"عشتُ في خيمة في نادي خدمات جباليا، وهو أحد النوادي الرياضية، حيث مكان سكني قبل تكثيف القصف. بسبب الإعاقة وتدمير الطرقات في قطاع غزّة، لا يمكنني التجوّل، لكنّني علِمتُ بتدمير العديد من المنشآت الرياضية"؛ هذا ما يبوح به أحد أبرز الأبطال البارالمبيين في تاريخ الرياضة الفلسطينية، حسام عزام، بطل سباقات المضمار والميدان، لرصيف22.
جرحُ الحرب الإسرائيلية على غزّة وعلى لبنان، لم يقتصر على الخسائر البشرية والسياسة والاقتصاد فحسب، بل شمل الرياضة أيضاً. قد يبدو هذا المجال ترفاً أمام هول النزوح والقتل والدمار الذي خلّفته الحرب، لكن توقّف النشاط الرياضي في غزّة بشكل كامل، وتضرّره في لبنان لفترة ليست بالقصيرة، أسفرا عن مآسٍ إنسانية، ترتبت عن قطع الأرزاق والإجهاز على طموحات عدد كبير من الرياضيين.
في كتابه "جيوسياسيّة كرة القدم"، يوضّح الباحث الفرنسي باسكال بونيفاس، الارتباط الوثيق بين الرياضة والسياسة، مبرزاً كيف تشكّل كرة القدم، حسب تعبيره، عنصراً أساسياً في العلاقات الدولية المعاصرة. الوضع السياسيّ في لبنان وفلسطين أثّر بشكل كبير على القطاع الرياضي حتّى قبل اشتعال الحربين الأخيرتين.
في هذا التقرير، يمنح رصيف22، الكلمة للرياضيين المتأثّرين بالحرب في كلّ من فلسطين ولبنان، ويرصُد تأثير الحرب على الرياضة في البلدين، علماً بأننا كنا قد تناولنا سابقاً بعض الأضرار التي لحقت بالرياضة والرياضيين في البلدين، بما في ذلك مقتل وإصابة العديد من الرياضيين، وتدمير المنشآت الرياضية.
"إمكانية الوصول إلى صالات التدريب انعدمت بسبب الخوف من القصف العنيف. وفاة أفراد من عائلتي أثّرت عليّ من الناحية النفسية، إذ حطّمت الحرب أحلامي كرياضي، وعلى إرادتي للاستمرار في العطاء، وتحقيق إنجازات للرياضة الفلسطينية"، يقول البطل البارالمبي الفلسطيني حسام عزام، لرصيف22
الحرب على غزّة... إبادة رياضية؟
بعدما تزيّنت عنقه ببرونزية دورة سيدني 2000، والتي كانت أول ميدالية أولمبية في تاريخ فلسطين، وفضّية ألعاب أثينا 2004، كُبّلت أحلام حسام عزام الرياضية تحت القصف الإسرائيلي المتواصل. معاناته ليست جديدةً، لكنها تفاقمت، إذ يقول ابن مخيم جباليا: "الصعوبات كانت كبيرةً قبل الحرب، في ما يتعلّق بالسفر والتنسيق بسبب الحصار على القطاع. لكن منذ بداية الحرب في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تضرّرت الرياضة الفلسطينية في غزّة أكثر، من كل الجوانب، بسبب انعدام أماكن التدريب، والحالة النفسية المدمرة للرياضيين".
ويستطرد "رامي الجلّة" الفلسطيني، بحسرة: "إمكانية الوصول إلى صالات التدريب انعدمت بسبب الخوف من القصف العنيف. وفاة أفراد من عائلتي أثّرت عليّ من الناحية النفسية، إذ حطّمت الحرب أحلامي كرياضي، وعلى إرادتي للاستمرار في العطاء، وتحقيق إنجازات للرياضة الفلسطينية".
وبرغم بعدهم الجغرافي نسبيّاً عن القصف الإسرائيلي، لم يسلم الرياضيون من فلسطينيي الشتات، من أهوال الحرب الإسرائيلية. لاعب الجودو الفلسطيني، فارس بدوي، المقيم في ألمانيا، يرى أنّ الحرب لم تؤثّر عليه جسدياً، لكن تأثيرَيها النفسي والمادي كانا بالغين.
يضيف بدوي، لرصيف22: "لديّ أقارب في غزّة، وعندي التزامات مادية تجاههم. صار من الصعب الوفاء بها، لأنّ إمكانيات المنتخب الفلسطيني ضعيفة جداً، والحرب ضاعفت من هذه الأزمة المادية، لأننا قبل الحرب كنا نعتمد على دعم بعض الدول العربية مثل الجزائر، للتدريب وتمثيل فلسطين في المحافل الرياضية الدولية".
