شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كيف تروّج دمشق لخضوعها للضغوط الأمريكية بوصفه انتصاراً
وطنياً أو دينياً؟

كيف تروّج دمشق لخضوعها للضغوط الأمريكية بوصفه انتصاراً وطنياً أو دينياً؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

الثلاثاء 22 أبريل 202503:21 م

تمارس الولايات المتحدة ضغوطاً سياسيةً على الإدارة السورية الجديدة، بقصد تطويعها وفق الشروط الأمريكية، وذلك من خلال إصدار بعض القرارات التي تعرقل مسار الدولة السورية على طريق نيل الاعتراف الدولي، بالإضافة إلى تصريحات بعض كبار المسؤولين الأمريكيين في قضايا عدة مثل أحداث الساحل، الإعلان الدستوري وصلاحيات الرئيس، الحكومة وضرورة تشكيلها على أسس ديمقراطية تشاركية، وخلفية الحكم الجديد الجهادية، وغيرها من الأمور.

الترغيب والترهيب

بعد سقوط نظام الأسد، في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024، تعاملت واشنطن مع الملف السوري بعدم اكتراث، في أسلوب يعتمد مبدأ الترغيب والترهيب للضغط على الإدارة السورية الجديدة، التي تحتاج إلى ختم أمريكي يُسهّل لها قضية الاعتراف الدولي ورفع العقوبات.

وبعد أكثر من 3 أشهر على تولّي إدارة الرئيس أحمد الشرع، سدّة الحكم في دمشق، قالت 6 مصادر مطلعة لوكالة "رويترز"، في 25 آذار/ مارس الماضي، إنّ الولايات المتحدة سلّمت لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، في اجتماع خاص على هامش مؤتمر المانحين لسوريا في بروكسل، وعبر نائبة مساعد وزير الخارجية الأمريكي ناتاشا فرانشيسكي، قائمة شروط تريد من دمشق الوفاء بها مقابل تخفيف جزئي للعقوبات، منها ضمان عدم تولّي أجانب مناصب قيادية في الإدارة الحاكمة، وتدمير سوريا لأيّ مخازن أسلحة كيماوية متبقية، والتعاون في مكافحة الإرهاب، وتعيين منسق اتصال لدعم الجهود الأمريكية للعثور على أوستن تايس، الصحافي الأمريكي الذي فُقد في سوريا منذ ما يزيد على 10 سنوات.

وفي 6 نيسان/ أبريل الحالي، أبلغت واشنطن البعثة السورية في نيويورك مذكّرةً تمّ تسليمها من خلال الأمم المتحدة، تنصّ على تغيير وضعها القانوني من بعثة دائمة لدولة عضو لدى الأمم المتحدة، إلى بعثة لحكومة غير معترف بها من قبل الولايات المتحدة.

وتضمّنت المذكرّة كذلك إلغاء التأشيرات الممنوحة لأعضاء البعثة من فئة G1، المخصصة للدبلوماسيين المعتمدين لدى الأمم المتحدة والمعترف بحكوماتهم في البلد المضيف، إلى فئة G3 التي تُمنح للمواطنين الأجانب المؤهّلين أممياً للحصول على سمة، من دون أن تكون الولايات المتحدة معترفةً بحكوماتهم.

وأشار متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، لقناة الجزيرة القطرية، في التاسع من نيسان/ أبريل الجاري، إلى أنّ الولايات المتحدة لا تعترف في الوقت الحالي بأيّ كيان كحكومة لسوريا، مع التأكيد على أنه لم يطرأ أي تغيير على امتيازات أو حصانات الأعضاء المعتمدين في البعثة السورية الدائمة لدى الأمم المتحدة.

هل من اهتمام أمريكي بالملف السوري؟

يقول الخبير السياسي باسل حوكان، لرصيف22، إنّ "ترامب يعدّ الموضوع السوري قضيةً سياقيةً وليست أولويةً، فهو ملتفت بالدرجة الأولى إلى الملف النووي الإيراني، أما الموضوع السوري فهدفه تحقيق رغبة إسرائيل وأولوياتها، ومطالب واشنطن تنضوي في هذا الإطار الخادم للمشاريع الإسرائيلية، أما القرارات الأمريكية الأخيرة، بالإضافة إلى تصريحات المسؤولين في واشنطن، وبرغم محاولة البعض التهرّب من تفسيرها، إلا أنها مؤشر واضح على عدم اعتراف أمريكي بالإدارة الجديدة برئاسة الشرع، وهذا سينسحب لاحقاً على الأوروبي والعربي، خصوصاً الخليجي، ما يعني مقتل الحكومة السورية ونهايتها".

