بين التقارب حيناً والتباعد حيناً آخر والحياد أحياناً أخرى، تأرجحت العلاقات على خط طهران - الكويت منذ بدئها في العام 1961، تاريخ نيل الأخيرة استقلالها وانضمام إيران إلى قائمة أول الدول المعترفة بذلك الاستقلال.
في خضم هذا التأرجح، حافظت العلاقات على طابع عام من التهدئة والودية. حتى في أوقات الشدة لم تأخذ الأمور منحى التصعيد المباشر، وهو تصرف ليس غريباً على الدبلوماسية الكويتية التي تميل للعب دور الوسيط في الأزمات.
من هنا، أتى التطور المستجد في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين مفاجئاً، فالخليج يعيش فصول أزمة ليست بالسهلة، بينما الكويت تشغل وساطتها في المعركة الدبلوماسية الاقتصادية السياسية بين السعودية والبحرين والإمارات من جهة وقطر من الجهة الأخرى، وكل ذلك على خلفية علاقة الأخيرة بإيران وقربها منها.
فكيف تتخلى الكويت عن طابع التهدئة والالتفاف على الأزمات الذي فرضته عوامل الجغرافيا والديمغرافيا والاقتصاد والسياسة مع إيران؟ ولماذا يقدم "الوسيط" على تأزيم العلاقة مع طهران في هذا التوقيت بالذات؟ وكيف يمكن لقراءة العلاقات التاريخية بين البلدين في "الحلوة والمرة" أن تجيب عن حجم الأزمة ومحدداتها وخواتيمها؟
"خلية العبدلي"
جاء في البيان الصادر عن وزارة الداخلية الكويتية ما مفاده أن الكويت "قررت تخفيض عدد الدبلوماسيين العاملين في السفارة الإيرانية لدى البلاد، وإغلاق المكاتب الفنية التابعة للسفارة، وتجميد أي نشاطات في إطار اللجان المشتركة بين البلدين". وفي حين تحدث البعض عن طرد السفير الإيراني، نفت مصادر كويتية الأمر مؤكدة أنها اكتفت بالخطوات الدبلوماسية الأخرى. أما السبب الذي ذكره البيان فهو أن "وزارة الخارجية الكويتية اتخذت الخطوات اللازمة حيال ما ورد في حيثيات حكم محكمة التمييز رقم 901 لسنة 2016 بشأن ما عُرف بخلية العبدلي". ما هي هذه الخلية؟ وما خلفية القضية التي ستعيد دبلوماسيي السفارة الإيرانية إلى بلادهم في مهلة 48 يوماً من صدور القرار، حسب وكالة "إيسنا" الإيرانية؟ تعود القضية إلى العام 2015. حينها أعلنت وزارة الداخلية "ضبط أعضاء في خلية إرهابية ومصادرة كميات كبيرة من الأسلحة في منطقة العبدلي شمال العاصمة الكويت"، في وقت وجهت النيابة العامة للمتهمين في الخلية وهم حوالي الـ26 (إيراني واحد والباقي كويتيين) تهماً عدة كـ"التخابر مع إيران وحزب الله، وارتكاب أفعال من شأنها المساس بوحدة وسلامة أراضي دولة الكويت". حينها كذلك سرت الأخبار عن دور إيران في تشكيل خلية تجسس في الكويت كما في تدريب عناصرها، بينما تشعبت فصول القضية بدءاً من الحكم بالإعدام على المتهم الإيراني وصولاً إلى صدور الأحكام النهائية وتخفيف الإعدام إلى المؤبد، وزيادة مدة السجن لبعضهم وتخفيفها للبعض الآخر. لكن التطور الملحوظ كان انتشار خبر هروب 14 مداناً كان قد "أخلي سبيلهم وفق الإجراءات القضائية بعدما قضت محكمة الاستئناف ببراءتهم، بانتظار صدور حكم التمييز". وبحسب التقارير الكويتية "هؤلاء كانوا قد بيّتوا النية وأعدوا العدة للهرب من البلاد في حال أدانتهم بحكم نهائي… وسارعوا بعد إلغاء "التمييز" لأحكام براءتهم وتشديدها إلى السجن لفترات تصل إلى 10 سنوات إلى ركوب طراريد بحرية كانت تنتظرهم على الشاطئ والتوجه بها إلى ايران". نشب جدل كويتي - كويتي، برلماني تحديداً، حول "التسيّب الحاصل في البلاد"، بدءاً ممن يستنكر عدم القبض على المتهمين فوراً، ومن يستنكر هتك حرمة منازل وعائلات المدانين ومن يستغرب فتح المنافذ أمام المدانين للهرب، في وقت انتشرت أخبار عن استمرار تواجدهم في الكويت. وسط هذا الجدل والدعوات لمحاسبة الحكومة، خرج البيان الرسمي الكويتي الذي أعلن تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي الإيراني في البلاد، من 19 شخصاً إلى أربعة أشخاص. في هذه الأثناء، نفت إيران ضلوعها في القضية، استدعت السفير الكويتي لتحمله احتجاجاً شديد اللهجة. هددت بخطوة مماثلة تجاه الكويت التي لم تقدر حساسية مرحلة التوتر في المنطقة قبل اتخاذ قرارها، وبدأ الحديث (حسب وكالة "إسنا") عن ضغوط كبيرة تعرضت لها الكويت من السعودية التي احتفت بخفض التمثيل الإيراني."العبدلي" تُقلّب تاريخ التجسس وانعدام الثقة
