شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
من

من "الزريك" إلى "الكريب"… كيف أثّر الانفتاح على صحّة المائدة الموريتانية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الاثنين 17 مارس 202502:16 م

ينتظر الموريتانيون شهر رمضان، كل عام، لخوض رحلتهم مع العبادة وتقفّي أثر الأعمال الصالحة، رامين بذلك إلى قطف الحسنات ورضوان الله، فلهذا الشهر طابعه الخاص وعاداته وتقاليده المميزة، والمائدة جزء أصيل من هذا الاختلاف عن باقي شهور السنة.

مائدة رمضانية في موريتانيا.

مائدة رمضانية في موريتانيا.

غير أنّ المائدة الموريتانية الرمضانية شهدت، في السنوات الأخيرة، طفرةً نتجت عنها زيادة تنوّع الأصناف، كمّاً وكيفاً، بعد أن تأثّرت مثل باقي مناحي الحياة في البلاد بروافد عديدة، منها المطابخ المغاربية والمشرقية.

هذا التنوّع ترافقه العديد من التساؤلات عن مدى مناسبة هذه الأصناف الجديدة من الناحية الصحية، إذ عادةً ما ارتبطت الأطباق التقليدية بظروف الحياة في البلد الصحراوي في معظمه، وهو ما نناقشه في هذا التقرير.

في الماضي، كانت المائدة الرمضانية الموريتانية أشبه بلوحة فنية بسيطة، تتزيّن بألوان النقاء والروحانية، وبأطباق ومشروبات في مقدّمتها "الشنين" و"السخين" و"أطاجين" بأنواعه. كيف أصبحت الآن بعد التأثر بموائد ومطابخ البلدان المجاورة؟ وما هي التحدّيات الصحية التي فرضها ذلك؟

من "المذق" إلى "البطبوط"

في الماضي، كانت المائدة الرمضانية الموريتانية أشبه بلوحة فنية بسيطة، تتزيّن بألوان النقاء والروحانية. كان "المذق" أو "الزريك" أو "الشنين"، ذلك الشراب المنعش، نجم المائدة الرمضانية، إذ يروي ظمأ الصائمين بنكهته الحامضة الحلوة، وهو عبارة عن لبن رائب ممزوج بالماء يضاف إليه السكر، وقد يكون خاثراً أو خفيفاً بحسب الرغبة. ويُعدّ أيضاً بخلط اللبن غير الرائب مع الماء، يرافقه التمر أو البلح كحلوى طبيعية.

وأيضاً، هناك "النشا" أو "السخينة"، الحساء المغذّي الذي يدفئ الأجساد بعد يوم صيام طويل. و"النشا" هو حساء مصنوع من الذرة "الدخن" أو الذرة البيضاء أو الحِنطة أو القمح أو الشعير، ويُشرب "سادة" أو بإضافة الحليب. وكانت ولا تزال كؤوس الشاي الثلاثة، طقساً مقدّساً، تتخلّلها لحظات من التأمّل والسكينة.

بعد ذلك، يأتي "أطاجين" اللحم، سيد المائدة، ويكون تارةً باللحم الطري، وتارةً أخرى بـ"التيشطار" و"الودك". و"التيشطار" هو ذلك اللحم المجفّف الذي يحمل عبق الصحراء، ويُجفّف عن طريق وضعه على حبل وتركه أياماً حتى يجفّ تماماً، ثم يوضع في وعاء حافظ من جلد، وقد يُطحن فيصبح قديداً، ويكون جاهزاً للاستعمال، ويقدم "وَدك" (زيت) سنام الإبل مع "التيشطار" في الغالب، مع أطباق أخرى بالطبع.

مائدة رمضانية في موريتانيا.

مائدة رمضانية في موريتانيا.

وقد تنوّع "أطاجين" مع الزمن، فاليوم هناك "أطاجين الدجاج" و"أطاجين السمك"، ووجبة "بنافة" الشهيرة، وهي أطاجين من اللحم والبطاطا والبصل، وتقدّم "بنافة" مع الخبز الفرنسي الباغيت، أو وجبة "الفلكة"، وهي أطاجين من لحم فقار الإبل خاصةً، تضاف إليه حبّات من البصل والقليل من الملح، ويُطبخ من دون ماء في الغالب، لأنه سريع النضج، ويقدّم مع الخبز الفرنسي.

وبعد "أطاجين"، يأتي الدور على وجبة الكسكس المحلي، ويكون الكسكس مع اللحم والخضروات، أو وجبة الأرز بالطريقة المحلية، على اللحم والخضروات أو الدجاج أو السمك.