تفرض الولايات المتحدة شروطاً قاسية على الإدارة السورية الجديدة مقابل الاعتراف الدولي وتخفيف العقوبات، أبرزها تدمير الأسلحة الكيماوية، التعاون بمكافحة الإرهاب، وعدم السماح بتولي أجانب مناصب قيادية. واشنطن توازن بين التهديد بالعزلة السياسية وإغراء فك الحصار، لكنها تتعامل مع دمشق ككيان مؤقت هشّ

بينما ترى الباحثة المتخصصة في الشؤون الأمريكية هديل العويس، في حديثها إلى رصيف22، أنّ "واشنطن تعدّ ملفات الشرق الأوسط، ومنها الملف السوري، مصدر تشويش لها عن الأهداف الرئيسية، خاصة المنافسة الإستراتيجية مع الصين وضبط العلاقات ومستقبلها مع الدول الأوروبية، وتالياً تحاول منذ زمن الابتعاد عن منطقة الشرق الأوسط ومنها الملف السوري بكل تعقيداته، ودونالد ترامب عبّر عن هذا الموضوع حين قال: لا نملك أصدقاء في الشرق الأوسط، وهي ليست معركتنا".

وتضيف: "في الوقت نفسه، هناك أشخاص دبلوماسيون مخضرمون في إدارة ترامب، مثل وزير الخارجية، يرون أنّ ما يحدث في سوريا لا يبقى بالضرورة ضمنها ويخرج عن السيطرة ويخرج عن نطاق الأراضي السورية، كما حدث حين خرج تنظيم داعش من سوريا والعراق، وكما تداعيات الثورة السورية حين تم تهجير الملايين وأُغرقت أوروبا ودول الجوار بأعداد كبيرة من السوريين، وكانت لهذا تبعات أمنية واجتماعية واقتصادية على كل الدول، لذلك هؤلاء يرون أنّ هناك ضرورةً بأن يكون هناك بحث عن حلول في سوريا كي لا تخرج الأمور عن نطاق السيطرة، وتضطر الولايات المتحدة إلى الانخراط في الملف السوري بشكل أكبر، كما اضطرت إلى الانخراط فيه حين شكلت الحملة الدولية لمكافحة تنظيم داعش بعد سنوات من محاولة أوباما الابتعاد عن سوريا".

وتتابع العويس: "من الواضح أنّ إدارة ترامب اليوم لا تتعمق في ما يحدث داخل سوريا وفي توجهات الإدارة الجديدة، أو في تفاؤل البعض بأن هذه الإدارة برغم أنها قادمة من خلفية جهادية لكنها تبدي مرونةً كبيرةً وتغييرات كبيرةً إذا قارنناها بخلفيتها، بل تذهب إدارة ترامب نحو الخطاب الشعبوي الذي يقول إنّ هذه الإدارة امتداد لهيئة تحرير الشام التي كانت أحد فروع تنظيم القاعدة وتحاكمها على هذا الأساس، وتقول إنها لن تغيّر هذا الموقف إلا إذا رأت فعلاً تغييرات وتحولات كبيرةً وجذريةً في الداخل السوري".

في السياق نفسه، يرى الناشط الحقوقي حسين شبلي، أنه "لو أردنا الإجابة وفق الفهم الكلاسيكي للسياسة الخارجية الأمريكية لقلنا بأريحية بأن الملف السوري ربما لا يمثّل قيمةً عاليةً سواء لأمريكا أو لإدارتها الحالية، لكن من يتابع السياسة الأمريكية يدرك أنها لا تستطيع التعامل مع الملفات بمعزل عن بعضها، فالدولة العظمى كلما تحركت خطوةً أفادت دولةً واستعدت أخرى، لذلك يمثل الملف السوري وفق هذا المنطق أحد المسننات في النظام الإقليمي الذي تعتزم خلقه في الشرق الأوسط. لكل ما سبق نشعر بعدم انخراط الأمريكيين في حل المشكلة السورية وتمهلهم، لأنّ ما تعمل عليه إدارة ترامب هو إعادة خلق الاصطفافات الدولية وفق منطق اقتصادي وإدارة كل منطقة من العالم كإقليم لديها فيه شركاء فاعلون تدير التوازنات بينهم بشكل يؤمّن مصالحها دون انخراط مباشر منها، لذا ما يُنتظر من أمريكا ليس وضع الملف السوري على النار الساخنة، فهو دون شك كذلك، لكن بدء ظهور النتائج، وهو أمر لا حلّ سحرياً له بل هو مرتبط بالمنطقة عموماً".

