في وقت يعزف كثيرون من أبناء الطرق الصوفية بالسودان عن المشاركة السياسية، يتطلع الطيب الشيخ الناجي، ابن الطريقة السمانية، إلى كتابة مشاركته الحزبية الأولى وتأسيس أول حزب صوفي في بلاده.
وينتظر الناجي، الذي تتمركز طريقته في وسط السودان، إشهار الحزب الصوفي الديمقراطي، في 5 سبتمبر ، بشكل رسمي من قبل مجلس شؤون الأحزاب السياسية، ليسجل نفسه كأول حزب يعبّر عن المجتمع الصوفي.
"الحزب الصوفي حلم مشروع ومطلوب لحل مشاكل كثيرة للصوفيين، من الآن سيُسمع صوتنا بعد عقود من التهميش، فالصوفية بدون حزب لا صوت لهم" يقول الناجي لرصيف22.
الناجي واحد من ضمن كثيرين من السمانية أعلنوا دعمهم لفكرة تأسيس حزب صوفي في السودان، وسط اعتراضات واسعة من المجمع الصوفي والمجلس الأعلى للتصوف، أكبر كيانين معبرين عن الصوفية، بدعوى الخوف من تشويه صورة الصوفيين سياسياً، وهو ما يراه الرجل الأربعيني"تمسكاً بالمبادئ القديمة التي لا تتماشى مع هذا العصر".
ويضيف: "نسبة نجاح الحزب 100% لأن المتصوفة يمثلون 85% من الشعب السوداني، ولا قلق علينا من الدخول في السياسة طالما كانت فكرتنا صادقة ممزوجة بعبق وروح التصوف".
قصة الحزب الصوفي الديمقراطي
في مطلع شهر أغسطس، أعلن البروفيسور عبد الجبار الشيخ بلال، أستاذ النحو والصرف بجامعة أم درمان الإسلامية، وهو شيخ الطريقة السمانية الطيبية بمحلية كرري، تقدمه برفقة آخرين إلى منضدة مسجل الأحزاب السياسية، من أجل تسجيل الحزب الصوفي الديمقراطي. الشيخ بلال ورفاقه قالوا في خطابهم لمسجل الأحزاب إنهم جماعة صوفية يسعون إلى إقامة حزب سياسي وطني قومي يسعى إلى تحقيق العدالة والحرية والمساواة بين الناس والعيش الكريم لكل أهل السودان. بين ما يقارب الـ100 حزب سوداني تختلف انتماءاتها وأيديولوجياتها، سيكون الحزب الصوفي الديمقراطي أول معبّر عن مجتمع الصوفية، إلا أنه سيسمح أيضاً بأن ينضم له أشخاص من معتقدات أخرى على مستوى الديانة والأفكار السياسية. في حديث مطول مع رصيف22 عبر الهاتف، يفسر البروفيسور الشيخ بلال، رئيس الهيئة التمهيدية للحزب الصوفي الديمقراطي، سبب التسمية التي تبدو غير مألوفة لحزب قائم على أساس ديني كهذا، فيقول: "الصوفي من التصوف والديمقراطي للتعبير عن التعددية والتأكيد على أنه مفتوح للجميع سواء كانوا مسيحيين أو ماركسيين أو إسلاميين، فلا مانع لدينا، المهم تسديد اشتراكات العضوية وأن يبلغ عمر المنتسب 18 عاماً". وبحسب الشيخ بلال، فإن 50 شيخاً صوفياً من طريقة السمانية وأعضاء بالمجمع الصوفي من أبناء القادرية والصادقابية يقفون وراء دعم فكرة الحزب منذ البداية، معبراًعن ثقته الشديدة في جذب ألوف الصوفيين بعد الإشهار الرسمي، كونه المنبر الوحيد لهم ومظلتهم الرسمية في معاركهم مع الحكومة والتيار السلفي.حزب صوفي جديد في السودان: هدفنا التصدي للفساد وكبح جماح التيارات الإرهابية التي تسيطر علينا
صوفيون سودانيون قرروا تشكيل حزب سياسي: الدراويش خرجوا من خلواتهم، والسياسة ليست حكراً على أحد"الشعوب العربية جمعاء تعيش في ظل أنظمة ديكتاتورية، فلا يوجد حرية أو عدالة. هدفنا التصدي للفساد العقائدي والأخلاقي وكبح جماح التيارات الإرهابية التي تسيطر علينا في العالم الثالث، ورفع المظالم التي وقعت على الناس، وتحديداً الصوفيين الذين هُمشوا منذ عقود"، يقول الشيخ بلال عن أسباب تأسيس الحزب.