انفتاح على المطابخ الأخرى

السنوات الأخيرة شهدت انفتاح هذه المائدة على تنوّع أكبر، حيث تسلّلت إليها حلويات ومعجّنات وبعض المحاشي، منها المغاربي ومنها المشرقي ومنها ما هو غير ذلك، مثل "البطبوط" و"السمبوسك" والفطائر وصينية البطاطس والكريب وخلية النحل و"الكروكيت" و"الشباكية"، برغم أنّ الأخيرة كانت سابقةً على الأخريات.

@rose.gaz طريقة كروكت #نواكشوط_موريتانيا?? #شعب_الصيني_ماله_حل?? #اكسبلورexplore #شعب_الصيني_ماله_حل?? ♬ son original - Hanan bkr

وكذلك، أخذت شوربة "الحريرة" المغربية مكانها على المائدة الرمضانية الموريتانية برغم حضورها قبل طفرة المحاشي والحلويات، لكنها ترسّخت أكثر، هي وشوربة الخضروات واللحم المعروفة محلياً بـ"السوب". وتبعاً لذلك، أصبحت تُحضّر العصائر المتنوّعة في الإفطار الموريتاني، مع الاحتفاظ بالمشروبات التقليدية، ومن ذلك مشروب العنّاب أو "الكركديه"، المعروف محلياً بـ"بيصام"، ومشروب "تجمخت" الذي يُصنع من ثمرة شجرة "الباوباب".

ربما طرأ هذا التغيير نتيجة الانفتاح على الشعوب العربية والإفريقية الأخرى عبر القنوات الفضائية، أو شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي وقنوات اليوتيوب، حيث أصبحت المائدة الرمضانية ميداناً خصباً للتأثر بما يُعرض على هذه الوسائط عربياً وعالمياً.

أطباق رمضانية موريتانية

وفي البداية، كانت هذه المعجنات والحلويات والمحاشي والعصائر تُستجلب من المطاعم والمخابر والمحال المتخصصة التي يملكها بعض أعضاء الجاليات المغاربية والشامية في موريتانيا. لكن الموريتانيين قاموا لاحقاً بإعدادها في منازلهم، وأصبحوا يفضّلون ذلك، وصارت اليوم جزءاً من الحالة الاستعراضية على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يتمّ اليوم التباهي بالفطور على تطبيقات مثل "سناب شات".

"التنوّع الذي حصل أخيراً فعلاً في المائدة الرمضانية كان ينبغي أن يركّز على الكيف وليس على الكم، فضلاً عن تقليد الوجبات المفيدة والصحية، تلك التي تعتمد على السلطات أكثر والخضروات، لا المقلية والدسمة المليئة بالشحوم"

تحدّيات التنوّع الصحية

تقول خبيرة التغذية الموريتانية عربية سيدي إبراهيم أهنا، لرصيف22: "نقول في علم التغذية دوماً، إنه كلما كانت الأغذية التي يتناولها الإنسان قريبةً من الطبيعة وخالية من المرور على التصنيع والمواد الحافظة ونقية، تكون أفضل ويستفيد منها الجسم بشكل أكبر، وإذا لم يجد فيها فائدةً لن يكون منها ضرر".

تضيف أهنا، أنّ "الكثير من الأمراض المنتشرة راهناً سببها الأغذية المصنعة والمواد الحافظة ومراحل التكرير ومراحل الطحن وكل مراحل التصنيع باختلاف مسمياتها، فهي التي تؤثّر في التركيبة الغذائية للطعام الذي حين يُطحن يذهب بعضه، وحين يُقشّر يزول بعضه، وحين تُضاف إليه المادة الحافظة يحدث تغيّر في تركيبته".

مائدة رمضانية في موريتانيا.

كما تلفت إلى أنّ "الفطور الموريتاني القديم ضمن المائدة الرمضانية كان عبارةً عن تمر ونشا ومشروب الزريق الذي يُصنع من لبن الإبل أو الماعز أو البقر التي تملكها الأسرة. كانت تُصنع من ذلك اللبن الزبدة أيضاً التي تُتناول مع التمر، وكذلك النشا الذي يُصنع من محاصيل طبيعية مثل الشعير أو القمح أو الذرة، وكان فطوراً نموذجياً ومثالياً بالمعدّل الطبي الغذائي، حيث كان الصائم يحصل على السكريات من التمر والدهون من الزبدة والكربوهيدرات من النشا، وبعد ذلك يتناول اللحم الذي يحتوي على البروتينات. كان طعاماً مثالياً من الناحية الصحية".

وبينما تؤكد على تأثر المائدة الرمضانية الموريتانية بالمائدة المشرقية والمغاربية، تستدرك: "مع أنني مع التنوّع بدل السكون على وجبات معيّنة، خاصةً أنّ مطبخنا غير ثري، ويقتصر على اللحم والكسكس والأرز بأنواع الأكلات المكوّنة من هذه العناصر، وغياب السلطات في ثقافتنا، لكن لديّ تحفّظاً على طريقة التأثّر بالمطابخ الأخرى".