ويردف شبلي: "ما يبدو على الولايات المتحدة من تباطؤ في الملف السوري يعود لرغبتها في الاستفادة من الواقع السوري في ملفات أخرى، مثل مفاوضاتها النووية مع إيران ورغبتها في بقاء الشكل الحالي كسدّ في وجه أي رغبة إيرانية في استعادة نفوذها، فترامب لا يريد البقاء في سوريا إلى الأبد، لكنه قبل الانسحاب ينوي خلق سوريا مفيدة لمخططه، وأعتقد أن ترامب يتعامل مع سوريا في المقام الأول كجغرافيا لا كدولة، لجعلها حاجزاً بين نفوذ المراكز الإقليمية، وهي ايران وتركيا وإسرائيل والسعودية، ويتضح هذا من تأكيده لنتنياهو على ضرورة تفاهم أنقرة وتل أبيب في سوريا".

ماذا تريد أمريكا؟

تذهب الباحثة هديل العويس، إلى أنّ "المطلب الأساسي الذي تتحدث عنه الولايات المتحدة هو تشكيل حكومة تشمل كل السوريين وتكون تعدديةً وديمقراطيةً، مع التوجه إلى نظام يقبل بالانتخابات ويعطي السوريين الحقوق على أساس المواطنة ويعزز من استقرار سوريا ويمنح السوريين عقداً اجتماعياً يشعر الجميع من خلاله بالعدل، وتالياً لا تحدث حروب أهلية وصراعات داخلية مستقبلية من جديد تُصدر المشكلات إلى خارج الحدود السورية، وهذا لصالح السوريين، كما أنّ هناك مطالب أُخرى تصبّ في صالح إسرائيل، كعدم تفكير النظام السوري في أي طموحات توسعية أو جهادية تستهدف أمن إسرائيل، مع مراعاة عدم الإضرار بمصالح تركيا في سوريا من قبل إسرائيل".

تظهر الإدارة الأمريكية انقساماً داخلياً حيال سوريا؛ فالبعض يعتبر الملف السوري هامشياً أمام أولويات كبرى مثل الصين وإيران، بينما يحذر آخرون من تفاقم الفوضى الإقليمية إذا تُركت سوريا دون حلول.

بدوره، يؤكد حسين شبلي، أنّ "شروط أمريكا فيها المعلن وغير المعلن، ولا شك في أنها لا تشكل بمعظمها عائقاً أمام تطوّر العلاقة بين دمشق وواشنطن، بل إن حكومة دمشق حريصة على تحقيق أغلبها لمصلحة وطنية بحتة، فالرئيس الشرع أوضح منذ البداية رغبته في ألا تنخرط بلاده في أي صراع خارج حدودها، كما أن المراجعات الفكرية التي أجرتها هيئة تحرير الشام قبل تحريرها دمشق نابعة أصلاً من إدراكها لفشل تجربة الجهاد العالمي وانتقالها إلى ما يشبه النموذج الإسلامي الوطني للحكم المنفتح على الشراكة مع المكونات السورية كافة، وتحقيق مقدار ما من القبول الدولي والمعايير الدولية لما تعنيه دولة".

يضيف: "يبقى ملف المقاتلين الأجانب إشكالياً بين الطرفين، فالإدارة السورية تقاربه من منطلق اعتبارات محلية لما يمثّله من عامل قلقلة للوضع الأمني الهشّ، لذا تفضّل تأجيل التعامل معه وترى أنّ رفع العقوبات سوف يساعدها في ذلك، فلا استقرار أمنياً خصوصاً في ما يخصّ محاربة داعش دون تحقيق استقرار وتعافٍ اقتصادي، بينما لا تقبل واشنطن في هذا الملف أي حلول وسط، بل على عكس الإدارة السورية تستعجل البت ليس خدمةً للسوريين بل إنّ استعجالها نابع من حرصها على أمن إسرائيل".