ابحث عن السلفيين
ولا يخفى على أحد في السودان أن الحزب الجديد هو وليد الأزمات المكتومة بين المتصوفة والتيار السلفي المدعوم من حكومة الرئيس عمر البشير، وهو ما تشعر به خلال حديثك مع القيادات الصوفية. فهؤلاء يحسّون بالظلم من تمكين السلفيين في المناصب الحكومية، وتشريع قوانين تكبّل الصوفيين، وتمنعهم من ممارسة شعائرهم، رغم أنهم يشكلون الأغلبية منذ قيام هذه الدولة. وتعود جذور الخلاف الصوفي السلفي إلى مطلع التسعينيات في القرن المنصرم، بعدما أظهر حزب المؤتمر الحاكم غلواً في خطابه الديني بمساعدة جماعة أنصار السنة المحمدية، فكانت وقوداً للحرب على "الشمال المسيحي"، وهي الحرب التي حاول الصوفيون رفع أياديهم عنها، ثم تولد نوع من علاقة ميكافيلية بين النظام والتيار السلفي. ومنذ ذلك الحين، وحكومة المؤتمر تقدم التسهيلات لأنصار الجماعة السلفية في نشر خطابهم وبسط نفوذهم على الهيئات. وظهر ذلك في التشريعات الغليظة التي تتعلق بالمرأة والمظهر العام، وانتقل تأثيره إلى إلغاء تجريم ختان الإنات من قانون الطفل عام 2013، في انتصار واضح للتشدد الإسلامي، وسط تعمد السلطة تقزيم دور الحركة الصوفية. وكان آخر محطات الصراع بين التيارين اعتقال قيادات بالحركة الصوفية ومحاكمتم بتهمة نشر الدجل والشعوذة، على خلفية المادة 22 من قانون النظام العام الولائي التي تنص على أنه لا يجوز لأي شخص ممارسة أعمال الدجل والشعوذة والزار، وتعاقب المادة مخالفيها بالسجن أو الغرامة أو العقوبتين معاً، وهو النص الذي حبس بموجبه أحد شيوخ الطريقة القادرية في الأشهر الأخيرة.النقطة الفاصلة
ما الذي دفع مشايخ السمانية للشروع في تأسيس حزب صوفي خالص يحمل اسمهم في ظل وجود أتباع طرق أخرى في حزبي الاتحادي الديقراطي والأمة فضلاً عن دعم كثيرين لحزب المؤتمر؟ يقول الشيخ بلال: "الصوفيون طوال عمرهم كانوا علماء وفقهاء. لم نكن بحاجة إلى الخروج من منازلنا وخلوتنا لممارسة السياسة في منابرها الشرعية. لكن بعد تفشي الظلم بهذه الطريقة، وجب علينا الخروج والانتظام في حزب واحد". رغم وجود الصوفيين في الملعب السياسي عن طريق الزعامات وولاءات المشايخ للحكومات ونظام البشير نفسه في بداياته ، إلا أن هناك من لا يزال يراهم مجرد دراويش، وهو ما يرفضه الشيخ بلال بقوله: "لسنا دراويش من أهل السجادة، من الآن انتهى عهد الدروشة والديكور لأننا مكبوتون ومحرمون منذ زمن". ولا يرى أن السياسة حكر على الساسة فقط لأن ذلك يكرس مبدأ العلمانية بفصل الدين عن السياسة، "فالنبي محمد كان أكبر قائد سياسي في بناء الدولة الإسلامية"، كما يقول.كيف سيكون خطابهم؟
"خطابنا ديني مجتمعي، لا نقصي أحداً، ندعو لدولة قائمة على أسس الحرية والعدل والمساواة، نعبّر عن فقراء الصوفية وأحلامهم، وندعو دول العالم الإسلامي إلى تحكيم الدين وإقامة العدل"، يقول رئيس الهيئة التحضيرية للحزب الصوفي الديمقراطي.معارضة صوفية-صوفية
طريق الحزب الجديد لن يكون مفروشاً بالورود. فبجانب تنافسه مع الحزب الحاكم والسلفيين، تنتظره معارضة أخرى من داخل البيت الصوفي، إذ ترفض الأغلبية الزج باسم الصوفية في الساحة السياسية، حتى لا يفقد المتصوفة صورتهم الطيبة عند الناس، بحسب أعضاء بالمجلس الأعلى للتصوف، وهو الكيان الذي يمثل العديد من الطرق. "أغلبية المجلس الصوفي لا توافق على خطوة تأسيس الحزب، لأننا غير متحدين البتة حول حزب صوفي بعينه، كما أن الظرف الحالي لا يسمح بتأسيس هذا الحزب"، يقول علي محي الدين الوراق، أمين الفتوى بالمجلس الأعلى للتصوف لرصيف22. يقرّ الوراق بأن حكومة المؤتمر "ميّزت السلفية على الصوفية"، لكنه لا يملك الحيلة للمعارضة من خلال ورقة الحزب الصوفي. ويشرح موقفه: "نحن مع الاستقرار دائماً والوحدة، فالآن نقف مع حزب المؤتمر، وحينما نفشل في الاتفاق مع الحكومة حول تعديل التشريعات الخاصة بالنظام العام وإفساح المجال لنا للعمل