تشرح أهنا: "تجربتنا مع المطابخ الأخرى كان من الممكن أن تكون أفضل، مثل أن نحافظ على المستوى الصحي نفسه الذي ميّزنا، ونأخذ ما يناسبنا بدلاً من التركيز على أشياء غير صحّية. فقد استوردنا البطبوط على سبيل المثال، والكريب، وهي عبارة عن معجّنات من أبسط الكربوهيدرات التي يُفضّل تجنّبها قدر المستطاع".

@vaiza.lilabay طريقة البطبوط????? #موريتانيا?? #رمضان #نواكشوط_موريتانيا?? #اكسبلور #فايزة_للعباي ♬ الصوت الأصلي - فايزة للعباي

كما تتمنى لو أنّ "التنوّع الذي حصل أخيراً فعلاً في المائدة الرمضانية، كان ينبغي أن يركّز على الكيف وليس على الكم، فضلاً عن تقليد الوجبات المفيدة والصحية، تلك التي تعتمد على السلطات أكثر والخضروات، لا المقليّة والدسمة المليئة بالشحوم. فالشعوب التي نقلّد، تسعى دائماً إلى أن تكون وجباتها صحّيةً من حيث تركيبتها الأساسية، ومن حيث طريقة الإعداد، مثلاً اللحم مادة بروتينية تختلف حسب طريقة الإعداد، وتختلف قيمتها الغذائية إن كانت مشويةً أو مسلوقةً أو مقليةً، فالمادة هي نفسها لكن خصائصها تتغيّر حسب الطريقة التي تُعدّ بها. ففي الدول الأخرى، يحاولون تحسين وجباتهم من خلال طرائق الإعداد، أما نحن فقمنا باستيرادها دون التفطّن إلى صحة فائدتها أو ضررها".

نواقص مهمة للغاية

أطباق رمضانية موريتانية

وبنظرة أعمق إلى المائدة الرمضانية الموريتانية بين الماضي والحاضر، وبين الوفرة والندرة وتأثير الأطعمة على صحة الناس، وإلى النواقص فيها كذلك، تشدّد أهنا: "تكمن نواقص المائدة الموريتانية أساساً في غياب الفيتامينات والمعادن، مع حضور جيد نسبياً للبروتينات والكربوهيدرات والدهون، برغم عدم توافقها مع النسب الصحية. لكن بالنسبة إلى المغذّيات الأخرى مثل الفيتامينات والمعادن فهناك نقص كبير، وأنا كمختصّة نادراً ما أكتب لشخص فحصاً عن الفيتامينات والمعادن إلا وتشير النتيجة إلى وجود نقص كبير لديه فيها ولا سيّما الفيتامين د".

وتحذّر: "الموريتانيون لديهم نقص كبير في الفيتامينات الأساسية، وأحياناً يكون هذا النقص في فيتامين د، ليس بسبب عدم تناول الفيتامين في حد ذاته، بل أحياناً لتناول الشخص مكمّل فيتامين د، لكن تبقى لديه إشكالية نقص كوكتيل الفيتامينات الأخرى التي تساعد على امتصاص فيتامين د. فهي سلسلة مترابطة وغياب أحدها يؤثر على البقية".

بنظرة أعمق إلى المائدة الرمضانية الموريتانية بين الماضي والحاضر، وبين الوفرة والندرة وتأثير الأطعمة على صحة الناس، وإلى النواقص فيها كذلك، تشدّد أهنا: "تكمن نواقص المائدة الموريتانية أساساً في غياب الفيتامينات والمعادن، مع حضور جيد نسبياً للبروتينات والكربوهيدرات والدهون برغم عدم توافقها مع النسب الصحية"

وتوصي أهنا، الموريتانيين، بضرورة "دمج الفواكه والخضروات في مائدتهم اليومية، وكذلك إدخال الدهون غير المشبعة في غذائهم، مثل زيت الزيتون والمكسّرات والفول السوداني وغير ذلك"، والطريقة المثلى برأيها، هي الاعتماد على ما تُنبته أرضهم من ثمار حيث إنّ "هناك توازناً دائماً، فالثمار التي تنبت في أرضك فيها ما تحتاجه من فيتامينات ومعادن، فثمار الموسم الموجود في موريتانيا حين يتناول منها الشخص ثمرةً يومياً يحصل على المطلوب".

"الإشكالية بالدرجة الأولى هي غياب ثقافة التغذية الصحية عند الجميع، سواء القاعدة والقمة، فلا يوجد من يُلقي لها بالاً، وهي حجر زاوية مهم، فمريض السكري على سبيل المثال لا يُتابع نظامه الغذائي مع متخصص في التغذية. وعليه، هناك ضرورة لتضافر الجهود للتوعية حول أهمية التغذية الصحية ونشر الثقافية التغذية الصحية من قبل الدولة ومؤسساتها".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image