"أخيراً ألغيت المادة 308 التي كانت تعفي المعتدي على الفتاة من العقاب إذا تزوجها. فمن اليوم وصاعداً لن تُظلم فتاة".
بهذه الكلمات علقت والدة إحدى الفتيات، اللواتي كن ضحايا المادة القانونية التي تعفي المغتصب من العقوبة في حال زواجه من ضحيته في الأردن، وهي المادة التي أقر مجلس النواب إلغاءها أول من أمس.
تقول الأم، التي يتحفظ رصيف22 على هويتها: "تزوجت ابنتي قبل عامين من المعتدي عليها، بدأت علاقتها به، وهو من أصحاب السوابق عندما كانت تبلغ من العمر 13 عاماً بعد تهديده بكشف أمرها لوالدها. استمرت العلاقة إلى أن انتهت بالحمل وعمر ابنتي 15 عاماً".
وتضيف أنها اعتقدت حينها أن الزواج سيكون المخرج الوحيد لابنتها، لكن الواقع أثبت أن زواجها كان نجاة للجاني وعذاباً لها.
"تزوجت ابنتي لمدة شهر واحد فقط تعرضت خلاله لكل أشكال الإهانة والتعنيف والذل إلى أن طلبت الطلاق، فيما يعيش اليوم الجاني حراً طليقاً، كل ما أتمناه اليوم ان نتمكن مجدداً من إعادة ملاحقته قانونياً، حتى نشعر بالإنصاف".
بعد معركة شرسة قادتها الحركات النسوية والحقوقية في الأردن، واستمرت أكثر من عشر سنوات، أقر مجلس النواب في الأول من آب 2017 إلغاء المادة 308 من قانون العقوبات الأردني والتي تنص على إعفاء المعتدي من العقوبة في حال زواجه من ضحيته في الجرائم الجنسية.
بدأ هذا الحراك بإظهار النتائج ربيع العام 2016 عندما أعلنت حكومة عبدالله النسور السابقة تعديلاتها على قانون العقوبات، إذ تضمنت تعديل المادة 308 بحيث ألغي إعفاء الجاني من العقوبة في حالات الاغتصاب وهتك العرض، لكن المادة بقيت سارية على حالات مواقعة قاصر بالرضا.
أخيراً #إلغاء_308 المادة التي كانت تعفي المعتدي على الفتاة إذا تزوجها
#إلغاء_308 ... "هذا الانجاز رد لكل من يقول إن المجتمعات ترفض التغيير، اليوم تم التغيير، والتغيير للافضل"
الرفض لتعديل بلا قيمة...
رفضت المنظمات الحقوقية والنسوية هذا التعديل، خصوصاً أن النص المعدل لم يحمل أي قيمة حقيقية، إذ إن غالبية ضحايا المادة 308 هن من القاصرات اللواتي يتم استغلالهن والتغرير بهن من قبل أشخاص بالغين. وفي هذا السياق، تقول رئيسة اللجنة الوطنية لشؤون المرأة سلمى النمس: "التعديل الأول للمادة كان مرفوضاً جوهراً وتفصيلاً، فالقانون الأردني لا يعتد برضا القاصر فكيف يعتد بالرضا في حالات الاعتداءات الجنسية، وكيف نحدد العلاقة الرضائية من حالات الغش والخداع، فضلاً عن أن المادة في النص المعدل تفتح الباب لحالات الابتزاز والاستغلال للفتيات وأسرهن". في تشرين أول الماضي، عهد الملك عبدالله الثاني لرئيس الوزراء السابق زيد الرفاعي تشكيل لجنة لتطوير القضاء لتقديم إستراتيجية شاملة للقطاع، فخرجت اللجنة بعد أربعة شهور بإستراتيجية تضمنت توصياتها لتطوير قطاع القضاء، وكان من بينها الإلغاء التام للمادة 308 وهو الأمر الذي اعتبر انتصاراً نسوياً في حينه. استجابت الحكومة الجديدة برئاسة هاني الملقي لتوصيات اللجنة الملكية وضمنت التعديلات إلى قانون العقوبات الذي أرسل مجدداً إلى البرلمان. ورغم حالة الارتياح تجاه موقف الحكومة المدعم بقرار من لجنة ملكية، فإن تخوفاً حقيقياً ساد بين القطاع النسوي، خصوصاً في ظل خروج رسائل من البرلمان تفيد بعدم موافقة غالبية أعضاء مجلس النواب على الإلغاء. هذه المخاوف تحولت إلى واقع قبل أسبوعين من موعد التصويت عندما قررت اللجنة القانونية في مجلس النواب إعادة المادة إلى النص المقدم من الحكومة السابقة، والتي أبقت على تطبيق المادة في حالات مواقعة القاصر بالرضا، وهتك العرض دون عنف وخداع بكر بوعد الزواج.#إلغاء_308
