استيقظت "نهلة محمد" صباح الجمعة على صوت الهاتف، وما أن أجابت محدثتها حتى فاجأتها قائلة "إيه اللي نهال وكريم حيعملوه ده؟ هما بجد حيعملوا تذاكر حضور لفرحهم!".
لم تكن "نهلة" مدرّسة اللغة الإنجليزية، والتي عاشت عمرها كله تحترم المجتمع وتقاليده، لتتخيل أن ابنتها وخطيبها قررا كسر كل التقاليد، والخروج القطعي بعرسهم المرتقب عن النص المجتمعي.
في أحداث شارع محمد محمود الأولى، نوفمبر2011، التقى "كريم عاطف" بـ "نهال حسام". هو طالب في كلية الهندسة بجامعة القاهرة، وهي طالبة إعلام، عالمه الأرقام وعالمها الكلمات. هو خجول عابس، فيما هي بشوشة ضاحكة. لم يكن أي من الحضور يتخيل، وسط الاشتباكات وقنابل الغاز والرصاص المطاطي، احتمال نشوء قصة حب جديدة.
كريم عاطف، مهندس البرمجيات البالغ من العمر 22 سنة، يحدثنا عن ما يتذكره من يوم التعارف "ما زلت أتذكره بتفاصيله. ذهبت للمشاركة في مظاهرات شارع محمد محمود التي تحولت إلى مصادمات مع الداخلية. أصيب أحد أصدقائي فخرجت للاطمئنان عليه، هناك التقيت بـ "نهال". تعارفنا سريعاً، وتبادلنا حديثاً مقتضباً عن الثورة وأحلامها، عن الواقع وإخفاقاته، ثم تفرقنا حتى دون تبادل أرقام الهاتف".
"تقريباً كنت قد نسيت شكله"، هكذا تبدأ نهال حديثها عن كريم."لم نلتق أنا وكريم منذ أحداث شارع محمد محمود. وفي شهر مارس 2012، رأيته مرة أخرى في الحفلة التي نظمتها كلية الهندسة لإحياء ذكرى مذبحة بورسعيد، لا أدري سر سعادتي حين رأيته مرة أخرى لكنني كنت في منتهى السعادة".
يردّ كريم موضحاً هذه المرة وهو ينظر إلى نهال مبتسماً: "لم أكن لأخطأ ذات الخطأ مرتين، لذلك لم أتركها ترحل دون ان آخذ رقم هاتفها". تقاربا أكثر وأكثر، إلى أن قررا أن الزواج هو ما يريدانه سوياً. "مكنتش بفكر في الجواز خالص"، يقولها كريم مندهشاً من نفسه، لا سيما أنه قرر التخلي عن فكرة السفر إلى ألمانيا للحصول على شهادة الماجيستير من أجل الارتباط بنهال.
القصة التي بدأت في أجواء غريبة، أبت إلا أن تختتم بحدث أكثر غرابة. تقول نهال “كنا نتحدث على الهاتف، نحسب تكاليف نفقات الزواج، تجهيز شقة، تأثيثها، الشبكة. وأخذنا نتحدث عن الزفاف وتكاليفه، عن معناه وجدواه، عن أذواق المعازيم التي لن نرضيها أبداً. وهنا فاجأني كريم: "ايه رأيك نعمل فرحنا بتذاكر؟ اللي عاوز يحضر يدفع ثمن تذكرة الحضور؟".
تملكنا الضحك ونحن نناقش الفكرة، ولم أكن لأتخيل أن كريم سوف ينفذها. لكنه قام مباشرةً بإنشاء إيفنت event على فايس بوك. نمتُ، استيقظت في الصباح لأجد أن الحدث انتشر على الشبكة العنكبوتية، وكل أصدقائنا أخذوا يتحدثون عنه بمزيج من الإعجاب والسخرية.
"أنا أصلاً ضد فكرة الأفراح" يقول كريم شارحاً موقفه، "الهدف من الفرح هو إعلام الناس وإشهار الزواج، لكنه تحول لطقس استعراضي ومظاهر كاذبة"، ويضيف "الأزمة الاقتصادية والتحولات الحادثة في المجتمع يجب أن تجعلنا نفكر بشكل أكثر تحرراً من هذة القيود المجتمعية. فلنكسر هذه التقاليد، ولنواجه أنفسنا بالحقيقة. الشباب لا يستطيعون تحمل تكلفة إقامة الأفراح، فلماذا لا نجعلها بتذاكر، ومن أراد الحضور للمجامله فليدفع ثمن التذكرة".
الاستحسان الذي استقبلت به الفكرة، أدى إلى انتشارها على صفحات التواصل الاجتماعي، لكنها لم تلق ذات الترحيب في بيت العروس، تحديداً لدى والدتها وخالاتها اللواتي اعتبرنها إهانة؛ إذ كيف تنشر ابنتهم فكرة أنهم لا يتحملون تكاليف إقامة عرس! والد العروس كان أكثر تفهماً، بل إنه لم يخف إعجابه بشجاعة ابنته وجرأة عريسها. أهل كريم كانوا كذلك أكثر تقبلاً للفكرة، لا سيما والده.
العروسان مستمران في ترتيبات عرسهم، غير عابئين بقيود أو تقاليد؛ فمن ثار على نظام سياسي رآه فاسداً، لن يخضع لأطر اجتماعية يراها بالية، مؤكدين أن التغيير في بلدان الربيع العربي قد طال كل شيء، حتى العرس وترتيباته.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومينتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 4 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه