أُنجز هذا التحقيق بدعم من أريج.
لم تتوقع ولاء (اسم مستعار) القاطنة مع أسرتها بالقاهرة، أنّ رفضها لعرض بالارتباط العاطفي من زميل تعده صديقاً، سينتهي بحسابات على منصة إكس تحمل صورتها، بالإضافة إلى مسميات جنسية بذيئة لتشويه سمعتها، كأنها "عاملة جنس".
خوف مضاعف شعرت به هبة، كونها امرأة من صعيد مصر -المنطقة الأشد تمسكاً بتقاليد عفة الفتاة- دفعها للصمت أمام إساءات الشريك السابق؛ خشية استفزازه وتنفيذ تهديداته بفضحها. وما زادها ألماً، حين هدّدته بإخبار عائلته أنه يبتز النساء، فرد قائلاً: "أنا راجل مهما حصل إيه هيحصلي؟! لكن أنتِ هيتقطع رقبتك"
ما حدث مع ولاء يُعد انتحالاً للشخصية، حيث يُعرَّف انتحال الشخصية -طبق صندوق الأمم المتحدة للسكان- بأنه أحد أنواع العنف الإلكتروني، ويعني إنشاء ملف تعريفي مزيف وانتحال هوية شخص ما لأغراض مضرة؛ منها تدمير السمعة أو تهديد السلامة.
مع رانيا
تعرضت المعالجة النفسية رانيا (اسم مستعار)، للعنف القائم على النوع الاجتماعي عبر الإنترنت، من خلال الملاحقة بالاتصالات وعبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، وهي طريقة منتشرة الحدوث. اللافت أن شريكها السابق هو مَن قام بابتزازها لإجبارها على العودة إليه. ظنت رانيا أن الأمر سينتهي بخطبتها من غيره، لكن تلك لم تكن سوى البداية؛ إذ هدّدها -ما لم ترضخ لطلباته الجنسية- بإرسال تسجيلات هاتفية جمعتهما، تتضمن سياقاً حميمياً، لأسرتها ولخطيبها الحالي من أجل تدمير حياتها.
مع هبة
مشاعر الخوف ذاتها تعيشها هبة (اسم مستعار)، الدكتورة الجامعية من صعيد مصر، بعد تعرضها للابتزاز بمحتوى محادثات وصور حميمة من شريكها العاطفي السابق. توضح هبة أنهما كانا معاً لسنوات وخططا للزواج؛ لكنّ أخاها لم يقتنع به زوجاً لها. توقعت هبة أن يحاول شريكها إقناع أخيها، لكنّها -بدلاً من ذلك- تلقت تهديداته بتشويه سمعتها أمام أهلها وطلابها بالجامعة، إن لم تستمر معه، بعد أن أبدت رغبتها في الانفصال عنه.
مع ماريان
أخذت التهديدات بالتشهير شكلاً أكثر تعقيداً مع ماريان (اسم مستعار)، الصحافية المهتمة بمجال المرأة، التي تعرضت لمحاولة اعتداء جنسي من خطيبها. نجت ماريان من هذه المحاولة بعد أن ضربته ودفعته بعيداً؛ فاعتذر بعدها عمّا صدر منه. وبعد إلحاحه، قررت منحه فرصة ثانية، رغم شعورها الدائم بعدم الارتياح له، ومحاولاته استغلالها مادياً.
وصل الأمر حد استخدامه للمحادثات بينهما في تشويه صورتها أمام الآباء في الكنيسة التابعَين لها، ورغبته في استرداد ما أهداها من ذهب كتعويض له عن ارتباطه بفتاة "سيئة السمعة"، بسبب رفضها التكفل بكامل مصروفات الزواج، والخضوع لمطالبه الجنسية التي لا ترتضيها.
توصلت دراسة "رسم خريطة للعنف ضد المرأة القائم على التكنولوجيا - استرجاع التقنية" عبر الإنترنت (Take Back the Tech) -بعد دراسة ألف و126 حالة تم الإبلاغ عنها من 2012 إلى 2014- لنتائج مفادها أن النساء، اللاتي تتراوح أعمارهن بين 18 و30 عاماً وما دون ذلك، هنّ الأكثر عرضة لخطر الابتزاز على الإنترنت. وأن عنف الشريك المسيء في العلاقات الحميمة، كان من أكثر الفئات شيوعاً للعنف الإلكتروني ضد النساء.
