شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل حقاً لكل بلد شخصية؟ أم هذا مجرد وهم وتنميط؟

هل حقاً لكل بلد شخصية؟ أم هذا مجرد وهم وتنميط؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة

الخميس 29 يونيو 201711:21 م
جربوا أن تغمضوا أعينكم وتتخيلوا البرازيل شخصاً، سترونها فتاة ترقص السامبا، أو شاباً يركض خلف كرة قدم. إسبانيا جميلة، بشعر أسود طويل، تخبط رجليها أرضاً على وقع موسيقى الفلامنكو، أو شاباً لطيفاً يصر على مرافقتكم في الشارع ليدلكم على مقصدكم.

ستتصورون إيطاليا كازانوفا أو رجل مافيا. العالم العربي برمته قد تستحضرونه رجلاً بحزام ناسف، أو ثرياً أرعناً، أو راقصة شرقية. بريطانيا فتاة باردة.

سترون فرنسا رجلاً انطوائياً متعجرفاً، اليابان فتاة غيشا بالغة التهذيب، روسيا سكيراً يحتسي الفودكا، إيران شاباً متديناً ينام ويقعد ويحلم بالنووي.

وتكر السبحة.

هكذا اتخذت الدول مع الوقت شخصية محددة الملامح، محسومة طبيعتها سلفاً لدى الآتين من خارجها. ولكن هل حقاً ثمة لكل بلد، كما لدى الناس، شخصية فعلية أم أن تلك الأفكار المسبقة هي مجرد قالب نمطي وهمي ترسّخ مع الوقت؟

العالم العربي: شخصية مزدوجة بين اللهو والله؟

خاض باحثون كثر في تلك المسألة وفي الأثر الذي يتركه اعتقاد مماثل على نمط حياة أفرادها، وبالتالي على خططها الاجتماعية والسياسية.

كما اكتسبت أبحاثهم أهميتها في عالم متغيّر، فرضت مشكلاته السياسية والأمنية انتقال الأفراد من بقعة إلى أخرى، وبالتالي برزت ضرورة دراسة تلك الصورة المرسومة عن شخصية بلد بعينه، وأثرها على القادمين من الخارج لجهة تبنيهم أنماطاً مسبقة من السلوك، ساعدتهم على الاندماج أو لفظتهم خارج ذلك المجتمع.

في جولة على العديد من مدونات السفر التي تناولت العالم العربي، على سبيل المثال، يمكن أن نجمع عدداً من الصفات التي عرف بها، منها أنه ذكي، مضطرب، متواضع، مندفع، ملتح يقمع النساء، مزدوج الشخصية بين اللهو والله، يشرب الشاي ويدخن النرجيلة، يمجد الحب ويقمعه…

بحسب التعريف الذي يمكن أن نستخلصه من مصادر مختلفة لـ"القوالب النمطية الوطنية" فـ"هي نظام من المعتقدات الخاصة بالثقافة المرتبطة بجنسية شخص ما. وهي معتقدات تتعلق بخصائص البشر التي قد تختلف بين الأمم، مثل المظهر واللغة والغذاء والعادات والصفات النفسية والمواقف والقيم وغيرها".

بين رافض ومؤيد

ينقسم العلماء في حسم تلك المسألة، وتكثر الدراسات حولها.

الفريق الأول يرى أن شخصية البلدان حقيقة قائمة، وهي تبنى على المعدل الوسطي لشخصية أبنائها التي تحددها دراسات علم النفس والاجتماع. ويعد الاعتراف بتلك الشخصية حسب هؤلاء عاملاً إيجابياً، يساعد بعيداً عن عوامل الدين والصحة وغيرها من العوامل الثقافية في فهم طبيعة البلدان والتعامل معها.

وقد حدد الفريق المناصر لامتلاك الدول شخصية العديد من هذه العوامل ومنها:

  • الدول المعروفة بأنها أقل كذباً هي أكثر سعادة، إذ يرتفع فيها الدخل الفردي والنشاط المؤسساتي القائم على عامل الثقة. كما أن الدول المعروفة بأنها أكثر انفتاحاً وأقل عصبية هي دول أكثر سعادة. بحسب ما جاء في دراسة الباحثين بيرس ستيل ودنيز وانز التي نشراها في العام 2002.

  • الدول الأكثر عصبية هي دول أكثر فساداً، حالها حال الدول الأقل انفتاحاً، ربما لأنها لا تحتضن التجارب الجديدة. بحسب دراسة براين كونلي ودنيز وانز في العام 2008.

  • الدول الأكثر عصبية تميل لدفع إكرامية أكبر للعاملين في مجال الخدمات درءاً لانزعاجها من فكرة أن يخدمها غرباء، كما تميل للأمر نفسه الدول الأكثر انفتاحاً رغبة بالحصول على اعتراف بأنها دول محبة وطيبة. بحسب دراسة م. لين في العام 2000.

الفريق الآخر من الباحثين يحاجج ضد وسم كل بلد بشخصية معينة، لما في ذلك من تنميط وإجحاف. في العام 2005، أجرى الباحث أنطونيو توريشيانو وآخرون دراسة جمعت 49 بلداً من القارات الستة وطلب من المشتركين تحديد صفة يرون فيها بلادهم.

وقد أتت النتائج من حوالي 4000 مشترك لتناقض تماماً الصورة المتعارف عليها عن بلدانهم لجهة كونهم منفتحين أو عصبيين أو أصحاب ذوق رفيع أو أذكياء أو ملتزمين. لقد رفض كل المشاركين الصفات التي سمعوها عن بلدانهم، وسلطوا الضوء على صفات يرونها لديهم لم تكن قد ذكرت في دراسات شخصية تلك البلدان.

