شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
هل تنتقص

هل تنتقص "العربعبريّة" من فلسطينيّة أهل الداخل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

يُفرَض على فلسطينيّي الداخل، تعلّم اللغة العبرية بدءاً من المرحلة الابتدائيّة، وفقاً لقانون التعليم الإلزاميّ، الذي أُقرّ عام 1953، حيث أُدرجت اللغة العبريّة كمادة إلزاميّة ضمن المناهج الدراسية المقرّرة للمدارس الفلسطينيّة في الداخل.

يجد الفلسطينيّيون أنفسَهم مضطرين إلى استخدام اللغة العبريّة في حياتهم اليوميّة، فيمتدّ تأثير اللغة الرسميّة الأولى إلى مختلف جوانب حياتهم، بسبب احتكاكهم المباشر بالإسرائيليّين في العمل والجامعات والمواصلات العامّة والمكاتب الحكوميّة وغيرها.

لسنا هم، ولا يمكن أن نكون هم. لذلك، لا ينبغي أن نستخدم لغة محتلّنا، ونصل إلى مرحلة التطبيع معها، حتى لا ننسلخ عن هويّتنا

لكن كيف تدخل العبريّة إلى أحاديثهم اليوميّة بين بعضهم البعض؟ وإلى أيّ مدى يعبّر استخدامها عن آرائهم السياسيّة؟ أو أنّ دمج مفرداتٍ واصطلاحاتٍ عبريّة في العربيّة المحكيّة، أمر طبيعيّ لدى البعض؟

أطلق البروفيسور محمّد أمارة، المتخصّص في علم اللغة الاجتماعيّ، على هذه الظاهرة، اسم "العربعبريّة"، في إشارة إلى الاستخدام المكثّف للعبريّة في الحياة اليوميّة لدى فلسطينيّي الداخل.

فكرة نمطيّة عن فلسطينيّي الداخل

"خلال لقاء تعارفيّ جمع فلسطينيين من الداخل، والضفة الغربيّة المحتلّة، والقدس، صُدمت عندما سألتني إحدى المشاركات: هل تتحدّثون العبريّة في ما بينكم في المنزل؟ ثمّ صُدمت مرّةً أخرى حين اقترح عليّ أحد المشاركين أن يقرأ لي النص، ظنّاً منه أنّني لا أستطيع قراءة العربيّة جيّداً"؛ تقول ريم (23 عاماً)، لرصيف22، وهي طالبة صحافة وإعلام من منطقة الجليل.

وتضيف: "أزعجني وجود أفكار نمطيّة وغير دقيقة حول فلسطينيّي الداخل. هذه المعتقدات تبعدنا إلى حدّ ما عن سائر أبناء شعبنا. ربما يظنّون أنّنا لا نتمكّن من فهمهم والتواصل معهم بشكل صحيح، لانّنا لا نتحدّث العربيّة السليمة. أعتقد أنّ هذه الأفكار، في النهاية، تخدم الاستعمار".

هل تُستخدم العبريّة بقرار واعٍ؟

"أشعر بالشّفقة تجاه الفلسطينيّين الذين يستخدمون العبريّة في عربيّتهم. وفي الوقت ذاته، أتساءل: إلى أيّ مدى يمكننا أن نستخدم كلمة "حاسوب" بدلاً من "محاشيف"؟ أو "مُكيّف" بدلاً من "مزچان"؟ نحن غير معتادين على استخدام هذه الكلمات بالعربيّة، وهذا يُشعرني بالحرج"؛ تقول آية (24 عاماً)، لرصيف22، وهي ممرضة في أحد مستشفيات تل أبيب.

ترى آية، أنّ اللغة العربية تُعبّر عن هوية الفلسطينييّن في الداخل، خاصةً أنّ اللغة العبريّة تحتلّ حيّزاً كبيراً في حياتهم. وتشدد على أنّ التمسّك باللغة العربيّة أمر في غاية الأهمية بالنسبة لها.

"في السابق، كنت أستخدم العبريّة كثيراً، لأنّني نشأت بين يهود، وعملت في أماكن تطلّبت منّي استخدامها، ما جعلني أدمجها في عربيّتي بشكل غير واعٍ. لكن اليوم، أسعى جاهدةً لئلّا أتحدّث بالعبريّة، فهي ليست لغتنا"، تضيف آية.

وتكمل: "لسنا هم، ولا يمكن أن نكون هم. لذلك، لا ينبغي أن نستخدم لغة محتلّنا، ونصل إلى مرحلة التطبيع معها، حتى لا ننسلخ عن هويّتنا".

تعريب العبريّة

يُعدّ تعريب مفردات من اللغة العبريّة ظاهرةً شائعةً، ناتجةً عن تأثير اللغة العبريّة على الحياة اليومية للفلسطينيّين في الداخل.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    والمقصود بتعريب العبريّة، تكييف الكلمات العبريّة وتعديلها لتتناسب مع النطق واللفظ في اللغة العربيّة. وقد يشمل ذلك تعديلات في لفظ الأحرف أو التصريف لتتلاءم مع السياق الثقافيّ واللغويّ لدى فلسطينيّي الداخل.

    على سبيل المثال، قد يستخدم البعض عبارة "بدي أزمِنْ"، للإشارة إلى طلب خدمة توصيل الطعام، وهي مأخوذة من الكلمة العبرية 'הזמנה' (هَزْمناه)، وتعني الدعوة أو الطلب.

    كما يستخدم كثيرون المفردة الشائعة "حبَّر"، أي اتّصل، وهي مأخوذة من الكلمة العبريّة 'חיבור' (حيبور)، وتعني الربط أو الاتصال.

    بحسب البروفيسور محمد أمارة، يختلف استخدام تعريب العبريّة من شخص إلى آخر، بناءً على مدى انخراطه في اللغة العبريّة، بالإضافة إلى وجود مفردات أصبحت ضمن الاستخدام العامّ مثل "محسوم" (وتعني الحاجز)، وتُجمع على وزن عربيّ: "محاسيم"، بدلاً من جمعها بالعبريّة: "محسوميم".

    لماذا يتحدث ابن يافا العبريّة؟

    بعد طرد أكثر من 95% من سكان يافا الأصلييّن، عام 1948، وضعت بلدية تل أبيب–يافا، مخطّطاً تهويديّاً لطمس هويّة المدينة العربيّة، فأطلقت على شوارعها أسماء عبريّةً (كأسماء قادة الحركة الصهيونيّة أو أسماء بعيدة عن الثقافة العربيّة). كما عملت على إخفاء الطراز المعماري للمدينة الفلسطينيّة، من خلال هدم جزء كبير من المباني القديمة، وكذلك هدم أحياء بأكملها، تماماً كما حصل مع مدن أخرى سُميّت في ما بعد بـ"المدن المختلطة"؛ أي التي عاش فيها بعد النكبة الفلسطينيّون والإسرائيليّون، مثل عكّا وحيفا واللد.

    عد تهجير سكّان مدينة يافا عام 1948، ظلّت فيها أقليّة عربيّة، وسط بحر من الإسرائيليين المتحدّثين بالعبريّة. وتالياً، اضطرّ اليافيّ، إلى أن يتعلّم الخطاب العبريّ واللغة العبريّة المعاصرة من أجل البقاء. لكن هذا لا يعني بالضرورة أنّ كل من تعلّم العبريّة فاقد هويّته

    "تمّ تهجير النُخب القويّة من يافا، في حين بقيت فيها الشرائح الضعيفة والكادحة، التي تعيش اليوم في ظروف اقتصاديّة وثقافيّة أدنى من تلك التي يعيشها اليهود في المدينة"، يقول بروفيسور محمد أمارة، لرصيف22.

    ويضيف: "اليوم، يصارع أهل يافا من أجل البقاء وتأمين لقمة العيش. وفي ظلّ التضييق عليهم، لم يتبقّ لهم مجال للتفكير في قضايا أخرى مثل الهويّة، التي قد تبدو بالنسبة لهم ترفاً".

