استيقظ محمود عبدالعزيز (20 عاماً) باكراً يوم السبت الحادي عشر من يونيو.
كانت الساعة تشير إلى السادسة صباحاً. دخل دورة المياه، فوجد ابن عمته محمود عارف مهدي (19 عاماً) مشنوقاً بستارة داخلها.
يروي عبدالعزيز لرصيف22 تفاصيل ذلك اليوم.
كان مهدي، الطالب في الثانوية العامة، طلب المبيت عنده بعد مشاجرة مع والده في المنزل بمنطقة زنين في بولاق الدكرور، شمال القاهرة. أخبره أنّ المشادّة حدثت بسبب الدراسة، وأن أباه ضربه وأهانه، فترك البيت وآثر النوم في بيت عبدالعزيز.
[caption id="attachment_115901" align="alignnone" width="350"]
محمود عارف مهدي[/caption]
سبق لمهدي أن رسب في امتحانات الثانوية العامة، أو الفصل الثاني عشر، العام الماضي، وكان والده الذي يعمل نجاراً يحلم بأن يصبح ابنه "أفضل منه" ويدخل كلية الهندسة، بحسب عبدالعزيز.
ترك مهدي خطاباً كتبه بخط يده، ذكر فيه أنه أقدم على الانتحار بسبب معاملة والده السيئة ووصفْه إياه بالفاشل دائماً، وخوفه من الرسوب بعد أن فشل في الإجابة بشكل جيد في امتحان مادة اللغة الإنكليزية.
الثانوية العامة بوابة الخلاص من الفقر
حادثة انتحار مهدي ليست الأولى من نوعها في بلد كمصر يعلّق فيه الأهل الآمال على الأبناء للخروج من الدائرة الاقتصادية التي عجزوا عن تخطيها، إذ يعيش أكثر من 27% من السكان في فقر. تُعقد الآمال على شهادة الثانوية العامة، والتي تحدد الكلية التي سيدخلها التلميذ، وبالتالي مستقبله وعمله في نظر الأهل الذين لا يقدرون على توفير بديل في الجامعات الخاصة، إذا لم يُفلح الأبناء في تحصيل أكبر مجموع في هذه السنة الدراسية ودخول الفروع المفضلة عند معظم الأهل: الطب أو الهندسة. وفي سبيل تحقيق الحلم، تنفق الأسر المصرية جزءاً لا يستهان به من دخلِها على "الدروس الخصوصية"، أو دروس التقوية الإضافية التي بات النجاح من دونها صعباً بسبب سوء التعليم في المدارس وازدحام الفصول، وقد تصل تكلفتها إلى 100 جنيه (18 دولار) يومياً بحسب الأهالي، وهو مبلغ لا يستهان به بالنسبة إلى العائلات المتوسطة والمحدودة الدخل. مستقبل التلميذ، حلم الأهل وطموحهم، المال الذي دفعوه ثمناً للتعليم والدروس الإضافية، الفرصة للخروج من الفقر إلى حياة أفضل، كلها أمور تتعلق على أداء شاب أو شابة في مقتبل العمر خلال أسبوع. وبسبب الخوف والضغط، يلجأ بعضهم إلى الانتحار."الأهل لا يراعون شعور الطالب واكتئابه، ويقومون بنعته بالفاشل، فيكون الاختيار الأول لديه هو الانتحار"
المستقبل، حلم الأهل، فرصة الخروج من الفقر، كلها تتعلق على أداء شاب في امتحان وبسبب الخوف يلجأ البعض للانتحار
نسبة انتحار طلاب الثانوية العامة
تعاني مصر من عدم الرصد الدقيق والكافي لحالات الانتحار بحسب دراسة نُشرت في مجلة Egyptian Journal of Forensic Sciences. إلا أن منظمة الصحة العالمية صنفت مصر من بين أقل الدول في معدلات الانتحار"، بحسب البي بي سي، التي أضافت أن الخبراء يشككون في دقة هذا التصنيف. وأضافت البي بي سي: "فئة الشباب ما بين 18 و35 عاماً احتلت النصيب الأكبر" من المنتحرين بين يناير وأغسطس 2015، بنسبة 53%. إلا أن آمال نور، رئيسة قطاع الإحصاءات السكانية في الجهاز قالت لرصيف22 أن موجة انتحار طلاب الثانوية العامة تصاعدت وتيرتها في السنوات الخمس الأخيرة بنسبة 16%. بحسب نور، فإن عدد الطلاب المنتحرين هذا العام بلغ 11 طالباً وطالبة من محافظات مختلفة، بينما وصل عدد المحاولات الفاشلة التي تم إنقاذ أصحابها في المستشفى، إلى 5 آلاف حالة. في رأيها، فإن الأسباب متعددة، منها الخوف من الرسوب والضغط الذي يصحب فترة الامتحان والمشكلات العائلية التي ترافق فترة الامتحانات.الموت بسبب الفيزياء
