مع بداية "الربيع العربي" نهاية عام 2011، تشكل واقع عربي جديد أدى إلى متغيرات كثيرة، بينها وصول عدد القنوات الفضائية العربية إلى حوالى 1400. واللافت أن جزءاً كبيراً من هذه القنوات ذا طابع ديني ويمارس دوره على وقع الصراع المذهبي في المنطقة العربية.
وأشار مدير معهد الإعلام الأردني، الدكتور باسم الطويسي، في حديث لرصيف 22، إلى أن البلاد العربية هي الأكثر استثماراً في مجال القنوات الفضائية الدينية، مؤكداً أنه "ليس استثماراً اقتصادياً بل سياسي وإيدولوجي". ولفت إلى أن "حجم الاستثمار الاقتصادي في هذا القطاع يبلغ 6 مليارات دولار في حين لا تتجاوز عائدات الإعلانات العربية حاجز المليارين".صراع مذهبي فضائي
حدّد مدير مركز القدس للدراسات السياسية في الأردن، عريب الرنتاوي، الجهات الممولة للفضائيات الدينية بأربعة أطراف رئيسية مستبعداً وجود أي دور للدول الغربية في دعمها وتمويلها. وقال لرصيف22: "تموّل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وإيران تلك الفضائيات إلى جانب بعض الأحزاب العراقية واليمنية واللبنانية والحركات الدينية مثل جماعة الإخوان المسلمين وبعض الجماعات السلفية والشيعية".
ورأى الرنتاوي أنّ كثرة الفضائيات تأتي في سياق الصراع المذهبي المحتدم في المنطقة العربية حيث تعمل دول وأحزاب منخرطة في الصراع على تغذية حالة الاقتتال، وتأتي النتيجة كارثية على المجتمعات العربية التي تعيش حالة من الاستقطاب المذهبي غير المعهود. وقال: "الخطورة تكمن في ممارسة تلك الفضائيات التحريض والإقصاء ودعوتها للعنف والإرهاب. وستفشل كل إستراتيجية لمحاربة التطرف إن لم تتضمّن مواجهة تلك المحطات".
وعن توجّهات تلك المحطات، قال: "هي محكومة بأجندات إما استخباراتية للدول الداعمة أو أجندات دينية تخدم من يقف خلفها". ولم يكتفِ بالمطالبة بمراقبة دور تلك الفضائيات بل بحظر بث بعضها عبر الأقمار الصناعية للحدّ من خطورتها في إذكاء حالة العنف في الدول العربية.
من جهته، اعتبر نقيب الصحافيين الأردنيين، طارق المومني، أن المتابع لتلك الفضائيات يرى انعكاساً واضحاً لحالة الاقتتال الطائفي في المنطقة. وأضاف لرصيف22 أن خطاب تلك الفضائيات مبني على تنمية الشعور الطائفي كما أن نوعية البرامج المقدمة تشير إلى مصلحة "دول بعينها" في تنامي حالة الصراع المذهبي وإذكاء حالة التطرف والإرهاب.
وتشارك التنظيمات الإرهابية والتكفيرية في المنطقة في هذا العرس. إذ راحت توظّف منابرها وفضائياتها كأسلحة رئيسية، بحسب الطويسي الذي تحدث عن جيل رابع من الحروب يعتمد ضمن وسائله على الشائعات والتضليل والتزييف وإعادة بناء المعلومات والأحداث على أسس دعائية.
تطوّر الفضائيات العربية
وأكّد الطويسي أن "قنوات وبرامج دعوية، سنية وشيعية إلى جانب قنوات تبشيرية مسيحية تسيطر على 28% من مجمل محتوى بث القنوات الفضائية"، معتبراً أن كل ذلك هو "نتيجة لتوظيف السياسة الدين لمصلحتها".