    "يفرض عليّ الواقع، العيش في بيئة مختلطة، حيث الطبيب إسرائيليّ، وكذلك موظف البنك وبائع الخضروات. حتّى أنّ بعض المدرّسين الذين درّسوني كانوا من اليهود. وعليه، أتحدّث وابن يافا، العبريّة يومياً، بخلاف ابن الناصرة الذي قد يستخدمها مرّةً في الأسبوع. في يافا، حتى الطفل الصغير يتقن العبريّة"، يقول حليم (اسم مستعار، 30 عاماً)، لرصيف22.

    ويضيف: "على الرغم من أنّ العبريّة هي لغة الاحتلال، إلا أنّني لا أعتقد أنّ استخدامها يؤثر على هويّتي كفلسطينيّ. وفي الوقت ذاته، أرى أنّ استخدامها يمسّنا كمجتمع عربيّ. فالعبريّة أصبحت لغتنا الاقتصاديّة أيضاً. المحال التجاريّة تعتمد عليها، بدءاً من اسم المحل، وصولاً إلى قائمة الطعام. بينما باتت العربيّة لغةً هامشيةً؛ "لغةً منزليّةً".

    يعلّق الباحث في علوم الثقافة واللسانيّات، جاد قعدان، في حديثه إلى رصيف22، قائلاً: "بعد تهجير سكّان مدينة يافا عام 1948، ظلّت فيها أقليّة عربيّة، وسط بحر من الإسرائيليين المتحدّثين بالعبريّة. وتالياً، اضطرّ اليافيّ، إلى أن يتعلّم الخطاب العبريّ واللغة العبريّة المعاصرة من أجل البقاء. لكن هذا لا يعني بالضرورة أنّ كل من تعلّم العبريّة فاقد هويّته".

    هل للأكاديميّة الإسرائيلية دور؟

    "كان عليّ تعلّم العبريّة. إذ لم يكن ثمّة خيار آخر"، تقول سلمى (اسم مستعار، 22 عاماً)، من النقب.

    "قبل التحاقي بالأكاديميّة الإسرائيليّة، لم أكن أعرف كيف أتكلّم العبريّة. كنت الطالبة العربيّة الوحيدة في القسم. وكنت أخشى أن أُخرج القرآن من حقيبتي لأقرأ 'وردي اليومي'، بينما كان زميلي يقرأ التوراة بلا تردد"، تضيف في حديثها إلى رصيف22.

    وتتابع: "قرّرتُ أن أفرض هويّتي في المكان، فبدأت بإظهار القرآن أمامهم. وأصررت على أن يُطلَق البثّ باللغة العربية، من إذاعة قسم الإعلام في كلية 'سبير'، في غلاف غزّة".

    وفقاً للباحث إسماعيل ناشف، في كتابه "اللغة العربيّة في النظام الصهيونيّ… قصّة قناع استعماريّ"، فإنّ إسرائيل طوّرت ما يُعرف بـ"العربيّة الإسرائيليّة الصهيونيّة"، التي تتأثر بشكل عميق بالخطاب الإسرائيليّ المعاصر. وتُوظَّف هذه اللغة من خلال "وكلاء الثقافة"، مثل الأكاديميّة الإسرائيليّة، وجهاز التربية والتعليم.

    بعد أن أنهت سلمى (اسم مستعار)، دراستها وحصلت على درجة البكالوريوس، أصبحت تستخدم كلمات عبريّةً في عربيّتها على نحو يوميّ، حتى في أثناء عملها معلّمةً في إحدى المدارس العربيّة في النقب.

    يرى أمارة، أنّ استخدام اللغة العبريّة يشهد تراجعاً ملحوظاً بين الفلسطينييّن في الداخل، ولا سيّما وسط الجيل الشابّ الذي يُبدي نفوراً منها

    "في إحدى المرّات، قال لي أحد تلامذتي: 'فهمنا إنك بتعرفي عبري'، الأمر الذي أحرجني، فأنا لا أعرف المصطلحات الإعلامية باللغة العربيّة، لأنّني اكتسبتها باللغة العبريّة فحسب"، تقول سلمى، لرصيف22.

