كتب لسندويشات الفول
يقول تامر عبد المنعم الجبالي، الباحث المتخصص في التراث العربي، إنه كان يبيع كتبه المدرسية لبائع الفول ليستخدمها هذا في لف السندويشات وتقديمها للزبائن، ويضيف أن الكتب الدينية تُستثنى من ذلك، إذ يتم الاحتفاظ بها في المساجد. أما محمود خالد حسين، الطالب في كلية طب عين شمس، فيخبرنا أن أسرته تتخلص من الكتب الدراسية المستعملة بتركها فوق سطح البيت أو بيعها لتجار الخردة. ويقول عصام، بائع الكتب في شارع المدارس بطنطا، أن بعض الكتب العلمية أو الدراسية تصل لبائعي الأطعمة والمطاعم بطريقة غير مقصودة، إذ يبيعها أصحابها لتجار الورق، الذين يبيعونها بدورهم لبائعي الفاكهة والخضار. المهندس اسماعيل جاد الرب، الذي كان يعمل في تشغيل وصيانة كاميرات مطار القاهرة الدولي، يقوم بتغليف وتعبئة كتبه القديمة وتخزينها في أكياس، ويتركها مهملة في بدروم البيت. ولكنه يتذكّر أوراق عمه الشاعر محمد جاد الرب، التي بيعت بالكيلو لباعة الأوراق والكتب القديمة، ومن بين هذه الأوراق قصيدة لعمه لم تنشر بعنوان "النت والبت".تسعير الكتب القديمة
يقول صبحي، الذي يبيع الكتب المستعملة في شارع المدارس بمدينة طنطا، لرصيف22 عن مصدر حصوله على الكتب القديمة، إنه يشتريها من بائع الورق، الذي يحصل عليها من بائع روبابيكيا يجمع أشياء مستعملة مختلفة من حديد وصفيح وزجاج، ومن ضمن هذه الأشياء المستعملة، الورق. ويتولى تاجر الروبابيكيا عزل الورق ثم بيعه لبائع ورق كبير، الذي يقوم بعملية فرز في مخزن مخصص، فيقسم الورق إلى قسم للأبيض، وقسم للأحمر، وقسم لورق الدبوس، وهكذا. ومن ضمن هذه الأوراق، الكتب القديمة، التي يقوم التاجر بتنحيتها جانباً، ثم يتواصل مع بائع الكتب القديمة ليبيعها له. وأضاف صبحي أن من يقوم بتقدير قيمة الكتاب القديم لجهة السعر، هو تاجر الكتب القديمة، وليس تاجر الورق. ويوضح أن من معايير تقييم الكتاب هو تاريخ طباعته ونشره، فالأقدم تكون قيمته أعلى، وحسب مكان طباعة الكتاب في مصر أو خارجها. فما طبع في الخارج له قيمة أعلى. إذا كان الكتاب مخطوطاً كان له شأن آخر، وكلما زاد في القدم زاد سعره. أحياناً تأتيه مخطوطات بدون عنوان أو تاريخ، وهذا ما يفقدها جزءاً كبيراً من أهميتها، فإذا توفر عنوان المخطوط واسم مؤلفه وتاريخ نسخه أو كتابته، فإن له شأناً مهماً.شبكة تجار وتصفيات وكتب يتيمة
يحكي ماجد الذي يبيع الكتب المستعملة في شارع طه الحكيم بطنطا، وقد قضى في المهنة نحو 17 سنة، أنه يحصل على الكتب المستعملة من أصحاب الكتب أنفسهم باجتهاده الشخصي. فمثلاً يمكن أن يشتري مكتبة توفي صاحبها من ورثته. وأضاف أنه لا يعتمد على تجار الروبابيكيا، لكنه يتعمد الشراء من تجار أكبر منه من القاهرة والإسكندرية ومن سائر المحافظات. ومن المصادر التي أشار إليها ماجد، دور النشر الكبيرة، التي تصفّي ما لديها من كتب ببيعها لتجار الكتب القديمة. وأكد أن هناك شبكة من التجار في مختلف المحافظات على تواصل متبادل، فيستعين التاجر الصغير بالتاجر الكبير لتلبية احتياجاته، والعكس صحيح أيضاً.الوقف والروبابيكيا
يختلف مصير الكتب المستعملة بحسب نوعها، فالكتب الدينية والعلمية يتم إهداؤها أو وقفها لخدمة الباحثين في مكتبة جامعة أو في مكتبة مسجد (مصاحف أو كتب مرتبطة بالقرآن وتفسيره أو الحديث وشروحه ودواوينه أو الفقه ومذاهبه)، يقول الدكتور السعيد داود، أستاذ المكتبات والمعلومات في جامعة الأزهر. كذلك يمكن بيعها لتجار المعادن القديمة والأوراق بأسعار زهيدة، فتتم بعد ذلك إعادة تدويرها وتصنيعها من جديد. أما المجلات الثقافية والعلمية والرياضية والصحف والجرائد، فتُحرق أو تُباع لتجار الروبابيكيا بنصف جنيه للكيلوغرام الواحد حتى لو كانت بينها مجلة الجمعية الكندية في أبحاث الكيمياء الحيوية، كما يمكن بيعها لأصحاب المطاعم ومحال التجزئة وعربات الخضار والفاكهة.الببليومانيون