شظايا الحرب على غزّة وصلت إلى الضفة الغربية المحتلّة أيضاً، ولم يسلم رياضيوها من تبعات الحرب. العدّاء الفلسطيني المقيم في أريحا، محمد دويدار، يرى في حديثه إلى رصيف22، أنّ الحرب أثّرت بشكل كبير عليه نفسياً، لكنه يحاول السيطرة على مشاعره القاتمة، وتحويلها إلى حافز، لأنّ الرياضة، وفق تعبيره، وسيلة مقاومة ونشر رسائل إنسانية وسياسية.
ويضيف دويدار: "بسبب الحرب على غزّة، توقّفت المسابقات والدوريات المحلية في الضفة الغربية، كما أنّ لاعبي المنتخب الفلسطيني لألعاب القوى لم يعد في إمكانهم الاجتماع، بسبب نقاط التفتيش الإسرائيلية، إذ أصبح التنقّل بالنسبة للرياضيين، منذ بداية الحرب، يستغرق أحياناً يوماً كاملاً بسبب العراقيل التي تضعها السلطات الإسرائيلية. وهناك ملعب قانوني واحد فقط موجود في طولكرم، يصعب علينا الوصول إليه، لقربه من الجدار العازل، ويُمنع علينا التدرّب هناك".
في لبنان... اغتيال قرب الملعب
الرياضة في لبنان، في جزء منها، مرآة لوضعية البلد. عن ذلك، يقول الخبير في الرياضة اللبنانية، أحمد محي الدين، إنّ الرياضة لم تكن يوماً بمنأى عن الحروب التي يمرّ بها البلد.
برغم بعدهم الجغرافي نسبيّاً عن القصف الإسرائيلي، لم يسلم الرياضيون من فلسطينيي الشتات، من أهوال الحرب الإسرائيلية. لاعب الجودو الفلسطيني، فارس بدوي، المقيم في ألمانيا، يرى أنّ الحرب لم تؤثّر عليه جسدياً، لكن تأثيرَيها النفسي والمادي كانا بالغين
ويوضح محي الدين، في حديثة إلى رصيف22: "كرة القدم هي الأكثر تأثّراً لأن أغلب الفرق تتواجد في مناطق الاستهداف في الجنوب، والضاحية الجنوبية لبيروت. لكن يمكن اعتبار كرة السلة الرياضة الأقل تأثّراً إذ نذكر عام 2006، حين غادر المنتخب اللبناني لكرة السلة تحت أزيز القصف، وحقّق نتائج تاريخية في كأس العالم".
ويستطرد الصحافي الرياضي اللبناني: "استشهد بعض الرياضيين مثل مالك موسوي، ونجا نادي شباب الساحل من مجزرة، لأنّ ملعبه متاخم لمكان استهداف القائد البارز في حزب الله الذي اغتالته إسرائيل فؤاد شكر، كما استُهدف محيط الملاعب، وغادر اللاعبون الأجانب الدوري اللبناني".
عاش الرياضيون اللبنانيون لحظات عصيبةً خلال الحرب، وفق لاعب نادي العهد اللبناني، محمد حيدر، الذي يقول إنه عندما بدأ القصف على بيروت والضاحية الجنوبية: "أوقفنا التدريبات والتمارين مدّة شهرين. كنا قادمين للتو من المرحلة الاستعدادية للموسم، والتوقّف في هذه الفترة الطويلة كان له أثر سلبي كبير علينا كلاعبين. حتّى بعد العودة للتدريب، شكّلت خروقات الهدنة خطراً علينا. كل لاعب له أقارب استشهدوا أو دُمّرت منازلهم، أو زملاء في الفريق عايشوا هذه المأساة".
لم يقتصر أثر الحرب على النشاط الرياضي فحسب، بل كانت له تبعات اقتصادية فادحة، ويفسر الصحافي الرياضي محي الدين، الأمر بقوله: "الحرب ضاعفت من الصعوبات الاقتصادية التي عصفت بالأندية التي كانت تعاني حتّى قبل الحرب، إذ تعيش ما لا يقلّ عن 8،000 أسرة من وراء نشاط كرة القدم. توقّف النشاط الرياضي بسبب النزوح والقصف وعدم الأمان، قطع أرزاق العديد من الناس الذي يعتاشون من الرياضة في البلد".
هدنة الحرب وشعلة الرياضة؟
وفق من تحدّثنا إليهم في لبنان وغزّة، هناك حالة تعطّش إلى استعادة النشاط الرياضي لدى الرياضيين اللبنانيين والفلسطينيين عبر وقف دائم لإطلاق النار مع إنهاء الخروقات، على أمل أن يواصل هؤلاء الرياضيون استعداداتهم ونشاطهم بهمّة عالية، يعتريهم أمل في استدامة السلم من أجل تفادي انتكاسة وحرب جديدتين تعيدانهم إلى نقطة الصفر.
