لم تكن المرة الأولى التي تخرج فيها ري لتزف للكوريين والعالم "إنجازات" زعيم بلادها، فهي منذ انضمامها إلى KCTV، وهو تلفزيون كوريا الشمالية المركزي، مطلع السبعينات وحتى تقاعدها عن عمر 72 سنة، اعتبرت "مذيعة الشعب" والوجه الإعلامي الرسمي لبروباغندا كوريا الشمالية.
ارتباط ظهور ري بأفراح البلاد وأتراحها، جعلها خيار النظام الأول حتى بعد تقاعدها في العام 2012، فقد عادت ري إلى الشاشة مرات عدة لتبث أنباء عسكرية ورسمية مهمة، في حين تقضي الوقت المتبقي في تدريب مذيعين من الجيل الجديد بتكليف رسمي.
أسلوب ري وبصمتها في قراءة الأخبار، لمعة عينيها وتحدي ملامحها كما الشغف الذي تظهره والولاء المطلق للنظام، أعطى بعداً آخر للأنباء التي تتلوها، لتكاد تبدو بلا طعم إذا لم تكن ري هي من يعلنها، سواء كان ذلك في نبرتها الحربية التي تعتمدها في لحظات الفخر كاقتراب كوريا الشمالية من امتلاك النووي، أو في الرسائل التي توجهها للإدارة الأمريكية، أو في لحظات الحزن الجارف كما حصل حين إعلانها وفاة المؤسس الأول كيم جونغ سونغ في العام 1994، وبعده والد الرئيس الحالي كيم جونغ إيل قبل 4 سنوات.
https://www.youtube.com/watch?time_continue=11&v=6ibYfuzcGkYحتى في العام 2010، أوكلت ري بمهمة طمأنة الكوريين الشماليين في ظل تصاعد التوترات بين القسم الشمالي والجنوبي من كوريا.
بينما يحيط الغموض بمفاصل الحياة المختلفة في كوريا الشمالية، وتبقى أسرار السكان وظروفهم والخوف الذي يتملكهم والرعب الذي يعيشونه في دولة بوليسية بعيدة عن العيان، تعكس ري وجهاً من وجوه هذه البلاد، حيث الحب الجارف والنبرة العسكرية والولاء المطلق يجب أن يغطيا المشهد ولا شيء آخر، كمشهد الآلاف المفجوعين في مأتم الزعيم.
هكذا، ولعقود طويلة، كانت ري واحدة من بين القلة القليلة الموثوقة في كوريا الشمالية والمولجة إبلاغ الناس والعالم أخبار اللحظات المهمة في تاريخ البلاد، بلباسها التقليدي الزهري المعروف .بالـ"هانبوك" وحزامها الأسود الذي يلف خصرها.
ماذا نعرف عن هذه السيدة، التي شكلت أداة سخرية للكثيرين حول العالم، كحال زعيمها الذي لم يوفر الإعلام العالمي مناسبة للسخرية من جنونه ومظهره وأسلوب حكمه للبلاد؟
"المذيعة النووية"
رغم مسيرتها الطويلة، فقد كانت الثواني القليلة التي ظهرت فيها ري نهاية الأسبوع الماضي كفيلة بأن تجعلها محط اهتمام العالم.
انشغلت الصحافة بسر تلك المرأة التي باتت مجرد رؤيتها مرادفاً للقلق حول العالم، وعلى ما يقوله مهتمون بالشأن الكوري، فإن كل مرة تظهر فيها لتلقي بياناً، يشعر المتابع أن كوريا الشمالية على وشك إعلان الحرب العالمية.
أوضح الصحافي في موقع تقنية كوريا الشمالية مارتن ويليامز أن ري هي صورة البروباغندا الكورية الشمالية، ويمكن للنظام أن يقع في مأزق في حال خسارتها، فهي أكثر الوجوه الموثوقة في الإعلام هناك.
