ليل الاثنين بتوقيت واشنطن، كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سعيداً بخبر ترشيحه الجديد لـ"نوبل للسلام" الذي زفّه إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فالظفر بهذه الجائزة حلم يدغدغه منذ سنوات. ولكن الرئيس الأمريكي لا يمكنه الاكتفاء بهذه "اللفتة"، ويريد من رئيس الحكومة الإسرائيلية تعبيد طريقه إلى هذه الجائزة عبر التوصّل إلى اتفاق ينهي حرب الإبادة الإسرائيلية على غزّة.
من العاصمة الأمريكية، أعلن نتنياهو أنه رشّح ترامب رسمياً لجائزة نوبل للسلام. قال له إن هذا الترشيح تعبير عن تقدير الإسرائيليين واليهود له وإعجابهم به... "لقيادتك العالم الحر، وقيادتك قضية عادلة، وسعيك من أجل السلام والأمن"، مذكّراً باتفاقيات أبراهام التي ساعد في التوصل إليها في العام 2020، مضيفاً: "هو يحقّق السلام في هذه اللحظات، في دولة تلو الأخرى، وفي منطقة تلو الأخرى".
يقدّر ترامب هذه الخطوة بلا شك، لكنه يتوقّع من نتنياهو أكثر من حركة رمزية. بعد مساعدته في حربه على إيران، يتوقّع منه تعاوناً فعلياً للتوصّل إلى اتفاق ينهي الحرب على غزة، وأخبر الصحافيين أنه سيكون "صارماً" معه بشأن ذلك، فـ"الأولوية القصوى للرئيس (الأمريكي) في الشرق الأوسط، الآن، هي إنهاء الحرب في غزة وإعادة جميع الرهائن"، حسبما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت.
قبل نحو أسبوع من لقاء نتنياهو الثالث بترامب، في غضون ستة أشهر، قدّمت الإدارة الأمريكية اقتراحاً لوقف إطلاق النار في غزة، يحظى بقبول إسرائيل، ولكن حركة حماس أبدت تحفّظات عليه. ينص الاقتراح على هدنة لمدة 60 يوماً، تفرج خلالها حماس عن عشر رهائن إسرائيليين أحياء و18 جثة، وتفرج إسرائيل في المقابل عن مجموعة كبيرة من المعتقلين الفلسطينيين، ولكن الأهم فيه هو أن الطرفين ينبغي أن يغتنما هذه الفرصة للتفاوض على إنهاء الحرب، مع تعهّد أمريكي قطري مصري بتمديد الهدنة لفترة أطول إذا تطلّب الأمر مزيداً من الوقت.
ترامب كان سعيداً بخبر ترشيح نتنياهو له لـ"نوبل للسلام"، ولكن لا يمكنه الاكتفاء بهذه "اللفتة"، ويريد من رئيس الحكومة الإسرائيلية تعبيد طريقه إلى هذه الجائزة عبر التوصّل إلى اتفاق ينهي الحرب على غزّة
تطالب حماس بإشراف الأمم المتحدة على إيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة واستبعاد "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة عن هذا الملف، كما تطالب بانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى مواقعه التي كان يتمركز فيها قبل انهيار وقف إطلاق النار في آذار/ مارس الماضي. أما الأساس فهو أن الحركة القلقة على وجودها تريد ضمانات أمريكية بأن إسرائيل لن تستأنف القتال من جانب واحد بعد انتهاء فترة الهدنة.
في المقابل، ترفض إسرائيل هذه المطالب، ولكنها توافق على إجراء "محادثات غير مباشرة" مع حماس، وأرسلت فريقاً تفاوضياً إلى الدوحة الأحد.
هوامش نتنياهو
لا يتمتع نتنياهو بهوامش واسعة للمناورة. فالوزراء اليمينيون المتطرفون في حكومته يهددون بالانسحاب منها بحال التوصّل إلى أي اتفاق لا يتضمن الإبقاء على احتلال كامل قطاع غزة. وهو نفسه كان قد تعهّد بعدم وقف الحرب قبل القضاء على حماس وليس من السهل عليه التراجع عن ذلك.
يعرف رئيس الحكومة الإسرائيلية أن الممكنات في الواقع لا تتوافق بالضرورة مع أحلام زملائه الأيديولوجية، فمنذ العام الماضي أبلغه مسؤولون عسكريون وأمنيون أن هدف إضعاف قدرة حماس على تهديد إسرائيل تحقّق، ولكن هدف الحرب الثاني، وهو إعادة الرهائن، لا يمكن تحقيقه إلا عبر اتفاق.
هذا السجال هيمن على اجتماع وزاري ترأّسه نتنياهو قبل مغادرته إلى واشنطن، وشهد مواجهة حامية بين رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زمير ووزراء يعارضون أي تسوية لا تتضمّن التدمير الكامل لحماس واحتلال غزة. وجّه لهم زامير سؤالين استنكاريين: "هل تريدون حكومة عسكرية [في غزة]؟ مَن سيحكم مليوني إنسان؟".
برأي زامير، المطلوب حالياً هو عقد صفقة للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين، لأن استمرار العمليات العسكرية من شأنه أن يعرّض للخطر حياة الـ20 الذين يُعتقد أنهم لا يزالون على قيد الحياة (من أصل 50)، في وقت تبقى الفائدة من إضعاف حماس بشكل أكبر غير واضحة.
في الوقت عينه، لا تخلو جعبة نتنياهو من الخيارات بحال أراد إنهاء الحرب. بعد الضربات التي وجهها لإيران ونالت رضا 82% من الإسرائيليين، يمكنه القبول بسقف حل لم يكن من الممكن القبول به قبل ذلك. "سياسياً، لن تكون لدى نتنياهو فرصة أفضل من تلك التي خلقها نجاح العملية ضد إيران، والتي سيتلاشى أثرها مع الوقت"، يقول الرئيس السابق لشعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي، الجنرال المتقاعد إسرائيل زيف. كما أن زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يعرض عليه توفير "شبكة أمان" لحكومته تضمن له الأغلبية البرلمانية في حال انسحب اليمين المتطرف من الائتلاف الحكومي.
إغراءات أمريكية
"يأمل المسؤولون الأمريكيون في تحفيز نتنياهو على قبول الاتفاق من خلال ربط إنهاء الحرب في غزة بإعادة ترتيب دبلوماسي محتمل في الشرق الأوسط، قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تطبيع العلاقات رسمياً بين الدول العربية وإسرائيل"، بحسب تقرير بعنوان "ماذا على المحك في لقاء نتنياهو وترامب في واشنطن؟" نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" ليل الاثنين.
ويرى التقرير أن "من شأن مثل هذا الإنجاز الدبلوماسي أن يساعد نتنياهو على تسويق اتفاق وقف إطلاق النار في الداخل الإسرائيلي، حيث يرفض شركاؤه في الائتلاف اليميني بشدة أي هدنة تُبقي حماس في السلطة".
من جانبه، يرى إسرائيل زيف أن بإمكان نتنياهو الآن "التوصّل إلى نوع من الاتفاق الإقليمي مع سوريا، وبدء مسار مع السعودية، واستعادة الرهائن، وهذا كله يمثل أكبر مكاسب يمكن أن يحققها قبل الانتخابات".
في كل الحالات، إذا صمد الائتلاف اليميني الحكومي حتى 27 تموز/ يوليو الجاري، وهو تاريخ دخول الكنيست في عطلة تستمر حتى 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، سيبقى نتنياهو في منصبه لمدة لا تقل عن ستة أشهر أخرى. فإذا تفكّكت الحكومة بعد عودة اجتماعات الكنيست، ستكون هناك فترة لا تقل عن ثلاثة أشهر قبل إجراء أي انتخابات.
"يأمل المسؤولون الأمريكيون في تحفيز نتنياهو على قبول الاتفاق من خلال ربط إنهاء الحرب في غزة بإعادة ترتيب دبلوماسي محتمل في الشرق الأوسط، قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تطبيع العلاقات رسمياً بين الدول العربية وإسرائيل"
ما هو سقف نتنياهو؟
يبدو أن نتنياهو لا يعارض إدارة الفلسطينيين لشؤونهم، ولكن بشرط أن تبقى الإدارة الأمنية بيد إسرائيل، فقد قال الاثنين من واشنطن للصحافيين: "أعتقد أن على الفلسطينيين أن تكون لديهم كل السلطات اللازمة لإدارة شؤونهم، ولكن لا يجب أن يمتلكوا أية سلطات يمكن أن تشكل تهديداً لنا"، مضيفاً: "هذا يعني أن بعض السلطات، مثل الأمن العام، ستبقى دائماً في أيدينا. لا أحد في إسرائيل سيوافق على غير ذلك، لأننا لا ننتحر".
وفي ما خصّ مستقبل حماس، أو بالأحرى مستقبل أعضاء حماس بعد حلّ تنظيمهم العسكري، يبدو أن إسرائيل لم تعد تصرّ على نفي كل كبار قادة التنظيم كجزء من اتفاق إنهاء الحرب، وصارت تقبل بطرد رمزي لعدد قليل من العسكريين البارزين منهم، حسبما أفاد باراك رافيد، في تقرير نشره موقع "أكسيوس" في 6 تموز/ يوليو الجاري، بعنوان "ترامب يأمل في التوافق مع نتنياهو بشأن إنهاء الحرب في غزة خلال الزيارة".
السبب وراء ذلك هو أنه "لم يتبقَّ الكثير من كبار مسؤولي حماس في غزة. لن نحتاج إلى سفينة كبيرة لنفيهم حتى قارب صغير سيكفي"، بحسب مسؤول إسرائيلي. كذلك، ستقبل إسرائيل بالعفو عن مئات المقاتلين من حماس إذا ألقوا سلاحهم.
الخط الأحمر الإسرائيلي والأمريكي أيضاً هو عدم تحوّل حماس إلى حالة تشبه حالة حزب الله في لبنان، بمعنى أن تدير حكومة مدنية قطاع غزة، ولكن تبقى حماس تنظيماً مسلّحاً قائماً ويعمل على إعادة بناء قدراته.
زيارة نتنياهو لواشنطن تستمر حتى يوم الخميس، وسيلتقي بنائب الرئيس جي دي فانس، ورئيس مجلس النواب مايك جونسون، ووزير الدفاع بيت هيغسيث. أما المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، الذي بدأ نتنياهو سلسلة لقاءاته في العاصمة الأمريكية به وبوزير الخارجية ماركو روبيو، فسيتوجه إلى الدوحة للمشاركة في المحادثات الجارية بين الإسرائيليين وحماس.
فهل يخرج الدخان الأبيض من العاصمة القطرية قريباً؟ التعقيدات لا تزال كثيرة جداً، ولكن ثقل ترامب في الملف قد يكون قادراً على حلحلتها، خاصةً إذا تزاوج مع تلقف عربي للحظة، فكل الاحتمالات الأخرى ليست وردية وإذا استعصى الحل قد يعود ترامب إلى هذيانه عن تفريغ غزة من سكانها وتحويلها إلى ريفييرا.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.