نشرت البي بي سي حديثاً، تقريراً استثنائياً مصوراً عن تفاصيل حياة مراهق انضم إلى صفوف تنظيم "داعش"، وقتل في غارة، مستخدمة معلومات شخصية وصوراً كثيرة عثر عليها الجيش العراقي والمراسل الصحافي كوينتن سمرفيل في ذاكرة هاتفه النقال.
كنز في ذاكرة الهاتف
يروي سمرفيل تفاصيل رحلة العثور على الصور وتحليلها للوصول إلى معلومات إضافية والدخول إلى غرف نوم المقاتلين وقراءة ملاحظاتهم وبعض مذكراتهم. حدث ذلك في أواخر شهر فبراير من العام الحالي، على إحدى ضفتي نهر دجلة في العراق. كان مراسل البي بي سي يرافق جنوداً من الجيش العراقي وهم في طريقهم إلى غرب الموصل لتحرير المدينة التي تُعد آخر معقل كبير للتنظيم فى العراق. كانت البداية حين وقف مع الجنود وهم يتفحصون جثث مراهقين منتمين إلى "داعش" قُتلوا بغارة جوية استهدفت قبو أسلحة للتنظيم الإرهابي. لفتتهم جثة مراهق يبدو أنه حاول الاختباء بين الصخور على ضفة النهر قبل أن يُقتل. بدا وجهه مميزاً، بذقن مدبّب وأنف صغير، وكوسَج (لحية خفيفة). وجدوا بالقرب منه بندقية M16 كتب عليها "ملك الجيش الأميركي". [caption id="attachment_111101" align="alignnone" width="700"] صورة من تقرير البي بي سي[/caption] وبعملية فحص سريعة للجثة، وجدوا في جيب سروال القتيل عملة سورية، وفي الجيب الآخر، "شيئاً صغيراً وأكثر قيمة: ذاكرة هاتفه المحمول"، بحسب تقرير البي بي سي. في هذه الذّاكرة، عثر الجيش وسمرفيل على صور في غاية الأهمية أظهرت لهم جانباً من حياة المقاتلين اليومية، كذلك أرشدتهم إلى مزرعة سكن فيها الشاب مع رفاقه. [caption id="attachment_111114" align="alignnone" width="1176"] صورة من تقرير البي بي سي[/caption]هنا عاش المراهق
رافقت البي بي سي جنوداً من الجيش العراقي في رحلة البحث عن المكان الذي كان يعيش فيه المراهق ورفاقه المقاتلون. أكدت صور الغرف الموجودة على الجوال لسمرفيل أن المزرعة التي استقر فيها طاقم عمل البي بي سي بعد تحريرها، كانت مسكناً للمقاتلين ومكان راحتهم. هناك، عثر الفريق على ملابسهم وبعض الأشياء الأخرى، كوسادة عليها شعار نادي تشيلسي لكرة القدم، وملصقات للدولة الإسلامية عليها عقوبات الجرائم المختلفة التي يحاسب عليها التنظيم. يقول سمرفيل أنهم وجدوا كذلك عبوة دواء مضاد للفطريات مرسوماً عليها رضيع شعره أشقر، شوِهت ملامح وجهه على العلبة، إذ يُحرِّم أعضاء "داعش" تصوير الأشخاص. وجدوا كذلك وثائق عدة داخل البيت أظهرت أن التنظيم كان يكافح من أجل البقاء فيما تستنزفه الحرب، وكان يبحث عن موارد ومنضمين جدد إليه. وفي 11 نوفمبر من العام الماضي، دعا وزير الحرب في التنظيم إلى تجنيد المزيد من الشباب، وبحلول منتصف ديسمبر، صدرت أوامر تمنع هروب المقاتلين من الجبهة، وتؤكد أن التنظيم سيتعامل بعنف مع كل من سيفكر في الهرب."داعش" يستخدم أسلحة كيماوية
