شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
اللامرئيون في الأردن… أخطاء العمال المهاجرين يدفع ثمنها أبناؤهم

اللامرئيون في الأردن… أخطاء العمال المهاجرين يدفع ثمنها أبناؤهم

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

أُنجز هذا التقرير بدعم من أريج.

شقة صغيرة بأحد الأحياء الشعبية في عمّان، لا تتجاوز مساحتها 60 متراً مربعاً؛ غرفتان للنوم وغرفة للجلوس بها ماكينة خياطة في الزاوية، تعيش مادو* بداخلها ولا تغادرها إلا للضرورة؛ خشية أن يتفرق شمل أسرتها إلى الأبد.

قابلنا مادو للمرة الأولى في أحد مقاهي وسط البلد (مكان لا يبعد كثيراً عن مسكنها)، اختارت لنفسها مقعداً بعيداً عن أعين المارة. ورغم أن وجود العمال والعاملات الآسيويات يبدو مشهداً مألوفاً، ظلت مادو تنظر حولها خوفاً من تعرضها "للتسفير والإبعاد".
جاءت مادو (32 عاماً) من سريلانكا إلى الأردن قبل خمسة عشر عاماً. عملت في أحد المنازل لبضعة أشهر، قبل أن تقرر "الهرب". رحلت من دون أن تتمكن حتى من أخذ جواز سفرها. راحت تبحث عن مصدر رزق تعول به نفسها، ورغم مخالفة ذلك لقانون العمل الأردني الذي يلزمها بالبقاء مع صاحب العمل الذي استقدمها، عملت مادو في مشغل للخياطة.
تقول مادو: "التقيت بمحمد، وهو عامل مهاجر من بنغلادش، وتزوجنا". لم يتمكنا من توثيق زواجهما بشكل رسمي؛ لأن إقامتها لم تعد سارية المفعول، ولا تحمل مادو جواز سفرها أو ما يثبت هويتها.
وضع مادو في العمل بشكل غير قانوني، وإقامتها المنتهية، والغرامات المتراكمة، وزواجها غير الموثق، زاد من العقبات التي تواجهها، وأثر سلباً في حياة أبنائها الأربعة: عبدالرحمن (13 عاماً)، ورحيم (11 عاماً)، وشيرين (خمسة أعوام)، ونادين (أربعة أعوام)، وحال من دون "إصدار أوراق ثبوتية رسمية" لهم.
لا يملك أبناء مادو إلا "قيد ولادة"، الذي يُعد الوسيلة القانونية لتوثيق بيانات الميلاد لدى الجهات الحكومية المعنية، إلا أن هذه الورقة وحدها لا تكفي لإصدار شهادة ميلاد رسمية. تشبه حال مادو حال عديد العاملات المهاجرات اللواتي لم يتمكن من استخراج أوراق ثبوتية لأطفالهن.
عاملة بنغلاديشية احتُجزت إدارياً لأزيد من أربعة أشهر، لارتكابها "جريمة الزنا"، وأنجبت طفلاً خلال احتجازها، فانتُزع منها ولم تُبلغ بمكانه. عاملة أخرى إندونيسية سُجنت لمدة ثلاث سنوات ونصف بعد تعرضها لجنايتي اغتصاب، وأُرسِل أبناؤها لأسر بديلة راعية

لا توجد أيّ إحصاءات رسمية أو تقديرية لعدد أطفال العمالة المهاجرة غير النظامية في الأردن، كونهم يعيشون في "الظل"، غير أن عدة جهات حقوقية أكدت أن أعدادهم ليست قليلة.

معاناة أبناء العمال المهاجرين في الأردن

غير مرئيين

تقول المحامية في مركز العدل للمساعدة القانونية، إلهام أبو لبدة، إن الشخص الذي لا يملك وثائق وأوراقاً ثبوتية هو شخص غير مرئي في المجتمع. وتضيف: "وهو فاقد لحقوقه الأساسية؛ حقه في السلامة الجسدية والنفسية، حقه في العلاج والحصول على المطاعيم، حقه في التعليم، فضلاً عن كونه ضحية سهلة يمكن تعرضه لأشكال الانتهاكات كافة، لعدم قدرته على الوصول إلى العدالة".

