لا شكّ أن الرواتب في دول الخليج العربي تعتبر من الأعلى في العالم، وهي تستقطب الكثير من الأجانب والعرب الباحثين عن نيل وظيفة تمكنّهم من ادّخار المال. إلا أن واقع الأجور يشهد تراجعاً بأكثر من 2 بالمئة، بحسب دراسة "رواتب 2014" التي أجرتها مجلة جولف بيزنيس Gulf Business بسبب تراجع متوسط رواتب الموظفين من جنسيات آسيوية أو غربية.
بالطبع، يختلف متوسط الرواتب من بلد الى آخر، إلا أنه أيضاً عرضة لثلاثة عوامل: الجنسية أولاً، وما هو متوفّر في سوق العمل ثانياً، وأخيراً الثمن الذي تدفعه الشركة لاستبدال موظّف؛ أي باختصار للعرض والطلب.
على الرغم من التراجع الطفيف في رواتب عام 2014، كشفت الدراسة أن المملكة العربية السعودية حافظت على مرتبتها الأولى كـدولة تدفع أعلى الرواتب مع معدل رواتب بقيمة 12126 دولار شهرياً. ويتقاضى فيها الرؤساء التنفيذيون ومدراء الشركات المتعددة الجنسيات والمحلية أعلى الأجور.
توقّع الخبراء أن تشهد المملكة هذا العام ارتفاعاً ملحوظاً في الأجور نتيجة حملات ترحيل العمّال المخالفين لنظامَي الإقامة والعمل التي قامت بها السعودية، بالإضافة إلى الرحيل المرتقب لمئات الآلاف فور انتهاء تأشيرات دخولهم. يؤكد إيان جيوليانوني Ian Giulianotti، المدير الشريك في شركة ناديا HRM Consulting, Nadia تعليقاً على الدراسة: "لا شك أن الرواتب في السعودية سترتفع. العام الماضي، توقّعنا زيادة بنسبة 6 بالمئة كحدّ أقصى، ونتوقّع أن تكون النسبة أعلى هذا العام. هناك نقص حادّ بالعرض. إذا توجهت، على سبيل المثال، إلى إحدى ورش البناء في الرياض، لن تجد الكثير من العمّال بسبب الهجرة غير الشرعية".
يبلغ معدل الرواتب في قطر 11473 دولار شهرياً. وعلى الرغم من أنها احتلت المرتبة الثانية لأعلى معدلات الرواتب، إلا أن بعض القطاعات تشهد استثناءات: في قطاع الإعلام، يتقاضى محرر النشر الآسيوي 6241 دولاراً في قطر، مقابل 6086 دولاراً في السعودية، فيما قد يتقاضى مدير الإعلانات 7990 دولاراً في قطر، مقابل 7920 دولاراً في السعودية. أما الرئيس التنفيذي لشركة متعددة الجنسيات فقد يتقاضى 34197 دولار في قطر، مقابل 34185 دولار في السعودية.
يتوقّع الخبراء أن تكون قطر وجهة أعلى الرواتب في دول مجلس التعاون الخليجي في المستقبل مع أكثر من 200 مليار دولار من الاستثمارات في البنى التحتية خلال السنوات القليلة المقبلة.
احتلّت الإمارات من جهتها المرتبة الثالثة في دراسة "رواتب 2014" التي كشفت أن متوسط الرواتب الشهري تراجع بنسبة 1,7 بالمئة إلى 10206 دولاراً مقابل 10384 دولاراً العام الماضي. بالنسبة لغاريث كلايتون Gareth Clayton، مدير الخدمات المالية والمهنية في "شارتير هاوس الشرق الأوسط" Charterhouse Middle East، رغم تأثير تكاليف المعيشة والإيجار على معدلات الأجور، إلا أن الأجور لا تواكب معدلات التضخم. وتعتبر دبي خير دليل على ذلك، إذ تواصل الإيجارات ارتفاعها (من 15 الى 25 بالمئة) بفضل الثقة القوية بالسوق والنموّ المتوقّع، إلا أن تصحيح الأجور لم يواكبها بعد، وقد يتطلّب عاماً، بحسب كلايتون.
