"المغالطة المنطقية تُعدّ عيباً في التفكير. المغالطات المنطقية أشبه بحيل أو أوهام تسلب الفكر، وغالباً ما يستخدمها الساسة ووسائل الإعلام لخداع الناس. لا تسمح لهم بخداعك! لقد تم تصميم هذا الموقع لمساعدتك في تمييز عملية المراوغة تلك أينما أظهرت بشاعتها… اضغط على الرموز المرفقة للمزيد من الأمثلة".
يجلس بين تلك الرموز التي تتصدرها صفحة موقع "مغالطاتك المنطقية" كل من أرسطو وسقراط وأفلاطون، وبينما يبدو الفيلسوفان الأولان سعيدين، تظهر ملامح الغم على الأخير. وفي العودة إلى سيرة كل فيلسوف على حدة، يبدو مفهوماً موقف كل واحد منهم من فكرة المغالطات المنطقية.
فماذا نعرف عن "المغالطات المنطقية" وكيف تسيطر على نقاشاتنا وآليات تفكيرنا؟ وما دورها في تأخير وصولنا إلى حلول للمشكلات الشخصية والوطنية التي تؤرقنا؟
"حرية الفتاة تعني التعري" و "تحسين المعيشة يعني التخاذل والتعامل مع العدو".
تتوزع الرموز التي يقدمها الموقع على أشكال مختلفة، منها:
Personal Incredulity وتُعرف كذلك بـ "المغالطة المقدسة": وهي تظهر عندما ينخرط أحد الأشخاص في نقاش، ويجد نفسه أمام حجة معقدة يصعب عليه فهمها أو كيفية عملها، فيميل سريعاً إلى التشكيك في صدقيتها أو دقتها. ويقول لا يمكن أن يصدق كيف يستطيع فلان أن يكون على حق، وأن يكون ما يقوله خطأ.
Genetic أو الاستعانة بالجينات: وتقوم هذه المغالطة على الحكم على أمر ما، سلباً أو إيجاباً، بناء على أصل هذا الأمر أو من أين يأتي. وتتجنب هذه المغالطة المحاججة المنطقية بتحوير الاهتمام إلى أصل شيء ما. مثلاً أن يُتهم مسؤول معين بالرشوة والفساد على وسيلة إعلامية ما، فيخرج ليحذر مما نسمعه في وسائل الإعلام التي نعرف جميعاً أنها تحوّر الحقائق.
Appeal to Nature أو نداء العودة إلى الطبيعة: وهنا تأتي المحاججة بأنه، ولأن الشيء "طبيعي" فهو بالضرورة مبرّر، لا مفر منه، جيد وحتى مثالي. ولأن الأشياء "الطبيعية" تُعتبر جيدة عادة، فهذا يخلق تحيزاً في التفكير علماً أن "طبيعية" الشيء لا تجعله بالضرورة جيداً أو مبرراً. وهذه هي الحال مثلاً مع المحاججة لمصلحة الأدوية الطبيعية أو ضد عمليات التجميل.
تُضاف إلى ما سبق مغالطات كثيرة، من تركيب السؤال الذي لا تمكن الإجابة عنه سوى في وضعية الدفاع عن النفس، إلى البحث عن شرعنة شيء معين بالقول أن مؤيديه كثر… هكذا، يغرق العالم في كل دقيقة بالمغالطات التي تأخذ النقاش إلى دوائر مفرغة، تدركها منطقتنا الغارقة في حروبها وفسادها السياسي ونزعاتها الوطنية أكثر من غيرها.
فكيف تمكن دعوة الحكومة إلى تأمين طبابة مجانية، أو البلدية لسد حفرة خطرة بينما الوطن في حال حرب مع العدو؟
وكيف يمكن أحدهم أن ينتقد نظاماً من دون أن يُخوّن؟ وكيف تمكن فتاة أن تنادي بحريتها من دون أن يتهمها أحد بأنها تريد التعري؟
أسئلة كثيرة تزخر بما تقدّم أعلاه من مغالطات، واللافت أن الجميع يمارسها ويقع ضحيتها في آن، من هنا يمكن أن يساعد التعمق فيها لوعي أخطارها بشكل أكبر، لا سيما عندما تصبح على صعيد وطني وتمس الجميع.
