أُنتج هذا التحقيق بدعمٍ من أريج.
في مساء أحد الأيام، سمعت أمينة (اسم مستعار)، صوت إشعار وصول رسالة من تطبيق واتساب، ابتسمت ظناً أنها من إحدى زبائنها اللائي ترسم لهنّ الحنة. لكن ما إن قرأتها حتى تغيرت ملامح وجهها خوفاً، وارتعشت يداها؛ فقد كانت الرسالة تحمل تهديداً بالقتل، تبعتها رسائل أخرى بصور مفبركة.
أمينة (36 عاماً)، طالبة لجوء سودانية، وأم لثلاثة أطفال أكبرهم يبلغ من العمر 15 عاماً. بمجرد وصولها مصر عام 2024، انهالت عليها رسائل تهديد من شقيق طليقها وعم أطفالها، تحولت مع الوقت إلى عنف فعلي وتعدٍ بالضرب. اندهشت في البداية من قدرة شقيق الزوج على الوصول إليها، قبل أن تفطن إلى اختراق حسابها على فيسبوك، ما ساعده على تتبعها ومعرفة مكان وجودها. لم تجد أمينة مَن يحميها من العنف والتهديد المستمر، رغم لجوئها إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ومنظمات ومؤسسات شريكة لها.
يكشف التحقيق تجاهل مفوضية شؤون اللاجئين عن تقديم الدعم لحالات العنف الرقمي؛ لعدم إدراجها ضمن حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي الواجب الإبلاغ عنها، وتوفير الحماية للمتضررات. وزاد نقص التمويل، الذي تعانيه المفوضية أخيراً، الأمر سوءاً؛ ما يترك اللاجئات وطالبات اللجوء اللائي في حاجة إلى مثل هذا الدعم، تحت سطوة المُهدِّد أو المبتز.
التقت معدة التحقيق ثلاث حالات، بخلاف أمينة، تعرضن لعنف رقمي، ولم تقدم لهن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أو أي من منظماتها الشريكة، دعماً أو مساعدة قانونية أو نفسية أو مادية.
"أنا بس محتاجة الأمان لولادي"... تحقيق يكشف تجاهل مفوضية شؤون اللاجئين في مصر تقديم الدعم لحالات العنف الرقمي؛ لعدم إدراجها ضمن حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي الواجب الإبلاغ عنها، وعدم توفيرها الحماية للمتضررات
وأظهرت نتائج استبيان أجابت عنه 140 لاجئة وطالبة لجوء تعرضن لعنف رقمي، أن 91 منهن أبلغن مفوضية اللاجئين أو منظمات شريكة عما تعرضن له. لكن من بين خمس حالات لجأن إلى المفوضية، لم تحصل سوى واحدة على المساعدة. كما وثقت "مبادرة عون" 28 حالة عنف رقمي، فيما تلقت "مبادرة مدد" لدعم اللاجئين ثلاث حالات عنف رقمي، واستقبلت "مبادرة قاوم" لدعم ضحايا الابتزاز ست حالات تعرضن لتهديد عبر الإنترنت.
عنف عابر للحدود
قبل قرابة عامين، خرجت أمينة رفقة أطفالها الثلاثة، من السودان إلى مصر. لم تكن الحرب وقسوتها الدافع لفرار أمينة فقط، بل كان العنف الأسري والزوجي الذي ظل يلاحقها هي وأطفالها على مدار سنوات دافعاً أقوى ربما للفرار. ورغم حصولها على الطلاق عام 2021، لم تنتهِ دائرة العنف التي طالتها وأطفالها. وبمجرد دخولها مصر، ظنت أمينة أنها وجدت الأمان الذي طالما حلمت به، لكنّها لم تكن تعلم أن ما هربت منه سيلاحقها وأطفالها في القاهرة.
تقول أمينة إن دائرة العنف بدأت قبل عشرة أعوام، على يد شقيق الزوج، الذي تحرش بابنة أخيه الكبرى، تبعها تهديد الأب بطلاق زوجته حال حديثها عن الواقعة، وفق رواية أمينة. ومع ذلك، أجرت أمينة لطفلتها كشفاً طبياً للاطمئنان على صحتها، واستمر العنف حتى طلاقها عام 2021. بعدها عاشت أمينة مع أهلها إلى أن اندلعت الحرب في السودان، ففرت بأطفالها إلى مصر.