تقول أستاذة علم النفس في بركلي مايا كوين إنه من الممتع أن نتخيل شخصيات البلدان وأن نتجاذب النكات مع أصدقائنا حول سعادة دول وعصبية أخرى، ولكن التنميط يقودنا إلى المبالغة في تحديد الفروقات بين الجماعات، وتشجيع التنميط لا يؤدي سوى إلى توسيع الشرخ وتعزيز العنصرية.

بحسب دراسة لبرادلي شميت من جامعة برادلي في العام 2007، ضمت أكثر من 17000 شخص من 56 دولة مختلفة حول العالم، تبيّن بعكس السائد، أن أعلى نسب من العصبية تتواجد في اليابان والأرجنتين بينما أقلها تأتي في الكونغو الديموقراطية، ويظهر سكان الكونغو والأردن أكثر توافقاً من سكان اليابان وليتوانيا.

صحيح أن ثمة اختلاف فعلي في الشخصية بين الثقافات والدول، لكنها في كثير من الأحيان لا تتطابق مع القوالب النمطية ذات الطابع الوطني على نطاق واسع.

وتأخذ الدراسة مثالاً صفة الانفتاح. هنا تشير إلى أن الاعتقاد السائد عن المملكة المتحدة أنها أكثر تحفظاً في ما يتعلق باللغة الإنكليزية من الولايات المتحدة. لكن هذه الأنواع من القوالب النمطية الوطنية نادراً ما تكون دقيقة. في الواقع، وجدت الدراسة أن متوسط الانفتاح كان أعلى في إنكلترا مما كان عليه في أمريكا.

جينات وأنماط هجرة

في مقال مطوّل نشره موقع "BBC Future"، لأستاذ علم النفس الاجتماعي كريستيان جاريت، يفسر هذا الأخير تلك الاختلافات الوطنية في متوسط الشخصية بأسباب جينية، وأيضاً بأنماط الهجرة التاريخية.

على سبيل المثال، كما يشرح جاريت الذي يعمل على نشر كتاب عنوانه "علم الشخصية"، قد يكون الأشخاص الذين تبرز لديهم الصفات المتعلقة بالمخاطر والانفتاح أكثر عرضة للهجرة، ولذلك من المرجح أن تكون هذه الصفات ممثلة بشكل زائد في المناطق التي كانت تاريخياً في دائرة الاستكشاف.

على العكس من ذلك، من المرجح أن يصبح السكان المعزولون أكثر انطوائية ويركزون على الداخل عبر الأجيال.

جربوا أن تغمضوا أعينكم وتتخيلوا البرازيل شخصاً، سترونها فتاة ترقص السامبا أو شاباً يركض خلف كرة قدم... ماذا ترون عندما تتخيلون العالم العربي؟

في العام 2007، أجرى الباحث الإيطالي أندريا شياني مجموعة من الدراسات حول سكان مجموعة من الجزر الإيطالية المعزولة، وضعت هذه المبادئ موضع الاختبار.

وجد شياني وزملاؤه، من جامعة بادوفا، أن سكان الجزر أقل انفتاحاً، ولكنهم أكثر وعياً واستقراراً من جيرانهم على البر الذي لا يبعد سوى عشر أميال. ورأوا أن هذا أمر مرجح لأنه، بمرور الوقت، اختار أفراد الجزر الأكثر انفتاحاً وأكثر جرأة الهجرة بعيداً عن الجزر.

ولدعم تلك النظرية، قابل الباحثون عينة من المهاجرين الجدد من الجزر إلى البر الرئيسي، فبدوا أكثر انفتاحاً عن سكان الجزر الحاليين. كما قام الفريق بدراسة نموذج من سكان الجزر والبر ووجد أن الجينات المرتبطة بالمخاطرة كانت أقل شيوعاً بين سكان الجزر.

إن "الشخصية" في عين الرائي

نعود إلى جاريت الذي يقول إنه مهما كانت الأسباب، فإن طبع بلد ما بشخصية معينة يمكن أن يأتي من احتمال أن تصبح الاختلافات الداخلية ذاتية الاستدامة، إذ يتوجه الناس للعيش في المناطق التي يحتلها الآخرون ذات الشخصية المماثلة.

وبالنظر إلى مدى أهمية سمات الشخصية الوطنية في نتائج الحياة على المستوى الفردي - من الرفاهية إلى النجاح الوظيفي - يمكن القول إن هذه القضية من الاختلافات الوطنية في الشخصية هي أكثر من مجرد موضوع حديث حيوي لحفلة العشاء.

يعتبر جاريت أن أي اختلافات بين الثقافات في مستويات السمات يمكن أن تسهم في، أو على الأقل تعكس، الاختلافات الدولية في أمور مثل الثروة والسعادة والفساد والابتكار والصحة.

في المحصلة، تدفعنا النتائج المتعلقة بالفروق الدولية في الشخصية إلى التشكيك في افتراضاتنا بشأن مواقف وسلوكيات البلدان الأخرى.

وكما علق عالم النفس ريتشارد روبينز قائلاً "على النقيض من السمات الشخصية - التي تعكس الاختلافات الفعلية في الطريقة التي يفكر بها الناس ويشعرون ويتصرفون - يبدو أن القوالب النمطية عن الطابع القومي هي منشآت اجتماعية مصممة لخدمة أهداف خاصة".

وبشكل آخر، يفسر أن وجهة نظر الشخص عن شخصية بلد آخر تعكس وجهة نظره عن شخصيته وشخصية بلاده، أكثر من كونها تعبيراً حقيقياً عن خليط الشخصيات التي توجد بالفعل في هذا العالم.

يصبح التفكير بذلك شديد الأهمية في عالم بات شديد العنصرية، ولو كانت هذه الشخصية (العنصرية) ربما مجرد تنميط بدورها.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image