"المصائب لا تأتي فرادى".
قول ينطبق على اليمن، والذي كان يلقب قديماً بالبلد السعيد.
فبعد 27 شهراً من الحرب الأهلية التي أنهكت البلاد، يتفشى اليوم في اليمن وباء الكوليرا، في موجة وصفتها اليونيسيف بأنها "أسوأ فاشية من فاشيات الكوليرا في العالم"، ليهدد حياة ربع مليون شخص، ويضاف إلى معاناة السكان.
وفي الوقت الذي خلف القتال الدائر في اليمن منذ نحو عامين 10 آلاف قتيل و40 ألف جريح، حسبما أعلنت الأمم المتحدة في يناير 2017، قضت الكوليرا خلال شهرين فقط على 1500 شخص وخلّفت حوالي ربع مليون إصابة.
كيف تطورت الأزمة ؟
بدأت الموجة الأولى من وباء الكوليرا في 6 أكتوبر 2016، بعد إعلان وزارة الصحة رصد 24 حالة في محافظة عدن والمناطق الجنوبية التي يسيطر عليها الحوثيون. وتسببت الموجة في تعطيل الدراسة، بعد أن وصل عدد الحالات المشتبه بإصابتها إلى 1410 خلال أسبوع واحد. أما الموجة الثانية، وهي الأكثر خطورة والأوسع انتشاراً فبدأت في 27 أبريل الماضي، إذ أخذ المرض في الانتقال بصورة سريعة خرجت عن سيطرة السلطات المحلية والمنظمات الدولية. وفي 24 يونيو، تجاوزت الحالات المشتبه بإصابتها 200 ألف، أي بمعدل 5000 إصابة في اليوم الواحد، وأودت الإصابات بحياة 1300 شخص، ربعهم من الأطفال بحسب بيان رسمي لأنتوني ليك، المدير التنفيذي لليونيسيف. وأخيراً، أكد ممثل منظمة الصحة العالمية، نيفيو زاغاريا، في مؤتمر صحافي أن الحالات المشتبه بها كسرت حاجز الـ246 ألفاً مع نهاية يونيو، منها 1500 حالة وفاة.ظروف معيشية قاسية
تحدث الإصابة بالكوليرا عند تناول مياه أو طعام ملوث وتبدأ الأعراض بإسهال شديد قد يتطور إلى جفاف ينتهي بالوفاة، وخاصة لدى الأطفال. اليوم، يعيش اليمنيون ظروفاً شديدة السوء ساهمت في ظهور الوباء بسبب المياه الملوثة ونقص إمدادات الماء والغذاء وعدم جمع القمامة بشكل منتظم. بالإضافة إلى عجز القطاع الطبي على مواجهة "الزيادة المرعبة" في الحالات المصابة وافتقار السلطات المحلية لأفقر دولة بالمنطقة لإمكانات مكافحة انتشار المرض أو علاجه. وقد حددت منظمة الصحة العالمية مناطق صنعاء وعمران وحجة والحديدة بمثابة "مناطق ساخنة" لانتشار الوباء. ومن بين السكان البالغ عددهم 27,4 مليون نسمة، يحتاج 18,8 مليون نسمة للإمدادات والمساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. أما الأطفال، وعددهم 12,6 مليوناً، فيدفعون الفاتورة الأكبر لأزمات بلدهم الطاحنة إذ تشرد 1,6 مليون منهم، بينما يحتاج 9,6 مليون طفل إلى مساعدات إنسانية ملحة، ويعاني 2,2 مليون طفل من سوء التغذية، من بينهم 462 ألفاً معرضون للموت في أي لحظة.تدهور القطاع الصحي
يعاني العاملون في القطاع الصحي، وعددهم 300 ألف، من ضغط شديد في أداء عملهم مع الارتفاع في أعداد المصابين وضيق الموارد المتاحة، علماً أن السرير الواحد قد يتحمل 3 حالات معاً، ويبدو الأمر أكثر مأساويةً مع عدم تلقي هؤلاء رواتبهم لأكثر من 9 أشهر. كما أن نصف المراكز الطبية فقط يعمل بكامل طاقته، مع هروب الأطباء والمسعفين إلى خارج البلاد بحثاً عن فرص أفضل بسبب الحرب واستهداف المراكز الطبية أكثر من مرة وعدم تلقيهم أجورهم.مساعدات متواصلة