قرار اللجنة دفع بالمنظمات الحقوقية لإطلاق حملة مكثفة لكسب الدعم والتأييد عبر إطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي حملت وسم #إلغاء_308 وعبر تكثيف اللقاء مع أعضاء مجلسي النواب والأعيان للضغط باتجاه إلغاء المادة. وقد حصلت الحركات النسوية على تجاوب كبير من قبل النواب إذ دعم عدد كبير منهم الإلغاء بمن فيهم كتلة الإصلاح، وهي الكتلة الأكبر حجماً في المجلس. إلى جانب الحراك النسوي، ساهمت عضو مجلس النواب وفاء بني مصطفى وهي المقربة من الحراك النسوي والداعمة له، بحشد أصوات عدد كبير من النواب. يضاف إلى ذلك، جهد آخر موازٍ قدمته وزيرة التنمية الاجتماعية هالة لطوف التي بيّنت في حديثها للنواب عن الآثار الكارثية للمادة على الفتيات الضحايا، وأكدت أن ما يوصف بالعلاقات الرضائية هي في الغالب ليست سوى حالات استغلال من قبل بالغين من أصحاب السوابق لفتيات صغيرات. وقد تسببت حملة الحشد والضغط في تحقيق تغيير حقيقي ليس فقط على مستوى النواب بل على المستوى الشعبي أيضاً، وفي هذا السياق تقول النمس: ساهمت مؤسسات المجتمع المدني في خلق حالة من الوعي مما أدى إلى التغيير في المزاج العام. رغم الأثر الكبير للحملة الألكترونية والحراكية للمنظمات على الرأي العام وعدد من النواب، فلم تتمكن من التأثير على موقف اللجنة القانونية في المجلس. وقبل يوم واحد، التقت ممثلات عن اللجنة الوطنية لشؤون المرأة واتحاد المرأة الأردنية ومجموعة القانون لحقوق الإنسان (ميزان) وشبكة القانونيات العربيات مع أعضاء اللجنة القانونية في المجلس، لكن الاجتماع الذي استمر 3 ساعات بحضور وزيرة التنمية الاجتماعية هالة لطوف، لم يثمر أي نتائج إذ بدا أفراد اللجنة القانونية أكثر تمسكاً بموقفهم الرافض لإلغاء المادة.عن اليوم الذي ألغي فيه القانون
حتى صبيحة التصويت على المادة، كان الانطباع العام أن المادة ستبقى وسط ضغوط رئيس اللجنة القانوني وتوجهات بعض النواب الرافضين للإلغاء، الأمر الذي دفع الحراك النسوي والحقوقي للاعتصام أمام مجلس النواب والدخول إلى شرفة البرلمان لمتابعة مناقشات التشريع. دقائق قليلة قبل بدء التصويت كانت كفيلة بتغيير الموقف تماماً، إذ دخل رئيس الوزراء إلى البرلمان ليقدم مداخلة لم تزد عن دقيقة واحدة، قال فيها إن الحكومة متمسكة بموقفها القائم على إلغاء المادة وذلك حفاظاً على الأسرة والمجتمع، وهو الأمر الذي أثار غضب رئيس اللجنة القانونية مصطفى الخصاونة الذي رد عليه بالمقابل مبيّناً أن قرار اللجنة القانونية كان نتيجة لقاءات مع عشائر أردنية ومع قضاة ومختصين أكدوا على أهمية المادة لحفظ الامن الاجتماعي وتقليل حالات الأطفال المجهولي النسب والحفاظ على حياة الفتيات من القتل والحد من التوقيف الاداري. بعد حالة من الفوضى والشد والجذب، حسم النواب موقفهم في التصويت لصالح إلغاء المادة، وهو ما جوبه بتصفيق شديد وزغاريد من قبل جمهور الشرفة المناهض لبقاء المادة.انتصار للمرأة الأردنية
وفي هذا السياق، تقول مديرة مجموعة القانون لحقوق الإنسان "ميزان" المحامية آيفا أبو حلاوة عضو التحالف لإلغاء المادة والتي تعاملت مع عدد كبير من حالات الضحايا للمادة 308: "ما تم هو انتصار حقيقي للمرأة الأردنية، وهو نتاج جهد استمر لأكثر من عشر سنوات". وتتابع: "إلغاء المادة دليل على قدرة المجتمع المدني على حشد الرأي العام وتغيير الاتجاهات، هذا الانجاز رد لكل من يقول إن المجتمعات ترفض التغيير، اليوم تم التغيير، والتغيير للافضل". وتضيف: "الإنجازات التشريعية لم تكن فقط بالمادة 308 بل ايضاً بمجموعة قرارات منصفة للمرأة والطفل تم إقرارها، أهمها تعديل المادة 98 التي تنص على العذر المخفف بسورة الغضب، حيث تم إلغاء تطبيق هذه المادة على النساء في قضايا الشرف وحصرها فقط في حالات التلبس، وهذا يوفر حماية اكبر للنساء". وتختم: "خيار التزويج ليس الخيار المفضل للأهل، وهذا ما لمسناه من خلال عملنا. كل ما يحتاج له الأهل هو الدعم والمساندة لتخطي هذه الأزمة".رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...