مشيرة إلى أن لكل طفل الحق في الحصول على وثيقة واسم وهوية واضحة في المجتمع، بصرف النظر عن جنسيته، فقانون الأحوال المدنية يُطبق على جميع المقيمين في الأردن.

موانع التوثيق

وتؤكد المحامية في مركز العدل للمساعدة القانونية، إلهام أبو لبدة، أن نسبة كبيرة من العمالة المهاجرة تواجه صعوبات في استخراج أوراق ثبوتية لأطفالهم. وتُرجع ذلك لعدة أسباب، من بينها عدم وجود زواج موثق للأبوين في الأردن أو في بلدهم، وعدم حملهم أوراق الزواج الخاصة بهم عند قدومهم إلى العمل، وإتمام الزواج بعقود عرفية.

في الوقت الذي تتمكن بعض العاملات المهاجرات من الحصول على قيد ولادة، تُحرم كثيرات من هذا الحق أيضاً. يلفت السكرتير التنفيذي المساعد للاتحاد العربي للنقابات، المشرف على مركز دعم وتمكين العمال المهاجرين، محمد المعايطة، إلى أنه "إذا لم يكن وجود العامل/ة المهاجر/ة قانونياً، فإنه يواجه خطر الاحتجاز والإبعاد القسري"، الأمر الذي يدفع بالعديد من العاملات لاتخاذ قرار الولادة في المنزل، بمساعدة "قابلات" غير قانونيات، فلا يحصلن على قيد بواقعة الولادة.
كما تُعد الإجراءات القضائية لتوثيق أطفال المهاجرين -بحسب المعايطة- بالغة التعقيد، فيمكن أن تستغرق قضايا إثبات النسب والزواج في المحاكم عدة سنوات، بالإضافة إلى التكاليف المرتفعة جداً مقارنة بالرواتب المنخفضة للعمال المهاجرين.
تَعامل الاتحاد العربي للنقابات مع نحو مئة وعشرين حالة في عام 2019، تراوحت أعمار الأطفال حينها بين سنتين وأربع عشرة سنة. وهذه الحالات كانت نتيجة زواج غير موثق، أو علاقات خارج إطار الزوجية، سواء بعلاقة عاطفية أو نتيجة تعدٍ جنسي.
تتفق العديد من الجهات المختصة بأن هناك ثمة أسباب أخرى، قد يكون لها دور في حرمان الأطفال من الحصول على شهادة ميلاد، إلى جانب الزواج غير المسجل؛ كحاجز اللغة لدى المهاجرين وعدم معرفتهم بالقوانين والتشريعات المعمول بها، بالإضافة إلى وجود بعض الحالات الناتجة عن وقوع اعتداءات جنسية على العاملات.

معاناة أبناء العمال المهاجرين في الأردن

"مقاربة أمنية" وحقوق مسلوبة

تتكرر قصة أبناء مادو الأربعة مع روبيرتو* (13 عاماً)؛ وهو ابن عاملة منزل فلبينية، وُلد لأب فلبيني من خلال زواج غير موثق. لم يتمكن الزوجان من الحصول على أوراق ثبوتية له، رغم حصولهما على قيد ولادة وشهادة معمودية له من الكنسية.