تتعاون منظمتا الصحة العالمية واليونيسيف منذ بداية الأزمة لوقف انتشار الوباء، فقد قامت الصحة العالمية بإنشاء 4 مقارّ لمعالجة الكوليرا، مع تقديم الإمدادات الطبية الضرورية لمراكز العلاج وتدريب العاملين بها. في حين تهتم اليونيسيف بتوفير مياه شرب نظيفة، وتعقيم خزانات المياه والآبار، وتحسين الصرف الصحي وتطهيره في محاولة للحد من ظهور حالات جديدة.تأخر المساعدات العربية
برغم المناشدات العديدة لمنظمة الصحة العالمية بتقديم الدعم المادي للسيطرة على الأزمة، إلا أن الاستجابة لم تزد على 20% من إجمالي المبالغ المستهدفة والتي تقدر بـ22 مليون دولار. وهذا ما دفع اليونيسيف لنشر العديد من القصص المأساوية لأطفال بانتظار الموت في اليمن ووصفهم بـ "المنسيين"، في محاولة لجمع المزيد من التبرعات لإنقاذهم من الموت المحتم، بينما تساءلت وسائل إعلام أجنبية عن تخلي الدول العربية عن اليمن في أزمته. فقد ظهرت المساعدات العربية بعد حوالي 7 أشهر من إعلان وزارة الصحة اليمنية عن أول الإصابات في المناطق التي تخضع لسيطرة الحوثيين في أكتوبر 2016، وبعد شهر من موجة التفشي الثانية في أبريل 2017، وصل خلالها المرض إلى مناطق تسيطر عليها القوات اليمنية وقوات التحالف العربي. وقام الهلال الأحمر الإماراتي بإرسال مجموعة من القوافل الطبية لتزويد المحافظات الجنوبية المنكوبة بالأدوية والسوائل والمحاليل الضرورية لعلاج الكوليرا نهاية مايو الماضي، وأعلن تسيير جسر جوي من المساعدات الطبية في بداية يوليو الحالي. كما وقع مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية إتفاقاً مع منظمة الصحة العالمية بقيمة حوالي 8.3 مليون دولار لمكافحة انتشار الكوليرا باليمن. في المقابل، اكتفت دول عربية عدة بتضييق حركة السفر من اليمن وإليه، فمنعت جيبوتي دخول اليمنيين مع بداية الموجة الأولى لانتشار الكوليرا، وفرضت عمان ومصر إجراءات خاصة لضمان عدم دخول أشخاص حاملين للمرض إلى أراضيها.تحذيرات دولية واسعة
وكان خيرت كابالاري، المدير الإقليمي لليونيسيف قد ذكر في تقرير مفصل أن مئات الأطفال يموتون في صمت لعدم قدرة ذويهم على تحمل نفقات نقلهم إلى المستشفى، داعياً الأطراف المتنازعة للتعقل والتعاون للخروج من الأزمة. وترى ميريتشل ريلانيو، ممثلة اليونيسيف باليمن، أنه مع عدم ظهور أي بوادر في الأفق لوقف النزاع الدائر، سيستمر إزهاق أرواح الأطفال، الذين كانوا يعانون سوء الغذية قبل ظهور الكوليرا. كما حذرت منظمة "إنقاذ الطفولة" Save the Children بأن طفلاً جديداً يصاب كل 35 ثانية، وأن الوضع أخطر بالنسبة للمجتمعات الريفية التي تعيش بمناطق بعيدة عن الرعاية الطبية، إذ أنفقت الأسر كل ما لديها من أموال خلال عامين من الحرب الأهلية والصراع العسكري بين الحوثيين وقوات التحالف التي تقودها المملكة السعودية.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...