عن ذلك، يقول محمد حيدر، لرصيف22، إنه متفائل بـ"مستقبل زاهر للرياضة اللبنانية بعد الحرب"، عادّاً أنّ "نهوض الكرة اللبنانية رهين بعودة اللعب في ملاعب كبيرة ذات عشب طبيعي وتجاوز المشكلات الاقتصادية التي تؤثّر على اللاعبين"، مستدركاً بأنّ هناك "شغفاً كبيراً باللعبة في البلاد"، وبأنه "برغم كل الظروف السياسيّة، يُبلي المنتخب اللبناني البلاء الحسن في تصفيات كأس آسيا لكرة القدم، واستطاع نادي العهد إحراز وصافة كأس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم عام 2024".
ولدى سؤاله عن مستقبل الرياضة اللبنانية بعد الحرب، بدا محي الدين، أقل تفاؤلاً من مواطنه، لأسباب "موضوعية" على حدّ وصفه، إذ يرى أنه من الصعب استشراف مستقبل الرياضة في البلد ما لم يتحقّق الاستقرار الأمني والسياسي والمجتمعي، بسبب غياب سياسة رياضية واضحة، وإستراتيجية وطنية للنهوض بالقطاع.
على غرار الرياضة اللبنانية، يبدو مستقبل الرياضية الفلسطينية، خاصةً في غزّة، غامضاً. لكن رياضييها، في أرضها وخارجها، عازمون على الكفاح من أجل إعلاء الرياضة الفلسطينية، فور انتهاء الحرب، واستئناف النشاط الرياضي بشكل طبيعي
وعن الحلول للنهوض بالرياضة اللبنانية، خصوصاً بعد توقّف الحرب تماماً، يوضح محي الدين: "واجب الدولة هو إعادة النظر في تراخيص الأندية وغربلتها على أسس رياضية فحسب، والاهتمام بالمنشآت الرسمية وتنويعها، من خلال بناء مضمار لألعاب القوى في كل مدينة، فضلاً عن إنشاء أكاديميات وطنية لتطوير المواهب".
على غرار الرياضة اللبنانية، يبدو مستقبل الرياضية الفلسطينية، خاصةً في غزّة، غامضاً. لكن رياضييها، في أرضها وخارجها، عازمون على الكفاح من أجل إعلاء الرياضة الفلسطينية، فور انتهاء الحرب، واستئناف النشاط الرياضي بشكل طبيعي، وفق من تحدثنا إليهم.
"ليست هذه الحرب الأولى التي نعاصرها. الرياضيون الفلسطينيون قادرون على العودة وتحقيق إنجازات حال انتهاء الحرب. الأطفال الذين وُلدوا في الدمار هم استثمار أيضاً في مستقبل الرياضة الفلسطينية، ففواجع الحرب ستكون حافزاً لهم"، هذا ما يتوقّعه العدّاء محمد دويدار.
أما لاعب الجودو فارس بدوي، فهو أكثر واقعية وحذراً في تحليله لإمكانية نهضة الرياضة الفلسطينية بعد الحرب إذ يقول: "متفائل بعودة الرياضة الفلسطينية، برغم صعوبة الأمر، بسبب تدمير البنية التحتية الرياضية في غزّة وتضرّر النشاط الرياضي في الضفة الغربية. سيحتاج الأمر إلى وقت، لكن الحرب محفّز للأبطال من جهة، ومن جهة أخرى تسلّط الضوء على الرياضة الفلسطينية، وتحشد الدعم لها، من الداخل والخارج".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
diala alghadhban -
منذ يومينو انتي احلى سمرة
حاولت صور مثلك بس كان هدفي مو توثيق الاشياء يمكن كان هدفي كون جزء من حدث .....
ssznotes -
منذ يومينشكرًا لمشاركتك هذا المحتوى القيم. Sarfegp هو منصة رائعة للحصول...
saeed nahhas -
منذ يومينجميل وعميق
Mohamed Adel -
منذ أسبوعلدي ملاحظة في الدراما الحالية انها لا تعبر عن المستوى الاقتصادي للغالبية العظمى من المصريين وهي...
sergio sergio -
منذ أسبوعاذا كان امراءه قوية اكثر من رجل لكان للواقع رأي آخر
أمين شعباني -
منذ أسبوعهذا تذكيرٌ، فلا ننسى: في فلسطين، جثثٌ تحلق بلا أجنحة، وأرواحٌ دون وداعٍ ترتقي، بلا أمٍ يتعلم...