تتفاقم معدلات ملوحة التربة الزراعية في مصر، مدفوعةً بعدة أسباب من بينها التغيّرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة ووقوع مساحات واسعة من الأراضي الزراعية قرب البحار خاصة البحر الأبيض المتوسط وعدم كفاية/جودة أنظمة الصرف في بعض المناطق، مهددةً قطاع الزراعة في البلاد. كما يُسهم تغيّر أنماط وأوقات هطول الأمطار في تدهور التربة ونُدرة المياه، وهما أبرز العوامل التي تزيد تحديات الملوحة.
ووفق آخر إحصائيات رسمية معلنة، تراوح مساحة الأراضي المتأثرة بالأملاح بين 30 و 40% من مساحة الأراضي المزروعة في مصر، وذلك بحسب تصريح حديث لمدير معهد بحوث المحاصيل الحقلية التابع لمركز البحوث الزراعية المصرية، الدكتور علاء خليل.
وفي تصريح آخر لمدير مركز التميز المصري للزراعة الملحية، الدكتور حسن محمد الشاعر، ورد أن مصر لديها ما يقرب من مليوني فدان من الأراضي القديمة في الدلتا، المتأثرة بملوحة التربة، بواقع 60% من أراضى شمال الدلتا، و25% من أراضي وسط وجنوب الدلتا، و25% من أراضي مصر العليا، ما يؤثر على الإنتاجية الكلية للزراعة في البلاد.
تعاني 30 إلى 40% من الأراضي المزروعة في مصر من الملوحة. تكثر الإعلانات عن منتجات "معالجة" أو "طاردة" للملوحة باهظة الثمن، فإلى أي مدى أثبتت نجاعتها؟ وهل هناك بدائل "عضوية" أقل كلفة وأكثر فائدة؟ وإلى أي مدى يمكن تطبيقها؟
والمقصود بملوحة التربة الزراعية وجود أملاح مفرطة في التربة يمكن أن تؤثر سلباً على نمو النبات وإنتاجيته، وذلك بسبب تجاوز تركيز الملح في التربة بما يفوق مستوى تحمّل النباتات.
ومع زيادة نسبة ملوحة الأراضي الزراعية المصرية وتأثيرها على حجم الإنتاجية الفدانية، تزايدت الإعلانات عن منتجات مختلفة باهظة الثمن يُزعم أنها قادرة على علاج ملوحة التربة الزراعية والقضاء عليها نهائياً عبر طرد الأملاح وبالتالي الحصول على الإنتاج المنشود من المحاصيل الزراعية المصرية.
عشرات المنتجات التي يروّج لها على أنها المعالج الأول لملوحة التربة وجميعها تشترك في عدد محدود من المكونات الأساسية وإن كانت تختلف في نسبها، وأبرزها النيتروجين والكالسيوم وبولي هيدروكسي فينايل كربوكسيليك.
الصرف الزراعي حل أنجع؟
منذ نحو أربع سنوات، بدأت أرض عبد الهادي بيومي في منحه نصف ما تنتجه من قمح بشكل تدريجي حتى وصل الحجم النهائي للإنتاجية الفدانية إلى 13 أو 14 أردباً بعد أن كان صافي إنتاج المحصول من 22 إلى 24 أردباً، عقب بحث مطول عن سبب هذا الإنتاج الضعيف لأرضه البالغ مساحتها فدان ولم تعد تعطي الإنتاج المطلوب منها وأصبح ورق النبات ناشفاً وضعيفاً اكتشف أن ارتفاع نسبة الملوحة في تربته هي سبب هذا الخلل الذي أصاب أرضه، وكذلك الملوحة في نسبة المياه وعدم وجود صرف جيد كلما تمت عملية الري زادت الملوحة وظهرت على وجه التربة. والأردب هو مكيال قديم ما يزال شائعاً في الأوزان الزراعية في مصر ويختلف ما يعادله بالكيلوغرام باختلاف المحصول.
