"في 2021، عندما قرّرت الدخول إلى المعترك السياسي للترشّح إلى مجلس النواب الليبي بشكل مستقل، عن دائرة مدينة غريان في الجبل الغربي، وخلال البدء بتقديم إجراءات الترشّح، ومن دون سابق إشهار من ناحيتي، تم نشر اسمي وإعلان الجهة المسؤولة عن الذمة المالية عن ترشّح شخصي للانتخابات، حتّى تفاجأت بوجود صورتي الشخصية تتصدّر المنشورات على صفحات فيسبوك، وتتضمّن استغراباً: كيف لشخص مثلي أن يُرشّح نفسه للرئاسة، بينما عزمت على الترشّح إلى البرلمان. ومن هنا، انطلقت موجات عنف ضدّي، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو بشكلٍ مباشر، لردعي عن المشاركة كمرشّحة في العمليات الانتخابية"؛ هذا ما تقوله الناشطة الليبية المهتمة بالشأن العام، خلود القماطي.
يكشف التعداد الأخير لعدد سكان ليبيا في 2023، والمعلَن من قبل الأمم المتحدة والصندوق الدولي، عن تقارب بين فئات المجتمع من النساء والرجال ضمن العدد الكلي الذي يناهز سبعة ملايين ونحو 200 ألف نسمة، ثلاثة ملايين ونصف المليون منهم من الإناث مقابل العدد نفسه تقريباً من الذكور.
وبينما تنصّ الإعلانات الدستورية الليبية كافة منذ استقلال البلاد، على أنّ المشاركة في العمليات الانتخابية حق للجميع، إلّا أنّ الواقع مغاير والمشاركة السياسية محصورة في معظمها في فئة الرجال فحسب، ليس فقط من حيث حصّة كل فئة في الترشّح إلى المقاعد والمناصب السيادية، سواء على مستوى مجالس سيادة الدولة أو الحكم المحلي.
"انطلقت موجات عنف ضدّي، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو بشكلٍ مباشر، لردعي عن المشاركة كمرشّحة في الانتخابات (...) حملات التنمّر التي كانت تركّز على مظهري طاولت طريقة لباسي ووضعي مستحضرات تجميل وصولاً إلى نعتي بـ'القبيحة'، وقذفي بصفات مُخلّة بالأدب"
شهدت ليبيا، منذ إطاحة نظام حكم العقيد معمر القذافي، عام 2011، وحتّى نشر هذه السطور، أربع عمليات انتخابية وُصفت الثلاث الأُوَل منها بـ"الناجحة"، فيما عُدّت الأخيرة "فاشلةً". على سبيل المثال، على مستوى المشاركة في عمليات تنظيم تسجيل الناخبين والمرشحين التي تتولّى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات تنظيمها، جاءت نسب المشاركة في انتخابات المؤتمر الوطني عام 2012، وانتخابات الهيئة التأسيسية في 2014، وانتخابات مجلس النواب عام 2014، والانتخابات البرلمانية والرئاسية في 2021، وفق المفوضية، كالتالي:
وعبر تحليل تحديث سجلّ الناخبين لعام 2021، على أساس النوع الاجتماعي، بناءً على البيانات المعلَن عنها من قبل المفوضية، يتّضح أن نسبة الإناث تناهز 46.64%، مقابل 53.36% للذكور.
القضايا تتعدّد
بالرغم من ضآلة الحظوظ والحصص التي تسبّب عجزاً في مشاركة المرأة وترقّيها في المناصب السيادية بسبب القوانين الانتخابية المعتمدة، تعدّدت القضايا الحياتية التي من شأنها أيضاً ردع النساء عن المشاركة في العمليات الانتخابية بأشكالها العامة.
وفي استطلاع رأي أجراه معدّ التقرير، جرى تحديد ثمانية أمور تعرقل مشاركة النساء في العمليات الانتخابية، وقد استُلهمت من البحث والحوار مع شخصيات نسائية ناشطة وعاملة في المجال العام والمشهد السياسي في ليبيا، وهي:
أولاً- الفئات المهمّشة
الجماعات المهمّشة، بمن فيهم من يعيشون في المناطق النائية والريفية والمسنّين وذوي الإعاقة والأمّيين أو من ليست لديهم موارد معلوماتية كافية، قد يواجهون تحدّيات أكبر من حيث الوعي والتعرّف على عملية التسجيل ومن ثم التصويت.