من المفترض أن يتمكن روبيرتو من الالتحاق بالمدرسة، إلا أن عدم وجود أوراق ثبوتية يحول دون ذلك؛ إذ بحسب والدته ميليندا*، لم تتمكن من تسجيله في المدرسة طوال هذه السنوات، الأمر الذي فرض عليه البقاء في المنزل والتعلم عبر الإنترنت.
أما مادو، فيحظى أبناؤها بفرصة الذهاب إلى المدارس لقاء دفعهم رسوماً منخفضة. لكنهم لا يحصلون على شهادات دراسية؛ إذ تسمح المدرسة بتعليمهم بصورة غير رسمية، على أن يتم إصدار شهادات لهم بأثر رجعي في حال توثيق أوراقهم.
لا يمكن للطفل الذي لا يحمل شهادة ميلاد في الأردن الالتحاق بالمدرسة، رغم تعارض ذلك مع اللوائح القانونية والاتفاقيات المُصدق عليها من الأردن، كاتفاقية حقوق الطفل والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
علاوة على ذلك، يُشترط لتسجيل الطلاب غير الأردنيين في المدارس تقديم مجموعة من الوثائق والأوراق، منها: صورة عن الإقامة السنوية، وصورة عن تصريح العمل -لمن يُطلب منه- وصورة عن شهادة الميلاد، التي لا يملكها الأطفال الذين لا يتمتع أولياؤهم بوضع قانوني في الأردن.
وبهذا الصدد تقول المحامية المتخصصة بالقضايا العمالية والاتجار بالبشر في مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، أسماء عميرة، إن الدولة تعاقب الطفل على الوضع القانوني للأهل، وتضيف: "لكنّ الطفل لا يُساءل مدنياً… لا أستطيع أن أعاقب الطفل على ما قام به ذووه".
مسألة التعليم هي واحدة من عدة حقوق يُحرم منها أبناء العمالة المهاجرة غير المسجلين. يصف السكرتير التنفيذي المساعد للاتحاد العربي للنقابات، المشرف على مركز دعم وتمكين العمال المهاجرين، محمد المعايطة، سلب الأطفال من كل الحقوق الإنسانية البديهية؛ من دخول المدرسة وتلقي العلاج، وحتى الاستمتاع بالحياة كأيّ طفل بأنه "جريمة". مشيراً إلى أن الأردن يتعامل مع قضايا العمال المهاجرين بمقاربات أمنية -على حد تعبيره- وتقديم الاعتبار الأمني على ما سواه.
ويضيف المعايطة أن العديد من القضايا الإنسانية تنتج عن تشوه القوانين المتعلقة بالشكل القانوني للعامل على أرض المملكة، كحق العلاج، وإصابات العمل، وحالات الولادة وغيرها، بحسب المعايطة.
منسقة برنامج العمالة الوافدة في جمعية كاريتاس الأردنية، خولة حنا، أشارت إلى التحديات التي يواجهها العمال/ات المهاجرون وأطفالهم في الأردن، كالوصول إلى الخدمات الصحية والرعاية الطبية في القطاعين العام والخاص.
وضع مادو في العمل بشكل غير قانوني، وإقامتها المنتهية، والغرامات المتراكمة، وزواجها غير الموثق، زاد من العقبات التي تواجهها، وأثر سلباً في حياة أبنائها الأربعة: عبدالرحمن (13 عاماً)، ورحيم (11 عاماً)، وشيرين (خمسة أعوام)، ونادين (أربعة أعوام)، وحال من دون "إصدار أوراق ثبوتية رسمية" لهم

وتضيف أن ارتفاع التكاليف يشكل عائقاً يمنعهم من مراجعة المراكز الصحية والمستشفيات الخاصة والحكومية، إلى جانب عدم قدرتهم على الوصول إلى المنظومة الصحية إذا كانوا مخالفين لقانون العمل والإقامة؛ وهو ما يزيد احتمالية تعرضهم للأمراض المتعاقبة والمزمنة نتيجة الإهمال الصحي.

لا تتوقف المسألة هنا، بل تستمر معاناة أبناء العمالة المهاجرة غير المسجلين لسنوات طويلة، إذا ما بقوا عالقين في الأردن؛ فيفقدون الحق في العمل، ويحرمون من توثيق زيجاتهم، لتتكرر فصول قصتهم مع أبنائهم، وفقاً لخولة حنا.

لأجل مادو

راجعنا دائرة الأحوال المدنية للسؤال عن آلية إصدار شهادة ميلاد متأخرة لأبناء مادو.

