. توجهت العائلة مع 12 من أتباعها إلى القدس، واستأجروا منزلاً كبيراً خارج أسوار المدينة القديمة، وشرعوا في صناعة المنسوجات والمنتجات الخشبية والطوب، وسرعان ما افتتحوا مدرسة للبنات ومتجراً يبيع تذكارات. عُرف تجمعهم باسم "المستوطنة الأمريكية الجديدة". تميّزت هذه المستوطنة بأنها استمرت ولم تلق مصير المزارع السابقة، فلم تشهد مجاعة ولا أمراضاً ولا عصابات. وقد واجهت مجموعة سبافورد عدواً واحداً حقيقياً، سيلاه ميريل، قنصل أمريكا في القدس الذي نعتهم بالكفر والنصب، متهماً إياهم باختطاف الشباب وغسل دماغهم، وحث سكان القدس على ألا يشتروا منهم أية بضائع، وقدم وثائق من سكان سابقين في المستوطنة يشهدون فيها بـ"بممارسات فسق" يشجع عليها آل سبافورد، منها وضع الأفراد غير المتزوجين معاً في حجرات مظلمة، ثم إجبارهم على الاعتراف بخطيئتهم. انتهى الأمر باندماج تلك الجالية مع مجموعة سويدية وفقدت هويتها الأمريكية المميزة، وتم تحويل منزلها إلى فندق ومطعم.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image