يقول بيومي لرصيف22 إن أرضه الزراعية في قرية أبو المطامير بمحافظة البحيرة زادت فيها الملوحة بنسبة كبيرة دون معرفة سبب هذا كما أن المياه التي يتم الري بها أصبحت هي الأخرى تحوي نسبة ملوحة، ومع عدم وجود صرف زراعي جيد كل هذه العوامل أثرت على الأرض، وسأل الكثير من المزارعين والقائمين على بيع المنتجات الزراعية عن حل لهذه المشكلة التي أصابتها لعلاجها والحصول على الإنتاج المنشود منها.
من هنا، استعان بيومي بمهندس زراعي من قريته لسؤاله عن حل لمشكلة أرضه وكان جواب المهندس أن الصرف الزراعي الجيد هو العلاج لمشكلة ملوحة التربة، إلا أنه لم يقتنع بهذا في البداية، وبدأ من جديد البحث عن منتجات يمكنها أن تساعد في علاج ملوحة التربة. وعلى مدار عام كامل، "استخدمت أربعة منتجات قال لي البائع إنها الأفضل في السوق لعلاج ملوحة التربة ومنها منتج وجدته في إعلان على يوتيوب. لكن دون فائدة تذكر، لم تؤثر بأي شكل ولم تعالج الأرض رغم أنها كلفتني أكثر من 2000 جنيه (41.28 دولار أمريكي)".
وعن طبيعة هذه المنتجات التي اعتمد عليها بيومي لمحاولة معالجة ملوحة أرضه الزراعية يقول: "اشتريت أغلى منتج في السوق وكان يبلغ 800 جنيه (16 دولاراً) ومنها منتج سمعت عنه من الاعلانات المتداولة في محافظة الإسكندرية فطلبته وكان عبارة عن أحماض كربوكسيلية تكلفته 1500 جنيه (30 دولاراً) وكانت النباتات تتحسن في اليوم الذي يتم رشه في الأرض وبعدها تتحوّل من جديد دون حصد الإنتاج المنشود منها".
يستكمل بيومي حديثه: "المهندس الزراعي قال لي مهما اشتريت من منتجات تروج لعلاج ملوحة التربة ورويت بها أرضك لن تعالجها طالما لا يوجد لديك صرف زراعي جيد لأنها (أي الملوحة) ستتركز في التربة. لذلك قمت بحفر مصرف في جانب التربة كي تصب فيه مياه الري، وبعد أيام وجدت بالفعل أن هذا الجانب من الأرض نمت فيه النباتات بشكل جيد جداً دون الحاجة إلى منتجات علاج ملوحة التربة أو غيرها".
هناك مقاوم للملوحة وطارد أو معالج لها والفرق بينهما كبير، والأفضل هو طارد الملوحة الذي يعطي فعالية ونتائج بعد فترة قصيرة، علماً أن سرعة التعامل مع مشكلة الملوحة أمر هام لأنها تهدد جهاز المقاومة أو المناعة للنبات وقد تترتب عليها أمراض فطرية عديدة وصولاً إلى "النيماتودا"
السماد البلدي البديل الأوفر
وعن حقيقة جدوى هذه المنتجات المعلن عنها في عدد من المنصات في علاج أملاح التربة الزراعية، يجيب الدكتور عبد العليم عبد الرحمن متولي، أستاذ المحاصيل، أن كل شركة تسوق لمنتجها بشكل يجعله الأفضل في علاج الملوحة إلا أن جميع هذه المنتجات تشترك في الأحماض العضوية ونترات الكالسيوم، وبالتالي إذا استخدم المزارعون الكومبوست وهذين المركبين عن طريق تذوبيها في المياه ورش الأرض بها ستعطي الفرصة للنبات كي يقوى وينمو.
يوضح عبد الرحمن، في حديثه لرصيف22 أن لا ضرر من استخدام هذه المنتجات التي يتم الترويج لها ومن يرغب في تحسين خواص التربة باستخدام مكونات بسيطة مثل الكمبوست (السماد العضوي) والسماد البلدي ونترات الكالسيوم متاحة في السوق ويمكن الوصول إليها بسهولة، مضيفًا أنه يمكن كذلك إضافة منشطات للجذور عند تحلّلها تعطي أحماضاً عضوية تفيد النبات، كل هذا يمكنه أن يُحسن التربة المتأثرة بالملوحة ويُحسن من إنتاجية التربة الزراعية بشكل عام.
