شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
محاصرون بالسدود... كيف أضرّت اتفاقيات المياه مع الجيران بالدول العربية؟

محاصرون بالسدود... كيف أضرّت اتفاقيات المياه مع الجيران بالدول العربية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

السبت 15 فبراير 202510:04 ص

تواجه دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أزمة ندرة الموارد المائية فيها. ويعيش نحو 60% من سكان هذه المنطقة، في بقاع شديدة الإجهاد المائي. ووفقاً لتقارير حديثة، حذّر المعهد الدولي لإدارة المياه، من أنّ التغيّرات المناخية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ستتسبّب في مزيد من الإجهاد المائي في السنوات المقبلة.

كمحاولة لحلّ مشكلة نقص المياه، اتجهت العديد من الدول العربية، في العقود الأخيرة، نحو عقد اتفاقيات تقاسم المياه العذبة مع جيرانها، فما هي تلك الاتفاقيات؟ وما هي أهم البنود التي وردت فيها؟ وكيف ارتبطت تلك الاتفاقيات بالأوضاع السياسية والاقتصادية؟

السدود

اتفاقية المياه بين العراق وتركيا

وقعت العديد من الخلافات بين أنقرة وبغداد، حول تقسيم مياه نهرَي دجلة والفرات، فكما هو معروف، ينبع النهران من تركيا، ويجريان لمسافة طويلة في البلدين، قبل أن يصبّا معاً داخل الأراضي العراقية. ترفض تركيا الاعتراف بالصفة الدولية للنهرَين، وتؤكد أنهما نهران تركيان بامتياز، بسبب أنهما ينبعان ويتغذيان ثم يجريان عبر الأراضي التركية. 

على الجانب الآخر، تستند وجهة النظر العراقية، إلى تعريف الأمم المتحدة الذي يقول إنّ النهر الدولي هو "المجرى المائي الذي تقع أجزاء منه في دول مختلفة"، وبموجب هذا التعريف، يصبح نهرا دجلة والفرات دوليَين، وتالياً يكون من حقّ العراق مشاركة مياههما مع الجار التركي.

في سنة 1946، عقد العراق مع تركيا معاهدة صداقة وحسن جوار، أُلحقت بها ستة بروتوكولات؛ تضمّن البروتوكول الأول عدداً من القواعد المنظمة للانتفاع بمياه نهرَي دجلة والفرات وروافدهما. 

فيما بعد، اتفق البلدان على عدد من البروتكولات المشابهة في سنوات 1972، و1980، و2021، على الترتيب، وبرغم ذلك بقيت مشكلة المياه قائمةً، ولم تُحل.

في نيسان/أبريل من سنة 2024، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، توقيع اتفاقية بشأن إدارة الموارد المائية بين البلدين. بحسب البيان الصادر عن وزارة الخارجية التركية، ستمتدّ الاتفاقية لمدة 10 سنوات، وتهدف إلى "تطوير سبل التفاهم والتعاون في قطاع المياه، على مبدأ المساواة والنوايا الحسنة وحسن الجوار، ووضع رؤية جديدة لتنفيذ مشاريع البنى التحتية والاستثمارية للموارد المائية في العراق، واعتماد رؤية تهدف إلى تخصيص عادل ومنصف للمياه العابرة للحدود...". 

في العام 2024، أعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، توقيع اتفاقية لإدارة الموارد المائية بين البلدين. وقوبلت معظم بنودها برفض من قِبل بعض الخبراء العراقيين، الذين رأوا أن فيها "ضبابية كبيرة"، وأنها صيغت بالطريقة التي تتناسب مع ما يسعى إليه الجانب التركي

تضمّن الاتفاق أيضاً، دعوة شركات تركية للتعاون في البنى التحتية لمشاريع الريّ، وتنفيذ مشاريع تبادل الخبرات واستخدام أنظمة وتقنيات الريّ الحديثة.

على الرغم من الترحيب الرسمي بالاتفاقية، قوبلت معظم بنودها برفض من قِبل بعض خبراء الحدود والمياه الدولية العراقيين، الذين رأوا أنها غير واضحة المعالم، وفيها "ضبابية كبيرة"، كما أنها صيغت بالطريقة التي تتناسب مع ما يسعى إليه الجانب التركي، للتهرّب من اتفاقية الأنهار والمجاري غير الملاحية، فضلًا عن أنها -أي الاتفاقية- لم تحدّد نسبة أو كمية المياه التي يتم إطلاقها إلى العراق.