والتمكين في الحكومة، وقتها سنرى كيف نعارضهم بالطريقة الأمثل لوضع الصوفيين في البلاد". لا يريد الوراق إصدار الأحكام على مستقبل الحزب الصوفي الديمقراطي لكنه حسم موقفه بالوقوف في صف الحكومة هذه المرة: "الصوفيون مثل أي فصيل سياسي نكسب أو نخسر، المجلس الأعلى للتصوف مؤسسة ومشايخ غير مؤيدين للحزب، هم فئة قليلة سعوا لتأسيسه دون مشورتنا، كما أننا نرفض أي استخدام لأوراق خارجية لضرب استقرارنا". غير أن الشيخ بلال لا يعير اهتماماً للأصوات المعارضة لمبادرتهم الأخيرة، بل يرى أن للمخالفين من داخل المجتمع الصوفي تابعين لنظام عمر البشير ولا يريدون أن يشكلوا خطراً على مصالحهم. ويعلق على الدور الصوفي في حزبي الاتحادي الديمقراطي والأمة القومي، اللذين تدعمهما طريقتي الختمية والأنصار على الترتيب، قائلاً: "الحزبان مقسمان الآن، فالنظام نجح في تفتيتهما ولم يعد لهما سند شعبي. نحن الأجدر بانضمام الصوفيين إلينا". ويشير إلى أنه لا يناصب حزب المؤتمر، الذي ما زال يحمل عضويته، العداء، بسبب المنافسة المنتظرة في الانتخابات، فيقول: "نحن سودانيون أحرار لسنا معارضين بل مصلحين، ليس لدينا إشكال مع الحزب الحاكم، ونريد الإصلاح والذي يريد أن يتصالح معنا أهلاً به". ويرفض الاتهامات التي يتداولها البعض في الوسط السياسي السوداني عن استخدامهم كحصان طراودة لتسلل النظام الإيراني لضرب استقرار نظام الحكم ويقول: "نحن سنة وأعداء للشيعة ولن نتفق معهم مهما كان الأمر". على الجانب الآخر من المشهد، يراقب المنتمون للأحزاب المدنية والمجتمع المدني عن كثب وبقلق الوافد الجديد إلى الملعب السياسي، فهو يمثل لهم امتداداً للمد الديني الذي أبقى الديمقراطية أسيرة للحكم الديني لفترة طويلة. ويقول الحقوقي وضاح تابر، الذي يعمل في منطمة التحالف العربي من أجل السودان بالقاهرة، إن بعض الطرق لصوفية تسعى إلى ملء مكان المجتمع المدني الذي هجر السودان منذ سنوات طويلة، من خلال دخوله في مصالحات ميدانية في دارفور، لكن بدخولهم الأحزاب أصبحوا يمارسون السياسية وابتعدوا عن الدين. وأضاف تابر: "نرى الحزب الصوفي الجديد مداً للحكم الديني المسيطر على السودان منذ عقود، والصوفيون سيبقون الديمقراطية تحت حكم الدين إذا حكموا، لكننا ننادي دائماً بفصل الدين عن الدولة". ويبدي تابر استغرابه من حديث الشيخ بلال عن التعددية الحزبية والدينية التي يصدرها الحزب الصوفي، إذ يرى أن الدعوة للتعددية مخالفة للثوابت والعقائد الدينية للصوفيين. الصورة التشاؤمية لدد تابر يقابلها استشراف لمستقبل آخر من حكم السودان عند المحلل السياسي أكرم الفرجاني، الذي يرى أن العصر القادم من حكم السودان قد يكون من نصيب الطرق الصوفية بعدما جرّب الإخوان المسلمون حظهم في الحكم وفشلوا في إدارة شؤون البلاد. وبرأي الفرجاني، فإن الطرق الصوفية استطاعت أن تكسر الصورة الذهنية التي كانت مأخوذة عنها من كونها مجموعة من الدراويش والمجاذيب، وسلكت مسلكاً آخر، استطاع أن يؤثر فى السياسة السودانية نفسها، مشيراً إلى أن الغرض منها هو مواجهة أفكار داعش وغيرها من الأفكار التكفيرية التي بدأت تظهر على الساحة السودانية، لا سيما أن الطرق الصوفية معروفة بأنها ترفض التعصب الديني بكل صوره، وترغب في تحقيق ونشر سماحة الإسلام. ويتوقع الفرجاني، في حديثه لرصيف22، أن يكون للحزب الصوفي الديمقراطي شأناً في الساحة السياسية السودانية، لأنه يمتلك قيادات محبوبة على المستوى الجماهيري، كما أن الصوفيين المنضمين إلى حزبي الاتحاد والأمة سيدعمون المولود الجديد، لأنهما يعيشان مرحلة الشيخوخة ولا توجد أية محاولات لضح دماء شبابية. ويختم عبد الجبار حديثه بثقة شديدة بالقول: "الشعب السوداني صوفي بالفطرة، الحزب سيكتسح الانتخابات التشريعية المقبلة، فلن تجد بيتاً سودانياً إلا وسيدعمنا".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...