صديق اليوم عدو الغد. وربما العكس. جملة رائجة في عالم السياسة وربما تتجلى بأقوى صورها في ما يحدث بين حزب المؤتمر برئاسة الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وحلفائه الحوثيين (جماعة أنصار الله).
بدأ التحالف بين الطرفين أواخر عام 2013، بعد نحو أربع سنوات على نهاية الحرب التي شنها الجيش اليمني ضد الحوثيين، والتي انتهت أواخر العام 2009، وازداد التحالف قوة ومتانة منذ بداية عاصفة الحزم التي قادتها السعودية على اليمن في مارس 2015.
فصالح الذي تحالف قديماً مع السعودية للقضاء على الحوثيين يتحالف اليوم مع الحوثيين لمواجهة السعودية. ولكن الخلافات بين التحالف المستجدّ بدأت منذ فترة تطفو على السطح، وخرجت من الغرف المغلقة لتظهر في الخطب التلفزيونية.
أسباب الخلاف
قبل فترة، ظهر عبد الملك الحوثي في خطاب تلفزيوني قائلاً إن فريقه يتلقى الطعنات في الظهر، وهو يواجه العدوان. ورد صالح على كلمة عبد الملك الحوثي بتأكيده أنه مستعد للانسحاب من تحالفه مع الحوثيين إذا أرادوا التفرّد بالسلطة. وقبل أيام، دعا القيادي محمد الحوثي إلى حشد اعتصامات في مداخل العاصمة صنعاء الأربعة، في الـ24 من الشهر الجاري، يوم إقامة احتفال حزب المؤتمر الشعبي العام بالذكرى الـ35 لتأسيسه. وتأتي الدعوتان في ظل أنباء عن تبادل أنصار الطرفين تمزيق الصور والشعارات وأنباء عن صدامات مسلحة واستنفارات عسكرية. وبحسب عضو المكتب السياسي للحوثيين، ورئيس اللجنة الرقابية العليا علي العماد، فـ"إن الخلاف قديم وظهر منذ اليوم الأول لبداية العدوان على اليمن، وظهوره على السطح اليوم هو نتيجة طبيعية لحالة الاحتقان الموجودة داخل المكونات السياسية والخلاف على أسس، منها الآليات التي تتبعها الأطراف في مواجهة العدوان". وأوضح لرصيف22 "أن المؤتمر تقتصر حركته في مواجهة العدوان على الحضور الإعلامي المحدود"، مضيفاً أنه في خطبه لا يذكر الإمارات ولا أمريكا، رغم دورهما الكبير في الحرب، حسب رأيه. وأضاف العماد "المحاولة واضحة للابتزاز والانتهازية"، منتقداً "محاولة تجاهل وإخفاء دور اللاعب العسكري الفعلي في هذه الحرب، وهو أنصار الله". فقد صرح صالح مراراً أن لا علاقة للحوثيين بإطلاق الصواريخ على السعودية وأن لا فعالية لهم في التحركات العسكرية. وتابع "على المستوى السياسي، كانت هناك محاولة لإظهار الحرب على أنها سعودية فقط"، لأن أساس امتعاض صالح يتأتى من تبني المملكة للرئيس عبد ربه منصور هادي، في مقابل "تجاهله للتواجد الإماراتي في اليمن". وعن الأسباب الخفية لهذا الخلاف، قال العماد: "ما هو مخفي كثير جداً. لا يوجد أي دعم أو تحرك أو دفع للعمل العسكري بل تنصل واضح. ولدينا ما يثبت أن قيادات المؤتمر يستدعون العسكريين من أنصار الله ويحذرونهم من المشاركة في الحرب". واتهم حزب المؤتمر بأنه يسخّر الكثير من كوادره للنزول إلى الشارع والنشاط على وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعار "أين الراتب يا أنصار الله؟". وعلى ذلك، علّق: "وكأنه لا يوجد حصار على الدولة!"، مضيفاً أن وزارات عدة هي من حصة المؤتمر، وبالتالي لا يمكنهم التنصل من تحمل تبعات الأوضاع الصعبة التي يعيشها اليمنيون. واعتبر أن "الخلاصة هي أن المؤتمر يعمل وكأنه يحضّر لعملية انتخابية حزبية، بالرغم من أن 99% من الشهداء الذين يسقطون محسوبون على أنصار الله، والكادر الوظيفي لا يوجد فيه 1% من أنصار الله". وأوضح العماد أن الحوثيين كانوا "يتجنبون نقل الحقائق" عن الخلاف "حتى لا يحدث إحباط للمجتمع لأن الناس كانت تراهن على هذه الشراكة". ولكن، برأيه، "حان الوقت لخروج كل الخلافات إلى العلن لأن الطرف الآخر يستغل حالة الحلم والسكوت"، مشيراً إلى أن الموتمر تحرّك خلال الشهرين الأخيرين بقوة لـ"عمل حزبي وسافر واستجلب عبارات مسيئة إلينا مثل عبارة "أنا جائع" في مسعى منه لتسويق نفسه اجتماعياً، في وقت لم يتحرك من قبل بفعالية للحشد مجتمعياً ضد العدوان".رأي آخر