"الفزاعة" و "المنحدر الخطر" و "أنت كذلك"
في دراسة له نشرها في مجلة "سايكولوجي توداي"، حاول الأستاذ في علم النفس كريستوفر دواير جمع 18 مغالطة يتكرر استخدامها في وسائل الإعلام وفي وسائل التواصل الاجتماعي بين الناس في معرض دفاعهم عن حججهم أو هجومهم على حجة آخر. وكما يحتاج الأطباء إلى تسمية الأمراض تسهيلاً للتعامل معها ومعالجتها (وفق ما ذكر دانيال كانمان في كتابه الشهير "التفكير السريع والبطيء")، يرى دواير ضرورة لتسمية تلك المغالطات والتعرف إليها، أملاً برصدها عند مواجهتها وتجنب استخدامها، ما يساهم في بناء حجج أكثر منطقية إزاء ما نواجهه من تفريغ لكل معاني النقاش. نقدم هنا أبرز المغالطات التي اعتبرها دواير مشتركة، فيما يمكن الرجوع إلى النص كاملاً للتعرف إليها كلها: Strawman أو رجل القش/ الفزاعة: تقوم هذه المغالطة على تحريف الحجة التي يقدمها أحد الأشخاص لتسهيل الهجوم عليها، ومن خلال المبالغة أو التشويه أو إعادة صوغ حجة ما، يمكن تقديم الحجة المقابلة بشكل منطقي أكبر. على سبيل المثل: يحاجج أحدهم بضرورة تخصيص أموال أكثر لدعم الصحة والتعليم، يرد آخر بأنه لم يستغرب طرحاً مماثلاً من شخص يكره الوطن إلى درجة أنه يود أن يضرب دفاعاته من خلال تقليص الإنفاق العسكري. Appeal to Emotion أو الابتزاز العاطفي: تعمل هذه المغالطة على وتر العاطفة بدل اللجوء إلى حجة مقنعة أو منطقية. والوتر العاطفي يتضمن استحضار عوامل الخوف والكراهية والكرامة… مثل ذلك: لا يود أحد الأطفال تناول طعام معين، فيلجأ والده إلى تذكيره بالفقراء والأطفال الذين يتضورون جوعاً، والذين لا يمتلكون فرصة للحصول على طعام. كما نشاهد هذه المغالطة في معرض الحديث عن "خطر اللاجئين" إلى بلد معين، أو الوقوف صفاً واحداً وراء الجيش أياً كان ما يفعله... Slippery Slope أو المنحدر الخطر: وفي هذه المغالطة، يعتمد الشخص على فكرة التخويف، فإذا كان رافضاً حصولَ أمر ما يمكن أن نسميه (أ) يكفي أن يربط الموافقة عليه بحصول أمر خطير آخر تمكن تسميته (ب)، عليه يمكن أن يحاجج بضرورة عدم الموافقة على (أ). والمشكلة تكمن هنا في عملية التمييع، حيث يضمن الشخص عدم التركيز على الفكرة المطروحة حالياً في النقاش ويصوّب الاهتمام على فرضيات متطرفة تستحضر العواطف وتلعب على الوتر العاطفي غالباً. مثلاً: يُطرح النقاش بشأن المثلية الجنسية، فيقول أحدهم أن السماح بزواج المثليين سيفضي إلى زواج الأشخاص بذويهم ثم بسياراتهم أو حتى بحيواناتهم. AD Hominem أو الشخصنة: تقوم على مهاجمة حياة الخصم أو صفاته الشخصية في محاولة لتقويض حجته. ويمكن أن يتخذ الهجوم شكلاً علنياً، أو يتمثل بتعزيز الشك حول الشخص لتشويه حجته من دون الحاجة إلى التعامل معها فعلياً. على سبيل المثل: يحاجج أحدهم حول الثغرات المرتبطة بقانون الضرائب المفروض حديثاً، فيخرج آخر متسائلاً كيف يمكن الأخذ بحجج شخص غير متزوج، وقد تعرض للاعتقال مرة ويُعرف بغرابة أطواره. Tu Quoque وتُعرف