عزلة أو تفاوض تحت الضغط؟

يرى حوكان، أنّ "الكلام عن العزل السياسي الدولي لسوريا مرتبط بأداء الحكم الجديد، وهذا منقسم إلى شطرين؛ الأوّل الرئيس أحمد الشرع والطاقم المحيط به وعلى رأسه وزير الخارجية والوزراء في الحكومة الجديدة، حيث يحاول هؤلاء الخروج من عباءة الأصولية الإسلامية بهدف إزالة مخاوف الغرب وأمريكا، أما الشطر الثاني فمجموعة الفصائل العسكرية ذات الرداء المتشدد السلفي، التي يصعب عليها تغيير عقليتها الجهادية، وهو ما يُنذر بتصادم بين هذين التيارين، وهنا تكمن المشكلة ونصبح أمام خطر تجدد حمام الدم، فالرئيس الشرع حالياً أمام خيارين، إما التناغم مع الفصائل وعدم قتالها ما يضعه أمام خطر العزل السياسي الذي سيفقده الدعم والاعتراف الدوليين ويُنهي مشروعه الذي أعلن عنه بعد سقوط نظام الأسد، أو سيحاول إيجاد حلّ لهذه الفصائل وتغيير موقعها من عقل الثورة إلى عقل الدولة، سواء بالحلول التوفيقية أو القتال".

وفي سياق متصل، تنبّه العويس، إلى أنه "حتى الآن ما تراه واشنطن لا يقود إلى كسر هذه العزلة السياسية التي تعيشها سوريا، بالطبع لا يمكن مقارنة هذه العزلة السياسية بتلك التي كانت في عهد بشار الأسد الذي برغم تطبيع الدول العربية مع نظامه إلا أنّ الولايات المتحدة لم تكن قد اقتربت بشكل كبير من كسر العزلة عنه أو التفكير في رفع العقوبات، لكن الآن الكل يرى في ما حدث عقب سقوط النظام فرصةً لأن تكون سوريا صديقةً للمجتمع الدولي وقريبةً من المحور الغربي، بعد أن كانت عدوّاً له منذ الحرب الباردة ثم حليفة لأنظمة معادية له وفتحت أبوابها لتكون قاعدةً عسكريةً لإيران. اليوم هناك فرصة لأن تخرج سوريا من هذه العزلة مقابل تطبيق ما تراه واشنطن أهدافاً وشروطاً تصبّ في صالح أمنها القومي وأمن حلفائها وأمن السوريين".

ومن زاوية أُخرى، يتحدث حسين شبلي، عن فرض عزل سياسي على سوريا. يقول: "من غير الممكن أن تذهب الولايات المتحدة إلى فرض شروطها على دمشق من خلال فرض عزلة دولية جديدة على الحكومة السورية لاعتبارات متعددة، أوّلها أنّ العالم كما قلنا يشهد إعادة اصطفاف دولي وبزوغ نظام دولي جديد وتوازنات إقليمية تديرها واشنطن لضمان مصالحها، والثاني أن سوريا نفسها في وضع مختلف عن وقت فرض العقوبات الأمريكية سابقاً، فالواقع الأمني أكثر هشاشةً والمشهد لم يستقرّ بَعد والوضع الاقتصادي للسوريين أكثر قتامةً وشبه محطم".

يرى متابعون للشأن السوري بأن الإدارة السورية الانتقالية برئاسة الشرع تواجه تحدياً مصيرياً يتمثل في "كيفية" الخروج من عباءة الجهادية وتبديد مخاوف الغرب دون خسارة دعم الفصائل المسلحة المتشددة. فإما الانفتاح على الغرب وتحمل صدام داخلي دموي، أو التناغم مع الفصائل وقبول العزلة الدولية ونهاية حلم الاعتراف

وللأسباب السابقة لا يعتقد شبلي، بأن الولايات المتحدة في صدد فرض حصار دولي على الإدارة الجديدة بل إنها تختصر الوقت وتفاوض تحت الضغط، فـ"واشنطن تدرك كما تدرك الإدارة السورية أن السوريين لا يرون في الشروط الأمريكية ما ينتقص من سيادتهم، لذلك هم لن يقبلوا أي تأخّر في تلبية شروط واشنطن المعلنة لمعرفتهم بأنّ أيّ تحسّن في الوضع المعيشي يبدأ من تخفيف عقوبات أمريكا على سوريا، وهذا للأسف سيترك الإدارة السورية ضعيفةً أمام ما هو غير معلن من الشروط الأمريكية والتي سُرِّب بعضها في الإعلام، كالتطبيع مع اسرائيل والقبول بتوطين الفلسطينيين الموجودين في سوريا، بل استقبال دفعات جديدة من فلسطينيي غزّة بهدف تصفية القضية الفلسطينية".

