شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
الأضخم في تاريخها... لماذا تخصّص الجزائر 25 مليار دولار لـ

الأضخم في تاريخها... لماذا تخصّص الجزائر 25 مليار دولار لـ"الدفاع"؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن والحقوق الأساسية

السبت 14 ديسمبر 202403:24 م

تبلغ قيمة الموازنة العامة المقترحة من وزارة المال في تونس لعام 2025، 25.2 مليار دولار، متجاوزةً موازنة السنة الجارية التي تبلغ 24.96 مليار دولار، وتطمح تونس إلى أن تحقّق من وراء هذه الموازنة نقلة نوعية في اقتصادها وأن تبلغ نسبة النمو العام المقبل 3.2%، وهو ما يعتقد خبراء أنها نسبة "صعبة التحقّق".

ميزانية مهمة تتقاسمها الوزارات التونسية في ما بينها، لكن في الجارة الغربية -الجزائر- يُنتظر أن تخصّص قيمة هذه الميزانية بأكملها لفائدة وزارة واحدة فقط، وهي وزارة الدفاع رغم أن البلاد ليست في حالة حرب، ما يرى البعض أن يؤثّر سلباً على الإنفاق الحكومي على تحسين باقي القطاعات التي تمسّ الشعب الجزائري مباشرة وفي مقدّمتها الصحة والتعليم والتنمية.

يدفع هذا الأمر إلى التساؤل عن الأسباب الحقيقية التي تجعل الجزائر تعتمد هذه الموازنة الضخمة لفائدة جيشها الذي لم يدخل أي حرب منذ عقود، وتداعيات ذلك على السير العادي لدواليب الدولة والمؤسسات ذات العلاقة المباشرة مع المواطن.

موازنة الجيش الجزائري الأكبر في المنطقة المغاربية والقارة الأفريقية بوجه عام إذ تبلغ موازنة الدفاع في تونس للسنة الحالية 1.41 مليار دولار، أما في موريتانيا فتبلغ نحو 274 مليون دولار فيما تبلغ موازنة دفاع المملكة المغربية في 2025 نحو 13.38 مليار دولار

"الأضخم في التاريخ"

نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر 2024، صادق الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على قانون الموازنة العامة للبلاد للسنة المطلة، والتي من المرتقب أن تبلغ نحو 126 مليار دولار مقابل 112 مليارً في العام الجاري (بزيادة قدرها 10% تقريباً)، وصعوداً من نحو 99 مليار دولار عام 2023.

تعتبر هذه الميزانية الأضخم منذ استقلال الجزائر عام 1962، لكن ما يشدّ الانتباه مخصّصات وزارة الدفاع من الميزانية والبالغة 25 مليار دولار، مقارنةً بـ 21.6 مليار دولار في 2024، و22 ملياراً في موازنة 2023، ونحو 9 مليارات في موازنة 2022.

حافظ الجيش الجزائري على "حصّة الأسد" من موازنة السنة المقبلة، إذ تمثّل موازنته نحو 20% من الميزانية العامة، وتتوّزع هذه المخصّصات على ثلاثة محاور كبرى، كما تشير تقارير إعلامية، إذ خُصّصت نحو 6 مليارات دولار للرواتب والنفقات المختلفة للقوات العسكرية والدرك الوطني، وأكثر من 6 مليارات للدعم واللوجستيات، بالإضافة إلى قرابة 13 مليار دولار للإدارة العامة.

وتعد موازنة الجيش الجزائري الأكبر في المنطقة المغاربية والقارة الأفريقية بوجه عام إذ تبلغ موازنة الدفاع في تونس للسنة الحالية 1.41 مليار دولار، أما في موريتانيا فتبلغ نحو 274 مليون دولار أمريكي فيما تبلغ موازنة دفاع المملكة المغربية في 2025 نحو 13.38 مليار دولار.

لكن الأمر ليس بجديد، حيث أن الجيش الجزائري طالما لعب أدواراً محورية في المشهد السياسي ما بعد الاستقلال وحتى العشرية السوداء. ومع تولي الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة السلطة، حصل الجيش على "ترضية" عبر ميزانية كافية وحصانة ضد المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان التي تورط فيها قادته، وذلك في مقابل الابتعاد عن التدخلات في السلطة.