بـمغالطة "التوسل بالنفاق" أو "وأنت كذلك": وهي تقوم على الرد بنقد على النقد، وعلى المغالطة بمغالطة، وهكذا بدلاً من أن يركز أحدهم على الدفاع عن حجته أو آخر على نقد حجة غيره منطقياً، يتحول الأشخاص للدفاع عن أنفسهم. مثل ذلك: يقول أحدهم التدخين مضر بالصحة ويؤدي إلى أمراض خطيرة، فيجيبه آخر "ولكنك تدخن"، فيتم تحوير الحديث. والسبب هنا في اعتبارها مغالطة، هي أن طرح الشخص أقوالاً أو دعاوى متعارضة أو غير متسقة مع تصرفاته لا يجعل حجته خاطئة. Anecdotal Evidence أو تقديم حقائق بالأمثلة: وتظهر هذه المغالطة من خلال استعانة أحدهم بالأمثلة أو التجربة الشخصية لتقديم حجته. ويمكن أن تكون التجربة الشخصية والحكايات أداة قوية جداً للإقناع، لكنها تشكل أساساً ضعيفاً للحجة، إذ لا يمكننا تعميم تجربة شخص واحد على كل الناس. مثلاً: يلجأ مسؤول ما إلى استحضار قصة له مع والده عندما كان صغيراً، لتبرير طريقة حكمه الحالية، وهو بذلك يستجدي عواطف الناخبين التي تعلي عادة من أهمية العلاقات الأسرية والنصائح الأبوية. Middle Ground Fallacy أو مغالطة الحل الوسط: وهذه المغالطة هي نقيض مغالطة أخرى تعرف بـ "أبيض أو أسود"، وتقوم على اعتبار أن الحلول الوسط تحمل الحقيقة، مفترضة أن الطرح المتطرف بين طرحين متطرفين دائماً يكون خاطئاً، وهذا أمر لا يمكن اعتباره صحيحاً، فالحقيقة قد يحملها أحد الطروحات المتطرفة. على سبيل المثل: يقول أحدهم أن هذا العلاج له آثار جانبية كتعزيز التوحد لدى الأطفال، فيحاجج آخر بأنه لا يفعل ذلك، ثم يتدخل ثالث مؤكداً أن العلاج قد يسبب التوحد لكن ليس لدى الجميع، وهو رأي يميل الناس عادة إلى تصديقه على مبدإ "خير الأمور أوسطها"."البجعة السوداء"
توماس لوروي: يمكنك أن تتألقي، لكنك جبانة. نينا: أنا آسفة. توماس لوروي (صارخاً): توقفي عن قول ذلك! هذا بالضبط ما أتحدث عنه. لا تكوني ضعيفة بهذا الشكل اللعين. هذا أحد المشاهد من فيلم "البجعة السوداء" الشهير للمخرج دارين أرنوفسكي، وفيه تحاول نينا البحث عن "البجعة السوداء" داخلها. في الكتاب الأصلي، قدم المؤلف نسيم نقولا طالب مفهوم "المغالطة السردية" والمعتمد لوصف كيف تشكل القصص المعيبة في الماضي رؤيتنا إلى العالم وتوقعاتنا للمستقبل، بينما تنشأ المغالطات السردية حتماً من محاولتنا المستمرة لإعطاء العالم معنًى. نبحث عن القصص التفسيرية البسيطة التي يجدها الناس مقنعة وسهلة، نريدها ملموسة وليست مجردة، فنركز على دور أكبر للموهبة والغباء والنيات بدلاً من الحظ، ونهتم بعدد قليل من الحوادث المذهلة التي حصلت بدلاً من الحوادث التي لا حصر لها، والتي لم تحصل. ويرى طالب أننا كبشر نستمر في خداع أنفسنا باستمرار من خلال بناء حسابات واهية على الماضي، والاستمرار بالاعتقاد أنها صحيحة. فهل حان الوقت للتصالح مع "البجعة السوداء"، ثم تسمية الأمور بأسمائها بدلاً من اللعب على المشاعر والماضي... واللغة؟رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com