شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
مسرح رمضان الجماعي… ماذا يريد الله منّا؟

مسرح رمضان الجماعي… ماذا يريد الله منّا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والتنوّع

الخميس 13 مارس 202510:26 ص

تفرض "شخصية رمضان"، طابعها الخاص على عدد كبير منّا، لذا يجد البعض نفسه دون أن يشعر وهو يخلع رداءه الحقيقي ويتقمّص شخصيةً جديدةً بصفات أخرى تتناسب مع طبيعة هذا الشهر وخصوصيته، تجعله موضع تميّز بين أقرانه.

هذا التقمص لا يكون بسوء نية من الأساس، ولكنه فعل غير محسوب. لا يفكر الشخص قبل أن يبدأه في ما إذا كان قادراً على الاستمرار فيه لمدة شهر كامل، أو أنه سيتخلّى عن هذا الدور بعد أيام قليلة، ليكشف عن شخصيته الحقيقية التي ربما يحبّها الله ورسوله، ويحبّها أيضاً أقرانه.

خصوصية هذا الشهر وعدّه فرصة العام للدخول إلى الجنة والابتعاد عن النار، تجعلاننا نتخلى عن كل عاداتنا السيئة، وعن كل الذنوب التي اعتدنا القيام بها، وإن كانت لا تضرّ سوانا، أملاً في الفوز بالجنّة. هذا التخلّي عادةً ما يكون تخلّياً مزيّفاً، من الخارج فحسب، لا يقدر عليه الفرد إلا لبعض الوقت، ثم يعود إلى طباعه القديمة متخلّياً عن شخصيته الجديدة بعد أيام قليلة من التمثيل الذي لم يقنع الله، ولم يقنع أحداً من حوله.

ولأنه شهر التديّن، عادةً ما يكون شهر زحام، حيث الناس تتكالب (تتنافس) على التخلّي وإلقاء شوائبها وخطاياها بعيداً عنها، وكلّ منّا يلقي على الآخر نصيحةً وأمراً، وافعل ولا تفعل، والبس هذا ولا تلبس ذاك، وكُلْ بهذه الطريقة، وصلِّ في هذا المسجد ولا تصلِّ في ذاك، وهكذا حتى يمتلئ القلب بالأوامر والصراعات فيغلبه المرض والوهن.

"تفرض 'شخصية رمضان'، طابعها الخاص على عدد كبير منّا، لذا يجد البعض نفسه دون أن يشعر وهو يخلع رداءه الحقيقي ويتقمّص شخصيةً جديدةً بصفات أخرى تتناسب مع طبيعة هذا الشهر وخصوصيته، تجعله موضع تميّز بين أقرانه"


تقمّص بالإكراه

لم يختَر أحد من هؤلاء المتنصّلين من شخصياتهم، ما يحدث له مع بداية هذا الشهر، بل الحقيقة أنه يتمّ الزجّ بهم زجّاً دون أن يكون لهم رأي في ذلك أو حتى اختيار.

"هل ستدخلين الشهر الكريم دون حجاب هذا العام؟"، و"ألن تجعل رمضان بدايةً لالتزامك بالصلاة والصوم؟"، و"ألن تكفّ عن الخوض في سيرة الناس وتربط عليك لسانك؟"، و"دعنا نتنافس: كم مرةً ستختم القرآن؟"... إلخ.

ويأتي اليوم الأول، ويبدأ السباق وكأنه خروج عام على مسرح جماعي نستعرض فيه بعض الصفات التي ليست فينا، ولا ندري إن كنّا نؤديها بروح حقيقية سيقبلها الله، أو أنه يعرف أننا ننتظر "السوكسيه" والتهنئة الجماعية فقط، ثم نعود إلى الأرض متخلّين عن روحانياتنا السابقة التي ليست جزءاً حقيقياً منّا.

رأيت ذلك في الزميلة التي وضعت الحجاب العام الماضي، مع بداية رمضان، وهي تأمل أن يكون بداية صلاحها، وأنا أعرفها وأندهش! تبدأ بالمواظبة عليه، وعلى الصلاة وتأدية صلاة التراويح مع قريناتها في المسجد، ولكن لا يأتي ختام الشهر الكريم حتى تكون قد تخلّت تماماً عن الحجاب ثانيةً، وعادت إلى حالتها السابقة.