موازنة بعيدة عن الرقابة

تتيح العديد من مواد دستور الجزائر لسنة 2020 للنواب وسائل رقابية متعددة على الميزانية وإنفاقها، فضلاً عن الأسئلة الشفوية والكتابية لأعضاء الحكومة، إلا أن وزارة الدفاع غير معنية بهذه المواد، فهي مستثناة من الرقابة.

ويناقش نواب البرلمان ميزانيات كلّ الوزارات إلا الدفاع، إذ يمنحون النظام صكّاً على بياض في هذه المسألة، ذلك أن الجيش مسألة حسّاسة عند الجزائريين، وقد فرضت الأنظمة المتعاقبة على النواب والشعب عدم الحديث عنه ولا السؤال عن نفقاته.

وتم تقنين هذا المنع في أيلول/ سبتمبر 2022، حين استثنت الحكومة الجزائرية الشؤون الدفاعية والدبلوماسية من المساءلة البرلمانية، بقرار من الرئيس تبون، باعتبارها من أسرار الدولة التي لا يمكن الحديث عنها.

الجيش مسألة حسّاسة عند الجزائريين وقد فرضت الأنظمة المتعاقبة على النواب والشعب عدم الحديث عنه ولا السؤال عن نفقاته

فضلاً عن ذلك، منع الرئيس تبون المسؤولين العسكريين والحكوميين من التصريح للصحافة بالمعلومات المتعلّقة بالقضايا العسكرية دون إذن من وزير الدفاع. وفي الجزائر، يختص رئيس الجمهورية بمنصب وزير الدفاع والقائد الأعلى للقوات المسلحة.

تجديد الترسانة العسكرية

وفي السنوات الأخيرة، كثيراً ما وجّهت الجزائر القسم الأكبر من موازنة الدفاع لتجديد ترسانتها العسكرية، ما جعلها من أهم القوى العسكرية في أفريقيا راهناً، بل والأكثر إنفاقاً على القطاع العسكري في أفريقيا، بحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري).

وتشير تقديرات إلى أن عدد جنود الجيش الجزائري بـ610 آلاف، بينهم 325 ألفاً من القوات العاملة، و135 ألفاً من قوات احتياطية، و150 ألف قوات شبه عسكرية، ويمتلك قوة جوية مهمة تتكون من أكثر من 600 طائرة حربية منها 102 طائرة مقاتلة و42 طائرة هجومية.

ويمتلك جيش البر أكثر من 1600 دبابة ونحو 36 ألف مركبة مدرعة و224 مدفعاً ذاتي الحركة و483 مدفعاً مقطوراً و236 أجهزة عرض الصواريخ المتنقلة، أما الأسطول البحري، فيتكون من 213 آلية عسكرية بحرية بينها 6 غواصات و8 فرقاطات و16 كورفيت و75 سفينة دورية و3 كاسحات ألغام.

ومطلع الشهر الماضي، أقامت الجزائر استعراضاً عسكرياً ضخماً بمناسبة الذكرى السبعين لـ"ثورة التحرير"، شاركت فيه أكثر من مئة طائرة مقاتلة، وطائرات مسيّرة، ومئات الدبابات. كما شهد عرض أسلحة منظومة الصواريخ الباليستية "إسكندر إي" الروسية. جاء الاستعراض في توقيت تحرص فيه الجزائر على إبراز "زعامتها العسكرية" في المنطقة المغاربية في رسالة موجهة إلى عدة أطراف، في مقدّمتها الجارة الأقرب والخصم الأكبر، المغرب.

ويأمل النظام الجزائري في عقد صفقات تسليح جديدة، عبر توجيه "جزء هام من ميزانية الدفاع نحو تمويل صفقات التسليح وتحديث ترسانة الجيش والقوات المسلحة وشراء منظومات الدفاع الحديثة"، وفق صحيفة "الشروق" المحلية.

الأزمة مع المغرب

من أبرز أسباب ارتفاع موازنة الدفاع الجزائرية تواصل الأزمة مع جارتها الغربية، المغرب، إذ تشهد العلاقات المغربية الجزائرية توتراً كبيراً في السنوات الأخيرة، وصل إلى قطع العلاقات بين البلدين وتبادل الاتهامات الخطيرة بينهما بلغ ذروته عام 2021. وبلغت العلاقات بين البلدين "نقطة اللاعودة" وفق تصريح سابق لتبون، وهو ما يفسّر مواصلة الجزائر مساعيها لتحديث جيشها، خشية أن تدخل في حرب مع المغرب.