في شارع الأمين بمدينة شبين الكوم خارج القاهرة، ألقت الطالبة هبة علي عبدالعليم (18 عاماً) بنفسها في النهر من أعلى معبر للمشاة الشهر الماضي. أمضت الأسرة، بحسب والدها، يومين بحثاً عن جثتها. كان السبب أسئلة مادة الفيزياء الصعبة. يقول والدها الذي يعمل في وزارة التربية والتعليم، أنها كانت تحلم بالالتحاق بكلية الطب، وكانت تعمل جاهدة لتحقيقه، إلا أن أسئلة الامتحان قضت عليها. أغمي في ذلك اليوم على عدد من الطالبات بسبب صعوبة الأسئلة، بحسب الأب، أما ابنته ففضلت أن تنهي حياتها. لم تكن هبة ضحية الفيزياء الوحيدة، إذ تداولت وسائل الإعلام المصرية حينذاك قصص ثلاث محاولات في محافظات مختلفة بسبب الامتحان الذي تكون أسئلته موحدة بين مدارس الدولة الحكومية. فحاول شاب في محافظة الإسماعلية القفز من نافذة غرفة الامتحان، قائلاً لرئيس اللجنة: "غششوني وإلا هرمي نفسي". [caption id="attachment_115902" align="alignnone" width="700"] أثناء البحث عن جثة هبة[/caption] وفي إحدى محافظات صعيد مصر، مزقت طالبة ورقة الإجابة وحاولت إلقاء نفسها من شرفة الغرفة عقب إصابتها بحالة هيستيرية، ونقلها إلى المستشفى.من المسؤول عن حالات الانتحار تلك؟
ربما تكمن أسباب انتحار الطلاب وفقاً للدكتور حسن شحاتة، أستاذ تطوير المناهج، في نظام التعليم الذي يجعل نتائج سنة دراسية واحدة محددة مستقبل الطالب، بدل أخذ أدائه على مدى سنوات تعلّمه في الاعتبار. فيحكم عليه من خلال درجاته ويصبح هدفه الوحيد تحصيل أرقام لدخول الكلية التي يريد، ما يجعل الشعور بالإحباط الشديد والرغبة في الانتحار طبيعيين أمام الفشل في تخطي الامتحان. وأعلن الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم المصري في وقت سابق عزمه على تغيير النظام المتبع للقضاء على مصطلح وصفه بـ "بعبع الثانوية العامة"، والحد من ظاهرة الانتحار بعض الشيء. كما أعلنت وزارة التربية والتعليم المصرية أن نسبة الطلاب الراسبين، والذين يدخلون امتحانات الدور الثاني للثانوية العامة، وصلت إلى 28%، وهي نسبة ليست بقليلة.العيش في معسكر
ليست أحلام الطلاب التي توضع على المحك فقط، بل أحلام الأهل أيضاً، ما يدفعهم إلى الضغط على الأبناء بطريقة عنيفة أحياناً. تبدأ رحلة الضغط، بحسب طلاب المرحلة الثانوية، بمجرد دخول فترة المراجعات النهائية. عندذاك، يستنفر الأهل ويبدأون ممارسة ضغطهم على الأبناء. "تحول (المنزل) معسكراً مغلقاً"، يقول عبدالرحمن مجدي (18 عاماً) لرصيف22. لا يدخله الضيوف ولا يخرج هو منه سوى للذهاب إلى "الدرس الخصوصي". لم يرَ زائراً واحداً، حتى خلال شهر رمضان الذي يتميز بكثرة الزيارات العائلية، الأمر الذي أثّر في نفسيته، فازداد توتره وامتنع عن الطعام، حتى انهار يوم تقديمه امتحان اللغة الإنكليزية. كاد يمزق ورقة الأسئلة حين لم يستطع الإجابة عن معظمها بسبب صعوبتها. وتمنى الموت، بحسب قوله، حين رأى رد فعل والديه. يقتنع الأهل، ويقنعون الأبناء بأن الرسوب هو "نهاية المستقبل"، بحسب الدكتورة مروة النسيري، أستاذة الطب النفسي. والمدارس لا تقدم التوجيه والدعم الكافي لهم. "لا يراعون شعور الطالب واكتئابه، ويقومون بنعته بالفاشل، فيكون الاختيار الأول لديه في ظل التعرض لضغط النفسي هذا هو الانتحار"، تقول لرصيف22. وفي رأيها، هناك طلاب لا يجدون وسيلة لاستمالة الأهل وتخفيف وطأة صدمة الرسوب سوى تمثيل الانتحار.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومينحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 6 أيامtester.whitebeard@gmail.com