وكان "التقرير السنوي حول البث الفضائي العربي" الذي أعدّته اللجنة العليا للتنسيق بين القنوات قد سلّط الضوء على أن القنوات الفضائية الدينية تحتلّ المركز الخامس من مجموع القنوات ويصل عددها الى 95.
وأشار التقرير الصادر عام 2014 إلى أنّ عدد الفضائيات، العامة والخاصة، خلال مطلع التسعينيات من القرن الماضي لم يتعدَ العشرين أو الثلاثين، ثم بدأ تكاثر الفضائيات العمومية خلال النصف الأول من التسعينيات وصولاً إلى الطفرة الحالية. ويكشف التقرير أنّ عوامل شتى ساهمت في تكاثر القنوات، منها الثورة التكنولوجية الرقمية التي أتاحت للبث الفضائي فرصاً غير محدودة وتكلفة منخفضة وآفاقاً رحبة.
وبحسب التقرير، تتربع القنوات الرياضية على رأس القنوات الفضائية العربية، مع حوالى 170 قناة، وتليها قنوات الدراما (أفلام ومسلسلات) مع ما يناهز الـ152. أما القنوات الغنائية فيصل عددها إلى 124، وفي المرتبة الخامسة، بعد القنوات الدينية تأتي القنوات الإخبارية مع 68.
تدفق الأموال
ويرى الطويسي أنّ صراع الأجندات السياسية في المنطقة بأبعاده المختلفة هو الذي دفع إلى ضخّ أموال طائلة في الإعلام، مما سهّل ظهور جيل جديد من رجال الأعمال كواجهة للاستثمار في المحطات الإعلامية الفضائية وفي الإعلام بشكل عام، "وهم في الحقيقة يمثّلون تيارات سياسية".
وبحسب خبير إعلامي فضّل التحفظ على ذكر اسمه، دخلت في المدة الاخيرة طبقة من رجال الأعمال المصريين الذين انقسموا إلى تيارين، الأول يعتبر أقرب إلى النظام السياسي الحالي، وأنشأ مجموعة من القنوات الفضائية كـ"cbc" و"ontv"، في حين سعى التيار الآخر للدفاع عن الإخوان المسلمين مستخدماً غطاءً دينياً إسلامياً أو غطاء الدفاع عن الديمقراطية، فأطلق مجموعة من القنوات الفضائية في تركيا مثل فضائيتي "رابعة" و"الشرق".
ورأى الخبير أن أسباب الطفرة الإعلامية هي الرغبة في استخدام السياسيين وناشطي المجتمع المدني وممثّلي بعض الأقليات ورجال الأعمال ومؤسسات دينية وثقافية للتلفزيون باعتباره أكبر أداة للتواصل، لتمرير رسائل معينة والتأثير على الرأي العام أو لحشد الطاقات، خاصة في ظل مناخ عربي متغير يشهد العديد من النزاعات والانقسامات ويشكّل محور مطامع مختلفة.
استحداث هيئات مستقلة لمواكبة الطفرة
ساهم كل ذلك في إعادة النظر في المشهد الإعلامي في المنطقة العربية. وقد باشرت دول عربية مثل تونس ومصر والجزائر مواكبة هذا التغيير. فاستحدث الدستور المصري الجديد هيئة مستقلة تتمتّع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الفني والمالي والإداري لتنظيم شؤون الإعلام المرئي والمسموع.
وأصدرت الجزائر بداية العام الفائت قانوناً ينص على إحداث هيئة تعديلية مستقلة للقطاع السمعي البصري. في حين أصدرت تونس عبر الهيئة العليا التونسية المستقلة للقطاع السمعي والبصري كرّاس شروط للإذاعة والتلفزيون يتضمّن قواعد الحصول على التراخيص اللازمة قبل البث.
ما زال الوقت مبكراً للحكم على تجربة هذه الفضائيات وفرز الغث من السمين منها، لكن ما هو مؤكد أن معظمها يلعب دوراً في إذكاء الصراعات الدائرة في المنطقة العربية.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...