طارد الملوحة وليس مقاوم
أما المهندس الزراعي أحمد محمد أحمدي، فيقول إن هناك مقاوماً للملوحة وطارداً أو معالجاً لها والفرق كبير بينهما والأفضل هو طارد الملوحة الذي يعطي فعالية ونتائج بعد فترة قصيرة، وأبرزها وأغلاها حالياً منتج أمريكي يُدعى "سال واكس" يتم استيراده من الخارج وهو الأفضل وهو الأحسن لملوحة التربة الزراعية، منبهاً إلى أن أراضي مصر حامضية وليست قلوية.
ويشرح أحمدي، لرصيف22، أن الخطوة الأساسية الأولى هي عمل تحليل للتربة وللمياه لمعرفة مصدر الملوحة وفي حالة ملوحة التربة يتم استخدام طارد الملوحة في حالة عدم وجود ملوحة في المياه، أما إذا كانت نسبة الملوحة مرتفعة في التربة وكذلك في المياه فهنا يتم اختيار نباتات تتحمل الملوحة كي يتم زراعتها في هذه التربة التي لا تنفع فيها منتجات معالجة الملوحة.
وعن طبيعة عمل هذا المنتج، يوضح أحمدي أن هذا المنتج يعطي فعالية من اليوم الثالث بعد حقنِهِ في مياه الري للأرض الزراعية، حيث تظهر بعدها الملوحة على وجه التربة بعيداً عن جذر النبات بنحو 40 سم. ينوّه حمدي بأنه إذا كانت الملوحة في التربة، فيتم الحقن 3 إلى أربع مرات في الموسم. لكن إذا كانت الملوحة في المياه فيتم الحقن بمعدل مرة كل شهر.
وعن نتائج منتج طارد الملوحة، يقول إن إنتاجية الفدان تتحسن على عكس أي منتج آخر يتم الترويج له، مبرزاً أن المزارعين يميلون لاستخدامه لأنه المنتج الأفضل برغم أنه الأغلى في السوق حيث يبلغ سعر الجركن الـ5 كيلوغرامات 2800 جنيه مصري (نحو 60 دولاراً أمريكياً) ويمكن بهذه الكمية حقن 20 فداناً.
يشدد حمدي على أهمية سرعة التعامل مع مشكلة الملوحة لأنها تهدد جهاز المقاومة أو المناعة للنبات وقد يترتب عليها أمراض فطرية عديدة وصولاً إلى "النيماتودا".
منتجات ملائمة للتربة الملحية
ويوضح أستاذ الاقتصاد الزراعي يحيى متولي طبيعة ملوحة التربة الزراعية والسبب أنها تختلف من منطقة لأخرى، فهناك مناطق زراعية بجانب البحار مثل محافظة البحيرة وكفر الشيخ ومحافظة الدقهلية. هنا تصبح ملوحة التربة مرتفعة، فهذه الحالة يجب زراعة محاصيل يمكنها تحمل ملوحة التربة مثل "الجاتروفا" والبنجر دون اضطرار إلى معالجة مشكلة الملوحة.
وعن إمكانية تقليل أو علاج ملوحة التربة مثلما تروج المنتجات التي يتم الإعلان عنها يجيب متولي، في حديثه لرصيف22، بأنه من الصعب تقليل الملوحة في التربة الزراعية لطبيعة تكوينها وإنما يكون الحل هنا هو زراعة محاصيل تحتمل الملوحة.
ويضيف أنه يمكن إجراء غسيل للتربة الزراعية ذات الملوحة المرتفعة وكذلك لا بد من صرف زراعي جيد لصرف المياه التي يتم غسل التربة بها لتنظيفها من الملوحة، مبرزاً أن هذا يتطلب كميات وفيرة من المياه، وهو ما يعقّد اعتماد هذه الطريقة في مصر التي تواجه مستقبلاً مجهولاً للموارد المائية مع تفاقم مشكلة سد النهضة الإثيوبي.
يشدد أستاذ الاقتصاد الزراعي على أنه لا ينبغي الالتفات إلى أي منتجات يتم الترويج لها على أنها معالجة لملوحة التربة الزراعية إلا تحت إشراف وزارة الزراعة المصرية وتحديداً جهاز الإرشاد الزراعي الذي يقدم توصياته للمزارعين بزراعة النبات المناسب في الأرض المناسبة له.