ثانياً- العنف والتنمّر
التنمّر القائم على المرأة نوع من أنواع العنف الذي يُمارَس على النساء، خاصةً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسبق أن سجّل مفعوله وأدى إلى انسحاب مجموعات من النساء والحؤول دون تسلّقهنّ سلّم الحياة السياسية.
ثالثاً- فقدان الحماسة للمنافسة
ربما تكون المرأة المرشّحة قد مرّت بمجموعة من الضغوط الاجتماعية، مثل التفكير المفرط في نظرة المجتمع إليها، وهو ما قد يؤدي إلى نقص الحماسة لديها حيال المشاركة في الحياة السياسية أو الرغبة في تسلّق مناصب سيادية، علماً أنه يكون ضعيفاً من الأساس.
رابعاً- السُنن الدينية والفتاوى الشرعية
الارتباط القوي بالدين وفهم بعض الأمور المتعلقة بالشريعة والسنن بمفهوم خطأ، قد يُنمّي أفكاراً مختلفةً عند المرأة تجاه مسؤولياتها داخل مجتمعها، وتالياً قد تميل إلى العزوف عن المشاركة.
خامساً- عدم الثقة بأنظمة الحكم
بعد الذي مرّت به ليبيا من مشكلات، خاصةً تلك المتعلّقة بتعدّد الحكومات والأداء الضعيف، كل هذا قد يخلق شعوراً بعدم الثقة في نوعية النظام وتفضيل نظام حكم آخر ورفض اختيار سلطات جديدة، وتالياً يحدث العزوف عن المشاركة.
سادساً- الفئات المشرّدة والنازحة
النازحون داخلياً، خاصةً الذين طالت أزمتهم ويعانون من عدم الاستجابة لمطالبهم وشعورهم بعدم الاستقرار، خاصةً الأمهات منهم، قد يولّد ذلك لديهم نوعاً من الغضب والشعور بعدم الانتماء، وهو ما قد يُثمر عن عدم مشاركة.
سابعاً- الوضع الأمني وعدم الاستقرار
الخوف وعدم الخروج من المنزل في أثناء الاضطرابات والصراع المسلّح، حتّى لو كان في الأمر تضخيم ومبالغة، أمر يزداد في حالة النساء مقارنةً بالرجال، بالنظر إلى الأدوار الأسرية التي تقوم بها المرأة والمتعلقة برعاية أفراد الأسرة والأطفال، على العكس من الرجل الذي قد يدفعه الفضول أحياناً إلى الاقتراب ومعرفة مجريات الصراع. ووضع ليبيا غير المستقرّ منذ 2011، يجعل نسبة مشاركة المرأة أقلّ من الرجل.
ثامناً- حقوق المتزوّجات من أجانب
تقلّ حظوظ النساء المتزوجات من زوج أجنبي في المشاركة في الحياة السياسية نظراً إلى المواد والقوانين الموضوعة التي تقيّد المشاركة على أساس هذا الشرط، أو حتّى التي تمنع أبناء الليبيات من أزواج أجانب والحاملين جنسيات آبائهم من المشاركة.
ويكشف رصد أول 100 رأي ومشاركة في الاستطلاع عن:
كذلك، يبدو أنّ العنف والتنمّر اللذين يُمارَسان على المرأة، واللذين صنّفتهما وحدة دعم المرأة في المفوضية الوطنية العليا للانتخابات على أنهما "عنف انتخابي"، هما المثيران للجدل اليوم في ليبيا والرادع الأكبر للنساء عن المشاركة أو إعلان من يدعمن عندما يتعلّق الأمر بمشاركة الرجل في الساحة السياسية. فمحاولات قمع النساء أو حصر مشاركتهنّ أو حتّى إزاحتهنّ عن مناصب كنّ الأجدر بتقلّدها أمر لا نهاية له في البلاد.