    وتلفت إلى أنّها عندما تستخدم مفردات بالعبريّة، يظنّ البعض أنّ ذلك نوع من التفاخر والاستعلاء. فغالباً ما يُنظر إلى من لا يتقن العبريّة على أنّه شخص غير متعلّم، على حدّ تعبيرها.

    العبريّة لغة الهيمنة

    تتكوّن كلّ لغة من ألسنة متنوعة، تختلف حسب السياق الزمنيّ والجغرافيّ. وتشمل هذه الألسنة المباني النحويّة، والصوتيّات واللهجات. و"يختلف لسان التوراة عن اللسان الذي استُخدم لدى قيام دولة إسرائيل، كما يختلف عن العبريّة المستخدمة في السنوات الأخيرة، والتي تتضمن أنماطاً تُعدّ بمثابة قوانين للهيمنة"، كما يوضح قعدان.

    ووفقاً للباحث أوري كوهن، في اللسان العبريّ الحديث، المستخدَم في الحياة اليوميّة، ثمّة ما يُعرف بـ"الصياغة الأمنية"، ويُقصَد بها أنّ اللغة والاصطلاحات والاستعارات المتداولة في الحديث اليوميّ مستوحاة من لغة المؤسسة العسكريّة، مثل التعبير الشائع "أنت قنبلة"، الذي يُستخدم عند الإطراء.

    يعلّق قعدان، على ذلك، قائلاً: "عندما نستخدم نحن العرب هذه العبارات، فإنّنا نتقمّص الفكر والمباني الإدراكيّة من ورائها. وقد يشكّل اللسان العبريّ الإسرائيليّ فخّاً ومصيدةً لمن يفتقر إلى الوعي الكافي، يخدمان مشروع المستعمِر".

    ويؤكد قعدان، على أهمية التمسك باللغة العربية، قائلاً: "لا شعب ينهض دون لغته الأمّ، والنهضة تتحقّق عندما نمارس وننتج المعرفة بلغتنا الأمّ".

    حالة نفور من العبريّة

    يلفت البروفيسور أمارة، إلى أنّ المجتمع الفلسطينيّ في الداخل، يشعر بتهديد مستمرّ لهويّته، كما هو حال بقيّة أبناء شعبه في الضفة الغربية وغزّة.

    "هذا الشعور بالتهديد، الذي بدأ بالتزايد في العقود الأخيرة، تفاقم في ظلّ حكومة اليمين. وتالياً، دفع الفلسطينيين إلى تعزيز رغبتهم في الحفاظ على هويتهم العربيّة والدفاع عنها"، يضيف أمارة.

    ويشير إلى أنّ الفلسطينيّين في الداخل، بدأوا يبرزون اللغة العربيّة كدرع يحمي هويّتهم. وقد أسهم ذلك في انطلاق حملات تهدف إلى تعزيز استخدام اللغة العربيّة، فأصبحنا نرى اللغة العربيّة حاضرةً بصورة أكبر على اللافتات وفي الشّوارع.

    ويرى أمارة، أنّ استخدام اللغة العبريّة يشهد تراجعاً ملحوظاً بين الفلسطينييّن في الداخل، ولا سيّما وسط الجيل الشابّ الذي يُبدي نفوراً منها. ويعود ذلك إلى الأوضاع السياسيّة والاجتماعيّة التي سادت المنطقة خلال السنوات الأخيرة، بجانب اعتقال مئات الشبّان وتطبيق سياسة تكميم الأفواه ضد فلسطينيّي الداخل خلال هذه الفترة، ما أدّى إلى تقوقع المجتمع الفلسطينيّ على نفسه ونفوره من الطرف الآخر.

    "في رأيي، إنّ حالة النفور الحاليّة بين الشعبين هي الأكبر منذ النكبة، بل قد تكون في بدايتها، ولم تتبلور بعد"، يضيف أمارة.

    ويختم قائلاً:"نحن نعيش في وضع سياسيّ حسّاس، ومن الضروريّ أن نُتقن العبريّة، كي نتمكّن من قراءة الطرف الآخر والتعاطي مع هذا الواقع. لكن ذلك لا يعني أنّنا نفقد هويّتنا مع هذه المعرفة".


    رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

    لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

    Website by WhiteBeard
    Popup Image