عثر الجنود كذلك على مذكرات أو يوميات يحمل بعضها توقيع "أبو علي" الذي قد يكون كنية المراهق صاحب الهاتف. تظهر اليوميات كيف كان "أبو علي" يتدرب على إطلاق قذائف الهاون، وكيف تميز في ذلك حتى حصل على شهادة رسمية توضح أنه نجح وحصل على درجة 100. وبينت أوراق أيضاً أن أعضاء التنظيم في الموصل تدربوا على استخدام الأسلحة الكيماوية وهم مستعدون لذلك.حوى البيت وسادة عليها شعار نادي تشيلسي وعبوة دواء عليها صورة طفل أشقر شوه مقاتلو داعش ملامحه
بينت أوراق في غرف نوم أعضاء تنظيم داعش في الموصل أنهم تدربوا على استخدام أسلحة كيميائيةوتظهر أخرى أن قائد المجموعة التي سكنت المزرعة يحمل كنية "أبو هاشم"، وهو يتابع تفاصيل حياة أعضاء المجموعة وقتالهم بدقة. كما عثر سمرفيل على كتب دينية، أحدها كتاب "مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد" للإمام محمد بن عبدالوهاب، الذي يُنسب إليه الفكر الوهابي. كُتب على الصفحة الأولى بخط اليد إهداء "إلى أغلى الأحباب"، فيما حمل الكتاب ختم خطيب مسجد المؤمنين شرق الموصل، والذي اعتاد المقاتلون الذين سكنوا المزرعة أن يصلّوا فيه، بحسب تقرير البي بي سي. يذهب سمرفيل إلى زيارة المسجد بنفسه بعدما تحررت منطقته، فيقابل إمامه وخطيبه الجديد. يخبره بأن صاحب التوقيع رحل مع مقاتلي التنظيم، فقد كانوا هم من عينوه بعدما قتلوا إمام المسجد السابق وخطيبه.
رحلة الانضمام إلى "داعش"
تسلط الصور التي عُثر عليها في الذاكرة، الضوء على الحياة الشخصية لمراهقي "داعش"، وتظهر "الصداقة الحميمة بينهم، ووحشيتهم"، بحسب التقرير، ورحلتهم خلال معركة الموصل. وهي تظهر كذلك مراحل التحول الدراماتيكي التي عاشها المقاتل صاحب الجوال، بحسب التقرير. فتبدأ بصورة له مبتمساً وبقربه فتاة صغيرة، رافعة إصبع السّبابة، وهي علامة التوحيد التي تنتشر بين أفراد "داعش" في الصور والفيديوات. في الصورة يظهر المراهق بشعر متموج طويل. [caption id="attachment_111100" align="alignnone" width="700"] صورة من تقرير البي بي سي[/caption] يقول التقرير أن الهاتف حوى أيضاً صورة لمقاتل يبدو أكبر سناً من صاحب الهاتف، شعره طويل، ينظر باهتمام إلى الكاميرا وفي كفيه قفازان أسودان، ويضع يديه على حزام ناسف يداريه قميصه.العودة إلى العراق
غادر سمرفيل العراق، ثم عاد في أبريل من العام الحالي للبحث عن معلومات أكثر عن "أبو علي"، صاحب المذكرات، وبقية أفراد "داعش" في الموصل. وبمساعدة المخابرات العراقية، نجح في مقابلة عراقي من الموصل غير اسمه فأصبح "إبراهيم" لأسباب أمنية، وهو عميل مزدوج للمخابرات العراقية انضم إلى "داعش" لمدة عامين. وحين شاهد "إبراهيم" الصور التي كانت في الذاكرة، قال أنه يعرف المقاتلين بغالبيتهم، وأنهم كانوا منضمين إلى كتيبة اسمها "خالد بن الوليد"، وأن معظمهم من الموصل. لكن، بينهم أيضاً أجانب من سوريا والمغرب وبلدان أخرى. وأضاف أنهم كانوا يؤمنون بأن المقاتل يجب أن يعيش مثل الأنبياء، حياة زهد، وأنه يستطيع أن يحيا بأقل القليل. وبحسب تقرير البي بي سي، فإن "داعش" هزم تقريباً في الموصل، وحملت الكلاب والحيوانات الأخرى جثث قتلى التنظيم بعيداً. لكنّ ما خلّفه من الاضطرابات والدمار لا يزال قائماً. وهو يمتد إلى أبعد من الموصل، ويتجاوز بكثير تدفق نهر دجلة.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...