حصلت أمينة على بطاقة "طالب اللجوء" المسماة "البطاقة الصفراء"، وامتهنت رسم الحناء وتضفير الشعر وتصفيفه، واتخذت من مواقع التواصل الاجتماعي نافذة للوصول لزبائنها، لكن لم تسر الحياة بوتيرة هادئة وآمنة كما تتمنى، فملاحقات الطليق وعم الأطفال بدأت سريعاً.
في البداية، كانت تكتفي بحظر الرقم، إلا أن الملاحقات الإلكترونية سرعان ما تحولت إلى تعدٍ فعلي، اضطرت على إثره إلى تغيير مقر سكنها تسع مرات.
تقول أمينة: "من أول يوم وصلت إلى مصر، ووالد أبنائي يُهدّدني، رغم أنني قابلته بعد ستة أشهر من استقراري في مصر أمام مقر مفوضية اللاجئين، واتفقنا على أن نُنهي الخلافات بيننا، وسمحت له بزيارة الأولاد في المنزل، لكن بعدها فوجئت بابنتي الوسطى تُخبرني أن والدهم يزورهم عقب خروجي للعمل، وأنه أخبرهم برغبته في أخذهم من دون علمي". وهذا ما تكرر في محتوى الرسائل التي وصلتها عبر واتساب من شقيق الأب، وفق روايتها.
لم يتوقف الأمر عند زيارات الأب سراً لأطفالها، لكنّ العم اقتحم الشقة مرتين؛ في المرة الأولى استنجدت أمينة بجيرانها، ففر وتركهم، وفي المرة الثانية اعتدى عليها ضرباً، وأصابها بكدمة وتورم في الكتف الأيسر.
تعدي العم على أمينة وتهديده المستمر لها بالقتل، يأتي لرغبته في تزويج ابنتها الكبرى، وهو الأمر الذي ترفضه الأم رفضاً قاطعاً. تطور شكل الملاحقة والتهديد جعلها تُخاطب مفوضية اللاجئين والمنظمات الشريكة لها طلباً للحماية، بالإضافة إلى زيارتها مقر "هيئة كير الدولية"، لكن من دون استجابة فعلية لطلبها.
تجاهل المفوضية
تتولى مفوضية اللاجئين مسؤولية تقديم عدد من الخدمات، منها: التسجيل وتحديد وضع اللاجئ والحماية، والإعاشة والخدمات الصحية والتعليمية وحماية الأطفال، وتقديم الدعم المالي للفئات الأكثر احتياجاً، وإعادة التوطين والعودة الطوعية لبلد المنشأ، وتعزيز قدرات المجتمعات المضيفة لاستيعاب اللاجئين، بموجب مذكرة التفاهم الموقعة بين وزارة الخارجية المصرية والمفوضية.
ولدى المفوضية شراكة مع 14 منظمة تُقدم من خلالها خدمات الحماية والصحة والدعم المادي والدعم النفسي والقانوني، والحماية من أشكال متعددة للعنف القائم على النوع الاجتماعي. ولم تدرج المفوضية العنف الرقمي ضمن الأمثلة المعلنة على صفحتها، المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي.

ترجع سهام علي، محامية سودانية مقيمة في مصر، أسباب عدم إدراج مفوضية شؤون اللاجئين العنف الرقمي ضمن قائمة الحالات التي توفر لها الحماية، إلى أن المفوضية تهتم بالحالات الأكثر خطراً المُهدِّدة لحياة اللاجئ، وتُصنفها ضمن ما يُسمى بـ"الحالات الهشة"؛ مثل العنف المنزلي ضد النساء، والعنف الجنسي ضد النساء، و"المثليين"، والأسر المعيلة. وحال وجود أخطار على اللاجئ، تُدرس حالته للنظر في إمكانية نقله إلى بلد ثالث تمنحه الحماية الدائمة والحقوق اللازمة، وهو ما يُعرف بـ"عملية إعادة التوطين".
وتؤكد المحامية السودانية أن العنف الرقمي يتمثل في أن شخصاً يُرسل تهديداً عبر الهاتف أو الواتساب، أو بأي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي. ومع هذا، لا تلقي المفوضية بالاً إلى حالات العنف الرقمي، طالما لم تصل إلى درجة التعدي الجسدي، ولن تتحرك لتقديم دعم أو حماية للضحية، مضيفة أنه حال تحول العنف الرقمي إلى تعدٍ فعلي، وعند وجود خطر يُهدد حياة اللاجئ، فقد توليه المفوضية اهتمامها حينها، وفق سهام علي.