يقول الكاتب والمحلل السياسي عبد العظيم الأنصاري لرصيف22 إنه يحتفظ بكتبه منظمةً ومرتبةً لدرجة أنه لا يزال يحتفظ بكتب الحضانة (مرحلة ما قبل المدرسة)، فيما بعض أصدقائه كانوا يلقون كتبهم الدراسية في خربة (منطقة مهجورة) أو يبيعونها لباعة الطعمية. ويضيف الأنصاري أنه إذا شاء التخلص من أوراقه القديمة، فإنه يتبرع بها لجمعية الرسالة الخيرية التي تستفيد منها في بيعها لإعادة تدويرها. ويقول المحرر بجريدة الرياض السعودية والباحث بكلية الإعلام جامعة القاهرة محمد سمير وهبة، إنه لنعرف مصير تلك الكتب المستعملة لا بد من معرفة مآلها. فهو بحث وحقق سابقاً في كيفية حصول تجار الكتب القديمة على بضاعتهم، واكتشف أنها تنحصر في: الحصول على الكتب المستعملة عن طريق المزادات، والمصدر الثاني هو المكتبات الخاصة التي يقرر أصحابها بيعها أو تُباع بعد موتهم بواسطة الورثة، ومصدر آخر هو شراؤها من تجار الروبابيكيا، الذين يتاجرون في الأشياء القديمة، ومن بينها الكتب. ومن المصادر أيضاً بحسب وهبة، القراء أنفسهم الذين يجددون مكتباتهم. ويذكر أن وهبة وصف نفسه بأنه مصاب بالببليومنيا (جنون الكتب)، وأعرب عن استفزازه الشديد من صورة كتاب الميكاترونكس التي تداولها نشطاء فيسبوك، وقال مازحاً: "عض قلبي ولا تعض كتابي".الحريصون
يؤكد كرم حمدي، وهو من محافظة المنوفية، وحاصل على بكالوريوس في الخدمة الاجتماعية، ويعمل حلاقاً بمدينة السادس من أكتوبر بمحافظة الجيزة، أنه كشخص منوفي (مشهور عن أهل المنوفية الحرص الشديد): "لا يمكن أن أفرط في كتاب، وعند استغنائي عنه، أهديه لأحد أقاربي". وفي الاتجاه نفسه، ذهب الطالب المصري ياسر حامد، الذي يدرس حالياً السنة التحضيرية للالتحاق بالدراسة الجامعية في ألمانيا، وقال إنه يوزع كتبه التي استعملها ولم يعد بحاجة إليها على الأصدقاء والأقارب. وأكد حسن جمال، الذي تخرج من كلية الصيدلة في جامعة الزقازيق، أنه لا يفرط في الكتب الطبية التي استعملها في الدراسة، لأنها تمثل مراجع له في المستقبل ويعتمد عليها من وقت لآخر.مزادات ومخازن
غريب، رجل في العقد الثالث من العمر، يعمل في بيع الكتب بسور الأزبكية منذ طفولته، يضيف إلى تلك المصادر للكتب المستعملة، مصدراً مهماً هو "تصفيات المكتبات الخاصة"، فبعض دور النشر تعرض بعض نسخ الكتب القديمة للبيع في تصفيات بسعر بخس. وهنا يبرز دور التنسيق بين بائع الكتب وأصحاب دور النشر. ويشير غريب إلى مصدر ثانٍ للحصول على الكتب، هو "المزادات"، وفي هذه الحالة، يجني بائعو الكتب كمية كبيرة من الكتب – قد تصل لعدة آلاف - دفعة واحدة. كذلك يذكر طريقة أخرى للحصول على الكتب، وإن كانت أقل جدوى، تتمثل في شراء الكتب مرة أخرى من القراء أنفسهم الذين يشترون الكتب من سور الأزبكية، ويقرأونها ثم يعيدونها له بسعر أقل من سعر الشراء، فيتمكنون إذّاك من شراء كتب جديدة، وهو، بذلك، يحقق هامش ربح من الكتاب ثم يعيد بيعه، ويحقق هامش ربح مرة أخرى، "لكن هذا لا يحدث كثيراً ولا نعول عليه، فمعظم القراء لا يتبعون هذا السلوك في شراء الكتب"، بحسب قوله. ويؤكد غريب أن سوق بيع الكتب في مصر يشهد رواجاً ملحوظاً، وأن هذه المهنة كانت من المهن القليلة التي لم تتأثر بالأزمة الاقتصادية التي أعقبت الثورة. وهو ما ينفيه بشدة محمود، بائع شاب آخر في الثلاثين من العمر، ورث كشكاً في سور الأزبكية عن أبيه وجده. يرى محمود أن انتشار استخدام الانترنت في مصر أثّر بصورة كبيرة على سوق بيع الكتب. ويقول: "في السابق، كان للقارئ مصدران فقط للمعرفة إما المكتبات العامة أو سور الأزبكية، أما اليوم فيشكل الانترنت بديلاً مجانياً للحصول على المعرفة، خصوصاً مع تصوير الكتب ونشرها في كثير من المواقع والمدونات التي تنتهك حقوق الملكية الفكرية للكتّاب ودور النشر".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكلام صحيح والله الواحد كان مكسوف وهو بيقرأ الكلام ده و فى ناس حوله لسه بيهزروا فى نفس الموضوع ،...
مستخدم مجهول -
منذ 3 أيامعن أي نظام تتكلم عن السيدة الكاتبة ، النظام الجديد موجود منذ سنوات ،وهذه الحروب هدفها تمكين هذا...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعجميل جدا وتوقيت رائع لمقالك والتشبث بمقاومة الست
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Ahmed Adel -
منذ اسبوعينمقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ 3 اسابيععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...