وضع شبه مماثل في قطر حيث الإيجارات أيضاً مرتفعة بسبب نقص العرض الذي دفع بزيادة الأسعار بنسبة 16 بالمئة في الربع الثالث من 2013. إلا أنّ قطر تقدّم عروضاً أفضل من الإمارات العربية المتحدة. فبفضل تكاليف المعيشة والسكن المقبولة والنفاذ إلى التعليم، تجذب الرواتب في قطر الموظفين المناسبين. قد يكون الراتب مماثلاً لذاك المتوفّر في الإمارات، إلا أن بدلات السكن والتعليم وغيرها أعلى. أمر ينعكس في الأرقام: الرواتب القطرية أعلى بنسبة 11,68 بالمئة من تلك الإماراتية!
لا عجب أن أكثر المستفيدين من ارتفاع الإيجارات وأسعار الممتلكات هم أخصائيو البناء والتطوير العقاري، حيث تزداد معدلات الرواتب في هذه القطاعات بشكل أسرع من القطاعات الأخرى.
إلا أن التوقّعات تشير إلى أن الدوحة ودبي ستتحوّلان إلى مراكز الأعمال الدولية، وستشهدان ارتفاعاً بالرواتب لاسيما مع تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر و"إكسبو 2020" في دبي. واقع سيظهر مع انطلاق المشاريع والاستثمارات الخاصة والعامة في قطاع البنى التحتية المرتقبة. لكن شركة الاستشارات الإماراتية بي آي سي الشرق الأوسط BAC Middle East اعتبرت أن التحدّي الأكبر هو تطوير البنى التحتية المطلوبة وتجنّب معدلات مرتفعة من الرواتب والتضخم التي قد تؤثر على تنافسية دبي والدوحة وعلى مجتمع الأعمال.
من بين أبرز النقاط التي تطرّقت إليها دراسة "رواتب 2014" الفروقات بين رواتب الموظفين العرب والأسيويين والغربيين. كانت دراسة العام الماضي قد كشفت أن الموظف الغربي يتقاضى نسبة 14,5 بالمئة أكثر من الموظّف العربي. إلا أن هذه الثغرة ستحتاج إلى سنوات عدة لسدّها، فقد تقلّصت، هذا العام، إلى 2,38 بالمئة في حين أن الفرق بين راتب الموظف الغربي والآسيوي تراجع من 29,6 بالمئة العام الماضي إلى 27 بالمئة هذا العام.
كشفت الدراسة أن متوسط الموظفين العرب شهد ارتفاعاً بنسبة 5,31 بالمئة ليصل إلى 11117 دولاراً مقابل 10556 دولاراً العام الماضي. ويعزى السبب إلى الوضع الاقليمي غير المستقرّ الذي يرفع عدد العرب الذين يأتون إلى دول الخليج بحثاً عن وظيفة. زيادة الرواتب تعزى أيضاً إلى تدفّق العرب المؤهلين إلى الخليج، وتحديداً الإمارات، فباتوا في مناصب متقدمة كانت تمنح سابقاً للأوروبيين والأميريكيين.
يعتبر الأردنيون واللبنانيون من أكثر وافدي الإمارات وقطر هرباً من تأثير الحرب في الجارة سوريا. وكشفت الدراسة أن قطر تجذب أكبر عدد من العرب لاسيما أنها البلد الخليجي الوحيد حيث يتقاضى الموظف العربي أكثر من الغربي بمعدل 12518 دولاراً مقابل 12331 دولاراً شهرياً.
على الرغم من التراجع الطفيف في الرواتب، يتوقّع الخبراء أن يشهد عام 2014 نمواً تدريجياً للرواتب. ولكن، في حال بقيت النزعات الاقتصادية الدولية والاقليمية إيجابية، قد نشهد نقطة تحوّل العام المقبل لاسيما أن الشركات ستحتاج إلى رفع الرواتب لجذب المواهب الجديدة.
نشر هذا المقال على الموقع في تاريخ 13.03.2014
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...