في السياق ذاته، ترى شيماء سامي، مؤسِّسة مبادرة مدد لدعم اللاجئين، أن استبعاد مفوضية اللاجئين العنف الرقمي من أمثلة قائمة الانتهاكات التي تقدم لها الدعم أو المساعدة، أمر غير مفهوم، خاصة أن الأمم المتحدة تعترف في غير موضع بالعنف الرقمي. وتضيف بأنه حتى في حال إدراجه ضمن أمثلة قائمة الخدمات أو الدعم لن يكون ذا أولوية، بل سيحتل المرتبة الثانية أو الثالثة على سلم الأولويات، رغم تحول بعض حالات العنف الرقمي إلى عنف واقعي.
وتوضح مؤسِّسة مبادرة "مدد" أن أداء مفوضية اللاجئين في الثلاثة أشهر الأولى من حرب السودان كان جيداً، وعملت على تسجيل اللاجئين وتقديم الدعم المطلوب لهم، لكن بعد ذلك تراجع الأداء، وتعثرت محاولات بعض اللاجئات في الحصول على رد منها.
من بين 140 لاجئة وطالبة لجوء تعرضت لعنف رقمي، بحسب استبيان أعدته معدة التحقيق، لجأت 91 منهنّ إلى المفوضية أو المنظمات الشريكة. ومع ذلك، لم تتمكن قرابة 80% من الحصول على مساعدة أو دعم نفسي أو قانوني أو مادي، ولم تحصل سوى واحدة من كل خمس حالات على حماية من المفوضية.
لا حلول مجدية
رغم تحول العنف الرقمي في حالة أمينة إلى عنف فعلي بعد التعدي عليها بالضرب -وهو ما وثقه كشف طبي أجرته داخل أحد المستشفيات العامة- فإن ذلك لم يدفع أياً من المنظمات للتحرك.
بعد الواقعة، لجأت أمينة إلى منظمة "هيئة كير الدولية"، لكنها لم تتمكن من دخول المقر، فاتجهت إلى منظمة "سانت أندروز" لخدمات اللاجئين، فأخبرها مسؤولو المنظمة بعدم قدرتهم على تقديم الحماية لها، وطلبوا منها التوجه إلى "كير". لجأت أمينة بعدها إلى "هيئة إنقاذ الطفولة"، وراسلتها عبر واتساب، فطلبوا منها أيضاً التوجه إلى "هيئة كير" لأنها المعنية بحالتها، فتوجهت مجدداً إلى مقر "كير"، وأقامت أمامه حتى تمكنت من الدخول.
أظهرت نتائج استبيان أجابت عنه 140 لاجئة وطالبة لجوء تعرضن لعنف رقمي، أن 91 منهن أبلغن مفوضية اللاجئين أو منظمات شريكة لها عما تعرضن له. لكن من بين خمس حالات لجأن إلى المفوضية، لم تحصل سوى واحدة على المساعدة
شرحت أمينة حالتها لموظفة في "هيئة كير"، فأخبرتها بأن المنظمة غير مسؤولة عن حمايتها، وأن عليها التوجه إلى قسم الشرطة لتحرير محضر ضد المُعتدي، وتغيير محل إقامتها إلى مكان آخر.
الاقتراحات التي تلقتها أمينة من "هيئة كير" غير مُجدية بالنسبة لها، وقد تُعرضها لأخطار أخرى؛ فتحرير محضر وهي لا تحمل إقامة سارية قد يجعلها تواجه عقبات تهدد أمنها، بحسب حقوقيين.
غير أن القانون المصري يوفر حماية من العنف الرقمي، وتنص المادة 18 من قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات 175 لسنة 2018 على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهر، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أتلف أو عطل أو أخفى أو اخترق بريداً إلكترونياً أو موقعاً أو حساباً خاصاً بآحاد الناس".
وتنص المادة 25 من القانون ذاته على "الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مئة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على أي من المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري أو انتهك حرمة الحياة الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكتروني لترويج السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخباراً أو صوراً وما في حكمها تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة".
لن تتمكن أمينة من تحرير محضر ضد طليقها وشقيقه إلا بعد مرور ثلاث سنوات؛ فقد رفضت المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين -شريك قانوني للمفوضية- مساعدتها على تحرير محضر لدى مباحث الإنترنت بموجب الرسائل التي تحتفظ بها لعدم امتلاكها إقامة سارية، وعليها الانتظار حتى صدور الإقامة في الموعد المحدد في أيلول/سبتمبر 2028.