وتخشى الجزائر أن يتفوّق عليها المغرب عسكرياً وأن يتحوّل إلى القوة العسكرية الأولى في المنطقة. وحتى لا تختل موازين القوى لفائدة الرباط، زادت الجزائر من حجم الإنفاق على التسليح مستغلة الإيرادات المالية الهامة المتأتية من بيع النفط.

وقبل أيام قليلة، حذرت مجموعة الأزمات الدولية من أن الضغوط المتصاعدة في الأزمة الدبلوماسية بين المغرب والجزائر قد تؤدي إلى الصدام وتدفع بالبلدين إلى الحرب، مشيرةً إلى أن ضبط النفس المتبادل في السابق والضغوط الأمريكية ساعد على احتواء التوترات بين البلدين إلى الآن، لكن الضغوط المتصاعدة قد تقوِّض هذا الوضع الراهن.

وتتواصل الاتهامات الجزائرية للمغرب بتهديد أمنها القومي فيما يتهم المغرب الجارة الشرقية بدعم جبهة البوليساريو وباستضافة قادتها على أراضيها، وهو ما يعقّد الوصول إلى حل لمشكلة الصحراء الغربية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي.

الحدود الشرقية

لا تعتبر الحدود الغربية شاغل النظام الجزائري الوحيد، فالحدود الشرقية مع تونس وليبيا تشغلها أيضاً، ذلك أن انعدام الاستقرار في ليبيا وحالة الفوضى التي تعرفها تمثّل تحدياً كبيراً للرئيس تبون الذي يخشى أن تنتقل هذه الفوضى إلى بلاده.

يخشى تبون كذلك أن تستغل المجموعات المسلحة حالة الفوضى في ليبيا للتسلّل إلى بلاده، فضلاً عن ذلك مخاوفه من انهيار أمن الحدود، بما قد يؤدي إلى تدفّق المهاجرين غير النظاميين بأعداد كبيرة إلى الجزائر، وهو ما تحاربه السلطات الجزائرية وتتصدى له بقوة.

تخشى الجزائر أن يتفوّق عليها المغرب عسكرياً وأن يتحوّل إلى القوة العسكرية الأولى في المنطقة. وحتى لا تختل موازين القوى لفائدة الرباط، زادت الجزائر من حجم الإنفاق على التسليح.

وتعتبر الحدود الشرقية للجزائر موطناً للعديد من الجماعات الإرهابية المسلحة الناشطة في شمال أفريقيا، وأي تقاعس أو تراخي على حدود الجزائر من شأنه أن يساهم في تزايد نشاط هذه الجماعات التي تهدد أمن واستقرار منطقة المغرب العربي ككل. علماً أنه سبق لهذه الجماعات أن نفّذت عدة عمليات إرهابية في المنطقة.

الحدود مع منطقة الساحل

سبب آخر وراء ارتفاع موازنة الدفاع الجزائرية هو وجود تهديد كبير من المنطقة الجنوبية أي عند حدودها مع كل من مالي والنيجر، حيث تشهد هذه المنطقة انفلاتاً أمنياً كبيراً عزّزته الانقلابات العسكرية هناك في السنوات الأخيرة.

ولا تعتبر العلاقات الجزائرية المالية على أحسن ما يرام، خاصة بعدما استعان المجلس العسكري الحاكم في مالي بمجموعة فاغنر الروسية، ورفض مالي الوساطة الجزائرية المقترحة لحل الأزمة في البلاد ورفضها أيضاً استمرار تواصل الجزائر مع الطوارق.

الشيء نفسه بالنسبة إلى العلاقات مع النيجر، فهي ليست في أحسن أحوالها بعد التطوّرات الأخيرة التي عرفتها هذه الدولة الأفريقية -حيث الانقلاب العسكري عام 2023 وطرد الفرنسيين من البلاد وبدء تعاون جديد مع الروس والأتراك- ما يضع الجزائر في موقف حرج ويضطرها إلى مزيد من تأمين الحدود بالقوات والترسانة العسكرية الحديثة.