وخالف علي البخيتي، السياسي اليمني المنشق عن الحوثيين، العماد بالرأي، وقال "إن الوصول إلى الصدام هو نهاية متوقعة لتحالف بين جماعة دينية طائفية وبين حزب سياسي ليبرالي كالمؤتمر الشعبي العام، فالجماعة سعت من خلال التحالف ليس للسيطرة على مؤسسات الدولة فحسب بل لتغيير عقيدة ووعي تلك المؤسسات، وبالأخص الجيش والأمن عبر تنظيم دورات تعليم دينية طائفية للضباط والجنود". وأضاف لرصيف22 أن الحوثيين سعوا "إلى تغيير خطاب الإعلام الرسمي وتحويله إلى بوق للجماعة بشكل مستفز لم تشهد له اليمن مثيلاً، وأصبحت الصحف الرسمية وكأنها نسخة من صحف جماعة الحوثي، ما دفع المؤتمر للعودة إلى الشارع بغرض إرسال رسالة للحوثيين مفادها: نحن هنا، حزب قوي لنا وجود ولن نقبل أن نكون جسراً لكم ولسلوكياتكم الطائفية". وتابع البخيتي: "نحن أمام صراع هويات، بين مشروع ولاية الفقيه (الإمامة) الذي تمثله بوضوح جماعة الحوثي، وبين اليمن الجمهوري الذي يمثله المؤتمر الشعبي العام".مقومات بقاء التحالف برغم الخلاف
دعم صالح الحوثيين منذ بداية التحالف بتقديم السلاح والمال. وبما أن صالح يمتلك قوة كبيرة من الجيش اليمني الذى بناه منذ أن كان رئيساً بشكل موالٍ له، وضع جهداً عسكرياً في التحالف مع الحوثيين. كذلك، قام صالح بالدعاية السياسية للحوثيين وقدّمهم على أنهم فصيل محاور، وهو ما ظهر واضحاً في الجولات السياسية لمحمد عبد السلام، المتحدث الرسمي باسم الحوثيين، وبعض قيادات المجلس الثوري، في بلدان عدة، منها عمان والكويت. وبذلك استغل صالح الحوثيين في القضاء على أعدائه فيما استغل الحوثيون صالح في الظهور على الساحة كقوة حاكمة وليس كمجرد جماعة عسكرية. وقال عضو البرلمان أحمد حاشد هاشم إن التحالف بين الطرفين "بدأ كتحالف مصالح وبدوافع برغماتية، غير أنه تحوّل بعد أن شن التحالف حربه عليهما إلى تحالف ضرورة بدا وجودياً لأطرافه ولا بد منه". وبرأيه، "طالما ظل التهديد لوجودهما قائماً سيستمر هذا التحالف. وتتوقف شدة أو رخاوة التحالف على هذا التهديد وحجمه ومخاطره على وجودهما". وأضاف لرصيف22: "أعتقد أن انتهاء الحرب سيكون بوابة مهيأة لتحالفات جديدة".انهيار التحالف وبدائل الصراع
بالرغم من الخلافات العلنية بين الطرفين يؤكد كل منهما على عدم انهيار تحالفهما. فبالرغم من تصريح صالح بأنه مستعد لفض التحالف إذا استمر الحوثيون بالانفراد بالسلطة، يبدو أنه مثلما يجيد تكوين التحالفات المتناقضة يجيد أيضاً الحفاظ على تماسكها. وعلق أحمد الحبيشى رئيس المركز الإعلامى لحزب المؤتمر مؤكداً أن الخلاف بين الحوثيين والمؤتمر لن تطول مدته، كما اتهم المملكة العربية السعودية بتأجيج الخلاف قائلاً: "فتش عن أصابع السعودية خلف كل مشاكل اليمن". واتفق علي العماد أيضاً مع تصريحات الحبيشي مؤكداً أنه "لن تحدث أية صدامات ولن ينفض هذا التحالف أبداً". واعتبر البخيتي "أن بقاء التحالف بين الطرفين يعود لأسباب خارجية: العدو المشترك الذي يتربص بهما، ولولا هذا العدو لما بقي تحالفهم ساعة واحدة لما بين طرفيه من تناقضات". وأكد البخيتي أنه لا يتوقع أن ينفك التحالف بينهما قريباً، "قبل أن يجد كل منهما أو أحدهما بديلاً مناسباً يستند إليه، أو تتغير الظروف الميدانية بما يؤدي إلى تغير خارطة التحالفات بأكملها". وأضاف: "لا أتوقع أن تصل الأوضاع إلى صدام بين الطرفين، فالمؤتمر يتحرك سياسياً وبشكل سلمي، ولا يريد أن ينجرّ إلى حرب مع الحوثيين لأنه سيكون الخاسر فيها، فالحرب هو ميدان جماعة الحوثي المفضل والذي تحقق فيه الكثير من المكاسب بينما ميدان المؤتمر هو العمل السياسي والجماهيري". وأكد عضو البرلمان أحمد حاشد هاشم "أن الخلاف في صنعاء مهما احتد فلا يمكن أن يصل إلى حد القطيعة أو المواجهة الشاملة بين الحلفين، على الأقل في ظل المعطيات القائمة"، وتابع: "هنا في صنعاء لديهم القدرة على معرفة نتائج الصدام ولهذا من الممكن أن نشهد مواجهات ولكن في حدود ما هو آمن، على الأقل في هذا الظرف". وأضاف أن صالح لا يمكن أن يقدم على مغامرة غير مضمونة 100% وأنصار الله لديهم سطوة تستطيع أن تقرر أولى النتائج ولكن ليس بيدهم أن يقرروا النتائج النهائية. واعتبر أن "أنصار الله أقدر على المغامرة في الوقت الحاضر ولهذا سنجد صالح يرفع السقف إلى حد ما هو ممكن، ثم يتراجع، ولكن بعد أن يكون قد حقق بعض المكاسب مستغلاً الأخطاء التي يقع فيها أنصار الله". وتابع عضو البرلمان إن "الطرفين مهددان أيضاً بانكشافهما أمام الشعب في ما يخص الفساد وهي نقطة الضعف لديهما، فضلاً عن الحقوق والحريات التي تنتهك بشكل كبير".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...