حالة أمينة، وعدم قدرتها على التحرك في مسار قانوني لعدم امتلاكها إقامة، ليست فردية؛ فوفق شيماء سامي، مؤسِّسة مبادرة مدد لدعم اللاجئين، استقبلت مبادرتها ثلاث سودانيات تعرضن لعنف رقمي، لم تستطع إحداهن اتخاذ أي إجراء قانوني لعدم امتلاكها إقامة سارية، وقد أفادت حالتان في الاستبيان برفض مؤسسات تقديم مساعدة لهما للسبب ذاته.
وترى مؤسِّسة مبادرة "مدد" أن منح اللاجئات وطالبات اللجوء مواعيد بعيدة الأمد للحصول على الإقامة يعكس واقعاً بائساً، خاصة في ظل غياب الحلول لدى المبادرة ومثيلاتها من مبادرات ومنظمات المجتمع المدني لتقديم الدعم القانوني للاجئات خلال هذه الفترة.
نقص التمويل
تُبرّر داليا سعيد، محامية ومؤسِّسة مبادرة عون، موقف المفوضية من عدم استجابتها لحالات العنف الرقمي إلى كثرة الأعداد التي تحتاج إلى الدعم والمساعدة. تشاركها الرأي ذاته المحامية سهام علي، فتؤكد أن المفوضية تعاني ضغطاً كبيراً، ولا تمتلك القدرة المادية أو عدد الموظفين القادر على توفير الدعم لكل الحالات؛ لذا تقدم الحماية للحالات الحرجة، والتي ليس من ضمنها غالباً العنف الرقمي.
وتشير سهام إلى أنه قبل أزمة التمويل كانت المفوضية تقدم للاجئين خدمات الحماية، عبر تأجير شقة جديدة لهم وتتولى دفع الإيجار عنهم لمدة ثلاثة أشهر، لكن الآن لا تُعطي سوى إيجار شهر واحد من دون أيّ مصاريف إضافية للانتقال أو نقل العفش أو دفع مستحقات السماسرة.
وتواجه مفوضية اللاجئين في مصر نقصاً في التمويل يقدر بنحو 63% من الميزانية المطلوبة لتقديم خدماتها؛ إذ تحتاج المفوضية إلى 137 مليوناً و700 ألف دولار أمريكي، لم يتوفر منها سوى نحو 51 مليون دولار. وبينما يحتاج قطاع العنف القائم على النوع الاجتماعي إلى تمويل يبلغ 13 مليوناً و900 ألف دولار، لا يتوفر سوى 20% من هذا المبلغ؛ أي ما يقدر بمليونين و800 ألف دولار فقط.
ولم تتلقَّ سبع من أصل ثماني مؤسسات معنية بتقديم خدمات الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، على رأسها هيئة كير الدولية، التمويل المطلوب لتقديم خدماتها، في حين حصلت مفوضية اللاجئين على تمويل قدره مليون و700 ألف دولار، من إجمالي دعم بنحو مليون و600 ألف دولار مطلوب لتقديم خدماتها في الحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، بنسبة تتجاوز 109%.
كما لم تحصل أيضاً المؤسسة المصرية لدعم اللاجئين (الشريك القانوني للمفوضية)، على أي نسبة من التمويل المطلوب لتقديم خدمات الحماية بشكل عام للاجئين في مصر، في حين بلغ التمويل الذي حصلت عليه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين في قطاع خدمات الحماية العام تسعة ملايين و200 ألف دولار، من أصل 17 مليون و600 ألف دولار بنسبة تخطت 50% من إجمالي التمويل المطلوب.
ومع ذلك، لا ترى شيماء سامي، مؤسِّسة مبادرة مدد لدعم اللاجئين، أن نقص التمويل سبب كافٍ لعدم تقديم الدعم للاجئات، مشيرة إلى أن اللاجئة حين تتواصل مع المفوضية أو المنظمات الشريكة، لا تتلقى في كثير من الأحيان أي رد على اتصالاتها، فضلاً عن عدم حصولها على المساعدة. وتؤكد أن عبء نقص التمويل لا ينبغي أن تتحمله اللاجئة، بل يقع على عاتق المفوضية إيجاد حلول بديلة لمعالجة هذا القصور.