السدود

"اتفاقية عنتيبي"... بين دول حوض النيل

نُظّمت حصص المياه التي تحصل عليها دول حوض النيل، بموجب العديد من الاتفاقيات التي عُقدت في أوقات متفرقة من القرن العشرين. من أبرز تلك الاتفاقيات، اتفاقية سنة 1902، وسنة 1929، وسنة 1959. بموجب تلك الاتفاقيات، مُنحت مصر 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل، فيما تم تخصيص نسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان.

وفي أيار/مايو سنة 2010، اشتعل الجدل حول تلك الاتفاقيات بين دول المنبع ودول المصبّ، وذلك بعدما قرّرت 5 من دول منابع النهر -هي إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتنزانيا ورواندا- التوقيع في مدينة "عنتيبي" الأوغندية، على اتفاقية الإطار القانوني لحوض النيل، والتي عُرفت إعلامياً بـ"اتفاق عنتيبي". دعت الاتفاقية إلى المناصفة بين دول حوض النيل بالتساوي، دون مراعاة لعدد السكان وديموغرافية كل دولة وظروف التنمية فيها، وأكدت الاتفاقية أنها ستدخل حيّز التنفيذ بعد 60 يوماً من مصادقة 6 من الدول الأعضاء عليها.

لا يمكن الفصل بين "اتفاقية عنتيبي" وبين المخاوف المصرية- السودانية التي تلت بناء إثيوبيا لسدّ النهضة على نهر النيل. إذ تجتمع هذه الظروف لخلق حالة توتر عسكري بين مصر وإثيوبيا.


مؤخراً، عاد النقاش حول "اتفاقية عنتيبي" إلى الواجهة مرةً أخرى، وذلك بعدما أعلنت دولة جنوب السودان عن مصادقتها على بنود الاتفاقية. وبرغم أنّ مصر لم تصدر أيّ ردّ رسمي على تلك الخطوة حتى الآن، إلا أنه من المتوقع أن يعلن المصريون رفضهم لها في وقت قريب، وذلك بموجب تصريحات سابقة. على سبيل المثال، قال وزير الريّ المصري الأسبق محمد نصر علام، في سنة 2010، إنّ مصر ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة للتأكيد لجميع المنظمات الدولية، على أنّ هذه الاتفاقية "ضد القانون الدولي، وغير ملزمة لمصر، وتمثل تعدّياً على حقوقها المائية". كما أشار إلى أنّ مصر ستلجأ إلى القانون الدولي للحفاظ على حقوقها التاريخية في نهر النيل. 

وهنا، تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن الفصل بين "اتفاقية عنتيبي" والمخاوف المصرية- السودانية المتزايدة في السنوات الأخيرة، والتي تلت بناء إثيوبيا لسدّ النهضة على نهر النيل. إذ تجتمع جميع تلك الإجراءات لخلق حالة من التوتر العسكري بين مصر وإثيوبيا، وظهر ذلك بشكل واضح في الآونة الأخيرة.

السدود

اتفاقية الماء مقابل الكهرباء... بين الإمارات والأردن وإسرائيل

في بعض الأحيان، ارتبطت اتفاقيات المياه التي وقّعتها الدول العربية بمشاريع التنمية واستثمار الطاقة. تُعدّ اتفاقية الماء مقابل الكهرباء، بين الإمارات والأردن وإسرائيل، من أبرز النماذج المعبّرة عن ذلك النوع من الاتفاقيات.

بشكل عام، لا يمكن فهم الظروف التي صيغت فيها تلك الاتفاقية، إلا بالعودة إلى السياقات السياسية التي صاحبتها. في سنة 1994، تم توقيع معاهدة السلام بين عمّان وتل أبيب، وكان الأردن هو ثاني دولة عربية، بعد مصر، تُقيم علاقات رسميةً مع دولة إسرائيل. عانى الأردن لفترات طويلة من تناقص المياه العذبة، فيما برز كأحد الدول المتقدمة في مجال توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية. لاقت تلك الظروف اهتماماً متزايداً من قِبل المسؤولين الإسرائيليين. تميزت إسرائيل بشكل كبير في مجال إنتاج المياه المُحلاة، وعُرفت بإنتاجها ما يزيد على 700 مليون متر مكعَّب من المياه المُحلاة سنوياً، ودفعها ذلك للاتفاق مع الأردن لتبادل المياه المُحلاة بالطاقة الكهربية.