وبحسب الموقع الرسمي للحكومة الإلكترونية، يتطلب استخراج شهادة ميلاد الحصول على نموذج تبليغ الولادة مختوماً وموقعاً من الجهة التي أشرفت على الولادة، مرفقاً بعقد الزواج لغير الأردنيين، وجواز السفر للأب والأم وصورة عنه. وفي حالة مادو، فإن الحصول على عقد زواج ليس هيناً.
توجهنا للمحكمة الشرعية، التي طلبت التقدم بدعوى إثبات زواج ونسب في المحكمة المختصة في منطقتها، وإحضار شاهدين على واقعة الزواج لإصدار شهادة زواج موثقة، وأن يكون ذلك من خلال توكيل محامٍ، أو بمتابعة الشخص المعني الإجراءات بنفسه.
وتوضح المحامية إلهام أبو لبدة أنه في حالات الزواج غير الموثق لا بد من اللجوء إلى المحكمة المختصة؛ سواء الشرعية أو الكنسية. وتضيف: "وفي بعض الأحيان نلجأ إلى محكمة البداية إذا كانت من الديانة البوذية، للحصول على شهادة ميلاد للطفل، تحديداً إذا كان عمر الطفل يتجاوز السنة، من خلال رفع دعوى إثبات قيد زواج ونسب في حال وجود الأب واعترافه بالزوجية... ويكون إثبات النسب إما بالإقرار أو البينة، أو بإجراء فحص الحمض النووي (DNA) إذا كان فراش الزوجية صحيحاً".
وتبلغ قيمة الغرامات المالية المترتبة على مخالفة نظام الزواج الشرعي بالأردن نحو ألف دينار أردني، كونها جريمة يعاقب عليها القانون، وفق ما ذُكر لمعدة التحقيق لدى سؤالها للمحكمة الشرعية.
وبعد مراجعة محكمة القضايا الشرعية، تبين أنه يُمكن الحصول على شهادة الزواج، بعد صدور الحكم القضائي، ويمكن بموجبها استخراج شهادات ميلاد للأطفال، لكن بالحد الأدنى يُطلب إحضار جواز سفر ساري المفعول أو إقامة سارية المفعول لإتمام الإجراءات، مع فصل التعامل بين القضية والمخالفة القانونية التي قد يترتب عليها التوقيف الإداري.
لكنّ إتمام هذه الخطوات لم يكن كافياً لحل مشكلة البعض، وفق ما ذكرت المحامية إلهام أبو لبدة، لأنه طُلب من بعضهم تصويب وضع إقاماتهم للحصول على وثائق لأطفالهم، رغم وجود حكم قضائي من المحكمة.
وبهذا الخصوص تقول المحامية أسماء عميرة: "ابتداءً يُرفض إتمام عقود الزواج القانونية إذا لم يكن لدى العمال المهاجرين/ات إقامة وعقد نظامي"، وهذا ما يدفع كثيرين إلى عدم توثيق عقود الزواج. ودعت إلى ضرورة تسهيل إتمام عقود الزواج الشرعية وعدم ربطها بالإقامة، إضافة إلى تخصيص ميزانية محددة من رسوم تصاريح العمل لمثل هذه الحالات، لغايات إجراء فحوصات DNA لتسهيل إثبات النسب.

معاناة أبناء العمال المهاجرين في الأردن

انتزاع الأطفال

تقول مريم (14 عاماً): "أخاف حين يغيب والدي عن المنزل، لا يعلم هو بذلك، لكن الخوف يتملكني". لم يتمكن والدا مريم من تسجيلها لعدم وجود عقد زواج موثق، ويرجع ذلك لعدة أسباب، أهمها أن جواز سفر والدتها أو ما يثبت هويتها لم يكن بحوزتها. وبعد وفاة والدتها، أصبحت تعيش في دوامة من الخوف والقلق المستمر بسبب وضعها ووضع والدها القانوني الهش في الأردن، وما يترتب عليه من مخاطر.