ورغم تبرير سهام علي، محامية سودانية، موقف المفوضية في التعامل مع حالات العنف الرقمي، تستدرك قائلة: "المفوضية مقصرة في التعامل مع حالات العنف الرقمي"، مؤكدة أن المفوضية عاجزة عن تقديم الحماية، خاصة في ظل ضعف قدرات موظفيها.
يبلغ عدد موظفي مفوضية اللاجئين في مصر 356 موظفاً مصرياً، إضافة إلى 35 موظفاً من جنسيات أخرى، بإجمالي عدد موظفين يبلغ 391 موظفاً يخدمون مليوناً و69 ألفاً و155 لاجئاً وطالب لجوء، مسجلين لدى المفوضية في مصر؛ ما يعني أن موظفاً واحداً يخدم نحو ألفين و700 لاجئ.
تقترح مؤسسة مبادرة عون، أن توسع مفوضية اللاجئين تعاونها مع المبادرات والمنظمات المستقلة التي تقدم دعماً في العنف الرقمي ، بدلاً من حصر الخدمة على المنظمات الشريكة.
تسبّب تجاهل مفوضية اللاجئين والمنظمات الشريكة لحالة أمينة في اضطرارها إلى ترك عملها في رسم الحنة والتجميل، كونه يعتمد بشكل أساسي على حساباتها بمواقع التواصل الاجتماعي التي تعرضت للاختراق؛ ففقدت مصدر دخلها الأساسي، لتلجأ إلى العمل في الخدمة المنزلية.
تحصل أمينة من برنامج الغذاء العالمي على ثلاثة آلاف جنيه مصري (63.09 دولار أمريكي حتى سعر الصرف في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 2025)؛ وهو رقم يعادل تكلفة إيجار الشقة التي تسكن بها. وفي آخر شهرين تراكم عليها الإيجار، وأصبحت مطالبة بسداد ستة آلاف جنيه (126.18 دولار أمريكي)، كما طالبها مالك العقار بسداد 800 جنيه (16.82 دولار أمريكي) للكهرباء و700 جنيه مصري (14.72 دولار أمريكي) للمياه.
تفاقمت الأمور لعدم قدرتها على دفع الإيجار وسداد مستحقات المياه والكهرباء، حتى اضطرت إلى مغادرة مكان إقامتها الحالي.
تحتاج أمينة إلى دعم نفسي لها ولأطفالها، الذين يعانون اضطرابات في النوم ويدخلون في نوبات بكاء، إضافة إلى دعم صحي لابنتها الكبرى التي تعاني تشنجات وتبولاً لا إرادياً وصعوبة في الكلام. وتأمل في أن تقيم بمكان آمن يحمي أطفالها من التهديد.
في ردها على ما واجهته أمينة من تجاهل لشكواها، تقول مفوضية اللاجئين إنها تتعامل بجدّية مع كل البلاغات التي تقدمها النساء والفتيات اللاجئات؛ بما في ذلك حوادث التحرش أو العنف الرقمي، مؤكدة على أنها ليست جهة مختصة بتنفيذ القانون ولا تمتلك صلاحية التحقيق في الجرائم أو ملاحقة مرتكبيها. ومع ذلك، فهي تحرص على إبلاغ الناجيات بحقوقهن القانونية وكيفية الوصول إليها.
وتُشير المفوضية إلى أن التحرش عبر الإنترنت وغيره من أشكال العنف الرقمي يُعدّ جرائم يعاقب عليها القانون المصري، وتدعم المفوضية الناجيات من اللاجئات الراغبات في تقديم بلاغات للشرطة واتخاذ الإجراءات القانونية، وذلك من خلال خدمات إدارة الحالة والمساعدة القانونية. وتبقى السلطات الحكومية، في إطار ولايتها القضائية وأنظمة تطبيق القانون، هي الجهة الوحيدة المخوّلة بالتحقيق في هذه الجرائم وملاحقة مرتكبيها، واتخاذِ الإجراءات القانونية المناسبة، وتحتفظ بالسلطة الكاملة لتحديد كيفية التعامل مع كل حالة.