وعن أهمية ري بالنسبة للنظام، شرح أستاذ الدراسات الآسيوية في جامعة جورج تاون الأمر بأن الاستعانة بها تعكس دائماً رغبة الأخير بالعودة إلى الموقف الحازم خلال حقبة الحرب الباردة والتأكيد على إيديولوجية الزعيم المؤسس، وري قد عايشت الأجيال الثلاثة في النظام الكوري الشمالي ووجهها يمثل انعكاساً لسردية "عظمة الأمة" التي غرسها كيم جونغ سونغ في البلاد.
وجه نسائي بلباس زهري وصوت مميز يشبه إعلان الحرب كل مرة.. ثروة كوريا الشمالية في مجال البروباغندا
يعتقد المراقبون كذلك أن دراسة ري للسينما والمسرح في الجامعة ساعدتها في تطوير مهارات الأداء الدرامي في قراءتها للأخبار. "لديها صوت يملأ الشاشة"، هذا ما قاله كيم جونغ، وهو منشق من كوريا الشمالية قبل أن يتحول إلى وجه إعلامي في كوريا الجنوبية، في حين وصفها آخرون بـ"المذيعة النووية"، فـ"لا يوجد أحد آخر يمتلك تلك القوة بصوته... تلك القوة المناسبة للحديث عن السلاح النووي والصواريخ"، كما يقول آن تشان إيل.
وبحسب "رويترز"، فقد دفعها كيم سونغ بـ"حب وثقة" لتصبح الوجه الرسمي للنظام، في حين قالت ري في إحدى المناسبات إن الزعيم هو من علمها الإعلام. وهي، المولودة في العام 1943 والمتحدرة من عائلة فقيرة من تونغتشونغ، تتمتع بعلاقة وثيقة مع العائلة الحاكمة وتعيش الآن حياة ميسورة في منزلها الفخم مع زوجها وأولادها وأحفادها في بيونغ يانغ.
النبرة "اللطيفة" والشباب الدائم
في العام 1980، كانت ري "الحاضرة الدائمة" على الشبكة، تتلو الأخبار على اختلافها، من التقارير الرسمية والمناسبات التي تنظمها الحكومة وصولاً إلى أحوال الطقس، حسب North Korea Leadership Watch. وفي العام 1994، وصل وجهها إلى أنحاء العالم، مع ارتدائها الأسود معلنة بصوت متهدج لكن ثابت وفاة الزعيم.
وإن كانت تعرف بنبرتها العالية والعدائية، إلا إن كثر يردون ذلك إلى طبيعة اللغة في كوريا الشمالية، في حين يجدون أن ما يميز ري هو مخاطبتها للجمهور بلطف، وهو ما أكدته بنفسها في مقابلة نادرة مع التلفزيون الصيني أثناء استعدادها للتقاعد.
تتغير الخلفيات التي تحتل الشاشة خلف ري أثناء إعلانها للأخبار، من صور لبراكين وغابات وأنهار، لكنها بقيت ثابتة رغم كل الظروف التي مر بها الإعلام في البلاد، ورغم الضغوط السياسية التي طالت زملاء كثر كانوا معها.
لقد رأت زملاء كثر يطردون ويتم تحجيمهم ويرسلون لـ"إعادة التأهيل"، وبقيت صامدة كـ"مذيعة الشعب" والأهم كـ"تلميذة المؤسس" النجيبة. وهي حسب مدير تقنية كوريا الشمالية مارتن ويليامز "ثروة كوريا الشمالية في مجال البروباغندا".
أما مجلة "تشوسون"، فاعتبرت أن "ري، متسلحة بمايكروفونها وبرضى الزعيم، لا تزال اليوم متألقة وكأنها لم تكبر يوما منذ انطلاقتها".
وبينما ينشغل العالم بخطوات زعيم كوريا الشمالية المقبلة في مجال التسلح و"التجارب الناجحة"، يتساءل عن جديد ما ستحمله الطلة "النووية" المقبلة لري تشون هي.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...