تُعدّ هذه المخاوف مبررة، نظراً لاحتمالية مواجهة والدها خطر الاحتجاز والترحيل القسري، لعدم وجود تصريح عمل ساري المفعول وانتهاء إقامته. المخاوف ذاتها تمنع مادو وغيرها من محاولة تصويب أوضاعهن.
بحسب تقرير نشرته منظمة العفو الدولية بعنوان "سجن النساء وانتزاع الأطفال"، تواجه النساء غير المتزوجات في الأردن مشكلة انتزاع المواليد منهن قسراً، كونهم "مواليد غير شرعيين"، وفقاً للقانون. وقد وثقت المنظمة حالة لعاملة منزلية من بنغلادش، كانت محتجزة إدارياً لمدة تزيد على أربعة أشهر، لارتكابها "جريمة الزنا"، وأنجبت طفلاً خلال احتجازها، فانتُزع الطفل منها من دون إبلاغها عن مكان الطفل، رغم سؤالها المتكرر وإلحاحها الشديد لرؤيته.
عاملة أخرى إندونيسية سُجنت لمدة ثلاث سنوات ونصف، من دون مسوغ قانوني واضح، بعد تعرضها لجنايتي اغتصاب، وأُرسِل أبناؤها لأسر بديلة راعية خلال تلك الفترة.
وبحسب المحامية أسماء عميرة، لم تتمكن العاملة من رؤية أبنائها سوى مرة واحدة خلال فترة احتجازها. وبعد خروجها أُخبرت بأنهم اُحْتُضِنوا في أسر رعاية بديلة؛ الأمر الذي أجبرها على الرضوخ للأمر الواقع وعدم المطالبة باسترجاعهم، لا سيّما بعد استقرار حياتهم، فضلاً عن صعوبة الإجراءات وطول أمدها وارتفاع تكاليفها.
قصة عمر (16 عاماً) مثال آخر على تسفير العاملات من دون أطفالهن. هو ابن عاملة منزل سريلانكية وعامل هندي، عاش مع والديه حتى أُلقي القبض على والدته بقرار إداري؛ بسبب مخالفتها لقانون الإقامة وشؤون الأجانب، ورُحِّلَت من دون ابنها، بسبب تراكم غرامات تجاوز الإقامة عليه منذ ولادته، وعدم امتلاكه وقتها أوراقاً ثبوتية. بعد ذلك، توفي الأب وبقي عمر بلا مأوى لمدة سنتين. تعرض خلال تلك الفترة لعدة أشكال من الاستغلال "الجنسي والجسدي".
وبفضل تعاون العديد من الجهات، مثل تمكين والسفارة السريلانكية والاتحاد العربي للنقابات، بالإضافة إلى صدور عفو عام في عام 2018 عن غرامات الإقامة، رُحِّل الطفل واجتمع شمله بوالدته.
يوضح علي الخصبة، مسؤول قسم الرعاية والأسر البديلة في وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية، أنه في حال توقيف الأم إدارياً بسبب مخالفة قانون العمل أو الإقامة، يُرسل الطفل غير المسجل (إذا كان حديث الولادة أو لا يتجاوز عمره السنتين) إلى مؤسسات الحسين الاجتماعية. أما إذا كان عمر الطفل يتجاوز السنتين، فيُرسل إلى إحدى دور الرعاية الأخرى؛ سواء كانت تطوعية (خاصة) أو حكومية، ويُمنح رقماً وطنياً وجنسية أردنية.
ويضيف الخصبة أنه خلال هذه الفترة، تتم دراسة حالة الطفل تحت إشراف مديرية حماية الأسرة؛ لتقييم الوضع وبحث إمكانية أن يُرسل الطفل إلى "الرعاية البديلة"، مع الأخذ في الاعتبار مجموعة من العوامل والمعايير؛ بما في ذلك سؤال الأم عن الطفل ومدى جديتها ورغبتها في إثبات النسب و"إمكانيته". بالإضافة إلى الحصول على موافقات من الأمهات (العاملات المهاجرات) قبل تسليم أطفالهن إلى تلك الأسر البديلة، ويُحْصَل على هذه الموافقات بشكل شفهي أو خطي، وفق الخصبة.
في هذا السياق، يؤكد الخصبة أن هناك نسبة من النساء العاملات يفضلن ترك أطفالهن في الأردن بمحض إرادتهن، وعادة ما يرتبط هذا القرار بأسباب اجتماعية؛ كالولادة خارج إطار الزواج.
وفي حال رفضت الأم إعطاء طفلها إلى أسرة بديلة -سواء كان "مثبت النسب أو مجهول النسب"- فإن الطفل يبقى في المؤسسة الاجتماعية، أو في إحدى دور الرعاية لحين استكمال محكومية الأم في السجن، أو الانتهاء من إجراءات إثبات النسب.
وفي السياق ذاته، يشير مسؤول قسم الرعاية والأسر البديلة في وزارة التنمية الاجتماعية الأردنية إلى إمكانية إعادة الطفل لأسرته الفعلية إذا أُثْبِت نسبه؛ وذلك بموجب قرار قضائي من المحكمة، ومن بعدها يُسحب الرقم الوطني والجنسية الأردنية منه، من خلال دائرة الأحوال المدنية بإشعار من وزارة التنمية الاجتماعية.
تواصلنا مع إدارة حماية الأسرة والأحداث، التابعة لمديرية الأمن العام، للرد على أسئلتنا المتعلقة بسحب أبناء العاملات؛ لكنّ الإدارة لم تزودنا بأيّ معلومات أو إجابات.