قبل قضية " خلية العبدلي"، لطالما كان ثمة شكوك كويتية تظهر بين الفينة والأخرى، حتى في فترات الهدوء، حول تورط إيران في بناء شبكات تجسس وتخريب في الكويت. العنصر الشيعي الكويتي الوازن (ديمغرافياً وعملياً، إذ يشغل مناصب مؤثرة) في الدولة الخليجية كان لعب في مناسبات عدة دوراً تقريبياً بين البلدين، لكنه في المقابل أثار المخاوف من كونه بيئة خصبة يمكن لإيران استغلالها كورقة ضغط إذا ما احتاجتها في الخليج، لا سيما وأن رجال دين شيعة في الكويت خرجوا مراراً للدفاع عن المتهمين في قضايا تجسس.-
الأحداث الأمنية
-
خلايا التجسس
-
"الجرف القاري"
في الستينات منحت إيران حق التنقيب والاستغلال لشركة "بريتش بتروليوم" بينما منحت الكويت الامتياز لـ"رويال داتش شل"، وتقاطع الامتيازان في جزء من الحقل الذي يقدر احتياطي الغاز فيه بحوالي تريليون قدم مكعبة. حينها احتجت الكويت على بحث إيران عن الغاز في الحقل الذي لم يتم الاتفاق بشأن ترسيم الحدود فيه، مع العلم أن تطورات القضية ارتبطت كذلك بالجوانب السياسية، إذ أن التقارب السياسي انعكس تهدئة في الملف، مقابل الاندلاع إبان مراحل التوتر. وتُعرف الأزمة الحدودية البحرية بين البلدين بـ"الجرف القاري"، واشتعلت في العام 2012 بعد تصريح رئيس شركة نفط الجرف القاري الإيرانية الحكومية أنه "إذا تم رفض دبلوماسية إيران سنمضي قدماً في جهودنا لتطوير حقل أراش البحري للغاز في الخليج من جانب واحد"، فأتى الرد الكويتي باستدعاء القائم بأعمال السفارة الإيرانية في الكويت وتسليمه مذكرة احتجاج.رابطة صداقة مشتركة، زيارات متبادلة، مصالح اقتصادية.. ثوابت في العلاقة الإيرانية الكويتية تؤكد أن الأزمة الحالية عابرة
-
العنصر السعودي... والأمريكي
ماذا عن "ثوابت الدبلوماسية" وعلاقات التقارب؟
رغم التطور الأخير في تقليص حجم البعثة الدبلوماسية الإيرانية، إلا أن ثمة ما يشبه الإجماع على عدم إمكانية تطور الأمور إلى قطيعة تامة. يؤكد ذلك وعي صناع القرار في الكويت، كما في إيران، بحجم تشابك المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية، فضلاً عن المحددات الجغرافية والديموغرافية والاجتماعية والمذهبية، بين البلدين.اعتراف الكويت بالثورة الإسلامية، "رابطة الصداقة الكويتية الإيرانية"، الزيارات المتبادلة، الترحيب الكويتي بالاتفاق النووي، ذاكرة دعم طهران للكويت إبان غزوها، تحسن العلاقات في عهد خاتمي وبشكل كبير في عهد روحاني الذي زار الكويت مطلع العام، "الزيارة النادرة" لوزير الخارجية الكويتي مطلع العام كذلك لاحتواء التوتر بين إيران والسعودية، العلاقات السياسية وزيارة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح لإيران العام 2014، كأول رئيس خليجي يزور طهران بعد الثورة، وقوله هناك أن "خامنئي مرشد المنطقة كلها"... أشكال ومحطات يمكن العودة إليها للتأكيد على أن الأزمة المستجدة ليست سوى فصل من فصول المد والجزر المطلوبة بين دول تتضارب مصالحها بالقدر نفسه الذي تتشابك وتتقاطع. ومن العوامل التي يمكن أخذها بالاعتبار بين البلدين:أمير الكويت كان أول رئيس خليجي يزور طهران بعد الثورة، وقد قال: "خامنئي مرشد المنطقة كلها"
-
الموقع الجغرافي
-
الرابط المذهبي
-
الاقتصاد والنفط
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...