نجحت ربيعة، في الحصول على المقعد البرلماني، وتعرّضت منذ ذلك الحين للعديد من أشكال العنف على غرار التنمّر والتهديد وتشويه السمعة، رغبةً في إزاحتها وإضعاف موقفها… عن "العنف الانتخابي"، أحد أساليب ردع النساء عن المشاركة السياسية في ليبيا
تجارب المرشّحات
بالعودة إلى السيدة خلود القماطي، فقد واجهت موجات عدة من "العنف الانتخابي" تصفها بأنها كانت "شرسةً جداً"، حيث أثّرت على حياتها بشكلٍ كبير، على الرغم من محاولاتها "البائسة" لصدّها. تشرح خلود: "عندما قرّرت دخول هذا المنعطف، لم أتوقّع أن تكون ردة فعل المجتمع تجاهي بهذا الشكل. في بداية إعلان ترشّحي، حاولت تصحيح المغالطات التي ادّعت ترشّحي للرئاسة، بإعلان أنني عازمة على الترشّح إلى البرلمان ضمن فئة المستقلّين بتفعيل حملات مضادة عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإذاعات. لكن حملات التنمّر التي كانت تركّز على مظهري طاولت طريقة لباسي ووضعي مستحضرات تجميل وصولاً إلى نعتي بـ'القبيحة' وقذفي بصفات مُخلّة بالأدب على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء عبر الرسائل الخاصة التي تصلني أو عبر النشر العام".
الأمر الأخير هذا كان الأكثر صعوبةً على خلود، وقد تفاجأت به وحاولت عدم الاكثراث له في البداية، ووضعت المبرّرات بسطحية تفكير هؤلاء المهاجمين، غير أنّ ما كان أكثر قسوةً بالنسبة لها هو رفضها من قبل شخصيات كانت تتصدّر المشهد السياسي عند رغبتها في حضور اجتماعات تتمثّل فيها أغلب الأطراف السياسية المرشّحة خاصةً في المنطقة الغربية.
تقول خلود: "كنت سابقاً قد حضرت مرةً واحدةً اجتماعاً للمرشّح للرئاسة السيد فتحي باشاغا، في أثناء حملته الانتخابية لعرض مشروعه برفقة العديد من النساء المرشّحات والمكوّنات الاجتماعية حيث كان يحق لنا أن نجتمع مع هذا المرشّح وغيره لنتعرّف على ما يفكّر فيه ويخطّط له والتحاور معه".
وتردف: "عندما تم تشويه سمعة فتحي باشاغا، ورفضه في المنطقة الغربية في أثناء التطوّر السياسي، تم رفضي أيضاً. كان ذلك من قِبل بعض الفئات والنُخب في المجتمع الغربي في ليبيا، سواء من الإعلاميين أو السياسيين، برغم أنه لا وجود لأي سابق عداء بيني وبينهم". تقول خلود، إنّ صوراً من مشاركتها في ذلك الاجتماع قد نُشرت، وجرى اتهامها "عبثاً بالانتماء إلى تياره السياسي المرفوض"، عادّةً أنّ "الحملة التي أقيمت ضدي كانت عنيفةً ومليئةً بالتهديدات المباشرة".
وعلى حد قولها، "تهجّم" عناصر تشكيل مسلّح عليها لدى محاولتها حضور اجتماع تحاوري أقيم في طرابلس بين التكتلات الاجتماعية والسياسية من الغرب والجنوب. حاولت خلود، تبرير موقفها والنقاش معهم، لكنهم كالوا لها الألفاظ البذيئة، وأصرّوا على أنها من تيار باشاغا، وطُردت من الاجتماع، ثم طُردت مراراً وتكراراً من اجتماعات أخرى للسبب عينه.
مثل هذه الحوادث، وعزوف العديد من النساء عن المشاركة في الحياة السياسية -طوعاً أو قسراً- ليسا جديدين على ليبيا. فخلال الإعداد لانتخابات مجلس النواب عام 2014، ترشّحت السيدة ربيعة أبو راس، ضمن دائرة بلدية حي الأندلس في طرابلس، عبر فئة المستقلين. اعتزامها الترشّح كان بدافع شخصي ودعم مدني من قبل شباب تلك البلدة الذين رأوا وآمنوا بشخصها وبقدرتها على الاضطلاع بمهام المنصب.