دراسة رسم خريطة "استرجاع التقنية" عبر الإنترنت، هي جزء من مشروع "برنامج حقوق النساء"، التابع لجمعية APC وشبكة حقوق النساء WRP، وممول من وزارة الشؤون الخارجية الهولندية.
وقوع اللوم عليها
سيطر الخوف على ولاء بعد عثورها على الحسابات المسيئة بمنصة إكس، لكنّ افتخار الجاني بتشويه سمعتها وسط زملائها في الجامعة، وتهديده لها من حساب باسم مستعار؛ زاد شعورها بالغضب والعجز.
تقول ولاء إنها أُحبطت بشدة عندما سألت والدتها المحامية، عن الإجراءات التي يجب أن تتخذها زميلة لها، تعرضت لمشكلة من هذا النوع، وكان الرد أنها ستضطر إلى الذهاب لمباحث الإنترنت وفتح حساباتها هناك للتحقيق؛ فتراجعت ولاء عن الخطوة لأنها ناشطة سياسية معارضة، وتخشى تعرضها لمشكلات مضاعفة عند اللجوء إلى الحل القانوني.
أظهرت دراسة العنف الرقمي ضد المرأة في مصر، المنشورة عام 2023، أن أغلب منصات التواصل الاجتماعي لا تهتم بالبلاغات المُقدمة من بعض المُعنفَات رقمياً. وأشارت الدراسة أيضاً إلى أن خوف الفتيات من معرفة أسرهنّ تفاصيل حياتهن الخاصة خارج إطار الزواج، قد يؤدي لإحجام النساء عن الدفاع عن أنفسهن، أو طلب الدعم، أو اللجوء لإجراءات التقاضي القانونية.
خوف مضاعف شعرت به هبة، كونها امرأة من صعيد مصر -المنطقة الأشد تمسكاً بتقاليد عفة الفتاة- دفعها للصمت أمام إساءات الشريك السابق؛ خشية استفزازه وتنفيذ تهديداته بفضحها. وما زادها ألماً، حين هدّدته بإخبار عائلته أنه يبتز النساء، فرد قائلاً: "أنا راجل مهما حصل إيه هيحصلي؟! لكن أنتِ هيتقطع رقبتك". حينها شعرت هبة بمرارة الظلم والتمييز.
مشاعر الظلم نفسها انتابت ماريان، حين قرر الآباء في الكنيسة -الموكلون بالفصل بينها وبين خطيبها السابق- إدانتها بالمحادثات بينهما، وكأنها -رغم رفضها الاستجابة له ودفاعها عن نفسها- أصبحت سيئة السمعة. تمّ الحكم لصالحه باسترجاع الذهب الذي أهداه لها؛ كما آلمتها إهانتها أمام والدها.
أما رانيا فقد سيطر الرعب عليها، لمعرفة شريكها السابق بخوفها من أهلها، ولجأت إلى غلق حساباتها لفترات، لكنّها لم تجرؤ على حظره أو تجاهله بشكل صريح.
أخذت التهديدات بالتشهير شكلاً أكثر تعقيداً مع ماريان (اسم مستعار لصحافية مهتمة بمجال المرأة) التي تعرّضت لمحاولة اعتداء جنسي من خطيبها، فضربته ودفعته بعيداً ليعتذر بعدها عمّا صدر منه. وبعد إلحاحه، قرّرت منحه فرصة ثانية، لكن وصل الأمر لاستخدامه محادثات بينهما في تشويه صورتها أمام الآباء في الكنيسة
أظهرت دراسة وحدة الاستطلاعات والأبحاث التابعة لصحيفة الإيكونوميست (EIU) -التي أُجريت عام 2020، لقياس انتشار العنف عبر الإنترنت ضد النساء في 51 دولة على مستوى العالم- أن النساء في البلدان التي تعاني عدم المساواة بين الجنسين، أو التمييز الجنسي المؤسسي؛ يتعرضن إلى تجربة العنف عبر الإنترنت بمعدلات أعلى. كما توصلت إلى أن 62 % من المشاركات في الاستطلاع قلن إن النساء يعانين شعوراً بالعجز؛ لعدم اتخاذ إجراءات كافية لمعالجة المشكلة.