السفارات بين الجهود الدبلوماسية والتقصير

يرى السكرتير التنفيذي المساعد للاتحاد العربي للنقابات، المشرف على مركز دعم وتمكين العمال المهاجرين، محمد المعايطة، أن السفارات لديها تقصير واضح في التعامل مع القضايا المتعلقة بشؤون رعاياها من العمالة المهاجرة، تحديداً فيما يخص إجراءات التوثيق وإثبات النسب.

فالأصل أن يتمّ إثبات النسب وإصدار شهادات الميلاد ابتداءً من خلال السفارات؛ ومن ثم المصادقة عليها من قبل وزارة الخارجية الأردنية، من دون الحاجة إلى دخول هذا النفق الطويل والمكلف للوصول إلى المظلة القانونية، وفقاً للمعايطة.
ويضيف: "بحصول الطفل على وثائق ثبوتية من سفارته يصبح شخصاً اعتبارياً له وجود على الأرض، بصرف النظر عن وضع الأب والأم القانوني في المملكة".
ولإصدار شهادة ميلاد من سفارات البلدان التي ينتمي لها العاملون والعاملات، لا بد بداية من تسجيل الولادة والحصول على شهادة ميلاد موثقة من السلطات الأردنية؛ ما يعيدنا للدائرة نفسها: شهادة الميلاد.
كما أكد مركزا "تمكين والعدل" بأن تعاون السفارات مع المهاجرين في إصدار الأوراق وتسهيل المعاملات كان له دور في حل مشكلات توثيق أطفالهم وتسفيرهم إلى بلادهم، بخلاف بعض الحالات التي أغلقت سفاراتهم أبوابها أمامهم أو بعض الحالات القادمة من دول ليس لديها أيّ تمثيل دبلوماسي في الأردن.
وفي السياق ذاته، يشدد المعايطة على أهمية وضع بنود واضحة ونصوص قانونية لمشكلة الزيجات غير الموثقة والأبناء، ضمن الاتفاقيات الثنائية الموقعة بين الحكومة الأردنية وغيرها من الحكومات، لإرسال العمالة الوافدة.
ومن جهة أخرى، تطرق في حديثه إلى الإشكالية التي تواجهها العمالة المهاجرة التي تتبع بلدانهم الشريعة الإسلامية؛ لأن الطفل يُعدّ "غير شرعي" إذا لم يعترف به الأب، أو في حال غيابه؛ حتى وإن كان الطفل نتاج علاقة قائمة على الإيجاب والقبول وشهادة شهود. على عكس بعض الدول التي تمنح الأم حق نسب الطفل لنفسها، في حال غياب الأب أو عدم اعترافه بالطفل.

حلقة مفرغة

خاطب مركز تمكين وزارة الداخلية عدة مرات؛ لإيجاد حل لمشكلة تسجيل أطفال العمالة المهاجرة في الأردن. وعرض مجموعة من الحلول، ومع ذلك، لم يتلقَ المركز أيّ رد على الكتب الرسمية المُرسلة، وفقاً لمركز تمكين.

وفي تعليقها على ذلك، تقول المحامية أسماء عميرة إنها تعتقد أن الحكومة غير مدركة -بالقدر الكافي- لحجم المشكلة وخطورة النتائج المترتبة عليها، لا سيّما مع وجود نسبة كبيرة من العمالة غير النظامية. وتضيف: "إذا نظرنا إلى هؤلاء الأطفال بعد عشر سنوات، فسنرى جيلاً كاملاً غير متعلم ولم يحصل على الرعاية الصحية اللازمة، وقد ينتهي المطاف ببعضهم في الشوارع بلا مأوى، وقد يتعرضون للبيع والشراء من شخص لآخر، أو يتم استغلالهم هم أو عائلاتهم".