لا أعرف من الذي جعلها تربط بين رمضان والحجاب، ومن الذي فرضه على تفكيرها ولو من باب الإلحاح، وكأنها من دون حجاب لا تستطيع الصلاة، ولا تستطيع الذهاب لأداء صلاة التراويح، وكأنها من دون غطاء للرأس لن يُقبل منها صيام، ولن تنال رحمة الله. ولكن في الحقيقة هذا ما يقوله الجميع. على المظاهر أن تكون كاملةً حتى يصفّق لك الآخرون ويعدّوك من المرضيّ عنهم. وإلى الآن لا أفهم لماذا ينتظر الكثير منا تصفيق الآخر واقتناعه!

التغيّر مع بداية هذا الشهر لا يكون فقط من خلال الصلاة والقيام وارتداء الحجاب، ولكن من خلال لغة الحديث. يتحول الشخص إلى مردد لبعض جمل الاستغفار والتوبة والدعاء في وقتها وفي غير وقتها. وهو يرددها فحسب، ويلزمك عندما يراك بأن تقول مثله وتكرر الكلمة 100 مرة على الأقل، حتى تنال الثواب وتُكتب لك حسنة. تنظر إلى رفيقك وأنت تتذكر كيف كان قبل أيام قليلة ضحوكاً، ويتحدث بطلاقة وتلقائية حتى أنه يسبّ من يستحق إن لزم الأمر، وعندما تذكّره بذلك تأتي جملته المبرّرة: "إحنا في رمضان... نسيت!".

"من يفضّل الله: شخصية حقيقية وسطية تخطئ وتصيب، تعبث وتلتزم، أو شخصاً أرغم نفسه على طاعته لفترة من الوقت للحصول على إرضاء الناس في المقام الأول؟"

شراهة العودة

ولأنّ الامتناع والتخلي يكونان بإفراط غير حقيقي، تكون العودة بشراهة وغير متّزنة، وكأنّ الشخص يريد أن يعوّض ما فاته، ويشعر في داخله بعدم قدرته على الاستمرار ورغبته في العودة إلى طريقه السابق وإن كان على خطأ.

قريبة لي قررت، وبشكل تام، أن تتخلى عن التحدث مع حبيبها عبر التلفون خلال شهر رمضان، لأنها كما عرفت لن يُقبل منها صوم إن فعلت ذلك، وبالفعل استطاعت أن تتغلب على نفسها وتقاوم، ولم تكلّمه في أوّل أسبوعين من رمضان، ولكنها بعد ذلك خافت على علاقتهما، وعادت للتحدث معه بشراهة غير مسبوقة، وبدلاً من ساعتين مثلاً في اليوم، أصبحت تكلمه 4 و5 ساعات متواصلة ليلاً، ونسيت حتى ما كانت قد صممت عليه في بداية الشهر، وأكدت أنها لم تكن على قدر الرهان الذي أخذته.

هل يريد الله عباداً مثاليين، لا يخطئون، ويقومون بكل شيء بدقة متناهية ودون أي تقصير؟

تلك الواقعة ليست الأولى ولا الأخيرة، ولكنها فقط دليل على أّنّ الشخص الذي يبتعد تماماً ودون تمهيد واقتناع، عمّا اعتاد عليه ويقوم به في أيامه العادية، لا يستطيع أن يواصل إجبار نفسه على التخلّي ولو بغرض الاقتراب من الله، ففي ذلك أيضاً يجب أن يتأمل، ويعتاد، ويتدرج في اتخاذ أي قرار وأي خطوة.

تلك الفجوة الواسعة بين الشخصية الحقيقية والشخصية الرمضانية تظهر عادةً قبل أن ينتهي الشهر أو بمجرد انتهائه، فيعود الإنسان إلى ما كان عليه، ويقوم بكل ما كان يفعله سواء كان طيباً أو سيئاً، والسؤال هنا: من يفضّل الله: شخصية حقيقية وسطية تخطئ وتصيب، تعبث وتلتزم، أو شخصاً أرغم نفسه على طاعته لفترة من الوقت للحصول على إرضاء الناس في المقام الأول؟

هل يريد الله عباداً مثاليين، لا يخطئون، ويقومون بكل شيء بدقة متناهية ودون أي تقصير؟ يصومون طوال العام، ويقومون الليل، ويستغفرون ليلاً ونهاراً؟ هل يريدنا أن نكون مزيّفين؟ مهددين طوال الوقت من الطرد من جنّته، إن كنا نعيش في حالة وسطى بين هذا وذاك، بين طاعته ومعصيته، بين فعل حسن في النهار يعقبه فعل خطأ في الليل؟ هل يريدنا أن نتذكره بقلق في رمضان فحسب، ونقف على أطراف أصابعنا ونخرج من ذواتنا إلى ذوات أخرى لا تشبهنا في محاولة غير ناجحة لنصبح ملائكةً؟ ماذا يريد الله منّا؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image