شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
مثّلت في

مثّلت في "آدم وحواء" وكسرت الحاجز بين المرأة الإيرانية والمسرح… لالا طِريان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة نحن والنساء

الثلاثاء 18 فبراير 202501:35 م

صفحات التاريخ الإيراني مليئة بأسماء نساء عظيمات، كان لكل منهنّ إرث وتأثير دائم في الفن أو العلم أو الثقافة أو السياسة، إلا أنّهنّ بقين محرومات من الشهرة. نساء شجاعات وذكيات ومنسيّات، لم يكن دافعهنّ الأوحد وهدفهنّ الوحيد، إلا مواصلة عملهنّ الثقافي والفني والتوعية الثقافية والاجتماعية.

ومن بين هؤلاء النساء العظيمات، يمكن ذكر "وارتو طِريان"، الملقّبة بـ"لالا"، ويمكن عدّها أولى السيدات المشاركات في المسرح الإيراني. لالا المنحدرة من أصل أرمني، تألّقت في وقت كانت فيه بذور الفنون المسرحية في إيران في طور التشكل، ولم يكن خلاله مسموحاً للنساء بالتمثيل على المسرح فحسب، بل كان تواجدهنّ محظوراً حتى بين جمهور المسرح، وكان مكانهنّ الوحيد تقريباً هو المطبخ. في تلك البرهة، ظهرت لالا طِريان، على خشبة المسرح الإيراني، لأول مرة.

فترة الشباب والتعاون مع "جمعية محبّي المسرح"

وُلدت فارتو آقايانس (طريان)، في عام 1896، لعائلة أرمنية في مدينة تبريز شمالي غرب إيران، وكان والدها بغلر آقايانس، مصوّراً مشهوراً في العصر القاجاري. كانت فارتو لا تزال شابةً صغيرةً عندما انتقلت إلى طهران مع عائلتها، حيث أكملت تعليمها في مدرسة هايكازيان (مدرسة أرمنية في إيران أُغلقت عام 1946). بعد تخرّجها من المدرسة، ذهبت إلى سويسرا، ودرست المسرح والكتابة المسرحية وفنّ الخطابة، ثم عادت إلى إيران عام 1911، وأصبحت عضواً في "جمعية محبّي المسرح"، التي تأسست في طهران عام 1881، على يد أحد أوائل المخرجين والممثلين الأرمن في المسرح الإيراني، هاروطون ماردیروسیان.

صفحات التاريخ الإيراني مليئة بأسماء نساء عظيمات، كان لكل منهنّ إرث وتأثير دائم في الفن أو العلم أو الثقافة أو السياسة، إلا أنّهنّ بقين محرومات من الشهرة. من بين هؤلاء النساء العظيمات، يمكن ذكر "فارتو طِريان" أو "لالا"

خلال سنوات عضويتها في هذه الجمعية، تعرفت فارتو إلى العديد من الأشخاص الناشطين في مجال المسرح الإيراني، وكانوا بغالبيتهم من الأرمن. وبين هؤلاء الأشخاص تعرفت إلى شخص يُدعى آرتو طريان، المعروف باسم آريازَن أو آريازاد، وهو ممثل ومخرج مسرحي، وانتهى هذا التعارف إلى قصة حب وزواج، وشكلت معرفتهما وزواجهما بداية فترة فنّية غزيرة ومتألقة في إيران، حيث تم اتخاذ الخطوات الأولى لدخول المرأة في الفنون المسرحية.

شكّل آرتو في عام 1921، مع العديد من الشباب المتعلمين المهتمين بالفن والثقافة، فرقةً مسرحيةً، وقاموا بإخراج وتقديم أوبريت "بري شهر وبري زاد" (بالفارسية: پریشهر و پریزاد)، التي كتبها المؤلف والشاعر الإيراني الكبير رضا كمال. وخلال عرض هذه المسرحية، صعدت مغنّية الأوبرا والممثلة الإيرانية بري آقابابوف، ووارتو طريان، على خشبة المسرح لتقديمها. وكانت هذه المرة الأولى التي تلعب فيها امرأة دوراً في مسرحية في إيران.

حظيت مسرحية "بَري شهر وبَري زاد"، بإقبال كبير من أهالي طهران، وبعد هذا عُرضت في مدينتَي رشْت وأنزَلي الشماليتين، كما تمّ عرضها للمرة الثانية في فندق "غراند أوتيل" في طهران، وحينها أهدى رضا كمال، هذه المسرحية، إلى بَري آقابابوف، التي لعبت الدور الرئيس في هذه الأوبريت، وذلك لأدائها الفريد. وبعد ذلك بقليل، أهدى مسرحيته الأخرى "الأرض الذهبية" (بالفارسية: زردشت)، إلى وارتو طريان، وبعدها اختارت وارتو اسمها الفني "لالا".

في العام نفسه، أسس آرتو طريان، بالتعاون مع الكاتب المسرحي الإيراني الموهوب حسن مقدم، والسياسيَّين عبد الحسين تيمورتاش، وعلي أكبر، والسياسي والمؤلف والشاعر ذبيح بهروز، مركز "إيران الشابة" الثقافي، وقد سمح مدير هذا المركز، تيمورتاش، للنساء بالدخول. كان هذا المركز أحد الأماكن التي كانت ترتادها وتغني فيها المغنية الأكثر شهرةً في إيران آنذاك، قمر الملوك وزيري، التي صعدت على خشبة المسرح من دون حجاب لأول مرة، في 29 آذار/مارس 1922، وبعدها مثلت لالا طريان (فارتو)، في إحدى مسرحيات هذا المركز.