في تشرين الثاني/ نوفمبر 2021، شهد معرض "إكسبو دبي 2020"، توقيع وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار، ووزير المياه والريّ الأردني محمد النجار، في حضور الموفد الأمريكي للمناخ جون كيري، والمبعوث الإماراتي للمناخ سلطان الجابر، على إعلان نوايا للتعاون في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتحلية المياه بين الأردن وإسرائيل. نصّ الإعلان على قيام الأردن بالعمل على توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لصالح إسرائيل، فيما ستعمل تل أبيب على تحلية 200 مليون متر مكعب من المياه سنوياً لصالح الأردن. بعد سنة واحدة، تقدّم الطرفان في سير المفاوضات، وذلك بعدما وقّعت الدول الثلاث، أي الإمارات والأردن وإسرائيل، على اتفاقية جديدة حول مشروع المياه والطاقة، على هامش مؤتمر المناخ المُنعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية، في تشرين الثاني/نوفمبر 2022. 

وبحسب الاتفاق، "ستبني الإمارات محطةً لتحلية المياه في إسرائيل لتزويد الأردن بالمياه، وفي الوقت نفسه، ستبني الإمارات مزرعةً ضخمةً للطاقة الشمسية في الصحراء الأردنية، ستوفر نسبةً من استهلاك إسرائيل للكهرباء".

في 2021، شهد معرض "إكسبو دبي 2020"، توقيع وزيرة الطاقة الإسرائيلية كارين الحرار، ووزير المياه والريّ الأردني محمد النجار، في حضور الموفد الأمريكي للمناخ جون كيري، والمبعوث الإماراتي للمناخ سلطان الجابر، على إعلان نوايا للتعاون في إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية وتحلية المياه بين الأردن وإسرائيل

بطبيعة الحال، ألقت الظروف السياسية الإقليمية بظلالها الوخيمة على سير تلك الاتفاقية. في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، قرر الأردن تجميد إجراءات مد تل أبيب بالكهرباء، ردّاً على الحرب التي شنّها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزّة، وبالمقابل، رفضت الحكومة الإسرائيلية طلب عمان تمديد اتفاقية المياه لخمس سنوات، واكتفت بتمديدها ستة أشهر فقط.

أزمة المياه في العراق

اتفاقية المياه بين إيران والكويت

تعتمد الكويت في الحصول على المياه العذبة على تحلية مياه البحر. مع مطلع الألفية الجديدة، عرضت إيران على الكويت توفير القدر الأكبر من احتياجاتها المائية، من خلال تنفيذ بعض المشاريع الضخمة في الخليج.

يذكر الباحث ريان ذنون العباسي، في دراسته "إيران ومشروع تزويد الكويت بمياه نهر الكارون"، أنّ المفاوضات الأولى لاتفاقية المياه العذبة بين إيران والكويت، بدأت مع التوقيع على مذكرة تفاهم أولية في تموز/يوليو 2000. سُمّيت تلك المفاوضات بـ"اتفاقية المياه"، وتناولت التمهيد لإجراء مفاوضات رسمية بين الجانبين، الكويتي والإيراني، لغرض إقامة مشروع مائي مشترك بينهما.

في كانون الأول/ديسمبر 2003، أعلنت وكالة الأنباء الكويتية عن توقيع اتفاقية نقل المياه العذبة من إيران إلى الكويت في طهران. وقّع الاتفاقية وزير الطاقة الكويتي الشيخ أحمد الفهد، مع نظيره الإيراني حبيب الله ذي طرف، وتم الاتفاق على نقل 900 ألف متر مكعب يومياً من المياه الصالحة للشرب من إيران إلى الكويت. بحسب العباسي، تألّف المشروع من شبكة واسعة من الأنابيب تمتد من شمال غربي إيران في منطقة الأحواز، وبالتحديد من نهر الكارون عند سدّ كرخة، بعدها يواصل الأنبوب مروره باتجاه المدن الإيرانية، مثل المحمرة وعبادان، إلى أن يجتاز مياه الخليج العربي عن طريق مدّ أنبوب بحري يتجنّب المرور في الأراضي العراقية، وصولاً في نهاية المطاف إلى الكويت. نصّ الاتفاق المبدئي على أن يستغرق المشروع 30 سنةً، ووصلت ميزانيته المتوقعة إلى أكثر من 1.5 مليارات دولار.

كما هو متوقع، وبالتزامن مع إطلاق التصريحات العدائية المتبادلة بين إيران ودول الخليج العربي، أثار المشروع جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الكويتية، وتباينت المواقف وردود الأفعال بين مؤيد ومعارض. في تموز/يوليو 2006، أعلنت الكويت بشكل رسمي أنّ المباحثات الخاصة بتنفيذ المشروع تم إيقافها بشكل نهائي، بسبب الظروف السياسية التي تعيشها المنطقة، خصوصاً في ما يتعلق بأوضاع العراق والملف النووي الإيراني.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image