لكن نساءً من مجموعة من النساء اللواتي اجتمعت معهنّ في أثناء حملتها الانتخابية رغبةً منها في الحصول على دعمهنّ، سألنها: إذا لم يتمكّن الرجال من حمل تلك المسؤولية، فكيف لكِ أنتِ أن تتمكّني منها؟ سوف نصوّت للرجال، لا لامرأة. تقول ربيعة: "كانت هناك أيضاً فئة من المجتمع كانت تهدّدها بشكل مستمر عبر رسائل على حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، إذا شاركت في الانتخابات فعلاً". "لكن الشباب المحيط بي كان يدفعني لتجاهل كل هذه الهراءات، فقبلت هذا التحدي وشاركت في الانتخابات ونجحت وجلبتها للنساء"، توضح ربيعة.
هذه تجربة حياتية جديدة بالنسبة لربيعة، ومليئة بالتحديات والمخاطر، وليست بعيدةً كل البعد عن تلك التي واجهت خلود. نجحت ربيعة، في الحصول على المقعد البرلماني، وتعرّضت منذ ذلك الحين للعديد من أشكال العنف على غرار التنمّر والتهديد وتشويه السمعة رغبةً في إزاحتها وإضعاف موقفها.
كما تشنّ حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، بشكل متكرّر، حملات اغتيال معنوية للنساء، كما تصفها ربيعة، إذ كانت إحدى ضحاياها ومرّت بتجربة سيئة جداً إبّان الصراع على طرابلس بين عامي 2019 و2020. توضح ربيعة: "كوني امرأةً تمثّل إحدى دوائر طرابلس، كان يحقّ لي الدفاع عن طرابلس من ناحية الأزمات التي ترتّبت على هذا الصراع الذي كان المواطن ضحيته، وهو ما تجسّد مثلاً في الأعداد الكبيرة للنازحين. كان لي موقف واضح وتصريحات جريئة للدفاع عن هذه الفئات، فتعرّضت حينها لحملات عنف إلكتروني ضدّي، ومحاولة التصيّد لي وتأويل تصريحاتي، وتشويه سمعتي. الغريب في الأمر، أنّ تلك الفئات لم تكن تناقش القضايا التي كنت أدافع عنها، وإنما كانت تركّز على هدمي وتكسير شخصي".
رصد العنف
بين نهاية 2022 ومطلع 2023، تبنّت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات باهتمام من وحدة دعم المرأة فيها، نسخةً دوليةً من مبادرة تُعنى برصد العنف القائم على المرأة خاصةً في ما يتعلّق بالعنف الانتخابي المستعمل عبر مواقع التواصل الاجتماعي -تُدعی E-Monitor- لتكون ضمن خطط استعداد المفوضية لتحسين جودة العمليات الانتخابية المقبلة.
جرى تفعيل الأداة، بالرغم من عدم وجود أي عمليات انتخابية محتملة، على أمل أن تركّز الأداة بدايةً على رصد العنف السياسي والاجتماعي وغيره من أشكال العنف والتمييز ضد المرأة. تحصّل معدّ التقرير، على نسخة حصرية من بيانات الرصد من لحظة إطلاقها حتّى كتابة هذه السطور، وبعد حصر أهم القيم التي تصنّفها المنصّة لقرابة 1،960 خطاباً، تبيّن أنّ:
تبرهن البيانات التي رصدتها "E-Monitor"، على وتيرة وشدّة العنف الذي تواجهه المرأة في ليبيا عندما يتعلّق الأمر بمشاركتها في الساحة السياسية، ورفض ذلك ومواجهته، من خلال رغبة المجتمع الذكوري بالأساس في إزاحتها عن المنافسة، وتالياً مخالفة النصوص الدستورية كافة التي تنصّ على أنّ المشاركة في الحياة السياسية حقّ لكل مواطن ليبي، وتتساوى فيه الفرص بدايةً من نص دستور المملكة الليبية لسنة 1951 في مادته (11)، حتّى التعديلات التي أعقبت ثورة عام 2011، والإعلان الدستوري المؤقت، وتكرّر في المادة (6)، علماً أنّ هذا الإعلان هو الساري في ليبيا راهناً.