"آدم وحواء"... أوّل تجربة إخراجية

في أوائل القرن العشرين، تعاونت مجموعات مختلفة، بما في ذلك الرجال المثقفين، والفنانين/ات من الأقليات الدينية، على أمل تعزيز دور المرأة في المجتمع وزيادة الوعي، في زمن كان فيه وجود المرأة في الأوساط الترفيهية والفنية لا يزال محظوراً، وكان تمثيل المرأة على المسرح مستحيلاً. وخلال تلك الفترة، توصلت الصحافية والناشطة في مجال حقوق المرأة نور الهدى منكنه، إلى فكرة جريئة، هي: إقامة عروض نسائية لجمع الأموال وإنفاقها في سبيل محو الأمية لدى النساء.

لالا" امرأة من أصل أرمني، تألّقت في وقت كانت فيه بذور الفنون المسرحية في إيران في طور التشكل، ولم يكن خلاله مسموحاً للنساء بالتمثيل على المسرح فحسب، بل كان تواجدهنّ محظوراً حتى بين جمهور المسرح

في تلك الفترة، كانت وسائل الترفيه، مثل الذهاب إلى المسرح والسينما، محظورةً على النساء، لذلك عرضت نور الهدى، منزلها الأرستقراطي الكبير الواقع في طهران، لإقامة هذه العروض، وبالطبع، بعد أخذ الإذن من شرطة طهران، وبشرط أن يطلَق على البرامج اسم "حفل زفاف"، ولذلك طبعت بطاقات دعوة وأرسلت البعض منها إلى زوجات قادة الشرطة. تكفلت نور الهدى، شخصياً، بتغطية جميع النفقات، من بناء المسرح والديكور إلى الإضاءة بمصابيح الزيت واستضافة الضيوف. ومن أجل تقديم المسرحية، استعانت بِفارتو طريان، التي كانت مشهورةً بين النساء الرائدات في ذلك الوقت. حينها، تولت فارتو، بجانب ممثلات أخريات، مسؤولية الأداء في المسرحية التي أخرجتها فارتو، وكانت أول تجربة إخراجية لها. لقد بذلت هذه المجموعة المحترفة جهداً كبيراً، دون أن تتلقّى أيّ أجر.

عُرضت هذه المسرحية تحت عنوان "آدم وحواء"، التي ألّفها الشاعر والصحافي الإيراني ميرزاده عشقي، في الثاني من أيار/مايو 1924، الموافق لـ27 رمضان 1342 هجري، وبالنظر إلى الاتجاهات الفكرية لميرزاده عشقي، ونشاطاته في الدفاع عن حقوق المرأة ومعارضته الحجاب، يمكن التخمين بأنّ محتوى المسرحية كان انتقاد الحجاب والدعوة إلى حرية المرأة.

وفي إحدى ليالي العرض، جاءت السيدات إلى منزل نور الهدى، وحجزن أماكنهنّ بأسعار تتراوح بين تومان واحد إلى ثلاثة تومانات، حسب مكان جلوسهنّ. وبعد أن استقررن في أماكنهنّ كالمعتاد، عُرض الفصل الأول بشكل جيد، ولكن في الفترة الفاصلة بين الفصلين، أمر قائد الشرطة الذي علم بأمر المسرحية، بإغلاق العرض على الفور، واقتحمت قوة الشرطة منزل نور الهدى، وأجبرت النساء على مغادرته. وبرغم أنّ النساء قاومن في البداية، إلا أنهنّ أُجبرن في نهاية المطاف على مغادرة البيت لتجنّب العواقب المحتملة.

بالرغم من أنّ تلك الليلة انتهت بمرارة، وأصبحت نور الهدى، هدفاً للهجمات اللفظية في بعض المساجد، إلا أنّ عائدات العرض تم إنفاقها على إقامة فصول محو الأمية لدى النساء، ولاقت هذه الفصول استحساناً وإقبالاً كبيرَين من قبل السيدات.

بعد "آدم وحواء"، واصلت لالا، التمثيل في العديد من المسرحيات، وتألّقت على مسارح مختلفة.

بالإضافة إلى التمثيل وإخراج المسرح، ألقت فارتو، الشعر في مركز إيران الشابّة وجمعية باربَد (أول أكاديمية مسرحية في إيران)، وكانت قد تعلّمت فنّ الخطابة في سويسرا، كما كانت ماهرةً بشكل خاص في إلقاء الشعر، وبفضل إتقانها الشعر الفارسي، كانت تلقي قصائد الشعراء الإيرانيين الكلاسيكيين بأفضل طريقة ممكنة، وقد قامت بتدريس هذا الفن، بالإضافة إلى اللغة الفرنسية، للشباب في مدرسة دار المعلمات في طهران.

توفيت فارتو آقايانس، المعروفة بوارتو طِريان أو لالا، في عام 1974.




رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image