لا شك في أهمية التعليم وتأثيره في نهضة المجتمع، ولا يوجد استثمار أفضل منه.
لكنّ مشكلة هذا الاستثمار تقع عند تحول النّطاق التعليمي تجارةً يتسابق أصحاب المدارس إلى جني أرباحها المادية.
هذا ما يعاني منه كثرٌ من الأهالي، تحديداً المقيمين في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يدفع أولياء الأمور أكثر من ضعفَيْ المعدل العالمي لتعليم أبنائهم وفقاً لدراسة أعدها بنك HSBC ونُشرت في صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية.
وتأتي الإمارات في المرتبة الثانية عالمياً بمتوسط بلغ 99,378 دولاراً لجميع سنوات تعليم الطالب الواحد، فيما سبقتها هونغ كونغ في المرتبة الأولى بمتوسط 132,161 دولاراً.
وبلغ المتوسط في خمس عشرة دولة أخرى في العالم 44,221 دولاراً.
ومع ارتفاع الأسعار المستمر للأقساط المدرسية، بات الأهالي يلجأون إلى حلول بديلة تعينهم على تحملها.
فهناك من يرسل أولاده مضطراً إلى مدارس ذات رسوم منخفضة وجودة أقل من حيث المرافق ومستوى المدرّسين. وهناك من ألغى عنصر الترفيه أو الإجازات كي يتمكن من سداد الأقساط المدرسية.
ضياع الفرص
تعاني بعض العائلات الوافدة من أوضاع مادية لا تسمح لها بدفع الأقساط المدرسية، ما يؤدّي إلى تأخر الأولاد في التخرج. يقول سامي (اسم مستعار) الشاب السوري الذي يبلغ 19 عاماً، أن أباه واجه أزمة مالية عندما كان في الصف التاسع، ولم يستطع دفع الأقساط المدرسية. فبقي لمدة عام في البيت إلى أن انتهت أزمة والده، وبعد ذلك التحق بمدرسة ذات مستوى تعليمي أقل لأن أقساطها مقبولة. أمّا الشابة السورية هند (اسم مستعار) والتي تبلغ عشرين عاماً، فقد مضى 4 أعوام على تركِها المدرسة عندما كانت في الصف الحادي عشر. وكان السبب أزمةً ماليةً مر بها والدها الذي يعيل أسرة مكونة من أم وولدين، ولم تكمل تعلّمها إلى الآن، فذووها غير قادرين على تحمّل الأعباء المدرسية. وهي الآن تعدّ قوالب الكيك وتزيّنها وتبيعها عبر معارفها، مستعينةً بوسائل التواصل الاجتماعي.كيف يدفع الأهالي الأقساط؟
يُظهر استفتاء لصحيفة "ذا ناشيونال" غالبية الأهالي يدفعون أقساط تعليم أولادهم من مدخولهم اليومي، بينما يدفع البقية من مدّخراتهم أو مشاريعهم الاستثمارية. ويضع البعض خطة ادّخار أو خطّة استثمار معينة ومخصصة للتعليم، وهناك من يأخذون قروضاً لسداد الأقساط، فيما يستعين قلة بالميراث. وتساعد شركات كثيرة في الدولة الموظفين لديها في دفع الأقساط المدرسية، وفقاً لصحيفة "ذا ناشيونال". لكن المسألة لا تنتهي هنا، فهناك الأقساط الجامعية التي تفوق المدرسية بضعفين أو ثلاثة أحياناً، والتي لا تتكفّل الشركات بتغطيتها لموظفيها.هل تعرفون كم سيكلفكم تعليم أبنائكم في مدارس الإمارات؟
يدفع أولياء الأمور في دولة الإمارات أكثر من ضعفَيْ المعدل العالمي لتعليم أبنائهم... فكيف يأتون بهذه المبالغ؟
خيارات رخصية؟
تكثر خيارات التعليم في الإمارات من مدارس حكومية وخاصة أميركية وبريطانية وهندية، ويقابلها عدد كبير من المدارس المحلية. فقد وصل عدد المدارس في دبي وحدها إلى 173 عام 2016، وفقاً لآخر إحصاء ورد في صحيفة الإمارات. وهناك أيضاً المدارس الأهلية الخيرية، وهي خيار من لا يستطيع دفع الأقساط. بدأت هذه المدارس بقرار من رجل الأعمال الإماراتي جمعة الماجد عام 1983، إذ اتخذت من مبنيين حكوميين في منطقة الديرة مقراً، قبل أن تُنقل إلى منطقة الجرهود ويرتفع عدد المباني إلى ستة مستقلة عام 1986. أُلحقت هذه المباني بفروع للمدرسة في الشارقة وعجمان. اليوم، تتراوح أقساط المدارس بين ما يقارب الـ4000 درهم للصف الأول والـ7000 درهم للصف الثاني عشر، وهو مبلغ قليل مقارنة بأقساط بقية مدارس الإمارات. كما أشار مقال نُشر في صحيفة البيان إلى وجود لجنة مختصّة بإعفاء من لا يستطيع دفع الأقساط كالأيتام، والأمهات المطلقات أو الأرامل أو الحالات الإنسانية الخاصة. ووفقاً لصحيفة الخليج، فإن عدد خريجي المدارس الأهلية الخيرية بلغ منذ تأسيسها إلى اليوم، 11 ألفاً و700 طالب وطالبة، منهم 888 في العام الدراسي 2016-2017. كما شهدت هذه المدارس تزايداً في عدد الطلاب خلال السنوات الـ6 الأخيرة، ويعود هذا إلى الوضع غير المستقر في بعض الدول العربية، ما أدّى إلى انتقال عائلات كثيرة للعيش والاستقرار في دولة الإمارات.بعض الحلول
هناك مدارس طرحت حلولاً بديلة. فبعضها أعطى منحاً للمتفوقين تغطي الأقساط بشكل كامل أو بشكل جزئي. كما درج مفهوم خصم الإخوة في مدارس كثيرة، ويُطبق على أقساط الإخوة مهما كان عددهم. في المقابل، يعتبر بعض الأهالي أن التعلّم في المنزل حل بديل لارتفاع الأقساط، وهذا ما يقوم به عدد لا بأس به منهم باتباع مناهج الدولة بالنسبة للعائلات الإماراتية، أو مناهج دولية للوافدين. وقد بلغ عدد العائلات التي تتبع نظام التعليم المدرسي في الدولة وفقاً لموقع جمعية أبو ظبي للتعليم المنزلي 380 عائلة عام 2016.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...