كيف تتم حمايتهنّ؟
عندما اشتدّت وتيرة العنف الذي وقع على خلود، خلال حملتها الانتخابية، لجأت إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، ووضعت كل شيء على طاولتها بشفافية، وطالبتها باتخاذ إجراءات حيال ما تتعرّض له، لأنّ المرشّحات على المحك. بنظر خلود، لم تُبدِِ المفوضية أي ردّ جدّي أو أي نوع من الردع ضد هذا النوع من العنف الانتخابي، ولم تمدّها بأي شكل من أشكال المساعدة.
لكن عضوة مجلس المفوضية ومسؤولة ملف المرأة فيها، السيدة رباب حلب، تقول إنّ "المفوضية لا تملك السلطة لإصدار قوانين أو الضغط على الدولة حتّى تُصدر أي قوانين. لكننا نقوم بتنفيذ آليات تساعد المفوضية لإرشاد المرأة للتنافس في سباق الانتخابات، ويمكن مستقبلاً الخروج بتوصيات للسلطات التشريعية لمطالبتها بتعديل بعض القوانين بسنّ بعض العقوبات لردع مرتكبي الجرائم ومتابعتهم حتّى لا يفلتوا من العقاب وغيرها من الاقتراحات".
وتضيف رباب، أنّه "من خلال E-Monitor، تحصّلنا على أرقام وإحصائيات ومصادر حول العنف وأشياء أخرى تساعد المفوضية في القيام بعملها من ناحية دعم المرأة وتوجيهها وتعزيز مشاركتها في العمليات الانتخابية. قمنا أيضاً بتنفيذ مشروع الخط الساخن المتعلّق بيوم الانتخاب، وغيرها من المشاريع الأخرى التي من دورها مساعدتنا في حلحلة المشكلات التي تعيق مشاركة المرأة في العمليات الانتخابية".
في حين توجّهت خلود، إلى المفوضية ووضعتها في صورة ما تتعرّض له، كانت ترافقها حالات عديدة أخرى لنساء تعرّضن لمواقف مشابهة، منهنّ من رفضن الاستمرار في مسار الترشّح واخترن الانسحاب. حاولن، لكنهنّ فضّلن عدم الحديث للصحافة عن الأمر.
المسؤولة السابقة عن وحدة دعم المرأة في المفوضية بين عامي 2020 و2022، السيدة سوزان حمي، كانت شاهدةً على عدد من هذه القضايا، إذ تقول: "خلال الفترة الانتخابية، عقدنا اجتماعاً للمترشّحات تحدثت خلاله بعضهنّ عن معاناتهنّ مع أشكال ردع المشاركة السياسية. تحدّثت السيدة ج، عند تهديدها بالقتل، عبر نشر خبر كاذب عن اغتيالها قبل يوم من تقديمها طلب الترشّح ما عدّته رسالةً ضمنيةً مخيفةً بالقتل وقرّرت عدم مواصلة عملية الترشّح".
بالنظر إلى الأرقام التي رصدتها "E-Monitor"، منذ إطلاقها، بدا وكأنّ قانون ردع الجرائم الإلكترونية الجديد غير فعّال، أو أنّ توظيفه في سياق حماية النساء المنخرطات في المجال العام خارج الحسبان، برغم أنّ الهدف منها كان تقليص العنف الانتخابي الواقع على المرأة في ليبيا
وتتابع سوزان: "أيضاً قالت السيدة ب، إنها تلقّت تهديداً مباشراً عبر الرسائل الخاصة على حسابها في فيسبوك، حيث طُلِب منها الانسحاب من الترشّح كونها غير مرغوب فيها كممثّلة للمنطقة، فانسحبت بدورها، وهناك حالات عديدة أخرى. وكثيراً ما كان فيسبوك منبع التهديدات الأكثر عنفاً والتنمّر على المرأة. أحياناً نرصد عنفاً ضد المرأة، ولكن يكون الهدف من ورائه عائلتها أو زوجها تحديداً لو كان منخرطاً في العمل السياسي".