الدعم... شمعة مضيئة لظلمات العجز
قررت ولاء الاستعانة بنصائح صديقات أكثر خبرة في التعامل مع العنف السيبراني ضد النساء، فنصحنها بعدم إظهار خوفها أمام المعتدي، والتظاهر بتلقي الدعم أسريّاً وقانونياً؛ فقررت التغريد على منصة إكس -التي تلقت عليها التهديد- بأن هناك من ينتحل شخصيتها، وأنها تحتفظ بكل الأدلة والصور من الحسابات التي تُشهر بسمعتها، وتنوي اتخاذ إجراءات قانونية، وفضح "الشخص" أمام جميع المعارف المُشترَكين.
وبرغم التمييز القائم ضدها؛ شعرت ماريان بالقوة والسند من قبل والدها، حين دافع عنها أمام آباء الكنيسة رافضاً وصم ابنته، معرباً عن فخره بقوتها ودفاعها عن نفسها، بل واتهمهم بالتقصير والتمييز ضدها.
كما حظيت رانيا بدعم شبيه من خطيبها -زوجها الحالي- عندما صارحته بخوفها من التهديدات، فساندها وطمأنها؛ فحظرت المُبتز على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تظهر له خوفها.
أساليب متعددة لمواجهة العنف الرقمي
شعرت ولاء بالقوة عندما تراجع المُبتز ومسح كل الحسابات المُسيئة لسمعتها؛ وتواصل معها خائفاً موضحاً أنه لا ينوي الأذى، وأغلق حساباته أو حذفها. هذه التجربة جعلت ولاء تشعر بثقة أكبر؛ لأنها تمكنت من الدفاع عن نفسها بأقل الوسائل المتاحة.
بينما قررت هبة صبّ جام غضبها على المبتز، حين عاد لها معتذراً يطلب منها الرجوع له والثقة فيه مجدداً، مبرراً فعلته بحبه لها وغيرته عليها، وأنه لم ينوِ إيذاءها. وبرغم تأكيده لها بشعوره بالذنب، راجياً أن تسامحه؛ إلا أنه عاد ليطلب منها أشياء جنسية وزواجاً سرياً، ما زادها ثقة بصحة قرارها في الانفصال عنه. طوّرت هبة مبادئ جديدة لحماية نفسها في العلاقات العاطفية، برغم بكائها وألمها كلما تذكرت ما مرت به قائلة: "الجرح لسه مفتوح". لكنّها تنوي المضي قدماً في حياتها، ودعم النساء والفتيات اللائي وقعن في فخ تجارب مشابهة.
وطبقاً لإحصائية تفاعلية، صادرة من وحدة الاستطلاعات والأبحاث التابعة لصحيفة الإيكونوميست عام 2020، فإن نسب تعرض النساء للعنف الإلكتروني مرتفعة في 51 دولة؛ تبلغ ذروتها في الشرق الأوسط بنسبة 98%، في حين أقل معدل لها في أوروبا يبلغ 74%. ووصلت نسبة جرائم انتحال الشخصية عالمياً إلى 63%، والتهديد بالعنف إلى 52%، والاختراق والتتبع إلى 63%، ونشر المعلومات المغلوطة لتشويه السمعة إلى 67%، والابتزاز بالصور والفيديوهات الشخصية (الخاصة) إلى 57%.
أكملت رانيا حياتها وتزوجت من خطيبها ورزقت بطفل، وتعلمت أكثر عن مفاهيم الأمان الشخصي والرقمي، كما قررت تغيير كل حساباتها ورقمها الشخصي، وقلّلت من وجودها الرقمي خلال تعرضها للابتزاز، حتى شعرت بالأمان أكثر مع مرور الوقت.
تقول ماريان إن خسارة مادية مبكرة أنقذتها من تجربة زواج مريرة، كانت ستبقى أسيرتها لصعوبة طلاقها كمسيحية. وعلى الرغم من امتنانها لأسرتها ولنفسها؛ تشعر ماريان بالغضب من المنظومة الاجتماعية والدينية التي ظلمتها، وفق روايتها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...