أصناف تتحمل الملوحة
في نيسان/ أبريل 2024. جرى توقيع بروتوكولين للتعاون المشترك بين مركزي البحوث الزراعية وبحوث الصحراء والمركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة (أكساد) لتنفيذ عدد من المشروعات التنموية التى تساهم فى التكيف مع التغيرات المناخية الحادة، وتضمّن البروتوكول مشروع إنتاج قمح الخبز متحمل الملوحة في مرحلته الثانية، والذي يهدف لانتخاب مجموعة من الطرز الوراثية من قمح الخبز من سلالات أكساد والسلالات المحلية من برنامج التربية الوطنى المصري التي تتميز بالمحصول العالي وتحمل الملوحة ومقارنتها بالأصناف التجارية المصرية ومن ثم الاستفادة منها في التوسع الأفقى فى الأراضي المتأثرة بالملوحة.
وليس واضحاً إذا كانت الحكومة المصرية بصدد التوسّع في تطوير وزراعة مزيد من المحاصيل التي تتحمل ملوحة التربة للتغلب على هذه المشكلة المتفاقمة.
يقول أستاذ الاقتصاد الزراعي إنه يصعب علاج أو تقليل الملوحة في التربة الزراعية وإنما يكون الحل زراعة محاصيل تحتمل الملوحة، مضيفاً أنه يمكن "غسل التربة" ذات الملوحة المرتفعة، وإن كان ذلك يتطلّب صرفاً زراعياً جيداً ما يعني استهلاك كميات وفيرة من المياه، وهو غير متاح راهناً في مصر التي تواجه مستقبلاً مجهولاً للموارد المائية مع تفاقم مشكلة سد النهضة الإثيوبي
"السباخ" والتجريف
ومن قرية المراشدة بمحافظة قنا اعتاد مصطفى سيد على ملوحة التربة الزراعية في أرضه البالغة مساحتها 15 فداناً واعتمد هو والمزارعون في قريته على طريقتين لمحاولة معالجة أملاح التربة إما بتجريف الطبقة العليا من التربة المتأثرة بالملوحة ثم تغطية الأرض بـ"السباخ" - أي روّث الحيوانات وهو سماد عضوي - الذي يقول إنه يقلل الملوحة، أو عبر ري الأرض كل يومين، وهو أمر صعب القيام به لقلة المياه والجهد الذي تتطلبه هذه العملية.
يقول سيد لرصيف22 إن هاتين الطريقتين يعتمدهما المزارع في صعيد مصر، فليس هناك قدرة مادية تكفي لشراء منتجات يمكنها معالجة ملوحة التربة شكارة المبيدات الحشرية أصبح سعرها 1200 جنيه (نحو 25 دولاراً أمريكياً)، وكذلك سعر الكهرباء والسولار. كل هذه تكاليف لا يتحملها المزارع وهي أساسية، فكيف يمكنه أن يبحث عن منتجات مرتفعة الثمن. لذلك لا بدّ من البحث عن الحلول غير المكلفة لعلاج ملوحة التربة.
يضيف سيد أن الأراضي التي تأثرت بالملوحة، أصبحت تعطي 20% من إنتاجها الزراعي من القمح والقصب والذرة الشامية وهي المحاصيل المعتادة زراعتها في محافظته، مضيفاً أن المشاكل التي تواجه الأرض الزراعية في الوقت الحالي سواء بسبب ارتفاع تكاليف الزراعة أو بسبب الملوحة في التربة دفعت الكثير من الملاك إلى ترك الأرض بدون زراعة أو تأجيرها لمزارعين آخرين أحياناً بدون مقابل حتى لا تُترك بلا زراعة.
وعن المنتجات التي يتم بيعها في الجمعية الزراعية في القرية، يوضّح سيد أنها لم تقضِ على ملوحة التربة ولو قليلاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Tester WhiteBeard -
منذ 3 ساعاتtester.whitebeard@gmail.com
Ahmad Tanany -
منذ 8 ساعاتتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
Ahmad Tanany -
منذ 8 ساعاتتلخيص دسم
Ahmad Tanany -
منذ 8 ساعاتتلخيص دسم
Husband let me know -
منذ يومهلا
Husband let me know -
منذ يومهلا