أقرت المفوضية بوجود قصور في خدمات الحماية، قائلةً إن هذا النقص في التمويل شكّل ضغطاً على عمليات المفوضية وشركائها؛ فلا تستطيع الخدمات المتاحة في مجال الحماية تلبية كل الاحتياجات؛ ولذلك تُمنح الأولوية للحالات التي تواجه تهديدات فورية للسلامة
وتضيف المفوضية أنها تدرك حجم المخاطر المتزايدة التي يواجهها اللاجئون وطالبو اللجوء، وتقدّم للناجيات، اللواتي يبلّغن عن مثل هذه الحوادث، خدمات إدارة حالة سرية ودعماً نفسياً واجتماعياً، وخطط أمان شخصية. كما تحصل الناجيات على مساعدة في فهم الخيارات القانونية، ومتابعة الإجراءات الإدارية والقضائية، وضمان الحصول على الوثائق اللازمة التي تثبت وضعهن القانوني وحقوقهن، مشيرة إلى أن الشركاء القانونيين للمفوضية يقدمون عيادات قانونية، وينظمون جلسات نصف شهرية، ويقدمون دعماً متخصصاً للناجيات من التحرش الإلكتروني، بما يضمن تمكّنهن من متابعة الإجراءات القانونية والوصول إلى خدمات الحماية المناسبة.
وبشأن الصراع في السودان، تقول المفوضية: "منذ اندلاع الصراع في السودان عام 2023، شهدت مصر تدفقاً غير مسبوق للأشخاص الفارين من بلادهم؛ فقد سجّلت المفوضية في مصر أكثر من مليون لاجئ وطالب لجوء من جنسيات مختلفة. ووفقاً للأرقام التي أصدرتها الحكومة، يُقدّر عدد السودانيين الذين لجأوا إلى مصر خلال هذه الفترة بنحو 1.5 مليون شخص. وعلى الرغم من أن العديد منهم يعيشون في ظروف اللجوء (أشبه بظروف اللجوء)، لم يتقدم جميعهم للتسجيل لدى المفوضية. ونتيجة لذلك، وعلى الرغم من وجودهم في أوضاع شديدة الهشاشة، لا تستطيع المفوضية تقديم كل خدمات الحماية والدعم لهم. وتعمل المفوضية على تعزيز التواصل والتوعية مع المجتمعات لتوضيح أهمية الحماية الدولية وأن التسجيل لدى المفوضية هو الخطوة الأولى للوصول إلى الدعم".
وأقرت المفوضية بوجود قصور في خدمات الحماية، أرجعته إلى نقص التمويل، الذي شكّل ضغطاً على عمليات المفوضية وشركائها؛ فلا تستطيع الخدمات المتاحة في مجال الحماية، بما في ذلك إدارة الحالة، تلبية كل الاحتياجات؛ ولذلك تُمنح الأولوية للحالات التي تواجه تهديدات فورية لسلامتها. وأكدت أن هذا النهج يسري على كل الفئات التي تحتاج إلى الحماية، وليس فقط الحالات المتعلقة بالعنف الرقمي، ما يعكس حرص المفوضية على ضمان حصول الأكثر عرضة للخطر على الدعم المنقذ للحياة، وفي الوقت المناسب.
وتدرك المفوضية أن النساء والفتيات اللاجئات قد يواجهن عقبات في الوصول إلى المساعدة، بما في ذلك صعوبة الاتصال خلال أوقات الذروة أو غياب الوثائق اللازمة لاتخاذ الإجراءات القانونية. وتقرّ المفوضية بأهمية التصدي للعنف الرقمي، موضحة أنها تلتزم بمواصلة تعزيز التواصل والتوعية لضمان معرفة الناجيات بأن هذه الخدمات متاحة ويمكن الوصول إليها بأمان.
واختتمت المفوضية ردها على "أريج" بأنها "تستمر في تنفيذ دورها المحوري في تسهيل الوصول إلى العدالة من خلال شركائها القانونيين، وتقديم الدعم الشامل الذي يشمل الإرشاد القانوني، والمساعدة على تقديم البلاغات، وخدمات الدعم النفسي والاجتماعي، إلى جانب ضمان إتاحة المعلومات الأساسية للاجئين بشأن خدمات المفوضية وكيفية طلب المساعدة، وتوفير هذه المعلومات عبر موقع المساعدة التابع لمفوضية اللاجئين في مصر، والمتاح عبر الإنترنت".
وبين نقص التمويل المخصّص للحماية وتعقيدات الوصول للعدالة، تظل أمينة وأطفالها ضحية قصور الخدمات، ولا تتمنى سوى أن يعيش أطفالها في أمان، معربة عما يجيش بصدرها بالقول: "أنا بس محتاجة الأمان لأولادي".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