استثمار في الأزمات فقط؟

إلى ذلك، لا توجد شفافية من السلطات مع الشعب في الجزائر حول توزيع وإنفاق ميزانية الدفاع الضخمة، وهو ما قد يثير الشكوك حول طرق صرف أموال الوزارة، خاصة وأن البلد لم يكشف عن امتلاكه أسلحة نوعية.

يبرر النظام الموازنات الضخمة المخصصة للجيش عادةً بالإشارة إلى الأخطار الخارجية التي تهدّد البلاد والتلميح بوجود جهات أجنبية تسعى لبث الفوضى فيها عن عمد، كونها تمثل رقماً مهماً في المعادلة الإقليمية، وتمتلك ثروة نفطية مهمة، وتعتبر بوابة أفريقيا نحو أوروبا.

وكثيراً ما لفت محلّلون ومراقبون إلى أن المؤسسة العسكرية في الجزائر بمثابة "دولة داخل الدولة" إذ تعتبر امتداداً لجيش التحرير الوطني الذي قاد الثورة ضد الاستعمار الفرنسي، ما منح الجنرالات "شرعية" للتحكّم في البلاد وثرواتها الكثيرة. علماً أنه تنامى حضور العسكر في المشهد السياسي والعام بالجزائر عقب إطاحة نظام بوتفليقة عام 2019.

ماذا عن الشعب؟

في الأثناء، يقارن البعض بين مخصّصات الدفاع في زمن السلم ومخصّصات الوزارات الحيوية التي يتعامل معها المواطن باستمرار مثل الصحة والتعليم. فبينما خصّص خُمس موازنة البلاد لوزارة الدفاع، لم تتجاوز موازنة وزارة الصحة نحو 6.35 مليارات دولار، في بلد يناهز عدد سكانه 46 مليون نسمة، ويعاني قطاعه الصحي مشاكل كثيرة من بينها نقص الأدوية والمعدات والكوادر البشرية.

الجيش الجزائري طالما لعب أدواراً محورية في المشهد السياسي ما بعد الاستقلال وحتى العشرية السوداء. ومع تولي الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة السلطة، حصل الجيش على "ترضية" عبر ميزانية كافية وحصانة ضد المحاسبة على انتهاكات حقوق الإنسان التي تورط فيها قادته، وذلك في مقابل الابتعاد عن التدخلات في السلطة

رغم أن الدستور الجزائري ينص على الحق في التعليم، إلا أن النظام لم يخصّص السنة الماضية إلا 11.2 مليار دولار للوزارة، من إجمالي 112 مليار دولار في الموازنة العامة، وهو ما يفسر الشكاوى المتكررة من تدهور التعليم محلياً، علاوة على غياب الجامعات الجزائرية عن بعض أبرز مؤشّرات أحسن الجامعات حول العالم عام 2024 وفي السنوات الأخيرة.

وفي حين زادت مداخيل الجزائر من المحروقات، لتبلغ نحو 34 مليار دولار في 2024، لكن هذه الزيادة يبدو أنها لم تعد بالفائدة على الشعب. وفق تقرير للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، مطلع عام 2019، فإن عدد الجزائريين الذين يعيشون تحت خط الفقر بلغ 15 مليوناً (نحو 38% من الجزائريين)، لافتاً إلى أن واحداً من كل ثلاثة جزائريين يعيش في فقر مدقع. وخلال العام الجاري، أصدر المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في الجزائر تقريراً يزعم "تراجع معدلات الفقر وتحسّن النمو" خلال الفترة بين 2019 و2023، دون أن يحدد نسبة معدل الفقر الحالي.

حتى البنية التحتية لا تشهد تحسّناً بالقدر المطلوب مقارنة بالنظر إلى العائد المالي الكبير المتأتي من النفط. وبينما لا يقلل الجزائريون من أهمية تعزيز القدرات الدفاعية لبلدهم ضد أية أخطار داخلية أو خارجية محتملة، إلا أن ذلك لا يبرّر توجيه الإنفاق بشكل غير متناسب إلى قطاع الدفاع وإهمال القطاعات الحيوية الأخرى وفي مقدّمتها الصحة والتعليم والضمان الاجتماعي وغيرها. 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard
    Popup Image