القضية قيد النظر "لأجل غير مسمى"

حصلت سفارة الفلبين في الأردن على امتياز استثنائي في آب/أغسطس 2023، بعد نحو عقد من المفاوضات مع الخارجية الأردنية لإعادة الأطفال الذين ولدوا خارج إطار الزواج في الأردن إلى وطنهم مع أمهاتهم، والتنازل عن غرامات تجاوز مدة الإقامة، فسهّلت السفارة إصدار وثائق التسجيل المدني الفلبينية ووثائق السفر، وتحمل مكتب العمال المهاجرين في الأردن تكاليف تذاكر الطيران والنقل بالحافلات قبل مغادرتهم.

وبعد ذلك، أعلنت السفارة الفلبينية عودة 40 طفلاً إلى الفلبين مع أمهاتهم على دفعات، بعد منعهم سابقاً من العودة إلى الفلبين بسبب عدم وجود شهادة ميلاد أردنية، وهي شرط للسفر خارج الأردن.
تقول المحامية المتخصصة بالقضايا العمالية والاتجار بالبشر في مركز تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان، أسماء عميرة، إن الدولة تعاقب الطفل على الوضع القانوني للأهل، وتضيف: "لكنّ الطفل لا يُساءل مدنياً… لا أستطيع أن أعاقب الطفل على ما قام به ذووه"

لم يكن روبيرتو ووالدته ميليندا* (49 عاماً) من بين العائدين إلى الفلبين. تقول ميليندا: "لا خيار لي سوى العمل، أعمل من أجل توفير لقمة العيش لعائلتي في الفلبين وابني هنا، تحديداً في ظل غياب الأب وتخليه عن مسؤولياته تجاه الطفل وصعوبة الحصول على عمل آخر إذا عدت إلى بلدي، كوني كبيرة السن، فضلاً عن صعوبة دفع الغرامات المالية الكبيرة المتراكمة علينا منذ سنوات".

ورغم إدراكها بأنها خالفت قانون العمل والإقامة، تعتقد ميليندا أن طفلها يجب ألا يُعاقب على هذه المخالفة بحرمانه من حقوقه الأساسية، وفرض الغرامات المالية عليه.
تواصلنا مع سفارة جمهورية بنغلادش في الأردن لنسألهم عن توثيق أبناء العمال والعاملات المهاجرات، فردت أنها لا تستطيع منح أبناء هذه الفئة الجنسية في ظل غياب وثيقة زواج/شهادة ميلاد رسمية، وأضافت: "الزواج عقد قانوني، وما لم يكن موثقا أو إن وجدت فيه ثغرات قانونية لأيّ سبب كان، يستحيل اعتباره زواجا،ً يجب أن يكون هناك نوع من التوثيق".
تستقبل السفارة سنويا حالة أو حالتين لآباء وأمهات يرغبون في توثيق أبنائهم، وتتم مخاطبتها من مراكز التوقيف، وترسل هذه القضايا العالقة لوزارة الداخلية في بنغلادش. ل كنّ السفارة لا تملك حلا؛ً فحكومة بلادها لا تستطيع أن تتجاوز "القانون". لافتين إلى أن الحال ينطبق على من ينحدرون من أصول بنغالية ويقيمون على الأراضي الأردنية منذ فترة طويلة ، فهم يعجزون عن إثبات سلسلة نسبهم لدولة بنغلادش.
أما عن أبناء العاملين/ات من بنغلادش، بيّنت السفارة أن هذه القضايا تبقى قيد النظر أو بمعنى آخر معلقة حتى إشعار آخر -لا تراه قريبا- أو بالأحرى ترى السفارة أن الدولة المضيفة مسؤولة عن هذا الملف: "عند نقطة ما، يجب أن نجد حلا".
تواصلنا مع سفارتي الفلبين وسريلانكا، لكن لم نتلقَ رداً حتى تاريخ نشر هذا التحقيق.

* أسماء مستعارة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image