كانت خلود، أيضاً لتنسحب وقد غابت عن الأنظار لأشهر في فترةٍ ما. غير أنها كانت فترةً صعبةً للغاية على حياتها النفسية والاجتماعية إذ شعرت بالهزيمة أمام هذه الحملات وفكّرت كثيراً. "دعمني زوجي وأبنائي فقط، حتّى عائلتي لأبي وأمي والدائرة التي أنتمي إليها، جميعهم تنصّلوا مني حيث صُدموا وصدّقوا الأكاذيب حولي. كان هذا مؤلماً جداً بالنسبة لي، وأدخلني في حالات مرضية متلاحقة. المؤلم أكثر عدم وجود أي صوت من الجهات المسؤولة يردع هذا النوع من العنف أو حتّى نفي المغالطات"، تقول خلود.
ذلك العنف الإلكتروني يتواصل على الرغم من تمرير البرلمان الليبي قانون الجرائم الإلكترونية عام 2022، والذي شمل مجموعةً من المواد والعقوبات المزعوم أنها تحمي المستخدمين وروّاد مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، وتردع الجريمة الإلكترونية بالرغم من رفضه وانتقاده على الصعيدين الشعبي والحقوقي، باعتباره "بعبعاً جديداً لتكميم الأفواه من جانب الحريات".
بدا وكأنّ قانون ردع الجرائم الإلكترونية غير فعّال، أو أن توظيفه في سياق حماية النساء المنخرطات في المجال العام خارج الحسبان.
بالنظر إلى الأرقام التي رصدتها "E-Monitor"، منذ إطلاقها، بدا وكأنّ قانون ردع الجرائم الإلكترونية غير فعّال، أو أن توظيفه في سياق حماية النساء المنخرطات في المجال العام خارج الحسبان. بالرغم من أنّ هذه المبادرة كان ينبغي أن تصبح حلاً لتقليص نسب الجريمة الإلكترونية، خاصةً تلك الواقعة على النساء في الفضاء الرقمي، وتالياً تقليص العنف الانتخابي الواقع عليهنّ ورفع نسب مشاركة النساء في جميع الأدوار خلال العمليات الانتخابية.
تخطت العديد من السيدات الليبيات، ما تعرّضن له من "عنف انتخابي"، بجهود فردية. واليوم، السيدة خلود، تمارس نشاطها المدني في تمكين النساء وتمثيلهنّ وتلقّب نفسها علناً المرشحة للانتخابات بكل عزيمة وإرادة قوية، بينما السيدة ربيعة، تفعل كل ما في طاقتها لرفع نسب حصول المرأة على حصص في تقلّد المناصب السيادية، من داخل البرلمان عبر الالتحام بالنساء خارجه، مستبشرةً بمستقبلٍ أفضل للنساء في الحياة السياسية في ليبيا.
*أُنجِز هذا المشروع عبر منحة شبكة البيرو للصحافة، وبدعم من الاتحاد الأوروبي وأكاديمية DW.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
حوّا -
منذ يومشي يشيب الراس وين وصل بينا الحال حسبي الله ونعم الوكيل
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل هذه العنجهية فقط لأن هنالك ٦٠ مليون إنسان يطالب بحقه الطبيعي أن يكون سيدا على أرضه كما باقي...
Ahmed Mohammed -
منذ يوميناي هبد من نسوية مافيش منطق رغم انه يبان تحليل منطقي الا ان الكاتبة منحازة لجنسها ولا يمكن تعترف...
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياموحدث ما كنا نتوقعه ونتأمل به .. وما كنا نخشاه أيضاً
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 3 أيامصادم وبكل وقاحة ووحشية. ورسالة الانتحار مشبوهة جدا جدا. عقاب بلا ذنب وذنب بلا فعل ولا ملاحقة الا...
mahmoud fahmy -
منذ أسبوعكان المفروض حلقة الدحيح تذكر، وكتاب سنوات المجهود الحربي، بس المادة رائعة ف العموم، تسلم ايديكم