ماذا عن الحلول؟

ينطلق حوكان، في حديثه عن الحلول السورية لمواجهة الضغوط والشروط الأمريكية، من أنه "بدايةً يجب أن تبتعد الإدارة الجديدة عن التجريب، خصوصاً بعد عدم التوفيق الذي صاحب الحكومة المؤقتة السابقة وغياب التغيير الحقيقي ضمن الحكومة الانتقالية الحالية، التي لم تنَل حتى الآن قبول الغرب ولم تحقق متطلبات السوريين بالانتقال إلى مرحلة التنمية والإعمار، تالياً لا يوجد أمام الإدارة الجديدة سوى الانفتاح على الآخر، كُلّ الآخر، مع إعادة مؤسسات الدولة والاهتمام بالمؤسسة الأمنية وتأسيس جيش بعيداً عن الحالة الفصائلية التي لا تمتلك أي تجربة عملية وعلمية، وتعزيز القضاء الذي أصابه الشلل مؤخراً، والأهم تشكيل حكومة تكنوقراط بعيدة عن التمثيل الطائفي أو العرقي قائمة على التوافق بين القوى السورية مجتمعة دون تحاصص أو إقصاء يسهمان في زجّ كل الطاقات السورية في العمل، على أن تتكون من شخصيات لها علاقات داخلية وخارجية متميزة وتملك رؤية لمشاريع تنموية قادرة على أن تعتمد على الذات السورية وتنطلق من خلال الدعم الدولي، بالإضافة إلى كل ذلك يجب نزع المركزية الشديدة في الحكم التي خلقها الإعلان الدستوري".

أما العويس، فتعتقد أنّ الحلول السورية يجب أن تنطلق من نقطة أنّ "إدارة ترامب غير مقتنعة بفكرة الرئيس الشرع عن ضرورة انسجام الحكومة الحالية، أو أنّ من يدير ملفات الأمن القومي بكل تفاصيله محسوبون على هيئة تحرير الشام، أو جميع الحقائب السيادية في يد الهيئة، فهذا غير مرضٍ لواشنطن ولا ترى في ذلك تغيّراً إيجابياً في دمشق، فما تريده أمريكا، رؤية حكومة أكثر تنوعاً من الشكل الحالي الذي لم تبدِ معه واشنطن أي إيجابية، مع ضرورة أخذ دمشق خطوات منفتحةً عالية الصوت وليست خلف الكواليس، تتعلق بتأكيدها على عدم رغبتها في الانخراط في أي حرب خصوصاً مع إسرائيل، ويكون ذلك من خلال توقيع اتفاقيات، كما تريد واشنطن رؤية عدالة انتقالية واجتماعية في ما يتعلق برموز النظام السابق، بالإضافة إلى المتورطين في أحداث الساحل، وكل هذه المتطلبات تتطلب جهوداً كبيرةً وجريئةً من الإدارة الجديدة لكسر عزلة سوريا، وذلك في سبيل خلق علاقات مع أمريكا التي ستؤدي إلى رفع العقوبات عنها".

ويرى شبلي، أنّ الإدارة السورية تعي صعوبات النجاح في مهمتها في الحصول على اعتراف دولي نهائي ولا سيّما أمريكي، بغية رفع العقوبات وانطلاق قطار التعافي الاقتصادي دون تنازلات مؤلمة، لكنها في الوقت نفسه تدرك أنها ملزمة بتغليب المصلحة العامة وهو ما أشار إليه الرئيس الشرع، وسمّاه العبور من عقلية الثورة إلى عقلية الدولة، لذا لا سبيل إلى تحقيق توازن معقول بين الإملاءات الخارجية والمصالح الوطنية إلا بترسيخ أكبر قدر ممكن من التوافق الوطني والشرعية الداخلية للإدارة السورية لتتسلح بهما في أي تفاوض، ما يقلل الثغرات التي قد تنفذ من خلالها الدول الأجنبية لفرض إملاءاتها".

في النهاية، أوضحت جميع التجارب السابقة إقليمياً ودولياً أنّ أسهل وصفة لحل القضايا السياسية في الدول التي تشهد ثورات مثل سوريا، الإنصات إلى الصوت الداخلي وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة، عبر اتّباع نهج تشاركي بين جميع مكونات البلد الواحد، يضمن حقوق الجميع ويحدد واجباتهم تحت مظلّة وطن واحد لجميع أفراده تسود فيه مفاهيم الحرية والعدالة والكرامة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image